"المدونة محمية بميثاق الشرف. أرجو الإشارة الى اسم (غار عشتار) والكاتبة (عشتار العراقية) عند إعادة النشر"

11‏/10‏/2010

الدولة العراقية وأهوار الجنوب- الجزء 4: محاولات التحديث

الجزء الأول - الجزء الثاني - الجزء الثالث

بقلم : صرخب

4 ــــمن هذا العرض الموجز يتضح ما يلي :ــ
أ ـــ ان اهوار جنوب العراق تتغذى من مياه نهري دجلة والفرات بواسطة انهر وقنوات ري فرعية انشئت وتم حفرها بجهود بشرية قديمة بعضها ربما بقدم الحضارة السومرية وماتبعها من حضارات وأخرها الحضارة العربية ألأسلامية ( الدولة العباسية ) لغرض السيطرة على مياه الرافدين وتنظيم الموارد المائية لري ألأراضي الزراعية ، وقد أدى الغزو المغولي للدولة العباسية وسقوط ( بــغــداد ) تحت سنابك خيول ( هولاكو ) وحرق تراثها الحضاري وسرقة كنوزها المادية وقتل وذبح وتهجير كفائاتها العلمية والثقافية وألأدارية وتدمير مؤسسات الدولة وانهاء وجودها الى انتشار الفوضى وألأهمال والخراب في عموم العراق خاصة في مجال الزراعة وخراب واندثار شبكات الري وفقدان السيطرة على تنظيم الموارد المائية لنهري دجلة والفرات وروافدهما الكثيرة فاكتسحت مياههما اكتاف ألأنهر والسدود ومنظومات الري خاصة الممتدة بانحدار من نهر دجلة الى الفرات لزراعة السهل الرسوبي بينهما فطغت مياه ألأنهر وتراكم الطمى الطيني في مجاري القنوات والأنهار الفرعية لشبكات الري فتشكلت عبر سنوات الخراب والغزوات المستنقعات الدائمية التي ساعدت على نمو وكثافة غابات القصب والبردي وتكيفت معيشة من بقى فيها من سكانها مع البيئة الجديدة ، وبجهود مضنية قام المزارعون من ابناء العشائر العربية وبأدارة شيوخهم بانشاء السدود الترابية وتنظيم وتوزيع مياه الري حماية لبساتينهم وقراهم ومزارعهم وصد مياه الأنهر الزاحفة اليهم والتي كانت ضعيفة الصمود احيانا كثيرة امام موجات الفيضان العالية ، لتبدأ من جديد دورة الشقاء لأولئك المزارعين في تجفبف اراضيهم وزراعتها وحمايتها بعد انحسار مياه الفيضان .

وبعد تشكيل الدولة العراقية الحديثة عام 1921 تولت الحكومات المتعاقبة على مساعدة المزارعين في ادامة وصيانة الكثيرمن هذه السدود سنويا ، اضافة للبحوث والدراسات التي قامت بها والتي تحولت في قانون ( مجالس ألأعمار ) عام 1950 الى خطط مرحلية وبعيدة المدى للنهوض بالواقع الزراعي في عموم العراق والتركيز على جنوبه خاصة
ب ــ تتميز المنطقة الوسطى بالأنتشار الواسع للمستنقعات الدائمية مع عدم وجود البحيرات الكبيرة و انتشار العديد من البحيرات الصغيرة ( الـبرك ) المتعاقبة والمتقاربة في بعض ألأماكن وترتبط في ما بينها بقنوات ضيقة او واسعة نسبيا احيانا ( الكواهين ) تخترق عابات القصب الكثيف والعالي ألأرتفاع ، مع انتشار واضح للتلال ألأثرية ( ألأشن ) من بقايا الحضارات العراقية القديمة السومرية وألأكدية والبابلية مما يدلل على ان هذه أالمستنقعات كانت اراضي زراعية وبساتين وقرى تخترقها فروع انهار من نهر دجلة شقت وحفرت عبر اراضي المستنقعات المنحدرة انحداراً منساباً الى نهر الفرات ، واثناء ألاحتلال البريطاني للعراق قام ابناء العشائر العربية الساكنين قرب فرع نهر ( البتيره ) المتفرع قديما من نهر دجلة شمال مدينة العمارة وبادارة شيوخهم ( ألأقطاعيين ) من كري وتعلية وتقوية اكتاف هذا النهر وامتداده المتأكل وصولاً الى قرية ( الصيكل ) التي تقع تقريبا في منتصف المسافة بين بداية تفرع هذا النهر ومدينة (الجبايش ) على نهر الفرات ، وتوجد ما بعد هذه القرية ( برك ــ بحيرات ) متعاقبة تصل أدناها لمسافة غير بعيدة عن نهر الفرات ، وهكذا الأمر مع فرع نهر ( المجر الكبير ) المتفرع من نهر دجلة جنوب مدينة العمارة وصولا ً الى قرية ( الصحين ) وبعض ذنائبه الى قرية ( الكباب ــ القباب ) وأيضا مع وجود ( برك ـ ـبحيرات ) متعاقبة تصل تقريبا الى نهر الفرات جنوب قضاء ( المدينة ) .

ويتداول كبار السن في تلك المناطق أحاديث تؤكد ان ( شركة الهند الشرقية ــ بيت لـنج ) الأنكليزية واثناء ألأحتلال العثماني ولما بعد ألأحتلال البريطاني للعراق كانت بواخرها التي تنقل النفط وهي ( صهاريج مائية ــ دوَّب ــ تسحبها زوارق بخارية ) تأتي قادمة من البصرة محملة بمشتقات النفط مروراً بـ (القـرنة ) وصعوداً بنهر الفرات الى جنوب ( الجبا يش) حيث تخترق عبر فتحة مجسرة الطريق العام ( الناصرية ــ المدينة ــمروراً بالجبايش ) ،( وهي احدى الفتحات االعديدة الموجودة عبر الطريق لتصريف مياه المستنقعات االمنسابة اليها من فروع نهر دجلة الى نهر الفرات ) وتتجه البواخر عبر قناة هي استمرار ٌللفتحة الى ( بركة ا لكــبه ــ القبه ) ومنها الى باقي البحيرات المتلاحقة صعوداً االى نهر ( البتيرة ) عتد قرية ( الصيكل ) عبورا الى نهر دجلة شمال مدينة العمارة صعوداً الى مدينة الكوت وبغداد ، ، وكانت هذه البواخر تفرغ بعض حمولتها بواسطة مضخات سحب منصوبة على الضفاف اليسرى العالية من نهر دجلة وقريبا من الطريق العام التي لازالت بعض بقاياها المتهرئة شمال مدينة العمارة واخرى جنوب مدينة الكوت

5 ــ تعتبر مناطق ألأهوار خاصة المستنقعات الدائمية من المناطق الوعرة والموحشة وصعوبة العيش فيها الا لساكنيها بسبب غابات القصب الكثيف والعالي ألأرتفاع وتعدد وتشابك المسالك المائية الضيقة ومناخها الشديد الحرارة والرطوبة صيفا والبارد مع شدة الرياح والعواصف شتاءا واسراب الحشرات والبعوض المؤلمة لغير ساكنيها مع حركة ألأفاعي السامة والخنازير الوحشية ،اضافة الى نوعية سكن المعدان


مع او قرب جواميسهم على مساحات محدودة وسط المستنقعات وبظل ( صــرائفهــم ) وهم يفتقرون الى ايسط مظاهر الحياة المدنية ، ويشاركهم في هذه الحياة وبدرجات متفاوتة ٍ الى حد ما سكان القرى واهل الريف حسب قرب وبعد سكنهم عن مناطق المعدان ، ان قساوة الحياة وأفتقارها للخدمات المدنية وابتعادهم عن هيمنة سلطات الغزو وألأحتلال المتعاقب التي عاملتهم بقسوة ولم تقدم لهم مايساعدهم على الحياة ألأحسن وصراعهم معها ، اضافة لغدر الفيضانات وعدم ألأطمئنان للطبيعة والبيئة وما فيها ، هذه العوامل وغيرها جعلت من اهل الجنوب عامة وألأهوار خاصة يبتعدون ويتمردون ضد اي سلطة تحاول التدخل بشؤونهم غير سلطة العشيرة وشيوخها وتقاليدها وسننها .

وبعد قيام الدولة العراقية الحديثة عام 1921 عملت الحكومات العراقية على ربطهم تدريجيا بأنظمة الدولة وأنساقها العامة من خلال تقديم مايمكن تقديمه من خدمات عامة كانشاء الطرق العامة وبناء المدارس والمستوصفات الصحية والمؤسسات ألأدارية والمساهمة في بناء السدود الترابية لحماية المزارع والبساتين ، وكان لفتح مراكز الشرطة ودوائر التجنيد العسكري في هذه المناطق وتطوع الكثير من ابنائها في القوات المسلحة والأجهزة ألأمنية ألأثر الواضح في زيادة الوعي الحضري والألتزام بالنظام والقانون ، وبسبب الطبيعة الأصلاحية لقانون الأصلاح الزراعي الذي اصدرته ( حكومة نظام 14 تموز الجمهوري ) ولعجز وبيروقراطية الأجهزة الأدارية المنفذة للقانون ، والفراغ القيادي والأداري المحلي ( ان صح التعبير ) لتنظيم الموارد المائية للأراضي الزراعية وحشد الجهود البشرية وتركيزها لمواجهة الزيادات الموسمية لمياه ألأنهار والفيضانات الشديدة ، اضافة الى عدم الأستقرار السياسي( للنظام الجمهوري ) لعشر سنوات تقريبا ،مما أدى الى تأثر القطاع الزراعي وهجرة الفلاحين الى المدينة كأيدي عاملة فيها ، وبعد مجيئ ( حكومة نظام 17 تموز 1968 ) ، ونظرا لتخلف البنى الأدارية والفنية لأدارة مشاريع الري والزراعة الحديثة التي كان معظم القائمين عليها من غير ابناء الريف خاصة اهوار المنطقة الجنوبية التي كانت تشكو التخلف اكثر قياسا للمناطق ألأخرى والتي كان الموظف والمعلم يعتبر نقله اليها عقوبة له ، فكان لابد من الأستعانة بأبناء هذه المناطق لأدارة مشاريع الدولة المستفبلية في اعادة واحياء الزراعة في السهل الرسوبي تزامنا مع انشاء السدود والخزانات المائية الضخمة على نهري دجلة والفرات وروافدهما للسيطرة على مياههما وتنظيم الموارد المائية لشبكات الري الزراعي لعموم العراق ، فتم زيادة عدد المدارس ألأبتدائية أولاًفي العديد من القرى وألأرياف ، وربط الكثير من هذه القرى بمنظومة الطرق العامة ، وايصال مايمكن ايصاله من الخدمات العامة والصحية وألأدارية ، مع ضرورة قيام ادارات التربية والمعاهد الدراسية خاصة في محافظتي ذي قار وميسان بقيول اكثر عدد من خريجي المدارس من ابناء الريف في المدارس المتوسطة وألأعدادية ومعاهد المعلمين والتمريض والمعاهد الزراعية والصناعية ومن كلا الجنسين ، وتعيينهم بعد تخرجهم في مناطقهم الريفية قدر الأمكان ، وتنفيذا للمخطات المرحلية وزيادة قدرات البنى الفنية فقد تم في عموم المحافظات افتتاح العديد من المعاهد الصناعية والزراعية ومعاهد المعلمين والتمريض ، ومنها انشاء معاهد زراعية ضخمة وحديثة في محافظتي ( ذي قار قضاء الشطرة ، وميسان مدينة العمارة ) قامت بتنفيذها شركات يابانية لحساب الحكومة العراقية تم تجهيزها واقسامها السكنية للطلاب والهيئات الدراسية بأفضل ألأثاث والمعدات والمختبرات والحقول التعليمية الزراعية والحيوانية ، وفي مدينتي البصرة والناصرية تم انشاء معامل كبيرة لتصنيع ألألبان اعتمادا على تسويق حليب جواميس المعدان وابقار قرى ألأرياف وتنظيم نقله من مناطقهم بسيارت حوضية خاصة لهذا الغرض .
يتبع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق