"المدونة محمية بميثاق الشرف. أرجو الإشارة الى اسم (غار عشتار) والكاتبة (عشتار العراقية) عند إعادة النشر"

3‏/4‏/2010

لماذا تغيّر طعمُ الرارنج؟

بقلم: رياض بدر*

زمان كانت أسماؤنا أحلى... حين النساء أكثر أنوثة، ورائحة البامية تتسرب من شبابيك البيوت، وساعة "الجوفيال" في يد الأب العجوز أغلى أجهزة البيت سعراً وأكثرها حداثة، وحبات المطر أكثر اكتنازاً بالماء.

زمان .. حين أخبار الثامنة أخف دماً، ومذاق الشمس في أفواهنا أطيب، والطرقات أقل ازدحاماً، وبنات المدارس يخبئن أنوثتهن في صفحات دفتر العلوم.

لما كانت غمزة "سميرة توفيق" أكثر مشاهد التلفزيون جرأة، و"مجلس النواب" حلماً يداعب اليسار المتشدد، وأجرة الباص 25 فلس، والصحف تنشر كل أسماء الناجحين بالبكالوريا.

عندما كان المزريب يخزّن ماء الشتاء في البراميل، وكُتّاب القصة ينشرون مجموعات مشتركة، ودعوات العرس توزع في منديل وفيه "جكليت" مغلف بسيلفون وتسمى "جفية"، والجارة تمدّ يدها فجراً من خلف الباب بقوري جاي حار للزبّال فيمسح عرقه ويستظلّ بالجدار!

زمان.. عندما كانت "الدورة والبياع" آخر الدنيا، و"فكر واربح" أهم برامج المسابقات، ولم نكن نعرف بعد أن ثمة فاكهة تتطابق بالاسم مع ملمع الأحذية "الكيوي" فلم نكن نعرف سوى "ابو التمساح"، وأننا يوماً ما سنخلع جهاز الهاتف من "وايره" ونحمله في جيوبنا!!

كان"الكمون" يوصف علاجاً للمغص، والأولاد يقبلون يد الجيران صباح العيد، والجكليت وال "ويهلية" وصينية "الزلابية" في مقدمة أحلام الطلبة المتفوقين!

كانت "جريدة الراصد" لصاحبها الفكيكي أهم الصحف وأجرأها على الإطلاق، و"ألمانيا وبريطانيا وامريكا"لم يكونا بلاد الأحلام، وصورة المطربة صباح على ظهر المرآة اليدوية المعلقة على الحائط.

حين تصحو على صوت "فيروز" وبرنامج "ابو رزوقي" يعطي نصائح المرور للسائقين ومخالفاتهم الصباحية ويقوله له "عيني انت ابو الموسكوفج الزركة لو شوية على كيفك بالسرعة مو احسن احنا نخاف عليك وعلى سلامة الناس الماشين بالشارع"؟


ولم نكن ندري ان ياتي يوما سيكون "ار بي جي 7" يحمل من قبل "زعاطيط" في وسط الشارع ويرهبونا ويقتلونا بدم بارد، ومساء تترقب "خيرية حبيب" او " كامل الدباغ"او "عمو مؤيد البدري" والتلفزيون يغلق شاشته في موعد محدد مثل أي محل أو مطعم!

عندنا "مدينة للألعاب" هي وجهة الأثرياء والفقراء سواء للعب وتسلية العائلة، والسفر إلى الشمال او البصرة يحتاج التحضير قبل يومين، وجامعة بغداد والمستنصرية كعبة الطلاب في العالم العربي! حين أقلام البيك الأحمر هي الوسيلة الوحيدة للحب قبل اختراع الموبايلات، وعندما كانت المكتبات تبيع دفاتر خاصة للرسائل أوراقها مزوّقة بالورد ومعطرة،..أما الورد ذاته فكان يباع فقط في المشاتل او الفنادق الفخمة والأرسترقراطية الباذخة في ذلك الزمان!!


حين جوازات السفر تكتب بخط اليد، والسفر الى سوريا وتركيا بالقطار، وفيزة امريكا وبريطانيا وفرنسا تاخذها وانت تشرب الشاي امام مبنى السفارة وقمصان "النص ردن"للرجال تعتبرها العائلات المحافظة عيبا وتخدش الحياء!

كانت البيوت تكاد لا تخلو من صوبة "علاء الدين" ذات البرج الفستقي المتكسر الالوان لعدم اختراع الالوان الحرارية بعد، ومبردات الهلال حلم كل منزل لان "الواتر بمب" احسن من غيرها من الانواع, والأمهات يعجنّ الطحين في الفجر ليخبزنه في الصباح،و"حليب طازج" نشتريه "ابو السيفونة الحمرة" وحليب "ابو الموز ابو السيفونة الصفرة"، والجارة الأرملة تجلس من أول النهار لصق الجدار مهمومة ويدها على خدّها!

كان مسلسل "الذئب وعيون المدينة" للفنان خليل شوقي و سليم البصري وقاسم الملاك وطعمة التميمي ومي جمال "حسنية خاتون" تلعب باحاسيسنا الغير بريئة يجمع الناس مساء، ومباريات "الشرطة والزوراء" تجمعنا في ملعب الشعب بين 60 الف متفرج لايستطيع اي قمر صناعي تحديد من هو السني ومن هو الشيعي بينهم، وكان "رعد حمودي" أفضل حارس مرمى في كرة القدم! ولم نتخيل انه سيرشح في الانتخابات كانت الناس تهنئ أو تعزّي بكيس شكر "أبو خط أحمر" ابو 50 كيلو غرام، والأمهات يحممّن الأولاد في الطشت، و"الصوغة" يحملها الناس لزيارة المرضى!

كان "الانترنت" رجماً بالغيب لم يتوقعه أحذق العرّافين، ولو حدّثتَ أحدا يومها عن "العدسات اللاصقة" لاعتبرك مرتدّاً أو زنديقاً تستحق الرجم، أما "الماسنجر" فلو حملته للناس لصار لك شيعة وأتباع!! حين مذاق الأيام أشهى، والبرد يجعل أكفّ التلاميذ حمراء ترتجف فيفركونها ببعضها، وعندما "بدري حسون فريد" في دور "الجلبي" أعتى رمز للشر قبل أن يعرف الناس أن في الغيب رجلاً يدعى "جورج بوش"!

كانت لهجات الناس أحلى، وقلوبهم أكبر، وطموحاتهم بسيطة ومسكينة وساذجة!

الموظفون ينامون قبل العاشرة، والحزبيون يلتقون سراً محاطين بهالة من السحر والبطولة، والزوجة في يوم الجمعة تخبئ كبدة الدجاج وقوانصها لتقليها للزوج دلالة على تدليله!

الشمس كانت أكثر صرامة في التعامل مع الصائمين، والمطر لم يكن يخلف موعده السنوي في اذار "ابو الهزاهز والامطار"

كانت الحياة أكثر فقراً وبرداً وجوعاً، لكنها كانت دائماً خضراء

اي حياة احلى حياتهم ام حياتنا !

*الحوار المتمدن

هناك 12 تعليقًا:

  1. الله على ايام زمان في عروس المدن بغداد ... ذكرتينا و ابكيتينا يا عشتارتنا

    ردحذف
  2. يااااااااه ياعشتورة.. صحيح مااعرف كثير اشياء انكتبت بالمقال، لكن نحن جيل القادسية، يكفيني ان اذكر يوم 8\8 اذكر عيون العراقييين وفرحتهم البريئة العفوية.. اذكر الناس وهم يتوافدون لتقبيل احدهم الاخر، لان الشر انزاح عن صدورهم جميعاً، اذكر كيف تتراقص النساء وهن متشحات بالسواد، لانهن ضمن ان رجال الوطن وماتبقى منهم سيعودون، البيت واحد والهم واحد والوطن واحد..
    اذكر الحلويات والايام الحلوة ببغداد، شصار بينا؟؟؟ وليش؟؟

    ردحذف
  3. جيفارية

    المقالة تجمع اشياء كانت في الخمسينات والستينات والسبعينات ولكن اكثرها كان قد بقي في الثمانينات والتسعينات.. أما ماحدث بعد ذلك .. فقد حل الحصار والاحتلال . ولم يعد الناس كالناس ولا المكان كالمكان.

    ردحذف
  4. لا العراق عراقي ولا الشمس شمسي .. هذا هو وصف الحال باختصار .

    لكن لدي سؤال للكاتب : لماذا وجه الاتهام إلى "الآربي جي سفن و زعاطيطه " ... دون المجرمين الحقيقين ??!!
     

    ردحذف
  5. اخي جياد

    الار بي جي 7 هو سلاح يحمله الجميع في العراق من كل الاتجاهات، من يقاوم الاحتلال ومن يعضده. والنص يحمل حبا للعراق ولما كان عليه الناس من محبة وسلام واخوة حقيقية. ومثل هذه النصوص نحتاجها لنعيد التماسك للمجتمع ، وفي سبيل هذا الهدف يمكن غض النظر عن كلمة أو اثنتين قد لا تعجبنا.

    ردحذف
  6. نعم كانت لهجات الناس أحلى، وقلوبهم أكبر، وطموحاتهم بسيطة...
    تدمع عيوني الان ياعشتار
    حنينا لأيام خلت
    ولن تعود
    اقولها لا يأسا او قنوطا، ولكن لأن عجلة الزمان لا تعود الى الوراء...
    أدمعت عيني وألهبت روحي ايتها العراقية الاصيلة

    ردحذف
  7. عزيزي مصطفى

    دائما نحن الى الماضي الجميل، ودائما في ظننا ان الماضي افضل من الآتي، ولكن كما تقول أننا لا نستطيع ان نعيد عجلة الزمان، والانسان دائما ينظر الى الماضي ربما لأنه لايستطيع ان يغير الحاضر وليس له سيطرة على المستقبل ولهذا فالنظر الى الماضي الذي نعرفه هو أسلم الأشياء. ولكن الماضي لن يعود والمجتمع يتطور الى الاحسن او الأسوأ حسب نظرة كل منا. وأعتقد أن النظر الى الماضي حتى على الصعيد الفردي حيث الانسان يحن دائما الى ايام الطفولة او الشباب ولا يقنع بالعمر الذي بلغه ويظن مامضى كان أجمل. والناس في التسعينات من القرن الماضي مثلا يحنون الى الستينات واهل الستينات يحنون الى ايام الاربعينات واهل القرن الواحد والعشرين يحنون الى القرن التاسع عشر وهكذا .

    دائما هناك (فردوس مفقود) نحن اليه. ولكن الزمن يمضي والعمر يمضي وكل شيء يتغير والمفروض ان نصنع فردوسنا مما بين ايدينا.

    ردحذف
  8. سيدتي عشتار .. لا اعتراض على جمال المقالة ، لكن هذه الجملة جاءت وكأنها مقحمة معزولة عن سابقها ولاحقها .
    أيا كان حامل الاربي جي إيراني أو عراقي فهو نتيجة لسبب الدبابة الأمريكيةالتي تجوب - فعلا - الشوارع وتدهس السيارات والمارة.
    كثير من الكتاب- بحسن نية أو بسوئها - يتناولون نتائج الاحتلال متجاهلين الاحتلال نفسه .

    ردحذف
  9. أخي جياد

    الكاتب ذكر اسم جورج بوش باعتباره اسوأ الاشرار. وجورج بوش هو الغزو والاحتلال.

    لا تنقب عن مثالب واستمتع بالنص الذي جمع اشياء لا نعرفها او كدنا ننساها، وكأنه كتب تاريخ العراق الاجتماعي في صفحة حية واحدة.

    ردحذف
  10. عزيزتي
    كل ماقلته صحيح، ولكن الحنين الى الاوطان طبع اصيل عند الانسان، وخاصة الذي غادر وطنه مجبرا ، واين انت من غريب لا سبيل له الى الاوطان، ولا طاقة به على الاستيطان.
    هل تلاحظين ان حنين العراقي الى وطنه متفرد ولا يقاس بحنين الاخرين الى اوطانهم... هذا ماقصدته بالضبط

    ردحذف
  11. كأني اقرء كلماتي اول مرة

    ابكتني وافرحتني مشاعركم
    لانها نبيلة كمقصدي الذي جعلني انقش هذا الجرح
    اشياء جمعتنا يوما فاحببت ان تجمعنا اليوم ايضا

    اعترف اني ترددت كثيرا في نشرها فقد كتبتها منذ فترة ولم انشرها
    كي لا اكون سببا في حزن عراقي ابدا وان كان حزنا مقبولا

    طوبى للعراق
    طوبى له بنا
    وطوبى بنا له

    تحيتي للجميع

    رياض بدر

    ردحذف
  12. شكرا أخي رياض على كلماتك الجميلة سواء في سؤالك عن طعم الرارنج أو تعليقك هنا. وبالمناسبة لا أعتقد أن طعم الرارنج هو الذي تغير وانما المرارة التي في حلوقنا مما نراه حولنا.

    ردحذف