"المدونة محمية بميثاق الشرف. أرجو الإشارة الى اسم (غار عشتار) والكاتبة (عشتار العراقية) عند إعادة النشر"

30‏/8‏/2009

جرائم الأهوار

من المقالات التي تحوي معلومات قد تفجر سلسلة من المقالات العشتارية حول الاهوار

بقلم: ضياء ثابت السراي


تاريخ النشر 28/06/2009 في موقع الناصرية

يسممون المياه ويفخخون الأسماك

انهم يسممون المياه ويكهربون الأسماك ويرتكبون جرائم موصوفة في حق البيئة. هذه الجرائم وتراجع مناسيب المياه يتسببان اليوم باختفاء الطيور المهاجرة في الأهوار التي غيرت مسارها المألوف منذ مئات السنين. «الأسبوعية» قصدت المكان وعاينت المشهد.

حردان آل عودة يختبر شباكه بمساعدة اخيه وابنته الوحيدة، وهو يدندن باغنية فولكلورية من تراث الجنوب هي ملك لاهالي الهور. يطيل النظر الى السماء وهو يرفع شباكه، عسى ان تلوح بالافق غمامة او سرب ينذر باحتمال تعديل تلك الطيور مسارها، وانها عادت الى طريقها القديم مجددا، يتساءل بصوت مرتفع: هل فارق هذا البلد حظه؟ ويجيب مستغربا ما يحصل، فيقول: جفت الاهوار ولم تفارق الطيور اراضينا وقاومت رغم تراجع مساحة مسطحات الاهوار المائية، لكنها منذ اربع سنوات بدأت تقل تدريجيا حتى لم يبق الا الطير العراقي الذي الف البقاء والفه الناس «الملحة والهرارة»، ولم يشكل مطمحاً تصبو اليه النفوس، فهو رخيص الى حد فارق فيه الاسواق، ومع ذلك فانه بقي زادهم الاول ووجبتهم الاساسية ولولاه لكانوا هم المهاجرون.

الخضيري، الهروبانة، المصوة الكوشمة، الحذاف، البربش، كوشرة، زريجي، صوصيانة، البط البري، الغرنوك، الهيزة، النويز، العبار، الطويسلان، الحبار، البريزجي، الكريزبي وانواع كثيرة كانت تشكل مصدر رزق لهذه التجمعات السكنية المتنقلة.

سلمان كشي صياد يفصح عن نيته بترك هذه المهنة التي ورثها عن ابيه وامضى فيها 30 عاماً حتى الآن، وامتعاضه ناشئ من الضغوط التي يمارسها عليهم «الهورجية»، ملاك الاهوار الجدد، هؤلاء الذين ادعوا بعد العام 2004 ان اباءهم كانوا يملكون هذه المسطحات التي سكنوها وشكلوا عليها عشائرهم لكن النظام السابق جففها وهجر معظم سكانها، و«الجهات المسؤولة» حسب قوله اتفقت معهم وبدأت تأجيرها لهم بالمزادات العلنية وهم يؤجرونها للصيادين الذين يمتهنون صيد الطيور، إضافة الى صيادي الاسماك، هؤلاء الملاك الجدد يفرضون مبالغ مالية كبيرة على ضامني هذه المسطحات، فكل 200 دونم مائي يتم تأجيرها بمبلغ 12 مليون دينار لفترة زمنية لا تزيد عن الستة اشهر.

تراجع مناسيب المياه وجفاف الكثير من الاهوار كانا سببين لاختفاء الطيور المهاجرة، لكن ثمة اسباباً اخرى أدت الى انقراض انواع الطيور المهاجرة. علي جودة يقول ان اربع سنوات من العادات الجديدة التي ادخلها صيادو الاسماك كانت سبباً للانقراض، منها ملء المياه بالسم «الزهر» الذي يتسبب بمقتل كل الاصبعيات وطفوها على السطح، فيجمعها صياد السمك ويبيعها وخلال شهر واحد تموت الكائنات الحية في هذا المسطح المائي. الصياد يترك مكانه بعدما جنى ارباحه غير مكترث لما خلف وراءه من كارثة بيئية. ويكشف لنا هذا الصياد عن انواع اخرى من الصيد التي اضرت بالاهوار، منها كهربة المياه، إذ يدور صيادو الاسماك بقواربهم ومعهم مولدات كهربائية صغيرة واقطاب لسلك موصل بها يرمى بالمياه يبث تيار الكهرباء فتصاب الاسماك بالشلل او تموت من جراء الصعقة الكهربائية المستمرة، وتطفو لتجمع فيما بعد، هذه الطريقة ايضا تسببت بموت الكائنات المائية واختفائها من الكثير من المسطحات.

وبينما يدفع صياد الطيور مبلغ 12 مليوناً لكل ستة اشهر، يدفع صياد الاسماك 16 مليون دينار عراقي لكل 6 اشهر، فتبقى بعد ذلك المفاضلة للمالك الجديد للهور. ولا ينسى الصياد ذكر النوع الآخر للصيد وهو تفجير عبوة ناسفة في وسط المياه تقتل الاسماك الى مسافة كبيرة قد تصل الى 100 متر، وهذا ما يعرف بتفخيخ الاسماك.وفي الشهر التاسع من كل عام يباشر صياد الطيور رمي الاعلاف في المياه وبكميات كبيرة تصل الى طن من العلف لكل 100 متر مربع وبشكل مستمر لمدة شهر تقريبا. طعام يغري الاسماك والطيور المهاجرة التي تبدأ هجرتها بالتحديد في 15/10 من كل عام. العلف كما يبين عبد سيد وهو صياد آخر، هو الدنان والحنطة يطبخان بالمياه وترمى في المسطح المائي بشكل متوازن، فتبقى هذه المواد لفترات طويلة حتى تأتي الطيور وتستقر في المكان الذي تكثر فيه هذه المواد. الامر الآخر الذي يقوم به الصيادون هو نصب الأفخاخ ومنع الاصوات العالية كالطلقات النارية او اصوات المحركات، لذا فهم لا يركبون غير المشاحيف التي تدفع بالعصي والمجاذيف حتى لاتفزع الطيور فتهرب ولا تعود مجددا.المرحلة الثالثة التي تسبق الصيد وتسبق وصول الطيور هي نصب الشباك. تمد حبال يبلغ طولها 200 - 300 متر مربوطة بخطافات منصوبة مع الشباك في وسط المياه قطر الشبكة الواحدة 10 أمتار. يخبأ طرف الحبل من الجهة الاخرى في حفر طينية يختبئ فيها الصياد، وحالما يرى تجمع الطيور بكثرة يتحرك نحو «نوشته» التي هي الفخ، فيسحب الحبل لتنقلب الشبكة على الطيور في الماء، وتكون بعدها عملية جمعها بلا مقاومة.

هذه العملية لا تتم في النهار بل في الليل فقط عندما تبدأ الطيور الاكل.صادق فلك صياد يحتفظ بأنواع من الطيور التي دجنها في بحيرة خاصة به اختزلها من هور كبير مجاور جف وبقيت فيه مياه قليلة انزلها الى حفرة اعمق تكفل بحفرها على نفقته الخاصة. احتفظ صادق بأفراخ وبيوض منذ ثلاث سنوات تقريبا. الآن اصبحت فراخها طيوراً كبيرة وهي في طور أن تنهي حضانتها لبيوضها. لا يرى في تجربته املاً كبيراً فبعضها يموت بعد ان يخرج من بيضته لأنه لا يعيش في الجو الحار، وبعضها يهرب حالما تسنح له الفرصة. يفسر هذا الرجل تراجع اعداد الطيور المهاجرة الى سببين، الاول انسحاب مناسيب المياه، وعبث يد الانسان بتلك المسطحات، متمثلا بممارسات وحشية همجية اضرت بثروات هذا الهور الذي يعد الاكبر في الشرق الاوسط كمسطح مائي طبيعي له خصائصه ومميزاته، وهو بانفاقه على تربية الطيور المهاجرة التي يصطادها يسعى الى الاحتفاظ بجزء من ذاكرته مع تلك الطيور.

الدكتور نجاح علوان استاذ العلوم الطبيعية في جامعة بغداد ومستشار وزارة البيئة، يرى ان السياسات الحكومية المتعاقبة تسببت بهذه الطارئة منذ مطلع الثمانينيات، وحالياً يتم انشاء مرسى او رصيف كبير في وسط الاهوار لا تعرف غايته بين الناصرية والبصرة وميسان قطعت لاجله المياه وتسببت الآليات العملاقة والكبيرة لسنة مرت بهروب أسراب كبيرة جدا من الطيور وعدم توقفها في العراق، إضافة الى ان تنسيب مياه الاهوار بأمر من الوزارات المختصة اوقف عمدا عند حد يراوح بين 40-60 سنتمتراً فقط، وهو حد يقتل الكائنات المائية ويترك فقط انواعاً قليلة لا تشكل طعاماً تحفل له الطيور. اضافة الى ذلك كله فان حماية البيئة ومنها الاهوار لا وجود لها بتاتا، رغم ان مليارات الدولارات تنفق سنويا على الاهوار وقد بلغ رصيد الاهوار من الميزانية للاعوام الثلاثة الأخيرة 22 مليار دولار اضافة الى المنح والمساعدات الدولية لكنها لم تنفق على الاهوار وجل ما انفق منها لا يتجاوز 6 مليارات دولار في مجالات لم تنفع الاهوار بتاتا فنشطت وسائل الصيد الكارثية التي الحقت ببيئة الاهوار كوارث طبيعية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق