"المدونة محمية بميثاق الشرف. أرجو الإشارة الى اسم (غار عشتار) والكاتبة (عشتار العراقية) عند إعادة النشر"

28‏/1‏/2010

كيف تنهب شعبا كاملا وهو ممتن لك؟!


هذه هي القصة البسيطة التي تجري على كل شعوب العالم الثالث. تتكرر الى حد الملل، نقع جميعا تحت طائلتها ونحن نلهج بالشكر والامتنان للسارقين. ولانصحو الا بعد أن نفقد كل شيء، بعد خراب البصرة.
القصة هي أن هناك فقيرا يزرع أرضا بالقمح لإطعام عياله. الى جانبه غني قوي يزرع ايضا قمحا ويريد أن يبيعه لهذا الفقير. ماذا يفعل؟ يقوم بإهداء الفقير الكثير من القمح مجانا أو بأسعار زهيدة أقل مما يتكلفه الفقير في الحرث والزرع والحصاد. ماذا تكون النتيجة المنطقية؟ أن يترك الفقير زراعة أرضه حتى تبور، بل ينسى الزراعة أصلا، ويفرح بشراء قمح رخيص من جاره الغني. حين يتأكد الغني أن ارض الفقير لم تعد صالحة للزراعة وان اخصابها مرة اخرى سيتطلب مالا اكبر مما لدى الفقير، وأن هذا الفلاح ليس لديه الآن من ملاذ غير قمح الغني، يقوم هذا بتنفيذ الخطة الحقيقية التي كانت في ذهنه منذ البداية. يرفع اسعار قمحه ، والفقير حتى يشتري عليه ان يستدين ، يبيع ارضه ، يبيع أولاده ، يفعل أي شيء حتى يأكل. ربما يذهب الى الغني ليعمل عنده عبدا بأسوأ الشروط، وربما يبيعه أرضه بأبخس الأثمان .

هذه مافعلته الولايات المتحدة مع هايتي كما يقول القس جيسي جاكسون لشبكة سي إن إن (سياستنا الزراعية سمحت لشركة رايسلاند للرز ان تستولي على السوق في هايتي ، وتطرد المزارعين هناك من اعمالهم ثم ترفع سعر الرز حتى احدثت انتفاضة الرز هناك) وكلام جاكسون هو صدى لتقرير منظمة اوكسفام الدولية عام 2005 الذي قال ان السياسات الامريكية اضرت بالمزارعين الهايتيين وساعدت شركة رايسلاند من ولاية اركنساس ويقول التقرير (ان ارباح الشركة قفزت بمقدار 123 مليون دولار من 2002 الى 2003 بسبب زياردة 50% في صادراتها خاصة الى هايتي وكوبا.) وقالت صحيفة واشنطون بوست مؤخرا انه "حتى الثمانينات كانت هايتي تنتج الرز الذي تأكله ولكن في 1986 وتحت ضغط من حكومات اجنبية بضمنها الولايات المتحدة رفعت هايتي الضريبة على الرز المتسورد وسرعان مااصبح الرز الامريكي المدعم ارخص من الرز الهايتي واصبح هو المفضل على المائدة لدى سكان هايتي.وبعد أن ترك المزارعون اراضيهم وتشردوا، تضاعف سعر الرز المستورد في خلال سنة مما تسبب في مظاهرات الرز في عام 2008.

الآن .. هل فهمتم لماذا اصبحنا نستورد التمر ؟ ونستورد المنتجات النفطية ؟ والرز ؟ والقمح ؟ والفواكه؟ والخضروات ؟ الخ الخ الخ. أول شيء تفعله أمريكا في البلدان الزراعية التي قامت حضارتها على الزراعة من قديم الزمان، هو تخريب زراعة هذا البلد لتجعله سوقا لمنتجات شركاتها الزراعية هي . كان من اول قرارات بريمر ان يحرم المزارع العراقي من استخدام بذوره التي يخزنها سنة بعد سنة وهو تقليد درج عليه من الاف السنين، وحتمت عليه أن يشتري بذورا من شركات امريكية محددة. ومن يخالف يعاقب. ثم جاء تبوير الارض بواسطة اليورانيوم المنضب والمواد المشعة الاخرى وعدم تنظيف تربة العراق منها. ثم جاء قطع مياه دجلة والفرات وهي بداية حرب المياه، دون أن تدافع امريكا بصفتها المحتلة عن هذا العدوان. النتيجة هي كما ترون .. تأكلون ما ينتجه الغير وليس ما تنتجه ارضكم وأياديكم، لتكونوا تحت رحمة هذا الغير.

انظروا الى حال مصر وتخريب زراعتها وهي ايضا بلد زراعي قامت حضارته على الزراعة ، لم يعد لديها شيء تنتجه في الواقع. كل البذور مستوردة من الكيان الصهيوني او امريكا ومسرطنة ، ومرض السرطان يفتك بأهل مصر دون أن يعرفوا ماذا جرى لهم. كل المحاصيل التي كانت تشتهر بها مصر دمرت من القطن الى البرتقال الى المانغو. والقمح وهو الاساسي لخبز الشعب، يأتي مستوردا في شحنات كل ثلاثة اشهر وليس في البلاد مخزون استراتيجي منه. فإذا حدث أي شيء وقطعت الشحنات، سوف يأكل المصريون بعضهم البعض.

انظروا الى حال الزراعة في أي بلد من البلدان من العالم الثالث وقولو لي .. كيف هي ؟!

هناك تعليق واحد:

  1. ضعف الدولار الامريكي و دعم دولتهم لمحاصيلهم الزراعيه و منتجاتهم الحيوانيه كلها تصب في الاتجاه الذي ذكرتيه في مقالك... و في العراق المصيبه اعظم بسبب حرب المياه مع تركيا و ايران. و لكن حتى لا نرمي كل شئ على شماعه الاحتلال يجب عليناان ندرك ان منظومه الري و البزل في العراق تحتاج الى جهد هائل و مبالغ ليست بالقليله لتكون منظومه فعاله..منذ زمن حمورابي و هذه المنظومه مبنيه على اسس ليست كلها صحيحه و كلما اهملنا الاعمار في مجال الري و البزل كلما ازداد الوضع قتامه و التربه ملوحه...المضحك ان كلما نوقشت الميزانيه ذكرت ارقاما لا تغني من جوع عن تخصيصات الدوله لاعمار منظومه الري والبزل و الحقيقه انها مشكله كبيره الى جانب مشكله زحف التربه و التصحر الذي سياكل معظم اراضي العراق الزراعيه

    ردحذف