"المدونة محمية بميثاق الشرف. أرجو الإشارة الى اسم (غار عشتار) والكاتبة (عشتار العراقية) عند إعادة النشر"

29‏/8‏/2009

السيناريو التركي في العراق ؟

سمعنا كثيرا عن سيناريوهات جيراننا في الشرق وفي الغرب وفي الجنوب . تعالوا نسمع سيناريوهات جيراننا في الشمال.

بقلم: علي بولاج*
تَرجَمَة: عَبْد الخَالِقِ البُهْرزي


هناك وجهتا نظر فيما يتعلق بمسألة نجاح الغزو الامريكي للعراق او عدمه:

أ) غرق الولايات المتحدة الامريكية في المستنقع العراقي، و جدولة سحب اوباما لجنوده حسب الفترة الزمنية التي حددها.
ب) ان الولايات المتحدة الامريكية قد حققت اهدافها الاستراتيجية و ستنسحب من العراق، لان بقاءها بعد الان سيكلفها مبالغا طائلة.
وانا شخصيا أؤيد وجهة النظر الثانية، وهذا لايعني على الاطلاق التقليل من شأن مقاومة العراقيين للاحتلال، او عدم تحقيق النجاحات عبر مقاومتهم. لا بل على العكس تماماً، فان العراقيين وعلى الرغم من كل الخسائر البشرية التي قدموها حتى يومنا هذا، والتي كلفت خسارة ارواح مليون ونصف المليون انسان، و تهجير ومطاردة اربعة ملايين ونصف من مناطق سكناهم، اوتحولوا الى لاجئين خارج العراق، الا أنهم اوموا قوات الاحتلال بشكل بطولي.

ان كل هذه الخسائر لا تعني بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية شيئاً، فلو انهم كانوا على قناعة من عدم تحقيق اهدافهم، لما ترددوا في مواصلة قتل نفس العدد من العراقيين للوصول الى أهدافهم. علما بان مواقفهم ازاء القضية الفلسطينية، و المجازر التي قاموا بها في افغانستان وباكستان خير دليل على ذلك.

إذاً، ماذا كانت الاستراتيجية الامريكية في العراق؟
هنا بمقدورنا جمع ذلك في نقاط ثلات:
1. تدمير البنية التحية المادية والعسكرية للعراق والذي على رأسه صدام الذي يهدد اسرائيل.
2. السيطرة على النفط العراقي.
3. تقسيم العراق الى ثلاثة اجزاء، واقامة دولة فيدرالية كردية في شمال العراق.

حتى الان تحققت هذه الاهداف الثلاثة: فصدام قد قُتِل، و البنية التحتية المادية والعسكرية والبشرية للعراق قد دُمرت، وتم حجز ما يقارب من ترليونين دولار امريكي من نفط العراق، واخضاع مايقارب من 75% من مصادر النفط الى الرقابة الأمريكية، كما تم تقسيم العراق كواقع حال الى ثلاث اجزاء رئيسية، وأُسست البنى التحتية للدولة الفدرالية الكردية على الاصعدة المادية، والقانونية، والدبلوماسية والدولية. اي انه لم تعد هناك اية ضرورة لبقاء الولايات المتحدة الامريكية بجنودها البالغ عددهم ألـ 130 ألف جندي في العراق.

الا انه بعد تحول العراق ضمن اطار نظرية "الفوضى الخلاقة" لما يشبه القطن النداف المتناثر، ظهرت الحاجة الى وجود دولة اقليمية فاعلة تلعب دورا منظما يعيد الاستقرار الفعلي للبلد، حيث تكون هذه الدولة احدى القوى الثلاث في المنطقة (مصر، أو ايران أو تركيا) وهذا الدور ستلعبه تركيا طالما ان ايران ومصر لن تلعباه.

ان الوضع الجديد القائم في العراق معرض للتهديد من قبل العناصر التالية:
1. ايران، التي ستقلب هذا الوضع رأسا على عقب.
2. معارضة العرب لهذا المشروع ومواصلة مواجهته.
3. معارضة دول المنطقة.
4. تعرض مستقبل الدولة الفدرالية الجديدة في الشمال للتهديد.

بمقدور تركيا ازاحة هذه المخاطر من خلال توطيد علاقاتها الجيدة إلى اقصى حد مع ايران وباقي الدول العربية.
والاهم من ذلك كله هو الاعتراف بالدولة الكردية الفدرالية ومواصلة دعم وتثبيت بناء البنية التحتية لها، واخضاع شمال العراق للحماية التركية دون ذكر هذه التسمية كما تفعل تركيا حتى يومنا هذا شمال قبرص.

لا تميل النخبة الحاكمة لاكراد شمال العراق إلى ايران، كما انه هناك خلافات جدية مع العرب السنة والشيعة حول المناطق وحول وضع كركوك. ان قيام دولة كردية مستقلة مستقبلا لا يُقابَل بالترحيب من قِبَل الدول العربية باعتباره سيهدد وحدة العراق مستقبلا، و ستبرز بالتاكيد مشاكل جديدة فيما يخص توزيع عائدات النفط.

علاوة على ذلك فان الذكريات السيئة مثل مجازر حلبجة والانفال، وكذلك الهجوم على الفلوجة، هو بالنسبة لكلا الطرفين جروح قابلة للنزف في كل وقت .

ان تركيا قادرة على اعادة الاستقرار للعراق ضمن خطةواضحة و محددة. فهي من خلال خط نقل النفط نابوكو، قد تحولت الى مركز لمصادر الطاقة وجسر لنقلها.

و الى جانب الامور الاخرى بالتأكيد، لابد من وضع المسألة الكردية في تركيا على طريق الحل. وتحجيم نشاط حزب العمال الكردستاني يقع ضمن هذا الاطار أيضاً.

وهذه هي النقطة التي تدفع بالولايات المتحدة الامريكية الى التدخل في مسألة الانفتاح على الاكراد.
ان تقسيم العراق الى ثلاثة اجزاء سيؤدي على المدى الوسط او البعيد الى:

1. ربط شمال العراق بتركيا اذا سار المشروع على مايرام .
2. ربط جنوب العراق بايران إما من خلال التوصل الى اتفاق معها او حدوث تغيير في النظام.
3. ربط المنطقة السنية الوسطى بالاردن، والمخطط ينص على تنصيب ملك من العائلة الهاشمية على رأس الدولة الجديدة التي ستقام.
واذا تساءلتم عن الفائدة من ذلك، فإن المخطط يهدف الى نقل مليونين ونصف مليون فلسطيني من فلسطين (تنكيلا وتهجيرا) الى هذه الدولة الجديدة. وبفضل هذا المخطط ستخضع جميع الاراضي التاريخية الفلسطينية بما فيها مدينة القدس الى السيطرة الاسرائيلية المُطلقة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
Ali Bulaç *
جريدة زمان التركية
Zaman gazetesi
في عددها الصادر بتاريخ
26/ أب/ 2009

هناك تعليق واحد:

  1. علي بولاج كاتب مرموق في صحيفة الزمان ويتميز بافق واسع ومعرفة عميقة للاحداث والتاريخ

    ردحذف