"المدونة محمية بميثاق الشرف. أرجو الإشارة الى اسم (غار عشتار) والكاتبة (عشتار العراقية) عند إعادة النشر"

9‏/6‏/2010

هل دمرت أمريكا العراق لحماية ايران ؟ -2

الجزء الأول هنا

ترجمة عشتار العراقية


اذا كانت الفرضية هي ان السياسة الخارجية الامريكية المؤيدة للاسلاميين كانت تعني أن نتائج الحرب الايرانية العراقية لم تكن بصالح الصفوة الامريكية الحاكمة لأن "في آب 1988 كان الاقتصاد الايراني يتداعى ومكاسب العراق من الحرب في الميدان اجبرت ايران على قبول توسط الامم المتحدة لوقف اطلاق النار الذي كانت ترفضه سابقا"- جاريد اسرائيل.

إذن تحتم الفرضية ان امريكا ستقوم بشيء يعيد قوة ايران نسبة للعراق وانظر ماذا حدث : بعد ثلاث سنوات فقط في 1991 شنت الولايات المتحدة حربا ضد العراق. وسوف أعرض عليكم ان كل جانب من هذه الفرضية كان واضحا في حرب 1991 بضمنها المقدمات والنتائج.

ان الغرض من سلسلة المقالات هذه هي تقديم خلفية تاريخية ضرورية لفهم افضل لحرب جورج بوش الحالية ضد العراق . وقد اوضحت في المقدمة العامة ان هدف الحرب الاخيرة هذه هي مضغ العراق بين اسنان امريكا حتى يمكن لايران ابتلاعه. وبالتأكيد فإن نتائج حرب جورج بوش من مهاجمة العراق وتدميره ثم الانسحاب سوف يسهل ابتلاع ايران للعراق والتي سوف يصورها القادة الأمريكان على انها (شيء مؤسف ونتيجة غير مقصودة ) في الحرب. ولكن سيكون هذا شيئا مدهشا ان تدبر الولايات المتحدة (بشكل صدفة) النتيجة التي كانت تسعى للوصول اليها منذ 1979. ما أهدف اليه هو أن اضع امام انظاركم ان الغزو الامريكي للعراق - وتقوية ايران - يتماشى مع سلسلة طويلة من المبادرات في
السياسة الامريكية تجاه الشرق الاوسط.

محورنا الحالي هو حرب الخليج 1991 التي كان هدفها الواضح الذي وضعه مخططو السياسة الامريكية هو اضعاف العراق وجعل ايران اقوى نسبيا . وهذا فعلا ما حققته الحرب. ولكن من اجل فهم الحرب نفسها دعونا ننظر الى المقدمات التي تتفق مع فرضية دعم امريكا للاسلاميين الايرانيين.

**
المقدمة المريبة لحرب 1991 : خميني والحرب الايرانية العراقية وقضية ايران كونترا

منذ ان استولى الخميني على الحكم في ايران في 1979 بدأ في استفزاز العراق. وقد كتبت واشنطن بوست بانه "بعد رجوع الخميني الى ايران منتصرا في شباط 1979 بدأ يشجع شيعة العراق الذين يشكلون نصف سكان البلاد للتمرد على القادة السنة " (واشنطن بوست 24 ايلول 1980 مقالة بعنوان : قرون من العداء تشعل الحرب الايرانية العراقية بقلم وليان برانجين)

ولكن هذا ليس كل مافعله الخميني . أن الكاتب فيورست الذي اشرنا اليه في الجزء الاول يقدم توضيحات كاملة

"في كانون الثاني 1979 عاد آية الله الخميني منتصرا الى ايران بعد خمسة عشر عاما في المنفى . وقد اعترف العراق فورا بالحكم الجديد وابدى حسن نيته ولكن الخميني لم يتأثر بذلك فقد كان يلوم صدام شخصيا لطرده من النجف في العراق حيث كان يعيش ولم يخف انه يعتبر حكومة صدام ليس ظالمة وضد الشيعة فقط وانما هي ضد الاسلام وكافرة
وغير شرعية .. وفي بداية صيف 1979 نقض الخميني اتفاقية 1975 بين شاه ايران والعراق التي تعهد فيه البلدان بعدم التدخل في شؤون بعضهما البعض، وبدأت ايران في تزويد الاكراد بالاسلحة لمحاربة حكم البعث وفي النجف بدأ بتمويل اية الله باقر الصدر لإثارة تمرد ينهي حكم البعث وينصب حكومة اسلامية اصولية."- كتاب فيورست - قصور
من الرمال - المشار اليه في الجزء الاول.

الآن ، بحكم الفرضية الرسمية وهي ان الخميني عدو لحكام الولايات المتحدة (الشيطان الاكبر) ، فإن تحريض الخميني الفوري على حرب مع العراق يصعب فهمه. والسبب هو الآتي : ان الدكتاتور شاه ايران السابق كان عميلا لأمريكا وقد نصب في مؤامرة الانقلاب التي ادارتها السي آي أي في عام 1953 وبالنتيجة فإن معظم السلاح والمعدات العسكرية
الايرانية كانت صناعة امريكية. ومع حقيقة ان الثورة الايرانية تضمنت بعض المعارك، فالدولة الجديدة كانت اذن في امس الحاجة الى قطع الغيار للسلاح الامريكي ، ومع ذلك فإن الخميني استمر في اثارة استفزازات مناهضة لامريكا وفي نفس الوقت يثير مقدمات لحرب مع العراق. وقد قام في حينها كما نعلم بالاستيلاء على السفارة الامريكية في طهران
واحتجز بعض الرهائن.

يبدو في الظاهر ان هذه مفارقة عجيبة. أليس كذلك ؟ اذا كان الخميني يحتاج الى قطع غيار امريكية لجيشه، فكيف سيدخل حربا مع العراق وكيف يهاجم السفارة الامريكية ؟

ولكن كل شيء يتوضح اذا افترضنا ان الخميني في الواقع لم يكن عدوا للولايات المتحدة وانه مثل سابقه الشاه كان عميلا امريكيا وان تحريضاته واستفزازاته كانت جزءا من تمثيلية سياسية لخداع الرأي العام املتها اللعبة الجيوبوليتيكية الامريكية .

حتى يكون هذا الرأي صحيحا، يتطلب ان نرى الخميني يحصل على اسلحة وقطع غيار امريكية رغم استفزازاته الظاهرة . وقد حصل عليها!

في 1980 زعمت الواشنطن بوست بان "الاستيلاء على رهائن السفارة حرم الجيش الايراني من قطع الغيار الامريكية والاوربية والتي يحتاجها بشدة " ولكن هذا كان قولا كاذبا، لأن ازمة الرهائن لم تحرم الخميني من اي شيء بل على العكس. عرضت الولايات المتحدة ان تدفع بلايين الدولارات في مقايضة الرهائن وقد قبلت ايران هذا وكان المبلغ النهائي 8 بليون دولار .(نيويورك تايمز 11 كانون ثان 1981)

وطوال الحرب الايرانية العراقية استلمت ايران شحنات سرية من الاسلحة الامريكية وحين انكشفت الحكاية تسببت في احراج كبير لادارة ريغان في ماعرف عام 1986 بايران جيت وفضيحة ايران كونترا. وقد ادعى المسؤولون الامريكان حين كشف السر ان الشحنات كانت لغرض دفع ايران للتأثير على حزب الله الذي كان في وقتها يحتجز رهائن امريكيين اخرين. وقد اسرعت وسائل الاعلام الامريكية لتأكيد هذه الاكذوبة مثلا في اواخر 1986 كتبت واشنطن بوست "انها علمت من مصادر مطلعة ان وسيطا حكوميا ايرانيا ابلغ ممثلين امريكيين انه يستطيع ان يرتب لاطلاق سراح رهينة امريكية في لبنان اذا باعت امريكا لايران صواريخ 500 TOW المضادة للدبابات."

ولكن هذا التوضيح كان سخيفا ـ لأن اكبر قوة في العالم لن تسلح قوة من الدرجة الخامسة من اجل التأثير على منظمة (ارهابية) صغيرة في عالم ثالث وربما لاطلاق سراح بعض الرهائن.

وعلى اية حال لم تكن القصة حقيقية في الاساس . فإن التحقيقات التي قام بها الكونغرس حول العلاقة بين ريغان والخميني والتي كشف عنها في 1991 كما نشرت صحيفة نيويورك تايمز فيما بعد ، انه فورا بعد تنصيب ريغان في 1981 غيرت الادارة سرا وبشكل قاطع سياستها وسمحت لاسرائيل ان تبيع اسلحة امريكية بقيمة عدة بلايين من الدولارات والذخائر للحكومة الايرانية "

وتغيير السياسة هذا جاء قبل الرعاية الايرانية لاحتجاز الرهائن الامريكان في بيروت عام 1982 .."- نيويورك تايمز 8 كانون اول 1991

اذن لم يكن لتسليح ايران علاقة بالتأثير على اطلاق رهائن امريكان في لبنان.

اذن طالما ان الشحنات الاولية للاسلحة الامريكية الى ايران خلال الحرب الايرانية العراقية كانت تتم عن طريق اسرائيل التي كانت الحكومة الاسلامية تنادي بتدميرها ، فلنا ان نسأل : كيف قبلت الحكومة الاسرائيلية ذلك؟ وقد تحججت نيويورك تايمز ان اسرائيل كانت تريد اضعاف كلا البلدين : العراق وايران . وان اسرائيل ارادت ان تثبت ان لها سياسة خارجية مستقلة عن الولايات المتحدة . ولكن نفس صحيفة نيويورك تايمز تكشف مايلي بخصوص شحن الاسلحة :

1- ان طائرات مستأجرة من الارجنتين وايرلندة والولايات المتحدة كانت تستخدم لنقل اسلحة امريكية الصنع الى اسرائيل وفي بعض الحالات مباشرة الى طهران
2- ان هذه الطائرات المستأجرة لنقل الاسلحة الامريكية الى ايران كانت تطير من قاعدة جوية سرية قرب توسكون في اريزونا تعرف باسم محطة مانترا الجوية .
3- لسنوات كانت وكالة المخابرات المركزية تستخدم مانترا لشحنات اسلحة سرية
4- انه كان هناك تدفق مستمر من (قطع الغيار ومعدات اخرى لاسطول طائرات اف 14 التابعة لايران) وانها كانت "معدات حساسة وصادراتها مراقبة من قبل المسؤولين الامريكان وكانت تنقل من الولايات المتحدة الى اسرائيل التي لا تملك طائرات اف 14":
5- انه "كما قال مسؤولون اسرائيليون سابقون ان اتفاقية 1981 مع وزير الخارجية الكساند هيج كانت بالتنسيق مع روبرت ماكفيرلين الذي كان مستشار وزارة الخارجية في حينها "

وقد اكد هذه الواقعة ملتون فيورست في كتابه الذي صدر في 1994 والمشار اليه سابقا

وقد ذكر فيورست بان الشحنات لم تتوقف حتى نهاية الحرب الايرانية العراقية . وغير معروف اذا كان يقصد عند وقف اطلاق النار في 1988 او عند نهاية الحرب الرسمية في 1990 ولكن الولايات المتحدة استمرت في ارسال الشحنات بعد سنتين او اربعة من ظهور فضيحة ايران جيت في عام 1986 وكان من المتوقع ان ذيوع الفضيحة واعتذار ريغان والتحقيقات الخ قد يوقف مبيعات الاسلحة ولكن طبقا لكتاب فيورست فإنها استمرت .

وقد كسبت امريكا منافع جيوبوليتيكة من تقوية الاسلاميين الايرانيين بل كانت ضربة معلم لأن السوفيت كانوا يرحبون بالخميني رغم انهم لم يكونوا فرحين بتطرفه الاسلامي ولكنهم فضلوه على وجود الشاه وهو عميل واضح لامريكا على حدودهم . اذن قيام الولايات المتحدة باستبدال الشاه بعميل اسلامي يصرخ عاليا بعداوته لامريكا ، يسهل عليها بث عدم الاستقرار والقلاقل في داخل الاتحاد السوفيتي بواسطة التطرف الاسلامي الذي تزعم انها تحاربه. عملية ذكية فعلا.

اذن ماذا حدث مباشرة قبل الحرب العراقية الايرانية وماذا حدث خلالها وماذا حدث بعدها ليؤكد فرضية دعم امريكا للاسلاميين الايرانيين وتسهيل عملية ابتلاعهم العراق؟

هنا يدخل العقل المدبر : زلماي خليل زاد صاحب نظرية "تدمير العراق وتقوية ايران"
.

الجزء الثالث هنا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق