"المدونة محمية بميثاق الشرف. أرجو الإشارة الى اسم (غار عشتار) والكاتبة (عشتار العراقية) عند إعادة النشر"

8‏/5‏/2016

الملل والطوائف ورعاتهم الأجانب

غارعشتار
بقلم: مصطفى زين
ما زلنا نعيش في مرحلة «المسألة الشرقية» بكل تفاصيلها، خصوصاً في بلاد الشام والعراق، حيث كان لكل طائفة أو أقلية حماتها الأجانب. وحين كانت السلطنة العثمانية في طور الانحدار واضطرت تحت ضغط أوروبي وروسي إلى سن نظام «الملل»، نظام يعترف لكل طائفة باستقلالها «الداخلي»، أي لها الحق في أن تكون لها مدارسها ومحاكمها الخاصة، يدير شؤون رعيتها مجلس ملّي مسؤول أمام الصدر الأعظم، أي يشاركه في حكم هذه الطائفة أو تلك.
أليس هذا ما نراه في أوضح صوره في لبنان؟ ورث هذا البلد نظام الملل وحافظ عليه بكل تفاصيله، فهناك مجلس إسلامي سني، ومجلس إسلامي شيعي، ورابطة مارونية، وأخرى أرثوذوكسية، ومشيخة عقل درزية. والكل يشارك في الحكم، ليس لتمثيل اللبنانيين بما هم مواطنون متساوون أمام القانون، بل للدفاع عن مصالح الطائفة المرتبطة بمصلحة الخارج، وذلك باعتراف الجميع وفخرهم بهذه الدولة الراعية أو تلك، وإجراء مفاضلات بين الحماة، حتى وصل الأمر ببعضها إلى طلب الحماية من إسرائيل.

هذا في لبنان. أما في سورية فأنشئت الدولة الحديثة على أسس مختلفة. وكان يفترض بشعار العروبة أن يكون جامعاً، فلم يسمح لأي طائفة بإنشاء مدارسها أو سن قوانينها الخاصة. وهذا ما اعتبر أحد أوجه الاستبداد الذي فرض الهوية العربية على الجميع. والآن أصبحت سورية، بعد الحروب المتواصلة منذ خمس سنوات، مجرد تجمعات عرقية ومذهبية متناحرة، لكل تجمع رعاته الخارجيون يدعمونه بالمال والسلاح والأيديولوجيا، ويسعون إلى إعادة نظام الملل ليكون لكل راعٍ حصته في هذا النظام. وها هي حدود المذاهب والطوائف والأعراق ترسم بالدم يومياً أمام أعيننا. وقد هجر البلاد معظم الذين يعارضون الديكتاتوريات الجديدة الناشئة الساعية إلى التقسيم، مغامرين بحياتهم وحياة أطفالهم. والطريف أن الرعاة يتاجرون بهم وبقضيتهم، ويقايضونهم بأثمان سياسية، ليس أقلها السماح للأتراك بالدخول إلى أوروبا من دون تأشيرة. والأكثر إنسانية بين هذه الدول تختار منهم ما تحتاجه من مهارات في العمل مثل الأطباء والمهندسين والعلماء والمفكرين.

العراق سبق سورية إلى نعمة نظام الملل. بعد سقوط العروبة وإلغاء ذكرها في دستور بريمر، أخذت الطوائف والمذاهب والأعراق كل حريتها. تقاسمت السلطة على أساس الأكثرية والأقلية، فرئيس الوزراء شيعي ورئيس الجمهورية كردي، ورئيس البرلمان سني، وللمسيحيين والصابئة والإيزيديين «كوتا» من النواب. وطبعاً لكل طائفة ميليشياتها وحماتها الخارجيون. وإن كان للولايات المتحدة وإيران حصة الأسد.

 أما تركيا الساعية إلى تجديد عثمانيتها وتحقيق حلمها بضم الموصل فلديها في الدولتين من يأتمر بأمرها، وهي مصدر قوة لهذه الميليشيا أو تلك. لكنها، هي الأخرى، تتجه في سرعة للعودة إلى نظام الملل، فرئيس البرلمان إسماعيل كهرمان يدعو إلى إلغاء العلمانية من الدستور، ورئيس الوزراء أحمد داود أوغلو يستقيل من منصبه بسبب الخلاف مع أردوغان الساعي إلى تنصيب نفسه سلطاناً جديداً عبر تحويل النظام إلى رئاسي كي يكون قرار الحرب والسلم في يده، متجاهلاً أن بلاده أيضاً خليط عرقي ومذهبي، وقد تتفجر الهويات داخلها، تماماً مثلما تفجرت في سورية والعراق. وعندها تعود المسألة الشرقية إلى بداياتها وتصبح مساعيه للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي مجرد وهم، ويصبح «النموذج الديموقراطي الإسلامي» مجرد تاريخ مضى.

العراق وسوريا = 4 دويلات
منطقة سنستان تتحرك فيها داعش لتحديد بقية الدويلات
الأزرق: كردستان
الأحمر: سنستان
الأسود: شيعستان
الأصفر:علويستان
المصدر

هناك 4 تعليقات:

  1. احسنت بنقل مثل هذا المقال الذي يذكر ما قد يكون البعض غير منتبه له من اهداف الدول الرأسمالية بشكل عام و الانكلوسكسونية بشكل خاص. اما نحن الجيل القديم فقد علمنا البعث ان شعار الاستعمار فرق تسد

    ردحذف
  2. هذا الواقع الات ولكن ليس معلن رسميا -استمرة بانذار الناس بالخطر الداهم

    ردحذف
  3. ان المستشرقين الغربيين لم يتركوا زاوية من زوايا المجتمع العربي الا ودخلوا اليه وتعرفوا على تفاصيل الحياة فيه ثم قدموها لمراكز البحوث الغربية التي بدات بدراسة نقاط الضعف والقوة فيه ووضعوا على اثر ذلك دراساتهم وخططهم الاستعمارية المرحلية والاستراتيجية ورسموا طريقة الوصول الى اهدافهم ووسائل الوصول اليها وما عبارة فرق تسد الشهيرة التي اطلقها كهنة السياسة البريطانية الا خلاصة دراساتهم عن المنطقة وكيفية الوصول للسيطرة عليها
    وما نسمعه اليوم وما نشاهده من تقاتل وتفجير للنقاط الضعف الكامنة تاريخيا في مجتمعنا الا نتائج تنفيذ هذه السياسات الاستعمارية

    ردحذف
  4. وجود الملل والنحل أمر لابد منه بحكم طبائع البشر. ولكن مقتل هذه الأمة (وأقصد الأمة العربية ) أنها وضعت (أو وضعت لها ) هذه الانتماءات في المقدمة كعنوان أكبر من عنوان الانتماء للعروبة أو الوطن. فأمريكا مثلا فيها من الأديان والألوان والأجناس المختلفة ما يفوق ما لدينا. ولكن التثقيف هو بوجود هوية شاملة تطغى على كل العناوين الفرعية، ألا وهو الانتماء للوطن. نسي العرب أنه بالانتماء للطوائف لن يبقى هناك وطن أبدا. وفي النهاية ستبقى الطائفة تحت حماية الأجنبي. أعتقد أننا أمة محكومة بحب الانتقام من أنفسنا بالتعلق بموروثات تاريخية سخيفة وموتورة، يستغلها الأجنبي وأدواته معتمدا على جهلنا لتفريقنا وتفتيت وحدتنا. فحصرنا هوياتنا في كانتونات صنعها المحتل ومذهبيات عمقها وأصلها الأجنبي. والقادم أسوأ.



    ردحذف