"المدونة محمية بميثاق الشرف. أرجو الإشارة الى اسم (غار عشتار) والكاتبة (عشتار العراقية) عند إعادة النشر"

9‏/1‏/2009

مترجم الاحتلال: يوم من الحياة في القاعدة الأمريكية


بقلم عشتار العراقية

عبر التاريخ ، مع كل احتلال ، تظهر طبقة من المتعاونين لولاهم لما تمكن الاحتلال من اختراق البلاد والبقاء فيها. وهؤلاء يتراوحون بين من ينصبهم الغزاة في السلطة التي تمسك البلاد بحماية الجيش الأجنبي، والعملاء الصغار الذين يلتحقون بالجيش الغازي بمهن خدمية مختلفة ، ويكونون حلقة الوصل بينه والمجتمع المغزو، او كما يحلو لهم ان يقولوا (جسرا)، وهي استعارة لفظية لا تبعد عن الحقيقة فهم يكونون ألواح الجسر الذي تطأه بساطيل القوات المحتلة في طريقها الى عمق الوطن.

التعاون مع المحتل يتخذ اشكالا عديدة من حث الشعب على البقاء هادئا وقبول الاحتلال ، الى التعامل التجاري والاقتصادي مع القوات المحتلة الى الخدمة في المعسكرات ، وهذه كلها اشكال فاعلة من التعاون، وهناك التعاون السلبي وهو استمرار الناس في حياتهم حيث يكون كل همهم مجرد العيش بغض النظر عمن يحكم البلاد.

ويجمع المؤرخون على ان المتعاونين في كل اطوار التاريخ هم أكثر البشر نبذا من مجتمعاتهم، وفائدتهم للمحتل لا تقدر بثمن، وليس من المبالغة القول ان الاحتلال لا يكون ولا يستمر بدون المتعاونين معه. ولهذا هناك المقولة التي ترددها الشعوب "اقتل العميل قبل المحتل"

ومن غير المفهوم حقا لماذا يختار بعض الناس التعاون مع الغزاة وهم يعرفون ان الاحتلال لن يدوم ، فسوف يرحل يوما ما، وعندها سوف يقعون تحت طائلة عقاب الشعب.

ولكنهم يظلون يأملون بالحماية من الدول التي ساهمت في الاحتلال.

**

المترجم ، كعميل للاحتلال، كائن عجيب، انه شخص يفقد ارتباطه بالوطن لأسباب عدة، ربما حاولت ان اشرحها في المقالة السابقة وقد أثارت غضب البعض من الشباب العراقي الذي ظل قابضا على جمرة نار الوطن رغم كل الصعاب. ولكني بالتأكيد لم اوصم كل جيل الحصار بالتعاون مع الغزاة، وانما حاولت ان أجد الأسباب للخيانة. حيث أن الكائن البشري، مخلوق مرتبط بالبقعة التي ولد فيها، وفي الواقع كل الكائنات هي كذلك . لو حاولت ان تنقل شجرة من مكانها الى مكان آخر، فلابد - حتى تعيش- ان تأخذها (بطينها). والحيوانات تظل مرتبطة بالغريزة بالأماكن التي ولدت ونشأت فيها. وأي عراقي عاش في الغربة ، حين يتذكر العراق، فأول ما يذكره هو الحي والشارع الذي نشأ فيه، حيث مرابع الطفولة والصبا. كنت أريد أن اعرف ماذا جرى في عقول ووجدان هؤلاء الشباب ومتوسطي العمر ليقرروا في لحظة سوداء أن يتنكروا للوطن.

أعتقد أن هذا الموضوع يستحق دراسة من علماء الاجتماع وعلم النفس، ولن استطيع أن أجيب على هذا السؤال بهذه العجالة.

المهم ، ان المترجم من هؤلاء، ما أن يضع قدميه داخل القاعدة حتى يغادر العراق نفسيا، وعقليا ، وإن ليس جسديا. يصبح ملك الجيش الأمريكي، له ينتمي ، وبه يتماهى ، واليه يحن للعودة، كلما غادر القاعدة بضع ساعات. وإذا اخذ اجازة بضعة ايام يقضيها في منزله بين عائلته، يعيش تلك الأيام متغربا، منعزلا، و يظل وجدانه مشدودا الى (عائلته) الجديدة، يتذكر وجوه (رفاقه) الجنود الأمريكان ويستعجل اللحظات ليكون بينهم . وكما يقول المترجم فراس :

(لم يعد لي اصدقاء الا اولئك الذين في العمل، لا لهو الا في العمل، لا متعة الا في العمل، كل حياتي كانت في العمل) .

وليس مستغربا ان الكتاب الذي تاثر به جدا فراس هو "اللامنتمي" للمفكر البريطاني كولن ولسن والصادر في 1959 وكان قد تعرف فراس على كتابه اثناء عمله في شارع المتنبي . ويشرح فراس إحساسه بالغربة عن الوطن .

الصدمة الأولى التي يتعرض لها المترجم هي العنف والاهانة والاذلال الذي يتعرض له العراقيون المدنيون على أيدي الجنود الأمريكان أثناء المداهمات.

(يصف علاء واحدة من اسوأ الصور التي عاشها خلال عمله، قال «ذات مرة داهمت القوات الاميركية قرية قريبة من موقع وحدتنا، وخلال التفتيش عن اسلحة مزعومة مخبأة في القرية داهم الجنود الاميركيون بيتا بسيطا كان فيه رجل وامرأة وبعض النساء الشابات، مما اغضب هذا التصرف الرجل العجوز الذي صرخ بوجه آمر المجموعة قائلا «هذا بيت له حرمته فاذا لم تعرفوا ماذا تعني حرمة البيت فتعلموها». كنت اترجم ما يقوله الشيخ عندما فوجئت بمشاهدة آمر المجموعة يرد على الرجل بصفعة قوية على وجهه اوقعته ارضاً. كان التصرف مفاجئا للغاية بالنسبة لي مما افقدني شعوري وهاجمت امر المجموعة وكان شابا نزقا متطيرا مزعجا للغاية، كدت اتعرض لتهمة التهجم على جندي خلال عمله لولا ان قائد الوحدة يعرفني جيدا ويعرف تصرفات الجندي الذي هاجمته، كما ان شهادات بقية الجنود جاءت لصالحي. يصمت علاء، ويستطرد بتأثر «ليس من السهل ان ترى جنديا اميركيا نزقا يضرب رجلا عجوزا من مواطنيك فقد يكون هذا العجوز والدي او عمي او جدي)

ويحب المترجمون (دفاعا عن أنفسهم) أن يذكروا مثل هذه الحوادث على أنها من حسنات عملهم حيث انهم يحيلون بين عنف الجيش الأمريكي والمدنيين العراقيين. ولكن الواقع انهم سرعان ما يتأقلمون على ذلك ويصبح الأمر كما وصف أحدهم (مثل شريط سينمائي) يمر أمام عينيك ولا يؤثر بك.

المترجم يرتدي الزي العسكري ويضع العلم الأمريكي على ذراعه ، ويركب الهمرات ، ويتعرض لنفس العبوات الناسفة ولنفس الاطلاقات، حتى تصبح مهمته الرئيسية انقاذ زملائه من الجنود في أية لحظة يكون قادرا على ذلك . تصبح اللغة واحدة / نحن وهم . نحن الطيبون good guys وهم (العراقيون) الأشرار bad guys.

وحين يصل الأمر في وجدان المترجم الى هذا الحد، يصبح كل مايفعله مبررا.

وحين تسمع قصص المترجمين في الصحافة العالمية ، خاصة منذ 2007 وحتى الآن حيث بدأ الكثير من الأمريكيين عسكريين او مدنيين في الدفاع عن حقوقهم في الترحيل الى امريكا، لا تسمع الا كم ضحى هؤلاء في سبيل انقاذ الجنود وفي سبيل ضمان مصالح امريكا وهكذا.

وفيما يلي مقاطع من مقابلة مع احد المترجمين يبذل الغالي والرخيص في سبيل أمريكا، يأخذك العجب الى هذا (الاخلاص) المبالغ به والمتطرف. وأتمنى الا يكون كل المتعاونين مثله في هذا الولاء ، ولكنه يلخص هذه الحالة التي تستحق فعلا دراسة معمقة. المترجم يتخذ اسم هامر .

وهذا حوار بينه وصحفي :

الصحفي : لماذا العراق في هذه الفوضى ؟ هل هي غلطة الأمريكان؟

هامر: كلا لا يمكن ان تلوم الأمريكان. العراقيون هم السبب. انهم جشعون يفعلون اي شيء من اجل المال. كانوا مثل ناس محبوسين مدة 30 سنة وفجأة فتحت لهم باب السجن، واعطيتهم نقودا ثم اخذتها منهم . ماذا يفعلون ؟ سوف يقتلون من اجل المال. انهم انانيون.

الصحفي: هل هناك حل لهذه المشكلة في هذه البلاد؟

هامر: اضربهم بالقنبلة النووية

الصحفي: لاتمزح

هامر: لا امزح. اذا فحصت العراقيين جميعا ، فإن 5 ملايين هم الناس الطيبون فقط ، ضعهم على جانب. واقتل البقية . عندها ايران وسوريا سوف تستسلمان.

الصحفي: ماذا يحدث اذا غادر الامريكان العام المقبل؟

هامر: انهار من الدماء في كل مكان. سوريا وايران ستقتطعان اراض من العراق. والحكومات المناهضة لأمريكا سوف تضحك. ستكونون مثار سخرية ولن يأخذكم احد مأخذ الجد. ولو حدث هذا سأقتل نفسي . انا جاد جدا. الميليشيات سوف تطاردني وتقتلني وعائلتي . سوف اسبقهم واقتل نفسي. من يعمل لدى الجيش الأمريكي لمدة اربع سنوات مثلي ويحصل على مصادقة من جنرال او سيناتور يمكن ان يحصل على الجرين كارد. وأملي ان احصل عليها سوف افعل اي شيء من اجل ذلك . افعل هذا من ا جل ابني . لا اريده ان ينشأ هنا . اريده ان ينشأ حرا ، ان تكون له صديقة وان يتزوج ويكون مواطنا صالحا.

الصحفي: ماذا يتمنى ابنك ان يكون حين يكبر

هامر: يريد ان يكون جنديا امريكيا. انه يضع العلم الأمريكي في غرفته ولعبته رشاش ام -4 ، ويرتدي بزة عسكرية اشتريتها له من البي اكس (الاسواق داخل القاعدة) .

اقول لعائلتي اذا مت هنا لفوني بالعلم الأمريكي . لا اريد ان ألف بالعلم العراقي.

http://www.michaeltotten.com/archives/2007/08/an-iraqi-interpreters-story.php

وربما مثل هذه الآراء التي غالبا ما نراها في مقابلات الصحفيين والمترجمين بدرجة أو اخرى، تبين لنا كذب ادعائهم بأنهم التحقوا بالجيش الغازي من اجل (بناء العراق) ، فهم في النهاية لا يريدون البقاء في العراق وكل ما يسعون اليه هو العيش في الولايات المتحدة . بعضهم كما سنرى سيغير اتجاهه 180 درجة حين يصل فعلا الى جنة العالم الحر.

نفس المترجم أعلاه يقول عن مشاعره تجاه الوطن والقاعدة الأمريكية :"حين اذهب خارج الاسلاك الشائكة اشعر كأني غريب. حين اعود الى القاعدة اشعر كأني في بيتي. لا اصدقاء لي في الخارج، فقط عائلة. حين اذهب الى بيتي لا اخرج منه الى الشارع. لا اشعر اني انتمي الى هذا المجتمع . انهم يفكرون بشكل واحد ولايفكرون مثلي . لا استطيع ان استمر معهم."

هذا شعور مشترك بين المترجمين. أصبحت القاعدة الأمريكية بالنسبة لهم : الوطن والبيت والأهل والأمان. أما خارجها فالخوف والموت.

**

الكذب منجاة والصدق مهلكة

يحتاج المترجم المتعاون مع الاحتلال ان يكذب كثيرا ربما حتى على أقرب الناس إليه. يكذب من أجل ان يفسر الأسابيع التي يختفي فيها وكذلك وفرة المال المفاجيء، وأيضا وقبل كل شيء لئلا يصل خبر حقيقة عمله الى المقاومة . وهكذا فإن بعضهم قد يزعم انه يعمل في شمال العراق، وبعضهم قد يزعم عمله في مشاريع بناء في محافظات أخرى، وقد قال احدهم انه لا يتحدث حتى اللغة الانجليزية امام اطفاله لئلا يعرف أحد انه يجيد اللغة. وقال واحد آخر انه رغم القناع الذي يرتديه فهو يكسر لغته العربية امام العراقيين الذين يستجوبهم مع الأمريكان حتى يظنوا انه أمريكي يعرف شيئا من العربية. بعضهم كان يأخذ عائلته الى سوريا او الأردن ثم يعود للعمل في القواعد معظم الوقت، وهكذا يستطيع ان يتخلى عن إجازاته فيكسب مالا أكثر كما يحد من عملية خروجه الى المنطقة الحمراء. وقد سمعت عن أحدهم سافر بعائلته الى بلد عربي ثم عاد واختفى بضعة أشهر حتى قلقت عائلته التي لم يتصل بها طوال هذه الفترة ولا يعرف احد منهم طبيعة عمله، وبدأت الاتصالات بين افراد العائلة للسؤال عن مصير الرجل، وهم يحسبون انه قد قتل بشكل أو بآخر ، حتى تبين مايفعله بغلطة ارتكبها حيث اتصل بأحد اصدقائه على المسنجر بانجليزية مكسرة ، ثم بعد قليل بانجليزية صحيحة ، واعتذر انه في مكان ليس فيه كيبورد عربي، ففهم الصديق بعد ان جمع 1+1 فوجد الناتج 2. إذ ما الذي يجعل شخصا يغيب أسابيع طويلة ثم يظهر فجأة وهو يتكلم الانجليزية ولم يكن يعرفها او يعلن معرفته لها، ثم لماذا في العراق لا يوجد كيبورد عربي ؟ وهكذا اتصل بعائلة الشخص وطمأنهم انه حي كما يبدو و يعمل في احدى القواعد. ويبدو انه استطاع الحصول على انترنيت بطريقة مختلسة بواسطة احد الجنود، وحين رأى على المسنجر صديقه القديم لم يستطع ان يمنع نفسه من الاتصال به. والعبرة في هذه القصة : ان من يطرق هذا الطريق عليه ان يتخلى عن أصدقائه القدامى وأن يكتم شوقه للاتصال بهم.

قبل أن يمر وقت طويل في العمل مع الإحتلال ورغم مظاهر الحماية ، فإن المترجمين يتعلمون بسرعة ان عليهم حماية انفسهم بأنفسهم . وعن هذا يتحدث (علي) في مقالة الكاتب جورج باكر التي اشرنا اليها في المقالات السابقة :

(كان علي يعمل في النوبة الليلية في قاعدة في الحي الذي يعيش فيه وكان يمشي الى المنزل بنفسه بعد منتصف الليل. في حزيران 2003 وضع الأمريكان انوارا ساطعة ضخمة في مقدم بوابة القاعدة وحين كان علي يغادرها الى منزله كان النور ينعكس على شخصه الى امتداد مئات الاقدام عبر الشارع وقد قال للحراس في البوابة " هذا خطر علي . الا يمكن ان تطفئوا النور حتى أمر؟" فأجابه الجنود "لاتخف . هناك قناص في أعلى البرج يحميك حتى نهاية الطريق." وبعد اسبوعين كان احد اصدقاء علي في البرج يحادث القناصة ويشكرهم . فسألوه عن ماذا ؟ قال عن حمايتنا ، فبدأوا يتضاحكون. وعندها عرف المترجمون ان الرسالة واضحة "على العراقيين ان يحرسوا أنفسهم")

حين يأتي وقت الإجازة يغيرون ملابسهم الى المدنية ويتركون بطاقاتهم التعريفية في مكان العمل. ومعظمهم يقوم بخطوات ملتوية حين يغادرون القاعدة حتى لا يثيروا الانتباه. ففي الصيف قد يغادر بعضهم في عز الظهر حيث يقل عدد المارة. وبعضهم يأخذ اكثر من واسطة نقل ويغيرها طرقه في كل مرة .

وعند العودة الى القواعد يتبعون نفس الروتين ، ويقول أحدهم انه كان يأخذ اكثر من سيارة اجرة وفي كل مرة يغير اسباب زيارته للقاعدة امام سائق الاجرة الأخير.

الحياة داخل القواعد :

بعد أن ينجح الشخص في الحصول على الموافقة على عمله من خلال استمارة التقديم واجراء اختبار الكذب، والتحريات الأمنية، يتحدد اليوم الذي يلتحق به . يذهب الى المنطقة الخضراء ومنها تأخذه مروحية الى المعسكر الذي سوف يعمل فيه . يجد في استقباله ممثل الشركة التي تعاقد معها (تايتان او غيرها) ويأخذه الى غرفة المخزن حيث يزوده بالعدة وهي الخوذة والدرع الواقي والزي الرسمي العسكري. ويقول احد المترجمين ان الزي العسكري ليس مفروضا عليهم ولهم الخيار في ارتداء الملابس المدنية او العسكرية والتي تكون بلا رتب اواشارات ولكن على اعلى الذراع هناك العلم الأمريكي. وأكثر المترجمين يفضلون الزي العسكري فهذا يمنحهم كما يعتقدون شعورا بأنهم على قدم المساواة ، ويمنحهم نوعا من الحماية التي يستشعرونها وكأنهم جزء من جيش الاحتلال.

كما ان لهم الخيار في قبول مأمورية معينة أو رفضها حين تكون في منطقة الشخص او في مكان لا يريد الذهاب اليه . كما أنهم احرار في تغطية وجوههم او كشفها ولكنهم يفضلون تغطيتها الى أبعد الحدود ، فعلاوة على القناع يرتدون نظارات شمس سوداء كبيرة تغطي ما تبقى ظاهرا من وجوههم. وإذا كان المترجم يحس بالخطر في ايام ساخنة بالاحداث في منطقته فله الخيار ان يستأذن من مسؤول القاعدة او المعسكر ان يسمح له بالمبيت في الثكنة بدلا من التوجه الى المنزل. وفي هذه الحالة يدبر له مكان مؤقت. وفي القاعدة هناك خيام ترانزيت ، للحالات الطارئة مثل هذه او ان يضطر شخص للمبيت لتأخر الطائرة.

وفي نفس الوقت، يمكن للجيش ان يبعثهم الى اية منطقة او اي معسكر آخر فيه نقص في المترجمين خاصة أثناء العمليات العسكرية الكبرى. ويتم توزيع المترجمين حسب نوعية المهام: فهناك مترجمون للتفتيش على البيوت واستجواب اهلها وهناك مهام للوقوف في نقاط التفتيش.

السكن في أغلب المعسكرات يكون في خيام خاصة بالمترجمين الإناث والرجال كل على حدة. وفي بعض المعسكرات تكون تلك الخيام عارية من وسائل الراحة مثل التدفئة وحتى البطانيات.

وفي حالة زواج مترجمين كما حدث في مرات قليلة ، فإن المعسكر يهيء لهم سكنا خاصا اوخيمة خاصة لهما.

تناول الطعام يكون في مطاعم اسمها (چو هول) ويبدو ان هناك اكثر من 3 وجبات في اليوم فهناك وجبة بعد منتصف الليل ايضا. وفي هذه المطاعم يجلس الجنود والضباط والمترجمون على قدم المساواة ، ولكن كما يخبرنا المترجم هامر الذي نقلنا جزءا من مقابلة صحفية معه أعلاه بتاريخ 7/8/2007" في معسكر التاجي حيث فرقة الفرسان الاولى ، يظنون ان المترجمين هم العدو. لقد قرروا ان على المترجمين من غير الجنسية الأمريكية ان يخلعوا العلم الأمركي من بزتهم قبل ان يسمح لهم بدخول المطعم. لقد بكيت ذلك اليوم. واشتكيت قائلا هل حلال بالنسبة لي ان اموت في الخارج مرتديا العلم الأمريكي ولكن حرام أن آكل مع الأمريكان مرتديا العلم الأمريكي؟ كان ذلك اسوأ يوم في حياتي في الجيش الأمريكي)

وأعتقد ان السبب في ذلك هو لتمييزالمترجم العراقي حامل الجنسية الأمريكية عن العراقي المحلي ، ليأخذ الضباط والجنود حذرهم في التباسط بالكلام واعطاء معلومات لمترجميين محليين مشكوك فيهم مهما أبدوا اقصى درجات الولاء.

استخدام الهاتف المحمول: يبدو انه في القواعد الكبيرة او الرئيسية يمنع استخدام المحمول او ان هناك اجهزة تشوش عليه، وهكذا يكون على المترجم الذي سيغيب عدة ايام في قاعدة ما ان يخبر أهله انه سيكون خارج نطاق الخدمة او ان الشبكة ضعيفة في المنطقة التي يعمل بها .

التحرك من وإلى القواعد

حين يكون المترجم في احد المعسكرات المؤقتة او ما يسمى (قاعدة العمليات المتقدمة) فإنه لا يستطيع الذهاب الى القاعدة الكبيرة الا ضمن رتل او قافلة وهكذا عليه ان ينتظر ساعة خروج مثل هذه القافلة.

وحين يصل القاعدة الكبيرة ، عليه ان يذهب الى مسؤول الاتصال المعين له point of contact لترتيب طيرانه الى المنطقة الخضراء ، وبدون هذا المسؤول لن يستطيع الطيران وعليه الانتظار حتى لو استغرق الأمر اياما.

في احدى الحالات يروي احد المترجمين انه قضى 3 أيام من أجل ان يتمكن من الطيران لمدة 50 دقيقة للوصول الى المنطقة الخضراء ومنها الى منزله خارجها.

الباجات:

حتى اواخر 2006 ، كان على المترجمين العراقيين ان يدخلوا ويخرجوا من بوابة اطلقوا عليها اسم (بوابة القتل) ، وكان يستخدمها اكثر العراقيين الذين يعملون في المنطقة الخضراء. وفيها حدثت معظم حوادث التفجيرات وسط هؤلاء العاملين الذين يقفون في طوابير طويلة تستغرق وقتا. وقد اشتكى المترجمون وحاولوا الحصول على باجات اخرى تسمح لهم بالدخول من الباب التي يدخل منها الأمريكان لأنها اكثر مناعة وحراسة. وطلبوا باجات خضراء وهي اقل من الباجات الزرقاء التي يرتديها الأمريكان ، ولكنها تسمح لهم ان يدخلوا من البوابة المحمية على أن يتم تفتيشهم داخل البوابة . ولكن السفارة امتنعت من اعطائهم الباجات هذه لأنها تسمح بحمل السلاح وهم غير مسموح لهم بذلك . هذا كان في 2004 ولكن فيما بعد وعند نهاية 2006 حين صدرت اوامر شفاهية للسماح للمترجمين الذين يحملون تصريحات من السفارة الدخول من تلك البوابة ، ولكن كان الجنود احيانا يرفضون تنفيذ تلك الاوامر.

ثم يبدو انه فيما بعد سمح للمترجمين بحمل السلاح، بدليل ان بعضهم يتحدث عن المشاركة في الدفاع والقتال . بل ان احد المترجمين الكرد عرف عنه المتاجرة بالسلاح .

وعلى ذكر التربح كما فعل هذا الكردي، فقد كان بعض المترجمين يحتال هنا وهناك من أجل الحصول على المال. ويروي سام في مدونته عن احد المترجمين الذي يعمل في الشوؤن المدنية ، وأبلغه بأنه حين يترجم عقدا لأحد المقاولين، يطلب منه عمولة جيدة بعد أن يساوم المقاول: اذا لم احصل على بعض المنافع لن ادع الأمريكان يوافقون على عقدك. ويقول ان بعض المترجمين يحصلون على مبالغ مالية كبيرة من هذه الاعمال وان بعضهم يتفق مع الأمريكان ويقتسمون بينهم ما يأخذونه من المقاولين، وإذا لم يفعلوا ذلك وأمسكهم الأمريكان متلبسين بالرشوة فمصيرهم السجن.

المال هو الدافع الرئيسي لبيع الوطن. وقد سأل أحد الكتاب الأمريكان سؤالا بلاغيا عند التعليق على قيمة عقد شركة L3 ومن بعدها شركة Global لتوفير المترجمين والبالغ 4.6 بليون دولار: ماذا في اللغة يستوجب كل هذه البلايين ؟

والجواب ان اللغة تعني معلومات، والمترجمون المتعاونون وقد عرفنا ان بعضهم لا يحسن أية لغة، مهمتهم الأولى جمع المعلومات طواعية او تكليفا. فهم مخبرون على بني جلدتهم الذين اصبحوا في نظرهم (الناس الاشرار bad guys) ، وبهذا لايعتبرون عملهم (تجسسا) لصالح العدو، لأن هؤلاء الاشرار هم العدو في نظر القابعين في القواعد. وفي الواقع ان هناك وقائع تشيب لها الولدان، يشترك فيها المترجمون من خلال (معرفتهم) بأهل بلدهم. ومايسمونه (جسرا) وتحسينا للتعامل مع العراقيين وقوات الإحتلال هو في الواقع استجوابات وتحقيقات، لأن القوة الأمريكية حين تذهب للتفتيش على البيوت فهي لا تذهب لإجراء لقاءات صحفية او حوارات ثقافية ، وانما هي تقتحم الابواب وتكسرها ، ثم تندفع الى الغرف ، وتجمع النساء والأطفال وتضعهم في غرفة واحدة او خارج المنزل، وتستفرد بالرجال والشباب، فتستجوبهم بواسطة المترجمين الذين اصبحوا يبادرون هم الى الاستجواب لخبرتهم بما يريده الأمريكان. وحين يفهم المترجم – لمعرفته بالشخصية العراقية - ان المعتقل يقول شيئا يداري به حقيقة ما ، يلتفت المترجم الى القائد الأمريكي ليقول له "انه يكذب"، ويشارك المترجم في الاطاحة بالرجل الى الأرض وضربه والصراخ به. يقول احد الضباط في الدفاع عن المترجمين انهم لا يترجمون الكلام فقط وانما يترجمون المشاعر، كأن يقولوا ان الشخص العراقي الذي يستجوبونه "غضبان" "فرحان" "شامت" " مستهزيء" "حزين" . هذه مهمة المترجمين الذين يسمون انفسهم تجملا "مستشارين ثقافيين "، مهمتهم البحث عن النوايا في ضمائر الناس وتقديمها للمحتل.

وأتحدى اي مترجم أن يقول لي ان هذا لم يحدث أثناء عمله.

أذكر أني قرات في مكان ما ، جريمة تفتيش أحد البيوت في العراق ، وقد سأل المقتحمون الابن الأكبر للعائلة اذا كان لديهم سلاح، فقال نعم : بندقية والدي في دولاب غرفة النوم ، فطلبوا منه أن يأخذهم الى الدولاب، وذهب معهم المترجم، وكانت الأم والبنات جالسات في غرفة الجلوس يحرسهم جندي. وفجأة سمع صوت اطلاق نار من الغرفة . وبعد قليل خرج الجنود وغادروا المنزل، يتبعهم المترجم الذي قال للأم وهو يتجه نحو باب الخروج :"لقد قتل ابنك في الداخل" .

نعم كما يقول احد المترجمين " المشاركة في التفتيش ليس للقلوب الضعيفة" وهي الجملة التي نسمعها حين يروج المنتجون لفيلم رعب: ليس للقلوب الضعيفة. وكما قال مترجم آخر "تصبح هذه المسائل مثل شريط سينما" . انهم يعيشون لحظات الأكشن السينمائية. وكما قالت مترجمة وهي تصف حياتها بعد هروبها الى الولايات المتحدة"أجد نفسي وكأني في فيلم. هذا شيء غير واقعي ". نعم ألعاب فيديو وأفلام .. وليس دماء وبشرا ووطنا مقتولا.

أريد أن اسأل سؤالا واحدا يحيرني: لماذا نجد بعض الجنود الأمريكان يبدون الندم على مااقترفوه في العراق، وينضم بعضهم الى منظمات مناهضة للحرب، ثم يجعل مهمته في الحياة ان يفضح جرائم الاحتلال، ولكن في المقابل لم نسمع او نر مترجما واحدا أبدى ندمه، بل انه يتفاخر حتى يكاد ينفجر.

في الحلقة القادمة سوف نتحدث عن المترجمات العراقيات في الجيش الأمريكي.

هناك تعليق واحد:

  1. شاهد من العرصات5 أبريل 2010 في 10:35 م

    من اجمل المقالات التي قرأتها بصراحة نعم هناك شرخ في الشخصية العراقية لدى البعض لاتنسي الاغراء لاتنسي من خسر كل شيء , البعض لايهتم ببساطة , هناك من ادعوهم بحاملي ازدواجية الشخصية .


    انا عن نفسي فقدت ايماني بالشعب العراقي وبالعراق ولكني افضل الانتحار على ان اكون عبدا لغيري .

    ردحذف