"المدونة محمية بميثاق الشرف. أرجو الإشارة الى اسم (غار عشتار) والكاتبة (عشتار العراقية) عند إعادة النشر"

15‏/9‏/2009

كيف الحال يا أهلنا في بلد؟ كالعيس في البيداء؟

قاعدة بلد


بقلم : عشتار العراقية

في طفولتي ، أصابني مرض عضال أعيا الأطباء ، وهكذا في أحد الأيام ، شدتني جدتي من يدي وانطلقت بي .. أرض تشيلنا وأرض تحطنا ، حتى وصلنا ضريح السيد محمد في بلد. ربطتني الجدة بوثاق الى الضريح، وقيل لي أني اذا رأيت السيد محمد في منامي تلك الليلة ، فحاجتي مقضية وقد شفيت بإذن الله. لم أنم ليلتها بسبب الرهبة والشعور بالذنب ، فمنذ تلك السن الصغيرة وأنا كثيرة الشك . طبعا لم يزرني السيد محمد ، وكل ما أذكره من تلك الليلة الليلاء هو ملمس رطوبة الأرض التي نمنا عليها ورائحتها. ولمن أصابه الفضول، فقد شفيت من ذلك المرض بعد عشرين سنة من تلك الواقعة، وليس بفضل الأطباء أو الأولياء.

هذا ما أذكره عن "بلد" التي لم يعد السيد محمد أهم معالمها، وإنما الأفعى أناكوندا !! وهي أكبر قاعدة جوية عسكرية أمريكية في العراق وربما في المنطقة أيضا.

وقعت مؤخرا على مقالة كتبها احد الصحفيين الأمريكان يصف حال القواعد الأمريكية من الداخل وخاصة قاعدة بلد ويقول أن القاعدة هي جزء من العراق ولكنها بعيدة في المظهر والمخبر عنه بعد السماء عن الأرض.

من هنا أحببت أن أقارن بين حال القاعدة كما وردت في المقالة التي ترجمتها لكم وبين حال أهلنا في بلد . سأضع الترجمة بين قوسين. وقد عمدت ان اختار مدينة صغيرة مثل "بلد" وليس العراق عموما، وستعرفون السبب. على هذه المدينة الصغيرة التي بت فيها ليلة طويلة واحدة ، بنى المستعمر له جنة عدن ستصبح بعد حين حلم كل المظلومين الذين يعيشون حولها في جهنم الحمراء .
المقالة بقلم الصحفي مارك سانتورا ونشرت في نيويورك تايمز بتاريخ 8 ايلول 2009.

++

(القاعدة المشتركة في بلد - يستغرق الوقت الذي تصل فيه المدلكة ميلا من قرغستان ساعة للوصول بالحافلة الى القاعدة الأمريكية الضخمة. وصالون المساج الذي تملكه هوواحد من ثلاثة في القاعدة التي تبلغ مساحتها 6300 هكتارا . ويقع صالونها الى جانب محل ساندويتشات صابواي في تريلة يحيطها جدران مضادة للانفجار ورمل وصخر.

في الصابواي يصنع الساندويتشات عمال من الهند وبنغلاديش .وحين تنتهي فترة عملهم اليومي يمرون وهم في طريقهم الى محل سكناهم (داخل القاعدة) على محطة كهرباء ومعمل انتاج ثلج و محطة معالجة المجاري ومستشفى وعشرات من مرافق اخرى تحتاجها أية مدينة صغيرة.

انها عالم مختلف كل الاختلاف عن العراق، فهنا الانوار لا تنقطع والمياه النظيفة والمجاري الصالحة والشوارع النظيفة وتطبيق القوانين والقواعد الصارمة . بعض القواعد يسكنها حوالي 20 الف اضافة الا الآلاف من المقاولين ومن مواطني العالم الثالث للقيام بأمور الخدمة الضرورية لإدامة الحياة.)

عدد نفوس أولاد الخايبة في بلد 100 ألف مسكين . وهذه حال الخدمات فيها :الكهرباء : شبه غائبة خلال ساعات الليل والنهار الا من نصف ساعة يتيمة المجاري : شبكة مجاري المياه الثقيلة (في سامراء كلها) هي خارج الخدمة في المدينة لأنها غير مربوطة بمحطة المعالجة الى يومنا هذا.

وفي حين ان الكهرباء في مدينة الأفاعي اناكوندا لا تنقطع ولا ادري كيف استطاعوا تحقيق هذه المعجزة ، فإن وزارة الكهرباء لحكومة العملاء مازالت طامسة بمستنقع الفساد . اقرأوا : حمّل وزير الكهرباء كريم وحيد الشركة الفنلندية المجهزة لوحدات توليد الكهرباء مسؤولية تحطم إحدى الوحدات الجديدة المتعاقد عليها في محطة ديزلات سامراء الكهربائية .

وقال وحيد في تصريح صحفي نشر اليوم الجمعة ان تحطم إحدى الوحدات التوليدية الجديدة في المحطة جاء بعد نحو 36 ساعة من تشغيلها ،محملا الشركة الفنلندية مسؤولية الحادث . واوضح أن الحادث وقع قبل انتهاء المدة التجريبية التي حددتها الشركة وهي مائة ساعة منذ بدء التشغيل .

ومن جانبه قال مدير المحطة المهندس عبد القادر السامرائي إن الوحدة تحطمت بعد حوالي 36 ساعة من تشغيلها وقبل تحميلها بسعتها المحددة والبالغة 35 ميكا واط ، مبينا أن قيمة الوحدة الفنلندية التي تحطمت تقارب الستة ملايين دولار حيث كان من المؤمل أن تغذي جزءاً من مدينتي بغداد ومحافظة صلاح الدين.

هل السبب الشركة الفنلندية أم الفساد الذي دفع الوزارة الى شراء خردة بستة ملايين دولار ؟ ولماذا ياترى لا تنقطع كهرباء القواعد العسكرية ؟

أنتم تعرفون طبعا أنه حسب الاتفاقية الأمنية فكل البنى التحتية للقواعد من كهرباء وماء ومواصلات وتوصيلات هي على حساب الشعب العراقي الكريم . أي ان الشعب العراقي المضياف يدفع للقواعد الأمريكية تكاليف كهرباء لا تنقطع ويدفع للحكومة الفاسدة تكاليف كهرباء لاتدوم. طبعا الضيف أولى .

(للقاعدة محطتان للكهرباء ومحطتان لمعالجة المياه وهي تنقي 1.9 مليون غالون من المياه في اليوم للاستحمام والاستخدامات الاخرى . اما مياه الشرب فهي تأتي من معمل اخر تديره شركة تعليب مياه وهي توفر 7 ملايين زجاجة في الشهر لسكان القاعدة.
هناك 15 خط حافلات نقل يخترق القاعدة وتسير في اية لحظة من 80 الى 100 حافلة . وقادة القوة الجوية الذين يديرون القاعدة يجتمعون بين حين وآخر لمناقشة السلامة على الطرق (داخل القاعدة) ففي وجود المركبات المدرعة الثقيلة التي تتنافس على المكان مع سيارات الصالون الصغيرة ، لابد أن تحدث الحوادث.)

اتمنى أن أعرف عدد الحافلات التي تخدم اولاد الخايبة المائة ألف كل يوم !! في الأخبار ان وزارة النقل – كثر الله من أمثالها – تسير قطارات وحافلات ايام الأعياد والمناسبات الدينية لنقل الجماهير المليونية الى بلد وسامراء ولكن ماذا في الأيام العادية ؟ ثم لاحظوا مراعاة نظام واخلاق السير . يعني ماكو دبابات ومركبات تركب على الارصفة او تدوس السيارات الصغيرة او تسير عكس السير !! الفوضى وخرق القوانين لنا فقط، وليس داخل مدينتهم الأمريكية المشيدة على أرضنا

(هناك مركزان لإطفاء الحرائق وهي مستعدة لاطفاء اي شيء من ماس كهربائي في تريلة الى احتراق طائرة. كذلك اقام الامريكان محطتي معالجة المجاري .)

باختصار : من أجل 20 الف جندي أمريكي، هناك من كل شيء اثنان كأنهم في سفينة نوح : محطتان للكهرباء ومحطتان للمجاري ومركزان لإطفاء ومحطتان لتنقية المياه ، حتى اذا تتوقف واحدة تنجدها الأخرى ، فكم من كل هذا لمدينة نفوسها 100 ألف؟ أرجو من أهل بلد إعلامنا .

كما لاحظوا هذه الملاحظة الرائعة : محطتا تنقية المياه تنتج ماء نقيا ليس للشرب وانما للاستحمام والاستخدامات الأخرى (لعد شعبالكم!) ، اما مياه الشرب فهناك مصنع خاص لها يوفر 7 ملايين زجاجة في الشهر لسكان القاعدة . يعني كم زجاجة حصة الواحد منهم : في الشهر وفي اليوم ؟ ارجو من البارعين في الحساب حسابها.

وكم زجاجة مياه صافية حصة أهل بلد؟

والمستشفى ؟ في وصف مستشفى القاعدة يقول الكاتب وغيره من الصحفيين الذين زاروا القاعدة أن المستشفى على أرقى المستويات وفيها أفضل الأجهزة والتجهيزات وقادرة على القيام بكل العمليات المعقدة في اي ساعة من ساعات النهار والليل، فما هو حال المستشفى العام في بلد؟
مستشفى القاعدة

أكرر أن كل هذه الرفاهية على حسابنا ومن جيوبنا !! وسؤالي الساذج الذي يفرض نفسه هو : اذا كانت فلوسنا تستطيع توفير كل هذه الرفاهية للأمريكان، لماذا ياترى تتحول الى رماد حين يتعلق الأمر بنا؟

وسؤال آخر وأخير : ألا يستطيع أهالي بلد المطالبة بأن تمدهم القاعدة الأمريكية بما يفيض منها من خطوط الكهرباء والمياه والمجاري والمياه النقية وزجاجات مياه الشرب المليونية ؟ أم أنهم مازالوا يكتفون بأن يربطوا أنفسهم بمقام السيد محمد على أمل ان يزورهم في المنام ليلا ليقضي حوائجهم هذه ؟؟

هناك 5 تعليقات:

  1. رافد العزاوي15 سبتمبر 2009 في 5:14 م

    سيدتي الكريمة
    تحية طيبة
    يؤسفني ان اخبرك بانك تنفخين في قربة مثقوبة كما يقول اخواننا المصريين فلا حياة لمن تنادين
    شكرا

    ردحذف
  2. أولا: أنا متفائلة بطبعي.

    ثانيا: لا اريد أن اكون شيطانا أخرس ، أي ان اعرف حقيقة واخفيها. لقد عملت مايمليه عليّ ضميري وواجبي وهو التنبيه وعرض الحقائق.

    ثالثا : انا من المؤمنين بقوة الكلمة . فليس هناك كلمة تطلق ولايكون لها تأثير حتى لو بعد مائة سنة.

    تحياتي

    ردحذف
  3. الوضع مؤلم والمقارنة تكاد تكون شبه معدومة، والمشكلة تكمن في مستوى الوعي العام العراقي، وتراكم كم كبير من الكوارث الاجتماعية ،التي خلقت وعي مشوه لايصل الي مسوي الشعور بالمسؤليًة، مع غياب الحس بالمصلحة العامة والشعور بالانزواء خلف الواجهات الطائفيًة ،هي التي خلفت كل هذا الحيف الذي يَلحق بالمجتمع العراقي بشكل عام . مجهود السيدة عشتار يُساهم في نقل الحقائق المؤلمة، التي لاتصلها وسائل الاعلام الموجهه في العراق ، نشدُ علي آياديكم سيدة عشتار، ودمتِ ناقلا آمينا للحقائق المغيبة.
    حسن الطائي
    صحافي عراقي

    ردحذف
  4. أبو يحيى العراقي
    تحية للرائعة الصالحة و المصلحة العزيزة عشتار التي تؤدي زكاة علمها و زكاة عراقيتها من خلال فعلها التنويوي الشريف الرائع فهذه هي أبسط التزامات المثقف تجاه المعرفة و تجاه الجذور التي ينتمي اليها. مع كل الاحترام و التقدير و الاعتزاز للاخ رافد العزاوي و لكني اخالفه الرأي فلابد للمثقف من أن يستمر بطرق أذهان الناس ثقافته و معرفته تجعله أطول بالاً و أكثر صبراً و من دون مواصلته لمسيرتهم التنويرية سيصبح شيطان أخرس بدل أن يكون نبياً يهدي قومه. الذين لا يعلمون لا ذنب لهم كل المسؤولية يتحملها المثقفون فهم طليعة الناس و بهم تنهض الامم و اذا تردت الامة فانما ذلك لتخلي و تقاعس مثقفيها. طوبى لك أيتها العزيزة عشتار

    ردحذف
  5. اذا الشعب يوما اراد الحياة فلابد ان يستجيب القدر

    تكلفة الحرب على العراق حتى الآن اكثر من 600 بليون دولار, بليون و ليس مليار او مليون... لذا فلا اعتقد ان الحكومة العراقية تنفق على هذه القواعد.

    لكن,,,,هذه اموالهم و سينفقونها ثم تكون علهم حسرةثم يُغلبون

    يوما ما ستكون هناك الثورة و ستكون هذه القواعد بكل ما فيها من بنى تحتيه و امكانيات ستكون محط الانظار لتأميمها و السيطرة عليها فلا تجزعي اختاه هذا مجرد متاع قليل و كما قالت فيروز الغضب الساطع آت و انا كلي ايمان الغضب الساطع آت سأمر على الأحزان

    ردحذف