حفرة الإمام المهدي وحفرة صدام حسين

على اليمين حفرة الإمام المهدي وعلى اليسار حفرة صدام حسين (يشتركان ياللغرابة في وجود ساحبة هواء) في الوسط البيت الذي وجد فيه صدام حسين حسب المواقع العسكرية الأمريكية الرسمية. كان السرداب (الحفرة) جزءا من بيت فيه غرفة نوم ومطبخ ومرافق اخرى كما في التخطيط.

بقلم: عشتار العراقية

طبعا لا أقارن ولكن هو العنوان جاء بهذه الطريقة، لأن هناك فرقا شاسعا بين الشخصيتين كما لابد ان يعرف اي عاقل، فإحداهما اسطورة والأخرى حقيقة، بمعنى أن الاسطورة سمعنا بها ولم يرها أحد منا، في حين أن الحقيقة رأيناها بأم أعيننا، ولكن الاثنين الآن مغيبان ، وقد تنقلب الاسطورة حقيقة يوما ما وتنقلب الحقيقة اسطورة ، فمن يدري ما يأتي به الغيب؟

بعد أن كتبت أمس عن حفرتي وبينت لكم ان الحفرة وهي الكلمة الأثيرة في ثقافتنا العراقية الراهنة، هي في اصل اللغة العربية وكما ذكر في القرآن تعني الغار او السرداب تحت الأرض. وقارنتها بثقافة المقاومة تحت الأرض، كما قارنتها بما تعنيه باللغة العسكرية bunker وهو مركز قيادة او اختباء في طبقات تحت الأرض وجئت بمثال على مخبأ ديك تشيني أيام 11/9.

في الواقع كنت قد كتبت كلمتي امس على عجالة لأطمئن أصدقائي الذين سألوا عن غيبتي الصغرى، فشرحت لهم اني قضيتها في حفرتي، أي في غاري ، أي مغارتي، أي في سردابي تحت الأرض .

ولكن عاجلني احد القراء الأفاضل منذ الصباح الباكر هذا اليوم بإضافات كانت قد فاتتني. ذكرني بسراديب النجف وسرداب دير مار متي بالموصل، ومغارة ميلاد السيد المسيح عليه السلام التي يحتفل بها المسيحيون كل عام ويقيمون لها مع شجرة الكريسماس وتشبيه (ماكيت) يصور المغارة من الداخل وشخوص العذراء وابنها الوليد والقش والصخور حولهما، ولكن أقرب من كل هذه النماذج لثقافة الحفر، هي حفرة او غار او سرداب (كلها معنى واحد اي مكان تحت الارض للاختباء او للتأمل) الإمام المهدي. وطبعا ذكرني ايضا بحفرة أو غار أو سرداب صدام حسين.

وفي الوقت الذي اعتذر فيه للقراء بشدة عن قصور مقالتي السابقة عن تضمين كل هذه المعلومات. أحاول اليوم أن أوفر أكبر قدر من المعلومات الممكنة عن حفر التاريخ.

أريد أن أصل من كل هذه المقارنات والتشابيه ، الى أنه من النفاق العراقي الصميم الذي يمارسه أشباه الرجال الذين وصفهم بدقة الإمام علي كرم الله وجهه بعد أن ملأوا قلبه قيحا، ان تكون حفرة الحبيب سردابا مقدسا ومزارا للصفوة وحفرة العدو جحرا. وسوف أقارن لكم بالصور في نهاية المقالة كيف ان الحفرتين كانتا متشابهتين في شيء يثير الدهشة وكأن المهندس كان واحدا، مع فرق كبير هو ان حفرة صدام حسين كانت اوسع وأرحب ، فقد كان فيها مطبخ وغرفة نوم وأرفف ودواليب وأدوات كهربائية، أي أقرب الى bunker أخينا ديك تشيني الذي اطلق عليه اسم مركز عمليات طواريء الرئاسة . كما ترون اللغة تصنع الفرق. اللعب على الألفاظ ، هكذا يُكتب التاريخ. فالبنكر في أمريكا يتحول الى حفرة في العراق، والسرداب في النجف او سامراء يتحول الى جحر في مدينة الدور. اللغة اللغة .. الرائعة الثرية المراوغة .

من أشهر السراديب أو الحفر أو المغارات في تاريخنا القديم:

مغارة بيت لحم التي ولد فيها السيد المسيح. 
ويعتبر المسيحيون ان هذا ليس مصادفة، بل رمز للتنازل الالهي، فقد أصبح السيد المسيح شبيهاً بنا في كل شيء ما عدا الخطيئة، والكلمة صارت بشراً حل بيننا. لم يولد في قصرأو بيت دافيء وإنما مغارة فقيرة باردة صامتة.

وحين فرت امه مريم العذراء به من بطش هيرودس الملك الى مصر عاشت في مغارات ، مرة في سمالوط بالمنيا حيث ظلت في تلك المغارة لمدة ثلاثة ايام حتى ان صخرة كانت ستقع على السيد المسيح ولكنه رفع كفه الصغيرة واسند الصخرة ومنذ ذلك الحين سميت الكنيسة التي بنيت على هذا المكان بكنيسة الكف. ثم في الجبل الغربي بأسيوط وهو اقصى بقعة وصلت اليها العائلة المقدسة من أرض مصر، عاشت في مغارة منحوتة داخل الجبل منذ العهد الفرعوني ثم بنيت كنيسة في المكان تحولت فيما بعد الى دير تحت رعاية أب من ألاباء كان يعيش فى هذه المنطقة اسمه القديس يوحنا الأسيوطى الذى كان قد عاش عشر سنوات فى برية القديسين "برية شهيت" ثم غادرها إلى جبل أسيوط الغربى وعاش هناك فى مغارة حفرها لنفسه ولا تزال هذه المغارة متاخمة لدير العذراء على بعد مائة متر من الناحية البحرية .

وقديس آخر هو مقاريوس الكبير الذي حفر سردابا ووضع فيه مخبأ ذا طول مناسب يمتد الى نصف ميل ، وعند نهايته حفر مغارة صغيرة ، وعندما كانت تأتي اليه جموع كثيرة من الناس فتعكر وحدته ، كان يترك الدير الذي هو فيه سرا ويمر عابرا في السرداب ويختبيء في المغارة حيث لا يقدر احد أن يجده. أي انه كان يبحث عن الخلوة في سردابه او حفرته كما تشاءون.

سرداب دير مار متي في الموصل:

(منقول) اجتمع 25 راهبا غادروا المنطقة خوفا من بطش يوليانس الجاحد حيث تعرضوا لهجمة شرسة، فأستقر مار متي وزملاؤه على جبل مقلوب، وكان مار متي طبيبا ماهرا يقصده المبتلون بمختلف الأمراض وينالون على يده الشفاء وقد ساعد في شفاء الملك سنحاريب وابنته من أمراض مستعصية، فقرر الملك ان يكرمه بما يريد فما طلب منه مار متي الا ان يبني له ديرا في صدر "جبل مقلوب" ، وتم بناء الدير في أواخر القرن الرابع الميلادي . وقد تعرض هذا الدير وعلى مر العصور للعديد من الهجمات البربرية التي راح ضحيتها الآلاف من الرهبان وحماة الدير وفي عصور مختلفة فكان في كل مرة يتعرض للهجمات والغزو يفقد جميع موجداته وخاصة كتبه التي كانت توثق بعض التاريخ بالإضافة الى تعرضه للهدم والخراب من خلال هذه الهجمات المتعاقبة والتي بلغت أكثر من ست هجمات كان أغلبها في القرون الوسطى ، ولعل السرداب الذي يذكر كان يختبيء فيه الرهبان أثناء الهجمات.

سراديب النجف

(منقول وعلى ذمة المصادر النجفية) شيدت السراديب والانفاق بغرض الدفاع عن النفس والاحتماء بها من هجمات الوهابيين في القرن التاسع عشر ، وابرزها سرداب شيده المرجع الديني الشيخ جعفر كاشف الغطاء (1156-1228 هجرية).

وامر الشيخ جعفر بحفر هذا السرداب من اجل حماية النجف وممتلكات الروضة العلوية (مرقد الامام علي (ع)) من النهب والتدمير .

ويقول الشيخ احمد مدير مؤسسة كاشف الغطاء واحد احفاد الشيخ جعفر "لما علم الاخير باقتراب الغزاة اتخذ قرارين لحماية المدينة اولهما بناء السور الذي بقي جزء منه حتى الان، وحفر سرداب عميق بشكل هندسي مميز لا يستطيع من يدخله الخروج منه الا اذا عرف ممراته الست الموزعة التي تنتهي عند مرقد الامام علي" 

ويضيف ان "للممرات ابوابا اخرى تنتهي خارج سور النجف من اجل تسهيل عملية الفرار في حال احتلال المدينة".

ويؤكد ان الشيخ جعفر "قام بعد الانتهاء من الحفر بانزال خزينة الروضة العلوية مع عدد كبير من المخطوطات والكتب البالغة الاهية والنفائس الاخرى من اجل حمايتها من السلب والنهب في حالة استباحة المدينة من قبل الغزاة."

ويتابع ان "بداية السرداب مكونة من اربعين درجة تنتهي بسرداب آخر يتضمن بئرا غير معروف عمقها لاننا لم ننزلها كما بنيت غرف سرية في جدران السرداب لم تستكشف حتى الآن".

استمرت هذه السراديب تحمي النجفيين و سببت ارقا للحكومات العراقية المتعاقبة فكما يروى عنها ان النجفيين "كانوا ينتقلون فيها بحرية بعيداً عن أنظار الحكومة وأعوانها حتى بات الاعتقاد عند الكثير من الناس انك تستطيع مثلاً ان تدخل اذا كنت قادماً من جهة الكوفة عند باب سور النجف الكبير قرب ساحة الميدان؛ فتخرج من أية جهة تشاء من جهة القبلة أو من جهة باب الطوسي أو من جهة المشراق أو من جهة العمارة او من جهة البحر.. وسراديب النجف انواع و هي كالأتي :

1ـ السراديب الارضية الموجودة في اغلب الدور معدل عمقها ستة امتار تقريباً.

2ـ سراديب السن (الهصهاص) ومعدل عمقها عشرة امتار.

3ـ سراديب سن القرض ومعدل عمقها خمسة عشر مترا.

4ـ سراديب رأس الطار ومعدل عمقها خمسة وعشرين متراً وهذا النوع قليل جداً و بارد جداً .

ياترى اختفاء أهل النجف تحت الأرض دليل على أي شيء؟ الجبن أم الحيطة والحذر؟ وياترى لماذا يختبيء الانبياء والأئمة وهم خلفاء الله في أرضه، وتحرسهم ملائكته، ولهم معجزاتهم، في حفر وسراديب؟

مغارات الجزائر أفغانستان

ومن الحفر الطبيعية في الجبال والتي تسمى (مغارات) مايوجد في الجزائر من أعاجيب الطبيعة والتي استخدمتها المقاومة الجزائرية للاختباء وتهريب السلاح وغير ذلك، من أشهرها غار الباز في ولاية جيجل ومغارة محي الدين بوهران ومغارة بني عاد في تلمسان ، ومثلها أنفاق وكهوف تورا بورا في أفغانستان.

**

الذي يجمع بين كل هذه الحفر والسراديب والمغارات، من صنع الله كانت أم من صنع الإنسان ، هو انها أماكن للإختلاء في حالات معينة ولكنها على الأعم أماكن للإختباء من عدو، ولإدارة العمليات من مكان حصين. وحين تكون البلاد جبلية مثل شمال العراق فإن الحفر تكون في الأماكن العالية مثل الجبال وتسمى مغارات أو كهوف ، وعادة تكون قد تكونت بشكل طبيعي. وهناك كان يختبيء فيها "البيشمركة " بعد أن يشنوا هجماتهم على جيش بلادهم، (مع أن إسمهم يا أخي يزعم انهم يقاتلون حتى الموت وليس للاختباء حفاظا على حياتهم. كيف نفسر هذا على ضوء ثقافة الحفر العراقية؟) ومثل مغارة السيد المسيح ، ومغارات وكهوف جبال الموصل التي كان المسيحيون الأوائل يختفون فيها عند اشتداد الهجمات عليهم.

وحين تكون الأرض منبسطة أوهضبية مثل أكثر أراضي العراق أو الجزيرة العربية ، فالحفرة تكون تحت الآرض بشكل غار او سرداب. وقد تكون حفرا في جبال صغيرة مثل غار ثور وغار حراء ومثل الكهف الذي ذكر في القرآن ان فتية مؤمنين وكلبهم اختبأوا فيه لمدة 300 عام، وسراديب النجف وسرداب الإمام المهدي وسرداب صدام حسين.

من السهل الحصول على صور داخل حفرة الامام المهدي وصور داخل حفرة صدام حسين من الانترنيت. ولكن هناك صورتين للمكانين تشتملان على شيء مشترك هو التالي : في بداية مدخل السرداب في الحالتين : حائط يبدو عليه القدم ومركب فيه ساحب هواء. فسبحان الذي سخر لنا هذا وماكنا له مقرنين !

ولكن بما أن التاريخ يلفقه ذوو المصالح، فلا أحد منا يستطيع التأكد تماما (من غير مصادر كتبة التاريخ الشيعي ) من ان الإمام المهدي غاب في تلك الحفرة ولا أحد منا يستطيع التأكد تماما (من غير مصادر كتبة الجيش الأمريكي) أن صدام حسين وجد في هذه الحفرة. فالحكايات والخرافات جاهزة للتدليل على صحة هذه المقولة او تلك، فلن نعرف الحقيقة تماما حتى يقيض لنا الله فضح السر قصدا او سهوا على لسان أحد المشاركين في تلفيق تاريخنا العراقي.

في الصورتين : السرداب أبو درج هو حفرة الإمام المهدي وهي صورة معروفة على النيت وتنشرها مواقع المهدويين، والسرداب من غير درج ظاهر هو حفرة صدام حسين وقد نشرتها المواقع العسكرية الأمريكية. ولاحظوا أيها الأصدقاء وأيها الأعداء أن تركيب ساحب هواء عند صاحب الزمان جرى حديثا ليستفاد منه من يهبط من الصفوة للدعاء او التعبد في هذه الحفرة، أي انها لم تكن صالحة للعيش أيام ذلك الزمان لمدة طويلة، أما تركيب ساحبة هواء في حفرة صدام حسين فهذا يعني بالضرورة إدخال تركيبات كهربائية في المكان، وقد رأينا في بقية الصور التي التقطها العسكريون وجود ثلاجة ايضا. مما ينفي عن المكان صفة (الحفرة) بالمعنى الذي يحب أشباه الرجال الذين تبرأ منهم الإمام علي أن يؤكدوا عليه، ويدخله مدخل السرداب أو المخبأ العسكري.