"المدونة محمية بميثاق الشرف. أرجو الإشارة الى اسم (غار عشتار) والكاتبة (عشتار العراقية) عند إعادة النشر"

4‏/9‏/2010

أحزان إمرأة غاضبة

بقلم : ليلى أنور
من مدونتها أحزان إمرأة عربية

ترجمة : عشتار العراقية (اجازة او مو اجازة ، النص كان يستحق الترجمة، ليلى أنور مشهورة بتوجيه خطابها الناري الفاضح الى الشعب الأمريكي)

منذ الامس وانا اتقيأ كل مافي داخلي .. اول نوبة قيء جاءت بعد ان قرأت نص خطاب رئيسكم ، خطابه الى "الأمة" لأنكم تعتبرون انفسكم "امة"؟

بدأت الأمر بشعور بعدم الراحة في اعماق معدتي ثم تحول الى غثيان ثم الى غثيان رهيب، وانفجر مثل بركان في دفقات من القيء المحض.

لقد نما لدي خلال العشرين سنة الماضية نفور من الخداع وانتم خلال كل تاريخكم قد تفوقتم في ما لدي حساسية تجاهه.

انكم تصيبوني بالغثيان فعلا.

التغيير - لقد هللتم مثل قطيع من الخراف، وانتم تجترون مثل الاغنام كل كلمة لقمتم بها .. سودا او بيضا ، حتى المتخلفين الذين يدعون انفسهم عربا ومسلمين امريكيين ابتهجوا لوصول العم توم الى البيت الابيض.

آه، " المبدأيون" "الاخلاقيون" المتطهرون الحكماء المنحرفون الذين يسمون امريكان .. يصلون دائما بعد ان يغادر قطار التغيير، يقفزون دائما الى عرباته الخلفية ، حين يكون القطار قد مر .

وحوش الحرب محبو السلام في النظام العالمي الجديد: هذا ما انتم عليه. مزيفون وجهلة حتى العظم.

اذن انتم تفخرون بأنفسكم لكونكم "اناسا اخيارا" "اناسا متعاطفين " تتشاركون بالأحضان الحنون " لاشيء سوى الخداع.

منذ عشرين سنة وانا اشهد بلادي، ارض ابي وامي واجدادي ، تتفكك امام عيني. عشرون سنة دامية ، عشرون سنة دامية .

عشرون سنة من الناس .. الذين ذبلوا وجفوا مثل زهور لايسمح لها ان ترى الضياء، لايسمح لها بتحويل وجوهها الى الشمس ، تلاشوا في الظلال، اختفوا في خلفية لالون لها .. قصفوا، قتلوا، ذبحوا حتى اصبحوا لاشيء.. نفس اللاشيء الذي يسكنكم يوميا.. نفس اللاشيء الذي يجعلكم تهرعون الى اطبائكم النفسيين ، نفس اللاشيء الذي تملأونه بمنتجاتكم الاستهلاكية .. نفس اللاشيء في فراغكم ، في الهوة ، الهوة العميقة التي تعيشون فيها ، واتقيأ المزيد من اعماق احشائي.

اذن انتم "ضحيتم" في سبيلنا، اذن انتم حررتمونا من "الطغيان" ، اذن انتم "كنتم على قدر المسؤولية " كما فعلتم في الفلوجة وحديثة والمحمودية وبغداد والبصرة والموصل والرمادي .. "اقتلوا ابناء الحرام" صرختم . في حين كانت زوجاتكم تمارسن العادة السرية على رسائل الحب التي ترسلونها اليهن، او يذرفن بعض الدمع وهن يلوحن بذلك العلم المشين. علم دولة تتهاوى وتتحلل ، دولة لم تقدم سوى الجريمة والنهب والفوضى.

لقد حررتمونا من "دكتاتورية"بخمسة اضعاف هيروشيما وناغازاكي.. حررتمونا حتى لم يبق ثمة فراغ في مشرحاتنا، وبعد سبع سنوات ونصف مازلنا نبحث عن موتانا .. لقد حررتمونا حتى تحولت شوارعنا الى بحيرات دم، والجوامع الى سراديب تعذيب حيث تقلع عيون (الحجيين hajjis) وتثقب لحومهم ، حررتمونا حتى يسهل خطفنا واغتصابنا وقتلنا من اجل 1000 دولار او بسبب وضع احمر شفاه. حررتمونا حتى يمكن لاجسادنا ان تطفو على دجلة والفرات، مشوهة ولايمكن التعرف عليها. لقد حررتمونا فعلا، بالحشر في اقفاص السجون ، ملوثين ببولكم وبرازكم ، او تسليمنا الى مرتزقتكم وقواديكم والفساق الذين يرتدون العمائم ، في حين تتفرغون لممارسة الجنس (استخدمت الكاتبة كلمة صريحة) مع عاهرات يجلبن خصيصا لكم في قلعتكم الخضراء. في الوقت الذي يعيش فيه بقيتنا في جيتوات مسورة بجدران بنيتموها لنا.

لقد حررتمونا فعلا .. وكنتم على قدر مبادئكم ، وقيمكم ومسؤولياتكم .

ولكني اعترف بفضل واحد لكم .. لقد جلبتم لنا الموت الرقمي.. كما ترون .. بفضلكم اصبحت مشرحتنا مجهزة الان باحدث التكنولوجيا ، وهكذا بعد 7 سنوات ، نستطيع اخيرا ربما ان نجد جثة من نحب . لقد اصبح لنا ارقام ، ارقام متسلسلة ، انتم قتلة متسلسلون ولدينا الان ارقام متسلسلة.

اننا نحمل الارقام اينما ذهبنا ، ارقام على جوازاتنا وعلى هوياتنا وعلى اسورة السجن وحتى على جثثنا ، تتبعنا الارقام الى مقابرنا ، لدينا الكثير منها الان .. كل اموال اعادة الاعمار بنينا بها مقابر .. حسنا ليس كلها فقد سرقتم المال، بلايين الدولارات ، وهكذا حولنا الحدائق والمنتزهات الى مقابر .. اطفالنا يلعبون هناك وسط عويل الامهات الثكالى.

انكم حقا شعب شجاع، شعب نبيل شجاع. انظروا كل مافعلتموه لنا ! سوف تسجل دفاتر التاريخ كرمكم .. وسوف يكون مافعلتموه قدوة للمقتدين ، نموذج لبلاد وشعب عظيم النزاهة .. بالضبط كما هو نموذج العراق الجديد.

بعض اهلنا الذين لم يستطيعوا تحمل كل هذا العطف المتدفق منكم (لأن صحافتكم البديلة القذرة تريدنا ان نصدق ان الامريكان شعب عاطفي) هربوا .. فروا من حليب العطف الانساني ، حاملين معهم بعض وثائقهم وذكرياتهم وجراحهم وندوبهم محشوة في حقائب .. لايعرفون اين المصير.

المنفى الدائم صار مستقرنا..موقع جغرافي لا تجده على اية خارطة ، حاملين انفسنا مثل صرة هدوم ثقيلة ننوء بها ، نجاهد ان ندبر امرنا ، نجاهد للبقاء على قيد الحياة ، نجاهد الا ننجر الى الجنون ، نجاهد الا ننجرف الى لاشيئكم .

نخربش الانسانية باظافرنا ، محاولين ان نجدها ، ونحن نحفر باياد مجردة ، احيانا نتمنى لو كنا دفنا هناك، الى جانب احبائنا ، احيانا نتمنى لو لم نولد، احيانا نبكي في عزلتنا، احيانا نصرخ في كوابيسنا ، احيانا نخدر انفسنا حتى نستطيع ان نواكب لاشيئكم.

في معظم الاوقات ، مرتبكون ، ضائعون، حائرون .. مازلنا غير قادرين على فهم ما جرى لنا ، باسم الحرية .. في اوقات اخرى ننغمس بقصة وراء قصة من البؤس الذي سببتموه لنا . . مع قصص الاقارب والاصدقاء المفقودين في سجون الديمقراطية ، مع قصص الوحوش المولودين في ارض الحرية ، مع قصص المرض والعلل المعششة في جيناتنا والتي اصبحت جزءا من خلقنا ، من وجودنا ، تخترق جوهرنا ، ارضنا ، هواءنا ، ماءنا.

قصة اثر قصة .. صورة اثر صورة .. كراسي المقعدين ، المبتورون ، الاعضاء المفقودة ، العيون المفقودة ، الاصابع المفقودة ، طفل يموت ، امرأة تغتصب وتقتل، رجل يعذب حتى الموت .. قصة اثر قصة عن الفقر والمرض والفاقة والاهمال والهجر . قصة اثر قصة عن التعب الابدي الذي خيم علينا مثل غطاء.

ارى في ذهني، في مخيلتي ، في ذاكرتي ، نهر دجلة يتدفق في يوم صيفي ، في وقت الاصيل.. حين يكون الهواء ابرد (وحين كان هناك كهرباء وماء يصلح للشرب) ارقب جريان النهر، بهدوء وصمت وسلام ، لاشيء يعيقه ، بل يتدفق، اغلق عيني واتخيل نفسي اتدفق معه وفيه .. الى مكان مجهول .. في تلك اللحظات فقط اجد صفاء حقيقيا ، خلال تلك الثواني حين انتقل الى هناك قرب النهر حيث نما كل شيء وتشكل منذ فجر الزمن .

اعود القهقرى آلاف السنين حين لم يكن لكم وجود، حين لم يكن لكم اسم ، او شكل او لون . فأجد نفسي.. اجد نفسي و العراق.

هذا هو العزاء الوحيد الذي اقدمه لنفسي- انه حتى في دلاء القيء الطافح من اعماقي ، استطيع ان اجد العراق واجدني.

ولكنكم لا تستطيعون.

هناك 7 تعليقات:

  1. هههههههههههه.....عشتارتنا...و الله انتِ مثل كل مخلص لعمله فهو لا يستطيع اخذ اجازه حتى و ان اراد...هناك قاعدتين ذهبيتين لتشعري انك في اجازه بحق...الاولى هي ان تغيري مكانك..اي تسافرين و تغيرين المحيط الذي تعيشينه...و الثانيه هي ان تبتعدي نهائيا عن العمل و ان لا تفكري فيه...انك و الله تستحقين كل الثناء...و لكني افضل لو ترتاحي قليلا...فنحن سنكون دوما هنا مرابطين على باب الغار في انتظارك...اجازه سعيده....اخوك لبيب

    ردحذف
  2. ألأخت عشتار العراقية لكي مني كل الشكر والتقدير لهذه الترجمة الرائعة.
    هنالك ملاحظة احب ان اضيفها الى رسالةالأخت ليلى قد تكون نستها او تناستها وهي (((ايها الشعب الغبي أقصد الشعب الأميركي.كيف تصدق ما تقوله حكومتك..أن الشعب العراقي قد تحرر!!واعجبي ...الم تسرقنا .الم تقتل اطفالنا ونسائنا وشيوخنا.الم تشرد اكثرمن اربعة ملاييين مواطن..هل حقيقة خاطرت بخيرة شبايكم لأجل سواد عيوننا..ولكي تعطينا ديمقراطية يملأها الزيف . اسئلكم بحق كل قواميس الأرض والسماء .وبحق كل مقدساتكم,هل ترضون بان اهاجمكم واقتل زعيمكم,واحطم كل ماهو جميل لديكم.وبعد ذلك اعين الأوباش كي تحكمكم..انها حقا لمهزلة ....وسيعاقبكم لأجلها التاريخ))...

    أخوكم أبو موج

    ردحذف
  3. هو ذلك, لاشيئهم صنع منهم قتلة متسلسلون, ومنٌا قتلى متسلسلون!!

    مقالة ساخنة جداً !



    عراق

    ردحذف
  4. شكد لعد انت غلطان يالبيب.. تغيير المكان لا ينفع .. لأننا نحمل معنا همومنا وذكرياتنا ولابتوب!

    ردحذف
  5. أبو موج . شكرا لك لأنك تجشمت عناء عمل ايميل خاص باسمك من اجل التعليق على غار عشتار.

    ويبين والله أعلم انك ولبيب الوحيدان من الاصدقاء اللذان لم يأخذا اجازة من الغار .

    ردحذف
  6. عراق ..

    معذرة وجدت تعليقك متأخرة، مع انه كان قد وصل قبل تعليق لبيب او ابو موج.

    الشكر لك ايضا.

    ردحذف
  7. مو قلنا يا عزيزتي عشتارتنا....القاعده الثانيه انه لا يجب ان نفكر في العمل ..اي لا لابتوب و لا مقاهي انترنت و لا اي شئ من هذا القبيل...اما حمل الهموم فهذه اصبحت لازمه عراقيه ترافق العراقيين اينما ذهبوا...و آني متاكد اجازتك مثل اجازتي....اكعد بالبيت و بس اللي يتغير انه اكعد شويه متاخر....و اكيد تبقى عيني على الشغل..كل ساعه اخابر الولد اللي كاعد مكاني بالبسطه مالي و اساله اذا كان واحد اخذ مكان البسطه لو لا....و على العموم يبدوا ان هذين القاعدتين المذكورتين في تعليقي السابق لا تتفقان مع طريقه تفكير و معيشه العراقيين اعاننا الله على بلوانا

    ردحذف