"المدونة محمية بميثاق الشرف. أرجو الإشارة الى اسم (غار عشتار) والكاتبة (عشتار العراقية) عند إعادة النشر"

24‏/12‏/2009

عودة الى مسرح العبث المسمى محكمة الاحتلال


بقلم عشتار العراقية
وصلتني رسالة من ابن احد اسرى الاحتلال والذين كانوا من رجالات الحكم الوطني ، فك الله اسرهم، يقول فيه ان اسم والده يدرج بكل قضية
يتم طرحها والجميع يعلم بأنه لا ناقة له بها ولا جمل، فلم تكن للمناصب التي تولاها علاقة بتلك القضايا وهذا هو بيت القصيد مما اريد أن اقوله اليوم ، ان اية محكمة يطلق عليها اسم (المحكمة الجنائية) اي تختص بقضايا جنائية وليست سياسية، ينبغي ان يكون لها اصول وقوانين ترعاها وتلتزم بها. الجريمة ينبغي ان يحقق فيها، وان تربط بالجاني الفعلي او الجناة ، او بالمحرضين الذين تثبت عليهم فعلا جريمة الفعل او التحريض بالأدلة الراسخة. وينبغي ان يكون الشاهد خاصة اذا كان هو الدليل الوحيد الموجود ، مرئيا بالنسبة للمتهمين على الأقل ومحاميهم، وليس متواريا خلف الحجب، ليعرفوا من يشتكي عليهم . هناك قوانين للشهود وقوانين للقضاة وقوانين للادعاء العام وقوانين للمتهمين وقوانين للمحامين. لا يكفي ان يكون (المتهم) مرافقا لرئيس سابق او وزيرا في حكومته او عضوا في حزب حاكم، ليكون ذلك دليلا قاطعا على فعل الجريمة. وأي محكمة جنائية عادية لا تحكم الا بأدلة دامغة ، وكثيرا مايبريء المتهم حتى لو كان فعلا قد قام بالجرم ، لعدم ثبوت الادلة عليه.يجب ان يتوفر الدليل والقصد والنية ، ولايعتبر دليلا ابدا مجرد وجود الشخص في محيط الجريمة .
ولكن محكمة الاحتلال باعتبارها محكمة صورية سياسية انتقامية ، لاعلاقة لها بأي قانون ارضيا كان او سماويا، وليس لديها من العدل الا صورة الميزان الذين تركز عليه كاميرا هوليوود التي تتابع المحاكمات المسرحية ، ضربت بكل القوانين عرض الجدران، واستهترت بكل القيم واستخفت بكل عقول المشاهدين ، وجاءت لتعرض علينا كيف تكون (عدالة ) المعتدي والمحتل.

ومثلما يبيعون العراق كله بالمزاد، اظنهم أقاموا مزادا للشكاوى وطلبوا من كل من لديه شكوى حقيقية او متخيلة ان يأتي ليستعرضها على المسرح ، الذي غالبا لا ترفع ستارته وانما على المشاهدين التكهن بالممثلين خلف الستارة، وهو لعمري ، نوع جديد من مسرح العبث، وبما اني أعي الآن نوع الفساد المستشري في كل المؤسسات (الصورية) التي اقامها الاحتلال من برلمانهم الى مفوضية انتخاباتهم الى مفوضية نزاهتهم الى محاكمهم ، فلابد أن أتصور ان على الشاكي حتى يستعرض قدراته التمثيلية على المسرح الحي، أن يدفع رشوة للمحكمة ، لأنه لا شيء آخر يبرر هذا الكم من شهود الزور وكل هذه الشهادات غير ذات العلاقة بأي شيء وبأي شخص. وربما هناك سوق سوداء لا نعلم بها حاليا اسمها (ادفع واشهد) . وكنت وياللظلم أعتقد ان شهود الزور هم الذين يقبضون. لابد أن رعاة رعاع المقصلة الفرنسية قد تطوروا وازدادوا حنكة، فبدلا من أن يكتفي المتعطشون للثأر بحضور حفلات الإعدام المهيجة للغرائز مجانا، ابتكرت حكومة الاحتلال في المنطقة الخضراء نوعا آخر تفيد منه وتستفيد، يمكن أن يأتي الرعاع المتعطشون للثأر الى مسرح المحكمة بعد أن يدفعوا المعلوم، ويشاركوا في اصدار أحكام الإعدام. هذا يسميه الأمريكان الذين اخترعوا المحكمة المهزلة، بأنه الحاجة الى ختام يريح الأنفس الموتورة (
Need for closure) . هذا يفسر عبثية المحاكمات، حيث لا نقاش حقيقي ولا تحقيق ولا سؤال ولا مساءلة ، فقط اشخاص وهميون خلف ستار ويمكن ان يكونوا حتى ممثلين محترفين يسردون مظلوميات في قاعة فيها متهمون حكم عليهم مسبقا ، وأدوات الانتقام ممثلة بالقضاة والإدعاء ومحامين مكلفين بالامتناع عن الدفاع. يخرج ممثل ويدخل آخر.
وقبل أن يأتي المشتكون ، وحتى تتم ادوات الديكور، جاء الاحتلال الذي سرق كل ارشيف العراق وسجلاته، بمنظمة مرتزقة اسمها (جمعية السجناء الاحرار) قامت باستخراج وثائق اعدام وتصفيات واضافة اسماء حتى بخط اليد الى وثائق حقيقية وهكذا قامت بواجب تزوير اوراق المسرحية، فكل ممثل يأتي بأوراق يسلمها لقاضي الاحتلال. وهذا شيء غريب ، أليس كذلك ؟ اقصد في المحاكم الحقيقية يكون المشتكي او المدعي قد قدم لقضاة التحقيق كل اوراقه ومستنداته وعلى اساسها يمثل امام المحكمة اليوم. فإذا لم يكن قد اطلع قاضي التحقيق على تلك الاوراق، واذا كانت ماتزال بحوزة المشتكي ، فعلى أي اساس أقيمت المحكمة واستدعي المشتكي؟
ألا يعزز هذا تصورنا وهو ان باب المسرح فتح لأي داخل واعطي المنبر ليسرد شكواه ثم يقدم اوراقه للقاضي؟ فهل هذه هي نيابة تحقيق ام محكمة يفترض انها تنظر فيما انتهى اليه قضاة التحقيق؟
المسخرة الثانية هي أن الشكاوي لاعلاقة لها بالمتهمين الحاضرين في قفص الاتهام، لأنها من نوع الشكوى لله او الرسائل التي يرسلها الصغار الى بابا نويل في بعض افلام الكريسماس التي كنا نتفرج عليها صغارا ، حيث يكتب الصغير معاناته ويطالب بهدية مناسبة. اي انها مظلمات عامة ضد لا شخص على التعيين ، اغلبها ضد (الحزب) ضد (النظام السابق) .. دون أن يأتي ذكر اسم اي من المتهمين . شكوى من نوع (ابوي اختفى) اذن لابد ان الحزب هو الذي اخفاه او( النظام السابق) .والبعض مازال يقول (اشتكي صدام حسين) .. والرجل قد رحل عن عالمنا وبذلك اسقطت عنه كل التهم، ولا يجوز تقديم الشكوى ضد انسان لم يعد حاضرا الا اذا كان مازال حاضرا بقوة في وجدان وأذهان أعدائه قبل اصدقائه. وحتى لو كان مازال حيا بالنسبة للجميع ، فهذا لايجوز قانونا في محكمة جنائية (عليا) .
القاضي يصادق عادة على اقوال المشاركين في المسرحية ، فيملي على كاتب المحكمة "أشتكي صدام حسين" دون ان يصحح للشاكي ان عليه أن يشتكي انسانا موجودا في لائحة الاتهام. ولكن صدام حسين مازال حيا في ذهن القاضي .. أليس كذلك ؟
من غرائب هذه المسرحية ايضا، أن المشتكي يقدم شكواه ولا يناقشه احد بها رغم كل التناقضات وكل السخافات التي يذكرها. لا المدعي العام يناقش ولا المحامون ولا المتهمون ،
وكأن لا أحد يريد ان يخرج عن النص . لا ينبغي سؤال المشتكي او الشاهد او حتى التأكد من صحة أقواله وادعاءاته، فهو لديه بضعة اسطر يقولها ولن يعترض احد لئلا ينسى او يتلكأ . يقول السطرين ويطالب بالتعويض ويمشي. القاضي فقط يسمح لنفسه أن يسأل الشاهد سؤالا او اثنين حتى يستطيع توجيه المسار نحو شروط التهم الجاهزة (الابادة وجرائم ضد الانسانية).

كما ان القاضي يقوم بالواجب بتعديل اقوال المشتكي وهو يملي على كاتب المحكمة ، بما يناسب اغراض التهم الجاهزة كما بينا آنفا، وينتهي واجبه عند هذا ويستدعي الممثل التالي خلف الستار.


لا ادري لماذا هذا الاستعراض وهذه المسرحية الخائبة وكيف يقبل اي رجل قانون يحترم نفسه أن يشترك فيها بصفة قاض او مدع عام او محام (الحق العام) ، الا لسببين لا ارى غيرهما:

1- المال
2- الانتقام

وكلا السببين يبطلان المحاكمة . عدا انها باطلة اصلا بسبب كونها مؤسسة احتلالية. ولكن للمتشككين ، يكفي للدلالة على اجتماع العلّتين في نفوس قضاة الاحتلال ، ما تناثر من تصريحات القضاة ورؤساء المحكمة بحق بعضهم البعض وبعد ما أظهرت عركة الحرامية المستور. فها نحن نعلم ان هناك انقساما حول المكاسب بين القضاة، وان بعضهم نُفي أو هرب او أزيح، وان كل رؤساء المحكمة يضمرون الانتقام من الأسرى لأسباب سياسية شخصية، فمنير حداد اعدم له اربعة اخوة بتهم الخيانة والتجسس، ومحمود الحسن اعدم والده بنفس التهم، وكلنا نعرف القاضي خروف الذي كان نفسه محكوما وشمله عفو فصار مثلا حيا لقولة "اتق شر من احسنت اليه" وبقية القضاة مطلوبون في قضايا اخلاقية. اقرأوا هذا الرابط الذي يندب فيه منير حداد حظه لأن المالكي خدعه فلم يشمله بمكرمات وامتيازات وعده بها بعد تنفيذ إعدام الرئيس صدام حسين، وكيف يعترف بإعدام اشقائه، وهو مانع قانوني مبطل لولايته. ولكن من كان سيعمل قاضيا لدى الاحتلال سوى ابناء واشقاء الخونة والجواسيس؟
ومسخرة ثالثة ان المشتكين يطالبون بالتعويض، ويبدو ان هذه هي لازمة قانونية تقال حتى اذا كانت فارغة من معناها.. فمن سوف يعوضهم وكم مبلغ التعويض ؟ ومن أين ؟ مثلا هل يطرد من بقي من عائلة عبد العزيز الحكيم من منزل الأسير طارق عزيز ليباع المنزل ويعوض المتشكون؟ هل سيطرد ماما جلال وكاكا صالح وعمو طالح وكل عصابة آل كابون من سنتهم وشيعتهم من بيوت أسرى الاحتلال لتعرض هذه البيوت للبيع لتعويض المشتكين؟
هل تطرد الاحزاب الجديدة من مقرات حزب البعث ومنظماته من اجل بيع تلك المقرات لتعويض المشتكين ؟
واعيد سؤالي: لماذا هذا العرض الخائب؟ لماذا لا يقتلون الأسرى وينتهون؟ على الأقل يكونون أكثر صدقا مع أنفسهم ودوافعهم؟ ولن يؤثر ذلك على أي شيء ، فلا الناس الصامتة صمت الحملان تتابع المحاكمات التي تعرض مقتطعة ومجزأة في اوقات لا يعلم بها الا الله، ولا احد في العالم بأسره ينتظر العدالة من محاكم الاحتلال، فعلى من تضحكون؟ وممن تسخرون؟ ولماذا لا توفرون جهودكم واموالكم بدلا من تبذيرها على هذه المسرحيات المثيرة للغثيان؟ الا اذا كنتم تريدون ارساء هذا النوع من المسرح ليوم يقف فيه الحكام الجدد والقضاة الجدد والمدعون الجدد على نفس المسرح ويؤتى لكم بكل المشاهدين الذين شاهدوا مساخركم على الفضائيات يشهدون هذه المرة بالحق عليكم؟ اننا نسجل ونتذكر ولا ننسى . ووسائل التسجيل كثيرة ومنوعة ولن نحتاج الى جمعية مرتزقة تمولها USAID لتلفيق القضايا.

واذا كان هذا هو نوع العدالة التي تريدون من أجيالنا القادمة ان تعمل بها ، فإني ارتجف من هول ماينتظركم.

وللمحامين عن الأسرى. أقول لهم: ان دوركم هو خارج المحكمة المهزلة . طالما انها فيلم هندي ، فقدموا قراءاتكم لهذا الفيلم على المسرح الأرحب.. مسرح العالم . اوضحوا الحقائق، ليس في محاولة لانقاذ الأسرى الذين حكم عليهم مسبقا قبل بدء هذه المهزلة، وانما للتاريخ. اعقدوا المؤتمرات، أقيموا الندوات، اكتبوا ، افضحوا المستور ، علموا اجيالنا القادمة ماذا يعني الدفاع عن الحقيقة ، لا تكونوا شركاء متواطئين بصمت الحملان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق