"المدونة محمية بميثاق الشرف. أرجو الإشارة الى اسم (غار عشتار) والكاتبة (عشتار العراقية) عند إعادة النشر"

11‏/7‏/2012

يوميات جندي احتلال: شخبطة في رمال العراق -2

الجزء الأول
ترجمة : عشتار العراقية
19 مارس 2011
  "ماهذه الرائحة؟"
الوقت يمضي سريعا. نضجت قليلا في الاسابيع القليلة الماضية جسديا واخلاقيا. بلغ وزني الان 170 رطل، ذراعاي اكثر امتلاءا . الحفاظ على اللياقة له منافعه. في احد الايام اختبرنا اطلاق نيران المدفع الصغير. وقد حذرنا مسبقا بأن اختبارا سيجري وليس علينا
الذهاب الى الملاجيء او الرد على النيران. مالم يخبروننا به هو ان هناك 10 دقائق بين اطلاقة واخرى. وهكذا فبعد الاطلاقة الاولى في الساعة الواحدة صباحا، اعتقدت انها انطلقت من المدافع المنصبة خارج ثكنتنا وقد قلت لنفسي "هذا لم يكن سيئا جدا كنت اظن انها ستكون اعلى من ذلك ". ثم بعد عشر دقائق سمعت سلسلة اطلاقات اخرى من اتجاه اخر ثم مرة اخرى من اتجاه اخر واخر واخيرا انفجر رعد من الاطلاقات من  المدفع المنصوب قرب ثكنتنا. قفزت من المقعد وكدت ابلل نفسي من شدة المفاجأة، لقد سمعت اصوات اطلاقات عالية من قبل ولكن هناك فرق بين وجود مسافات زمنية بين اطلاقة واخرى مثل مدافع اعتيادية وبين سلسلة  اطلاقات مثل المدفع الصغير. (لمن لامعرفة له بالمدفع الصغير انظر هذا الفيديو في أدناه،  وتذكر ان الاطلاقات المرئية هي ذخيرة خطاطة وهناك ذخيرة واحدة لكل عشرة الى خمسة عشر جولة اطلاقات منتظمة)



في كل مرة اخرج وراء الاسلاك نعبر هذا النهر المسمى دجلة . في كل مرة هناك هذه الرائحة الفظيعة التي لايمكن الا وصفها بانها مثل سنجاب ميت . انها رائحة عفنة تماما. ونصف الطرق التي نسير فيها تعبق بهذه الرائحة وهكذا نتيجة لذلك فإن كل ذلك الجزء من العراق الذي خبرته كان له رائحة شبيهة بمراحيض كثيرة الاستخدام. اول مرة شممت الرائحة كدت اتقيأ في ميكرفوني ، كانت الرائحة شديدة في بعض الاجزاء حتى كادت تحرق عيني فعلا. ومنذ ذلك الحين تعلمت بعض الحيل لأقاوم الرائحة ولكن لم يكن ينفع شيء الا قليلا. وحسب الجنود الذين سبقوني ، لايمكن ان تتتعود على الرائحة وانما تتعلم كيف تتحملها.
31 مارس 2011
عاصفة
في الاسبوع الماضي كنت اسير مع مجموعة من رفاقي الى قاعة الطعام حين لاحظنا سحابة بنية اللون تلوح في الافق. كانت تبدو وكأنها ممتدة لاميال من كل الجوانب وكانت تتجمع مثل بركان مضطرم . توقف ساندوفال وقال "آه هل سوف نستطيع الرجوع الى خيامنا في الوقت المناسب؟" كان يتحدث مع كوبر الذي لم يستطع ان يجيبه وقال بولان ان علينا ان نأخذ وجبات خارجية ونعود الى ثكناتنا والا سيكون علينا انتظار انتهاء العاصفة في المطعم.  
كان شيئا غريبا. وانا انظر الى الافق (العراق ارض منبسطة في معظمها وهكذا فإن الأفق يمتد كثيرا قبل ان ترى اي شيء) ويمكنك رؤية اختفاء اشياء في هذه السحابة المتوحشة. دخلنا ثم قررنا ان المسألة لم تكن تستلزم كل هذه العجلة، لأننا كنا قد انهينا مهامنا وليس لدينا مكان نذهب اليه ، ولهذا اخذنا وجباتنا وجلسنا نأكل.
في قاعة الطعام اربعة اجهزة تلفزيون. اثنان يعرضنا رياضة والاخريان يعرضان الاخبار.
جلسنا في ناحية تلفزيوني الرياضة وبعد قليل بدأت الاشارة تضعف حتى اصبحت الشاشة زرقاء . وبعدها رأينا اشخاصا يحاولون الخروج ثم يعودون وهم ينفضون الرمل من شعورهم وعيونهم. قررنا ان الاكثر امانا هو ان ننتظر حتى تعود اشارة التلفزيون وهذا سيؤكد لنا ان الرمل هدأ ويمكننا الخروج. حالما حدث ذلك توجهنا الى الباب. كان الرمال قد سكنت ولكن الريح مازالت هادرة وكانت ترشقنا بين حين واخر بالرمال في رقابنا وايادينا ووجوهنا. وكانت العاصفة قد اطاحت ببعض الاشياء وكان مجال الرؤية اقل من 50 متر امامنا ولكننا استطعنا العودة الى الخيمة.
كانت هذه هي عاصفتنا الرملية الأولى ولكنها كانت صغيرة. وقد ابلغني الرفاق الذين سبقوني في المعسكر الى انهم شهدوا عواصف اكبر تستمر لمدة اسبوع كما اخبروني انها تزداد في الصيف. ياللسعادة.
مرهم فيكس فابوراب نفعني كثيرا. احب هذا المرهم. لم اعد اشم رائحة العراق الفظيعة وانا اؤدي مهامي.
 5 نيسان 2011
خلال ايام القليلة الماضية كنت اقوم بواجب اضافي كما ذكرت في موضوع سابق. قضية "تجول وافعل اي شيء سخيف حتى يقرفون منك" لم تكن نكتة. مؤخرا انا وشريكي في الجريمة ماثيس كلفنا بمهمة تجميع اكياس الرمل حول مكتب العريف رايس (الجريمة كانت تناوله آمره بالسخرية) من الواضح انه اراد ان يتحصن داخل (جدار مضاد للشظايا) في حالة ضرب المبنى بنيران غير مباشرة (معنى  نيران غير مباشرة: مقذوفات تلق على القاعدة او على مركبات من مواقع غير مرئية من الموقع المستهدف). اكملنا نصف الجدار قبل ان تخور اذرعنا. وكان علينا انهاء الجدار ولكن حين فعلنا كان املنا ان العريف رايس لن يكتشف اي خطأ في قلعته الحصينة التي بنيناها.
الذين يعرفونني ، يعلمون اني احب تسلق الاشياء. والشيء الوحيد الصالح للتسلق هنا هو حواجز هيسكو (مختصر كونسرتيوم حلول هرقل الهندسية  وهي  اسم شركة تصنع هذه الحواجز التي تصنع من مواد تربط بالحبال)


حاجز هسكو
.كانت هناك عواصف قد هدمت جزءا من منطقة الظلة الشمسية في الموقع الاجتماعي وسط "مدينة الخيام" التي نسكنها. واحد المهام الاضافية كان تصليح ذلك الجزء. بطبيعة الحال ادركت انه سيكون هناك الكثير من التسلق واعمال الحبال فتصديت للتحدي. كان ماثيس قصيرا وكانت المهام الاضافية تجعله صعب المعاشرة. كان هذا التحدي لي وحدي. وضعت القفازات وحملت مصباحا يدويا وسكينا وخرجت لابدأ عملي. بعد ساعتين ، كانت الظلات الشمسية تبدو افضل مما كانت. وقفت هذا الصباح وانا أتأمل معجبا بعملي حين مر العريف الاول. اديت التحية له باحترام وفيما كان يجول بناظريه حوله سألني "هل اصلحت انت وماثيس هذا؟" هززت رأسي واجبت "ليس ماثيس ياعريف اول انا فقط" ناد برأسه ونظر حوله مرة اخرى وقال "احسنت ياتولسون" ومضى.
اعتقد اني كنت متألقا بابتسامتي العريضة.
كان من المفروض ان تخرج شاحنات المدفعية في الليلتين الاخيرتين ولكن في كل مرة كانت المهمة تؤجل بسبب الرياح والعواصف الرملية. في الليلة الماضية كنا حرفيا عند البوابة حين استلمنا نداءا جماعيا على الراديو مفاده الغاء المهمة مرة اخرى وان علينا ان نعود الى منطقة انطلاق العمليات.
لقد احسنت التصرف حتى الان ولم اتورط في اي مشكلة كبيرة وهذا شيء جديد بالنسبة لي.
20 نيسان 2011
لم اكتب منذ فترة لأني كنت منشغلا بمسائل شخصية وبإداء عملي، ولكني ها انا اكتب لكم تحديثات حول تحركاتي في البصرة بالعراق.
حدث رعد هذه الليلة لأول مرة منذ مجيئي. اعرف ان الكثير من الناس يصابون بالرعب من الرعد والبرق ولكني اشعر بالراحة والهدوء كلما سمعت رعدا.
احد رجالنا وجد متلبسا مع امرأة في غرفته وربما سوف يفقد رتبته ويعاقب بسبب ذلك . مع انه مازال متزوجا من زوجته السابقة فهو من الناحية القانونية اقترف الزنى. الجيش لا ينظر بعين الرضى لهذه الامور وقائد اللواء يحاول ان يوجه التهمة للاثنين. سوف نرى
مايحدث لاحقا.
5 آيار 2011
اهم الاخبار هو ان اسامة بن لادن مات اخيرا. لن اقول "اسامة بن لادن قتل اخيرا" لاني لست واثقا حقيقة من ان هذا ماحدث. في اكثر الاحتمالات ان الجنود ظهروا على عتبة قصره الفاخر وحين ادرك الامر قتل نفسه. وفي الواقع ربما مات ميتة طبيعية. فشل الكبد هو
الفرضية الكبرى . ولكن بشكل عام لا اظن ان احد رجالنا قتله. والسبب انه لا احد قادر على ان يتذكر من الذي قتله. وقد تم التسرع في دفنه بحجة الا يعبث  احد برفاته واسقطوه في المحيط. لا صور نشرت ، والفيديو الوحيد كان يصور حريقا في منزل. وهذا مثل
الفديو الذي يصور الهبوط على سطح القمر  فلا احد يعلم اذا كان ذلك الفيلم يصور الهبوط الحقيقي على القمر او صحراء يوتاه. وهكذا بدأت تصلني رسائل كثيرة مثل "اذن الان وبعد ان نلنا من اسامة فما  الذي تغير في العراق؟" لاشيء مطلقا. وهذا لايعني اننا سوف نعود الى الوطن مبكرا. كلا الشيء الوحيد الذي تغير هو اننا بدأنا في المعسكر نتلقى هجمات اكثر من خارجه. مازلت لا اتوقع العودة الى الوطن مبكرا ولاشيء صار اسهل. لنكن واضحين. لو كنا هنا من اجل اسامة لكنا اوقعنا به منذ زمن طويل الان رئيس العراق يدعو الى بقائنا سنة اخرى.
دعيت الى ثلاثة احتفالات بعنوان (اوباما نال من اسامة) على الفيسبوك وهذا جعلني ارغب في ارسال رسائل طويلة مفصلة اشرح فيها انه لايهم من يكون رئيسا للولايات المتحدة، فهذا كان سيحدث في كل الاحوال. ولكن طبعا من يقول ان توقيت موت اسامة لم يكن مخططا له من البداية لاحياء حملة اوباما الانتخابية القادمة؟ لدينا حرية الا نعرف شيئا . والجهل نعمة .. احيانا.
القائد هنا العريف كارتر سوف يذهب في اجازة يوم 12. وهذا يجعلني آخر شخص من فريقنا يتمتع  باجازة . في آب. وسوف اذهب اما الى انجلترة او الى نيو زيلندة .. اعتمادا على مايحدث.
**
(آخر ماكتبه هو التالي وقد كتبه في الولايات المتحدة)
نيسان 2012
كنت احضر برنامجا علاجيا اسمه (النجمة القوية) (وهو مختصر لشيء لا استطيع ان أتذكر الان ماهو) كان البرنامج يستخدم  اسلوب (التعرض الممتد) من اجل اعادة برمجة العقل. الفكرة هي اعادة زيارة ذكرى ما تسبب لي بمرض مابعد الصدمة (في حالتي كان انفجار
عبوة ناسفة) مرة بعد مرة حتى يبدأ الجانب العقلاني لدي في البدء بادراك اني الان في الوطن ولن احتاج ان انظر خلف ظهري كل 3 دقائق. علي ان اعرّض نفسي على كل الحالات التي كنت اتجنبها. الدخول في زحمة خلال النهار، الجلوس وسط مطعم بدلا من اختيار زاوية والجدار خلف ظهرك، وقيادة السيارة تحت جسر علوي بدون الحاجة الى العبور الى الممر التالي، الذهاب الى اماكن فيها اصوات عالية واضواء وامضة، ان اكون اجتماعيا ، وهذا قد لايبدو لك شيئا صعبا ولكن بالنسبة لي كانت هذه هي اصعب الاشياء في العالم.
تصور انك تدخل اسواق والمارت  في عصرية الخميس في الوقت الذي يخرج الناس من اعمالهم ويذهبون للتسوق قبل العودة الى البيت، تشعر بالغريزة انك يجب ان تنظر الى كل شخص وتقيم ما اذا كان يشكل خطرا لك. تلاحظ كل المحيط بك وتفتش عما يمكن ان تستخدمه كسلاح وماذا ينفع كساتر، ومن اين تخرج اذا سد المخرج الرئيسي. ان تفعل هذا مع كل الناس حولك وانت تحاول فقط شراء علبة لبن هو شيء مستحيل تقريبا. وحتى اسبوع مضى لم  اكن استطيع دخول اسواق والمارت بدون ان تصيبني نوبة ذعر. حتى الان  يزداد نبض قلبي واشعر كأني سأغيب عن الوعي في اي لحظة والهاجس الاول يكون:  اركض . اركض الان. وحتى بهذا التوضيح  الصغير لا ازال غير قادر على توضيح عمق هذه التأثيرات. هذا شيء لن تعرفه بدون ا ن تختبره.

الى هنا تنتهي مختاراتي من يوميات جندي الإحتلال من مدونته (شخابيط في رمال العراق)
ولكن مازال علي أن اقول لكم كيف أن جنود الاحتلال لايغادرون العراق بل يعودون بأشكال اخرى. انتظروني .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق