"المدونة محمية بميثاق الشرف. أرجو الإشارة الى اسم (غار عشتار) والكاتبة (عشتار العراقية) عند إعادة النشر"

30‏/4‏/2011

مرة أخرى: ماذا حدث في بهرز ؟ - 3

الجزء الثاني هنا

ترجمة وتحقيق عشتار العراقية

قبل ان ينضم جبز الى سرية برافو في تشرين ثاني 2009، كان يعمل في حرس حماية احد القادة الكبار في أفغانستان، وهو الكولونيل المثير للجدل هاري تانيل الذي كان في وقتها قائد اللواء سترايكر الخامس ، وكان يهزأ علنا من طرق مكافحة التمرد التي ينتهجها الجيش الأمريكي- والتي تؤكد على الحاجة لكسب دعم المدنيين المحليين، وكان تانيل يسخر من أن هذه الطرق تناسب "علماء الاجتماع" . وقد كتب مرة "تملي اللياقة السياسية علينا عدم الحديث حول الاجراءات القمعية التي تمارس خلال حملات مكافحة التمرد الناجحة" (يقصد بالقمعية القوانين التي تجرم قتل المدنيين وتقيد يد الجيش) وكان يدفع رجاله بالسعي للهجوم على العدو بدون هوادة.

حين ترك جبز العمل في حماية تانيل ووصل الى الجبهة، سرعان ما اصبح نسخة متطرفة من المهاجم بدون هوادة. بعد ان تسلم القيادة ، رفع علم قراصنة على خيمته. وقال لصديق له "تعال يا اخي الى الجبهة وسنجد شخصا نقتله" وكان الوشم على قصبة ساقه اليسرى يصور بندقيتين متصالبتين وحولهما ست جماجم. ثلاث من الجماجم مصبوغة بلون أحمر تمثل جرائم القتل التي ارتكبها في العراق، والأخرى باللون الأزرق كانت تمثل القتل في افغانستان.

في وقت وصول جبز كانت معنويات الجنود في اللواء سترايكر قد بلغت الحضيض. فقبل اربعة شهور فقط ، كانت الوحدة قد وصلت الى افغانستان وسط ضجة متفائلة عن مركباتها المدرعة ذوات العجلات الثماني، وكانت تطورا تكنولوجيا حيث يفترض ان تنقل المركبات المشاة الى ميادين القتال بطريقة أسرع وأكثر امانا، مما يمكن القوات الأمريكية من هجمات أفضل على طالبان. ولكن في كانون الأول تلاشت تلك الآمال. أجبرت قوات طالبان على ازاحة مركبات سترايكر من الطرق بسبب زيادة حجم وقوة العبوات الناسفة ، وقد توالت الخسائر الجسيمة على اللواء. حتى فقدت كتيبة جنودا في المعارك اكثر مما فقد في الحرب منذ بدايتها قبل عشر سنوات. بل أن جبز نفسه قد تولى قيادة الحظيرة بعد ان طارت ساقا القائد السابق في انفجار عبوة ناسفة.

كان الجنود يعانون من الملل والصدمة والغضب. كان هدف مهمتهم في افغانستان هو مطاردة طالبان ولكن لم يكن ثمة أثر لهؤلاء. اعترف جندي فيما بعد "حتى أكون صادقا، لم اكن اعرف الفرق بين المدنيين المحليين والمقاتلين". خلال الشهور الستة الأولى التي قضتها الوحدة، تجنب رجال طالبان تقريبا كل دورية ارسلتها الفصيلة الثالثة . وقد بلغ الإحباط مبلغا انه لدى رؤية جنود الوحدة لأول جثة افغاني قتل بقصف مروحية في تشرين ثاني 2009، اخرج احد الجنود سكينه وطعن الجثة. وطبقا لشهادة جندي، اخرج جبز مقصا وبدأ يلعب به قرب يدي الجثة وهو يقول "لا ادري اذا كان يمكن للمقص قطع اصبع؟"

وبدلا من ان تعالج قيادة البنتاغون مشاكل معنويات واخلاقيات القوات ، اعتبرت اللواء نموذجا اعلاميا للدعاية للتقدم في الحرب. وبعد شهر من حادثة المروحية ، وقبل شهر من بدء القتل – زار الادميرال مايك مولين رئيس هيئة الاركان المشتركة المنطقة زيارة طبل لها الإعلام كثيرا واثناء الزيارة قال مولين لافراد اللواء سترايكر الخامس ان خطة مكافحة التمرد تقتضي كسب قلوب وعقول السكان عن طريق حمايتهم "اذا قتلنا المدنيين المحليين. فسوف نخسر الحرب ستراتيجيا"

ولكن كان لجبز رأي آخر في نفخ معنويات الفصيلة الثالثة . اول ما استلم القيادة جمع الجنود وقال لهم انهم غير مضطرين لانتظار هجوم العدو عليهم بالعبوات الناسفة . يمكنهم المبادرة بقتل الناس في المدن المعروفة بتعاطفها مع طالبان. ويقول مورلوك في شهادته "جبز اخبر الجميع بهذا السيناريو محرضا اياهم بوصف الافغان بأنهم مجرد متوحشون واننا فقدنا قائدا بسبب تفجير ساقيه " وهكذا فإن قتل افغاني ، اي افغاني هو طريقة الانتقام للخسارة.

بعدها بدأ أفراد سرية برافو يتحدثون بلا توقف عن قتل الافغان ، في جولاتهم اليومية او اثناء راحتهم. احدهم اقترح ان يرموا حلويات من مركبة سترايكر وهو يجوبون شوارع القرية وحين يركض الأطفال لالتقاطها يتم اصطيادهم . آخر اقترح سيناريو ثان وهو ان يرموا الحلويات من مقدمة ومؤخرة المركبة وحين يتهافت عليها الاطفال يدهسونهم بالمركبة. آخر فكر في خطة تتضمن الانتظار حتى تنفجر عبوة ناسفة ، ثم استخدام الانفجار حجة لقتل المدنيين. ووافق الجنود قائلين "بهذه الطريقة يمكن قتل اي شخص في محيط الموقع والإفلات من العقاب". يقول مورلوك "كنا نعمل في اماكن سيئة ولا نستطيع ان نفعل شيئا حيالها، ولهذا اعتقد اننا بدأنا نأخذ زمام الامور بأيدينا".

بعد مقتل الصبي في قرية محمد قالاي، رجع الجنود وهم في نشوة الفرح ، واخبروا كل من يصادفهم من الجنود متباهين بما حدث، وفي تلك الليلة اجتمعوا للعب القمار ، وحين جاء الدور على مورلوك وهولمز لإعلان رهانهما قالا انهم سيراهنان بإصبع، ثم رميا على الطاولة الاصبع التي قطعها جبز من يد القتيل مودين ، ثم في نفس الليلة جلس الأصدقاء في داخل مركبة سترايكر لتدخين الحشيش ، وهي عادة شائعة وجزء من حياة الجنود في الوحدة وكان المترجمون المحليون هم الذين يزودونهم به. وبين دخان الحشيش اخبرهم مورلوك بالقصة مرة اخرى ، وروى لهم كيف انه حرص على عدم ترك مسمار أمان القنبلة على الارض حيث يمكن ان يستخدم دليلا على استخدام سلاح امريكي في الهجوم. ولنفس السبب حرص على نفض آثار بودرة التفجير البيضاء من حول جثة مودين.

ومع تباهي مورلوك بالجريمة ، انتشر وذاع خبرها بين عائلات الجنود والاصدقاء. وكان الجنود يرسلون الصور الى اصدقائهم ويتحدثون عن الجرائم اثناء اجازاتهم في الوطن. في 14 شباط وقبل ثلاثة اشهر من بدء التحقيق، أرسل الجندي ادام ونفيلد رسالة على الفيس بوك الى والده كريس وكان ونفيلد البالغ من العمر 21 سنة يشعر بالمرارة من جبز الذي عاقبه لأمر ما، فكتب لوالده قائلا " هناك افراد في الفصيلة فلتوا بجريمة . الكل يعلم تقريبا انها مرتبة .. ولكن لا احد يهتم" واضاف "الضحية شخص بريء في عمري تقريبا يعمل بالزراعة".

خلال ثرثرة الفيس بوك استمر ونفيلد باخبار والده "ادم اخبرني بانه سمع الجماعة يخططون لجريمة قتل اخرى لرجل افغاني بريء" وقد اخبر كريس ونفيلد وهو نفسه محارب قديم المحققين فيما بعد "كانوا سيقتلونه ويضعون كلاشينكوف الى جانبه ليظهر كأنه رجل سيء" وقد شعر كريس بالذعر مما يخبره ابنه فاتصل بمركز القيادة في القاعدة المشتركة القريبة من منطقته واخبر العريف هناك بما يجري. ولكن طبقا له اخبره العريف بلا مبالاة "اشياء مثل هذه تحدث، وسوف تنتهي هذه المشاكل حين يعود آدم الى البيت" ولم يتابع القادة في القاعدة التقرير.

بعد ذلك طلب ونفيلد من والده صرف النظر عن ابلاغ القادة بما يحدث، حيث هدده مورلوك بأنه اذا فعل سيعود الى الوطن بكيس اسود" ، وهكذا وبدون اهتمام القيادة بما يفعله الجنود اقتنع افراد الفصيلة الثالثة بأنهم يستطيعون القتل بحصانة- بشرط زرع "اسلحة" الى جانب الضحايا باعتبارهم مسلحين يجوز قتلهم، ويمكن للجاني الافلات من العقاب.

ولما كان الجيش يتابع ويسجل كل الاسلحة والذخيرة الصادرة للجنود، فإن جبز حرص على جمع اسلحة مختلفة من مصادر متنوعة مثل الشرطة الافغانية التي كان يبادلها بمجلات اباحية ، ومن مصادر اخرى حتى جمع ترسانة صغيرة عشوائية من قنابل يدوية وهاون وار بي جي وعبوات ناسفة غير منفجرة وكلاشينكوف ، وكان يخفيها في المركبات. لاستعمالها في وقت الحاجة ، إذا حدث شيء..

بعد مقتل غول مودين باسبوعين ، حدث شيء.

كانت ليلة 27 كانون الثاني وكانت قافلة الفصيلة تسير على الطريق العام قرب قاعدتهم المؤقتة . فجأة رأوا من خلال التصوير الحراري طبعة حرارة جسد بشري على جانب الطريق، وكانت هذه اشارة خطرة لأن رجال طالبان كانوا غالبا يعملون ليلا، لزرع العبوات الناسفة تحت جنح الظلام.

توقفت الدورية على مبعدة قصيرة من الرجل ، وهبط من المركبة بعض الجنود مع مترجمهم . كانوا يستطيعون رؤية الرجل وقد انحنى مثل كرة قريبة من الارض. وحين تقدموا نهض الرجل واحاط صدره بذراعيه. كانت الحركة تعني بالنسبة للجنود اما انه يشعر بالبرد او انه يخفي حزاما ناسفا.

صرخ الجنود بالرجل باللغة البشتونية وسلطوا عليه ضياءا ساطعا وامروه ان يرفع قميصه. ولكن الرجل بدأ يخطو الى الوراء ثم الى الامام في وهج النور القوي متجاهلا نداءاتهم . كان يتصرف بغرابة ، وقد اطلق الجنود حوله طلقات تحذيرية ولكن الرجل تجاهل الانذارت وبدأ يتقدم باتجاه الجنود . صرخ احدهم "اطلقا لنار" وفتح جبز النار وتبعه على الاقل خمسة جنود آخرين . وفي خلال عدة ثوان ، اطلقوا حوالي 40 جولة.

تمدد جسد الرجل على الارض واتضح فيما بعد انه اعزل تماما ويبدو انه كان ايضا أصم او معاق عقليا. وفوق لحيته كان جزء كبير من جمجمته قد تناثر شظايا بفعل الرصاص. قام الجندي مايكل واجنون بجمع قطع من الجمجمة على سبيل التذكار.

كانت ثاني جريمة قتل لمدني اعزل، وبدلا من التحقيق فيها بذل الرؤساء جهدا لتبريرها. حين اخطر الملازم الاول رومان ليجسي بالراديو القائد الآمر كابتن ماثيو كويجل بان نفس الوحدة قتلت رجلا افغانيا اعزل، غضب الكابتن وأمر ليجسي البحث حتى يعثروا على سلاح . وبحث الجنود لمدة ساعة بالانوار الكاشفة في المنطقة ولكنهم لم يجدوا شيئا . وأخيرا . أخرج العريف برام الكلاشينكوف التي كان جبز قد خبأها في صندوق معدني في المركبة . ونقلها جندي اسمه جستين ستونر وبعد دقائق هتف صوت برام في ظلام الليل "سيدي اعتقد اننا وجدنا شيئا "

وضع السلاح الى جانب القتيل وتنفس الجميع الصعداء. وقد ابلغ ستونر فيما بعد المحققين "لقد رتبت الحادثة حتى تبدو كأننا عثرنا على سلاح. وكل مافعلناه كان بحثا يائسا لتبرير القتل. ولكنه في الواقع كان رجلا عجوزا اصم متخلفا عقليا ، ومافعلناه هو اعدامه"

وعلى اية حال، حسب قواعد الاشتباك (التي قتل بموجبها الكثير من العراقيين على الطرقات) يعتبر الجيش الأمريكي ان الرجل كان مسؤولا عن موته لأنه أهمل التحذيرات وسار نحو الجنود. ولم يتهم احد بقتله حتى حين علم الجيش الآن ان الرجل قتل من قبل جنود كانوا يمارسون قتل المدنيين العزل على سبيل المتعة والهواية.

انتظروا الحلقة القادمة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق