"المدونة محمية بميثاق الشرف. أرجو الإشارة الى اسم (غار عشتار) والكاتبة (عشتار العراقية) عند إعادة النشر"

30‏/8‏/2010

الممثل الجلاد - 2

الجزء الأول هنا

بقلم : عشتار العراقية
في 14 نيسان 2003 ، بعد احتلال بغداد باسبوع، نشر موقع صالون تصريحات عزيز الطائي رئيس المجلس العراقي الأمريكي أن 36 منفيا جرى اختيارهم بعناية من قبل نائب وزير الدفاع، بول وولفوفتز قضوا الاسابيع الأربعة الماضية (منذ بدء الغزو ) في التدريب في فرجينيا (مقر معسكر التدريب - المزرعة - التابع للسي آي أي) لأدوار في الحكومة العراقية الانتقالية ، ومن سوف يملأ هذه المناصب سيكون لديه السلطة على الاقل لمدة قصيرة لتشكيل السياسات العراقية .

في حزيران 2005 كان من نصيب الممثل الكومبارس والمهندس الميكانيكي بسام الحسيني ان يكون مستشارا لابراهيم الجعفري لشؤون الاعدامات. وقد تم على يديه اعدام 13 عراقيا سياسيا بضمنهم امراة لمقاومتهم الاحتلال . ذكر ذلك الكاتب باترك مارتن في مقالة نشرها بتاريخ 11 مارس . "الاعدامات امر بها ابراهيم الجعفري وقد نفذت قبل اقل من اسبوع من مطالبة الاحزاب السياسية للائتلاف الوطني الموحد بسحب ترشيح الجعفري رئيسا للوزراء واختيار بديل عنه واعلن مستشار الجعفري للاعدامات بسام الحسيني والذي شهد الاعدامات "ان رئيس الوزراء ليس ضعيفا" وقال رضا ان صدام حسين سوف يأخذ مكانه قريبا على المشنقة (قال هذا قبل ان يصدر الحكم بعدة اشهر) .وقد التقطت صور الاعدامات مما يؤكد هدف الدولة لاستخدامها كأداة ترهيب . كان هؤلاء اول وجبة من المقاومين . الاعدامات السابقة في زمن الجعفري كانت لتهم الاغتصاب والقتل ولا علاقة لها بالسياسة. وهناك مئات المعتقلين على قائمة الموت ."

من المهم أن نتذكر اشراف الحسيني على هذه الاعدامات وغيرها لأنه سيقول لاحقا لتبرير الاخطاء التي وقعت (مقصودة) في عمليات اعدام كل من الرئيس صدام حسين وشقيقه برزان وعمليات اخرى لم تذكرها الصحافة، أنه لم تكن لديهم خبرة في الاعدامات من قبل.

بعد تنحية الجعفري ظل الحسيني في نفس المنصب المشين (الجلاد الجاهل المتعطش للدماء) لدى الجعفري.
المشكلة التي لم ينتبه اليها أحد في تعيين الممثل المغمور في منصب مهم يشرف على مقادير الحياة والموت ، أنه كان يتصرف ويتحرك تحت الأضواء التي حرم منها في هوليوود. وهكذا كانت تصريحاته كثيرة . لم يكن يستطيع ان يقفل فمه وهو يرى هالات الشهرة الدموية هذه المرة تحيط به. ونعرف كلنا أنه كلما كثرت التصريحات، زاد التخبط والغلط وافتضحت الأكاذيب.

بعد مجيء المالكي ، كان الحسيني يتفاخر امام زواره في مكتبه الفخم وهو جالس على كرسيه ذي الظهر العالي، بإظهاره بطاقتي تعريف له : احداهما عضوية نقابة ممثلي الشاشة (الامريكية ) والأخرى بطاقة تعريف بمنصبه مستشارا للمالكي. كما كان يتباهى أمام الصحفيين بأن مهمته مراقبة محاكمة صدام حسين ورفاقه والترتيب اللوجستي للاعدامات "من ألفها الى يائها" . ومعنى كلامه هذا انه يتحمل أي خطأ يقع ، وأنه هوالذي يأتي بمساعديه من الجلادين ويعد الحبال الخ .

لماذا اختير ياترى لهذه الوظيفة وليس في اختصاصاته وتدريباته اتقان مهمة الجلاد؟ كيف تحول من ممثل الى قاتل؟ وأقول قاتل : لأن الاعدامات كانت صادرة عن محكمة احتلال غير شرعية ثبت بطلانها ، فما يصدر من احكام هي بالتأكيد باطلة ، وهكذا يكون تنفيذ احكام الاعدام بمثابة جرائم قتل قصدية.

ليس في خبراته مايشير الى مهارة في الاعدام ، ولكنه كان يمتاز بميزة هيأته لهذا المنصب. لم يكن لديه ضمير يردعه عن القيام بأي انتهاكات، وتجاوز اي قانون، وكان تحدوه رغبة خسيسة بالانتقام. وعملية الاعدام حتى للمجرمين الذين ثبت عليهم بالادلة القاطعة ارتكابهم جرائم تستوجب عقابهم من قبل الدولة بالموت، ينبغي الا تكون على سبيل الانتقام وانما لتنظيم المجتمع وليكون الاعدام عقابا رادعا للآخرين، ولهذا تهتم الدولة بتوفير اسباب الرحمة للمعدوم من تهيئته نفسيا واحضار رجل الدين الذي ينتمي اليه، وتوفير طلباته الأخيرة ،وان يكون الاعدام سريعا لا يتضمن اخطاء قد تطيل عذاب المعدوم قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة، وبغير ذلك تتحول العملية الى جريمة قتل ترتكبها الدولة . ولكن الإعدامات التي نتجت عن محاكمات باطلة نفذت بوحشية وبلا مبالاة وبشماتة واضحة ، حتى اعتبرها المجتمع الدولي جرائم قتل ارتكبتها حكومة الخضراء.

كل تصريحات بسام الحسيني كانت تشير الى انه كان ينظر الى الاعدامات باعتبارها عملية انتقامية . خذ مثلا هذا التصريح بعد الحكم على الرئيس صدام حسين بالاعدام وقد نشر في 9 كانون الاول 2006 ، حيث قال لصحفي كرك سيمبل من نيويورك تايمز "احد اصعب المهام هي اختيار الجلاد لأن الكثير من الناس الذين فقدوا احباءهم يريدون الانتقام" ويذكر الصحفي انه ليس في العراق الجديد من يشغل منصب جلاد ففي كل عملية اعدام هناك واحد مختلف من موظفي وزارة العدل يتبرع لاداء المهمة انتقاما لفقد قريب او عزيز. أي ان العملية لا تعدو الانتقام.

يذكر الصحفي ذاته قصة مرعبة. في 6 ايلول 2006 قررت السلطات العراقية اعدام 27 شخصا ، وطبقا لرواية احد المسؤولين ، عند تنفيذ الاعدام في الشخص رقم 13 (الرقم المشؤوم دائما) انقطع الحبل وسقط الرجل من ارتفاع 15قدم على الارض الكونكريتية فصاح "الله انقذني" " الله اكبر لم اكن استحق الاعدام " ولمدة ساعة ظل على الارض يصلي ويصيح، في حين كان حراس السجن يتجادلون فيما اذا يعتبرون هذا تدخلا الهيا ويهبون الرجل حياته . ولكن جيء بحبل جديد واجبر الرجل على صعود السلم مرة اخرى حيث جرى الاعدام بنجاح. وقد نشرت القصة لأول مرة في مجلة تايم بتاريخ 20 تشرين ثان.

(ارجو ان تتذكروا هذه القصة وفيما اذا كان هناك تدخلا ربانيا فيها ، لأن قصة مماثلة سوف نتعرف عليها لاحقا)

وفي الواقع أن الحسيني هو الذي كان المصدر الوحيد - لا ادري اذا كان كاذبا او صادقا - للأخبار التي تقول انه اغرق بمئات الرسائل والايميلات ونداءات تليفونية وحتى رسائل على الموبايل من اناس داخل العراق وخارجه يريدون ان يشنقوا الرئيس صدام حسين . وكان المطلب الأساسي لكل هؤلاء "نريد قتله . لقد قتل عائلتي لهذا لدينا الحق في قتله "
في 7 تشرين ثان 2006 وكانت اوراق الحكم بالاعدام على الرئيس صدام حسين قد احيلت الى محكمة الاستئناف ولم تصدر حكما بها بعد ، حين قال بسام رضا كبير مستشاري نوري المالكي اننا نشعر بقوة بأن كل يوم يمر عليه حيا ليس في صالح الشعب العراقي "نحتاج الى ان نضع نهاية لهذا الدكتاتور. ارجو ان تنتهي هذه القضية بسرعة " واضاف انه يتحدث بلسانه هو وابدى أمله ان يشنق صدام في الاشهر القادمة "آمل قبل الصيف القادم سيكون ميتا". هذا قبل أن تؤيد محكمة الاستئناف الحكم.

في 21 نيسان 2007 قالت مجموعة حقوق الانسان البريطانية ان الاعدامات الكثيرة سوف تؤدي الى المزيد من الانتهاكات في البلد الذي مزقته الحرب ولكن الحكومة العراقية اكدت ان الاعدامات كانت افضل طريقة لارسال رسالة انها جادة في انهاء العنف . قال بسام رضا وهو مستشار قانوني لنوري المالكي ( من اين جاء هذا المهندس والممثل الفاشل بالشهادة القانونية ؟) "انها اقل من 100 عملية شنق وهذا لاشيء مما يفعله المتمردون في الشعب العراقي" في يوم واحد (في شباط) شنق 14 واحد لجرائم مثل الارهاب والقتل والاغتصاب . ويقول رضا أنه في كل يوم يتصل المواطنون العراقيون بمكتبه للمطالبة بالمزيد من الاعدامات قائلين له اذا الحكومة اعدمت اكثر فسوف يكون هناك استقرار في العراق.

لا ادري لماذا يحاول في كل مرة أن يزعم ان الاعدامات هي مطلب جماهيري! ولا أدري لماذا يكذب في عدد المعدومين في حين أن وزيرة حقوق الانسان في حكومتهم العراقية صرحت لصحيفتهم الصباح أن " 12 ألف حكم بالإعدام قد صدر في العراق خلال السنوات الخمس الماضية ، وأن أكثرها قد نفذ ، بينما قالت مؤسسة حقوقية مستقلة إن ذلك قد تم خلال ولاية حكومة المالكي فقط (أربع سنوات ونيف).

الرجل الذي يقول أنه يتابع الاعدادات اللوجستية لعمليات الاعدام من ألفها الى يائها، قال في 16 كانون الثاني 2007 حول انفصال رأس الراحل برزان التكريتي أثناء الإعدام "إن المسؤولين لم يسجلوا وزن برزان ابراهيم لتحديد طول الحبل وهي ممارسة معروفة في الشنق حتى يتم التأكد أن الرقبة تكسر ولكن لا تنفصل"

ولكنه لشبكة السي إن إن قال ان انفصال الرأس هذا "فعل رباني" !

حسنا لو كان هذا فعلا إلهيا، وعلينا أن نقبل ان الاستخفاف والاهمال والوحشية التي مارس فيها الحسيني عمله هي فعل من أفعال الله، لماذا لم يعتبر انقطاع حبل ذلك المسكين (الذي اوردنا قصته اعلاه) ونجاته من الاعدام لأول مرة فعلا ربانيا، وبذلك تنفذ رغبة الله ويمنح حياته؟

وفي 20 مارس 2007 علق على عملية اعدام الراحل طه ياسين رمضان بأنها مضت سلسة بدون أخطاء قائلا "وقال انه لم يحصل شيء خطأ . تعلمنا من الماضي . نحن غير متعودين على الاعدام ولهذا ارتكبنا اخطاء ".

وهل عملية الاعدام مسألة هينة وهامشية بحيث يسمح لمنفذيها بالتجربة والخطأ ؟ ألم يكن في الإمكان الاستعانة بمحترفين ذوي خبرة حتى ولو من الدول الاخرى اذا لم يتوفر في العراق؟ وهل يمكن ان نسمح لمن يدعي معرفته بالطب ان يجري عملية يتعلم منها الخطأ والصواب ؟ هل الاعدام هو دور تمثيلي هو ليوودي يمكن ان نخطيء فيه ونصيب؟

لاتفسير لهذا الاستهتار سوى أن الدولة الجديدة قامت بعمليات قتل انتقامية على أيدي هواة كل خبرتهم هي الرغبة السوداء في الثأر .

في الجزء القادم : لماذا كذب في مسألة حضوره اعدام الرئيس صدام حسين ؟
الحلقة الثالثة هنا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق