كتاب جورج بوش: مذكرات أم اقتباسات ؟

بقلم : ريان غرم Ryan Grim
ترجمة عشتار العراقية

حين وقعت دار نشر كراون Crown مع جورج بوش عقدا لنشر مذكراته (نقاط القرار Decision Points)، كانت الدار تعرف انها لا تمضي عقدا مع وليام فوكنر، ولكن الكتاب على الأقل يعد "بتفاصيل مثيرة لم تسمع من قبل" حول القرارات المهمة التي اتخذها الرئيس السابق، وقد أعلنت في دعايتها للكتاب للقراء ان تأخذهم " على متن طائرة الرئاسة في 11 ايلول ، اثناء افظع هجوم على امريكا منذ بيرل هاربور، وأن تجلسهم الى طاولة غرفة العمليات في لحظات قبل شن الحرب على العراق" ومواقع اخرى مهمة وغير معلومة.

ولكن دار نشر كراون تسلمت وقائع قديمة مقتبسة من مذكرات سبق نشرها لموظفين عملوا مع بوش، وقد اقتبس الرئيس السابق مقاطع من كتبهم كلمة كلمة واعتبرها جزءا من ذاكرته. كما سمح لنفسه ان يقتبس من كتب غير روائية حول رئاسته او مقالات من صحف ومجلات صدرت في عهده. وبدلا من ان يلقي ضوءا على كيفية توصله الى (نقاط القرار) المهمة في رئاسته، فإن المقتبسات تلقي اضواءا على هامشية وليس فيها الجديد حول شخصية بوش: لقد كان اكثر كسلا من ان يكتب مذكراته بنفسه.

وفي جولات ترويج الكتاب، أكد وبالغ في مسألة كتابته الكتاب بنفسه، متباهيا ان النقاد الذين كانوا يقولون انه لا يعرف القراءة سيصابون بخيبة امل. لقد اتضح انه لايعرف القراءة فقط وانما يعرف كيف يستخدم كوكل ايضا.او مساعده يعرف. ويشكر بوش في مقدمة كتابه مساعده بيتر روف(روغ؟ راو؟) Peter Rough الذكي والنشيط الذي قام بكثير من البحث لكتابه وانه قضى 18 شهرا ينقب في الارشيف ويبحث في الانترنيت وينبش اكواما من الورق" كما ان بوش تعاون في كتابة المذكرات مع كاتب خطاباته كريستوفر ميتشيل. الكثير من هناته الادبية بسيطة ولكن بعضها كان جرائم كبيرة ضد حرفة كتابة المذكرات. في مثال صارخ، يسرد بوش مقابلة بين الرئيس الافغاني حامد كرزاي مع امير حرب من الطاجيك في يوم تنصيب كرزاي. انه مشهد من النوع الذي يقدم لمحة امل لمستقبل البلاد المدمرة بالحروب. إن حضور مثل هذه المقابلة قد يغير نظرة اي رئيس ويمكن ان يفسر ربما نظرة بوش المتفائلة ويلهمه لقراراته المستقبلية . ماعدا حقيقة ان بوش لم يشهد المقابلة ، لأنه كما يكتب بنفسه لاحقا في الكتاب لم يكن موجودا عند تنصيب كرزاي.

ولكن غيابه لم يوقفه عن رواية الواقعة "حين وصل كرزاي الى كابول لتنصيبه في 22 كانون اول، اي 102 يوما بعد 11 ايلول ، رحب به العديد من قادة التحالف الشمالي وحراسهم في المطار. وحين سار كرزاي عبر مدرج الاقلاع وحده سأله امير حرب طاجيك وهو منذهل " اين رجالك؟" فأجاب كرزاي "جنرال انتم رجالي، كلكم ايها الافغان رجالي".

هذه المحادثة ستكون مألوفة لدى احمد رشيد مؤلف "الفوضى في افغانستان" الذي كتب في مجلة نيويورك ريفيو اوف بوكس "في المطار كان امير الحرب الجنرال محمد فهيم من وادي بانجشير في استقبال كرزاي .. وحين تصافح الرجلان على مدرج المطار، كانت الحيرة واضحة على وجه فهيم وسأله "اين رجالك؟" استدار كرزاي اليه وقال بلطافة " جنرال انتم رجالي ، كلكم ايها الافغان رجالي" إن اقتباس بوش للواقعة ، في حين انها من الناحية الادبية مخيبة للأمل، فإنها تثير احتمال ان يكون بوش قد قرأ فعلا مقالة رشيد. وهي مسألة مشكوك فيها.، والأكثر احتمالا انه قرأ المقطع في كوكل.

وفي حالة منفصلة من حالات فبركة المشهد، يكتب بوش عن تعليق صدر عن منافسه جون مكين كما لو انه قيل له مباشرة "زيادة القوات surge اعطى مكين فرصة لخلق مسافة بيننا ولكنه لم ينتهزها. كان لفترة طويلة من دعاة زيادة القوات في العراق وقد دعم الستراتيجية الجديدة من كل قلبه . قال "لا استطيع ضمان النجاح ولمني استطيع ان اضمن الفشل اذا لم نتبن هذه الستراتيجية الجديدة". هل كان هذا لقاءا مؤثرا وغير متوقع لمنافسين قديمين؟ حسنا. لم يكن كذلك . لقد جاءت المقولة مباشرة من خبر نشر في واشنطن بوست . مكين كان يتحدث امام صحفيين وليس امام بوش.

في معظم اقتباساته كان بوش حاضرا في المشهد . ولكن فكرة كتابة المذكرات هي رواية الأحداث من وجهة نظر الكاتب، في حين ان كتاب بوش هو تجميع وجهات نظر الناس الاخرين عن الاحداث. ولكن هذا ليس ما يعد به بوش قراءه "كتاب نقاط القرار مبني بشكل رئيسي على ذكرياتي، مع مساعدة من باحثين ، طابقت روايتي مع وثائق الحكومة ومقابلات شخصية وتقارير اخبارية ومصادر اخرى، وبعضها يحمل صفة السرية".

يعترف بوش في مذكراته انه صادق على التعذيب بالايهام بالغرق waterboarding وهي جريمة حرب، وهكذا يبدو بعض الاقتباس هنا وهناك أمام هذه الجريمة مجرد انتهاكات صغيرة . ولكن كسل بوش يقلل من القيمة التاريخية للمذكرات. بوش "يتذكر" - بالمعنى الحرفي للكلمة - اقتباسات لأقواله واقوال غيره من كتب اخرى ، مما يثير التساؤل عما يتذكره بشكل مباشر من احداث زمنه ويلقي بالشك على اية استنتاجات يصل اليها حول طريقة تفكيره في وقتها.

وفي مفارقة اخيرة ، يبدو بوش انه يعتمد اساسا على عدة كتب من تأليف بوب وودوارد وايضا من كتاب روبرت درابر "متأكد جدا dead "certain. في حين ان البيت الابيض اثار ضجة حول دقة تلك الكتب عند صدورها.

إن التماثل بين طريقة تذكر بوش لاقواله واقوال غيره قد تكون صدفة عشوائية مثيرة للاهتمام او دليلا على انه ونوابه كانوا في حالة توارد خواطر . اذا كان الامر كذلك فلابد ان عقله يتطابق مع عقل الجنرال تومي فرانكس كلمة كلمة:

يكتب بوش " اخبر تومي فريق الامن القومي بانه يعمل على تطبيق نفس مفهوم القوات القليلة في العراق .."اذا كان لدينا عدد مضاعف من القوات الخاصة فائقة المهارة لتتعرف على الاهداف لتضرب بذخائر موجهة ، فسوف نحتاج الى عدد اقل من القوات البرية التقليدية " قال "هذا درس تعلمناه من افغانستان" كان لدي الكثير من القلق.. طلبت من الفريق ان يستمر في العمل على الخطة "ينبغي ان نبقى متفائلين بان الدبلوماسية والضغط الدولي سوف ينجحان في نزع سلاح النظام" قلت في نهاية اللقاء "ولكننا لانستطيع ان نسمح لاسلحة الدمار الشامل ان تسقط في ايدي الارهابيين. لن اسمح بحدوث ذلك "

فرانكس في مذكراته "جندي امريكي" يقول :" مثلا اذا كان لدينا عدد مضاعف من القوات الخاصة فائقة المهارة لتتعرف على الاهداف لتضرب بذخائر موجهة ، فسوف نحتاج الى عدد اقل من القوات البرية التقليدية. هذا درس تعلمناه من افغانستان" اسئلة الرئيس بوش استمرت اثناء اللقاء .. قبل ان ينتهي الاجتماع ، خاطبنا الرئيس بوش قائلا "ينبغي ان نبقى متفائلين بان الدبلوماسية والضغط الدولي سوف ينجحان في نزع سلاح النظام" ثم توقف "مسؤولية حماية الولايات المتحدة تقع على عاتقي " واستمر قائلا "ولكننا لانستطيع ان نسمح لاسلحة الدمار الشامل ان تسقط في ايدي الارهابيين." وهز رأسه " لن اسمح بحدوث ذلك".
++

رسام الكاريكاتير لي كامب Lee Camp قدم هذا الرسم الساخر بعنوان "تسريب: مذكرات بوش الأصلية قبل التصحيح"