"المدونة محمية بميثاق الشرف. أرجو الإشارة الى اسم (غار عشتار) والكاتبة (عشتار العراقية) عند إعادة النشر"

6‏/11‏/2014

الصهيوني الذي اشترى العراق -5 شهادة وليم ماركس -3

غارعشتار
 الحلقة السابقة
بقلم: وليم ماركس
ترجمة عشتار العراقية
في الاسابيع التالية استمر الفريق العسكري الامريكي في قصر الفاو في ارسال حوالي خمس مقالات كل يوم. وسرعان ما بدأت ادرك كيف تموضع مجموعة لنكولن نفسها بين الفريق العسكري وموظفينا العراقيين الذين كانوا انفسهم الرابط الوحيد للشركة الى الصحافة المحلية. كانت مجموعة لنكولن قد وقعت عقدها الاعلامي مع مكتب الشؤون العامة التابع للجيش الاميركي PAO الذي يقدم معلومات (حقيقية) للصحفيين الراغبين في معرفة خسائر القوات ومشاريع اعادة البناء. ولكن بيج كريج فيما بعد اقنع الجيش بأن شركته قادرة على خوض مجال عمليات المعلومات السرية.
في هذا الوقت كان اختيار المقالات الصالحة للنشر قد أكسبني في نظر نفسي شيئا من القوة. ورغم ان هذه القوة لم تسكرني، ولكنها كانت بالتأكيد اكثر اهمية في الاطار الاكبر للأمور من اي شيء خبرته في الجامعة.
كما تعلمت انه مهما كانت القوة التي  امتلكها فإنها ليست مطلقة. حين كان القادة الكبار يصنفون بعض المقالات على انها اولوية ، مثلا مقالة بعنوان (فيلق بدر يتفادى الانجرارالى القتال) اعطيت اهمية خاصة من قبل الجنرال جورج كيسي وهو اكبر ضابط امريكي في العراق آنذاك. وبهذا اصبح لهذه المقالة اولوية من قبل الميجور روزن  والميجور مويرهيد. والمقالة تمدح الميليشيات الشيعية لامتناعها عن هجمات انتقامية ضد القاعدة وتقول المقالة "إن ضبط النفس الذي اظهره فيلق بدر وايمانه بوجوب وقوف كل العراقيين بوجه العنف الارهابي يضفي عليهم فضلا عظيما وشرفا كبيرا لكل العراق"وتضيف المقالة "التاريخ لن يذكر بالود،القتلة والمخربين. التاريخ يقدر الناس الذين يقفون ضد الالم وخطر الموت لقول (لا) للقتلة والمخربين. وهذا هو السبب في ان ادعاء عصابة القاعدة ان قتلتها (شهداء) هو كفر مبين"
كنت في ذلك الوقت قد طورت ما اعتبره علاقة وثيقة مع محمد والعاملين معه الذين غفروا لي سذاجتي.  فمع اني كنت قد افترضت ان كل الصحف على القائمة التي تركها معي جون كانت صحفا يومية فقد ابلغني محمد ان  الكثير منها كان اسبوعيا او يصدر كل 3 أسابيع او دورية في اوقات غير محددة. حين كنت اطلب ان تنشر مقالة في صحيفة معينة ، كان يمضي ضد رغباتي حين يعلم ان الصحيفة التي حددتها لن تصدر قبل عدة ايام وكان يقوم بنشر تلك المقالة في صحيفة يومية. وكما شرح لي في رسالة الكترونية انه إذا لم يفعل ذلك (فإن بعض هذه المقالات سوف تتأخر في الزمن لبضعة ايام وفي هذه الحالة تفقد اهميتها الخبرية وسوف تتناول الموضوع صحف اخرى قبلها. هذا هو اهم النقاط التي تؤدي برؤساء الصحف لمعرفة علاقة هذه المقالات بالامريكان لأنه من غيرهم سوف يدفع مالا لنشر مقالة عن اخبار بائتة؟)
أرسلت الى محمد مقالة فيلق بدر موضحا انها كانت ذات اهمية قصوى وكنت اشعر بالحماسة لتنفيذ اوامر ضابط كبير. بعد ايام على  اية حال لم تنشر المقالة . واخبرني محمد بأن رئيس التحرير في الصحيفة التي اخترتها وهي الدستور قد خاطبه مبلغا اياه ان المديرين عارضوا سياسات المقالة. وحسب رواية محمد فإن نفس رئيس التحريرغير رأيه بعد النقاش معه موافقا على نشرها (وافترضت ان هذا معناه ان محمد أثناه عن رفضه بوعده بمزيد من اموال مجموعة لنكولن)  ولكن حين طلعت الجريدة في صباح اليوم التالي لم يكن فيها المقالة. فأرسلت رسالة اعتذار الى  الضابطين مويرهيد وروزن موضحا سبب رفض هذه المقالة ذات الاولوية وقلت في الرسالة اني لم اناقش المسألة مع ادارة الصحيفة لأني لا اريد ان أفسد علاقتي برئيس التحرير. قبل روزن  اسبابي بل انه كان حتى مسرورا بالرؤية التي قدمتها. وكتب يقول "انه معلومة جيدة ان نعرف ان المقالة تجاوزت حدودا سياسية وفكرية . هل هذا شيء ينبغي علينا اخذه بنظر الاعتبار، عند كتابة مقالات مستقبلية لتلك الصحيفة او كل  الصحف الخ ؟ من الجيد  ان نكون حذرين وهذا يبين انهم ليسوا كلابنا المدللة"
وبالتأكيد بسبب افتراض روزن وفريقه اني اتعامل بانتظام مع الصحافة العراقية فقد اعتقدوا اني شخص مهم ينبغي اخذه على محمل الجدية. وفي المقابل منحتني كلمات روزن المشجعة جسارة لاعرض اقتراحات اخرى حول طرق تحسين مقالاتنا المؤيدة للديمقراطية. اخبرته بأن مقالة حول ضبط الجيش الامريكي ترسانة من السترات الواقية من الرصاص كانت قديمة ولا يمكن وضعها في صحيفة يومية وتبدو مثل كاتالوج للذخائر وليس هناك لمحة انسانية تشد القراء. وكتبت لروزن قائلا "هذا ليس نقدا وانما اعبر عن رأيي الصادق باعتباري محللا اعلاميا "(كان جيم سوتون قد منحني هذا اللقب وطبعه على بطاقات التعريف الخاصة بعملي في مجموعة لنكولن)
بالنسبة للمقالات الاخرى اشرت ان الجيش فشل في تغطية صوته الخاص ومعلوماته مثل تلك المقالة التي كتبها الجنود ردا مباشرا على زعم ابي مصعب الزرقاوي "صحيح انه خلال احدى عملياتنا الامنيةاعتقلت قوات التحالف امرأة" قلت له ان مقاربتهم لاخبار الزرقاوي برمتها خاطئة حيث انهم يلمعونه في الاعلام اكثر من اللازم. شكرني روزن لكل (الجهود لتوجيهنا الى منتج افضل) مع انهم ايضا كانوا يفكرون بكيفية الكتابة عن الزرقاوي وقد اعطيت للفريق (بعض الارشادات الصارمة من رئيسنا) واضاف روزن انهم ايضا كانوا يتراسلون في نفس الوقت مع فريق العمليات النفسية ومكتب الشؤون العامة ولهذا كانوا مرتبكين فيما يمكنهم فعله. ولكن ارفق روزن تحت تعليقاته نسخة رسالة موجهة اليه من مرؤوس متحير يسأله "هل يجب ان نستمر في الكتابة بنفس الطريقة؟"
وفي رسالة الي، اسرني روزن ان اكبر شعور بالمرارة لديه هو حين يدقق زملاؤه وهم (حفنة من الشباب الابيض) في هذه الكلمة او  تلك في مقالة سوف تترجم الى العربية "لم يحدث ان استشاروا مرة واحد عربيا حول افضل طريقة لكتابة الفكرة بالعربية . انهم ينسون اننا نحاول ايصال الفكرة وليس الكلمة"
في صباح احد الايام قرب نهاية تموز، قرر جيم سوتون اني احتاج الى التفتيش على محمد وفريقه في مكاتبهم داخل المدينة. التقطني خارج الفيلا في سيارة بي إم دبليو سوداء. وقادها الى الحاجز الكونكريتي المضاد للتفجير وسياج السلك المشوك في الحدود الخارجية للمنطقة الخضراء . كانت هناك لافتة ترشد السائقين وركابهم ان يقفلوا الابواب ويذخروا السلاح (LOCK AND LOAD) اعطاني جيم مسدس كلوك 9 ملم لاحمله متواريا في حجري. ثم انطلقنا الى الجزء من بغداد الذي يسميه كل امريكي التقيت به (المنطقة الحمراء) . وبما اني بالغ الطول وشعري اشقر فقد لم يكن امامي فرصة (الاندماج) في الجمهور، وكان من الصعب  ان يضعني قميصي المقلم ونظارتي الريبان تحت الرادار.
على طول شارع ضيق من المحلات قرب نهر دجلة ، ابطأ جيم السيارة الى سرعة زاحفة ولوح لبعض الاطفال على سلم باب بيت قريب وقد ردوا على تحيته. ثم بدون إنذار جاءت سيارة مسرعة نحونا من الخلف وزعقت فراملها وهي تقف مباشرة امام سيارتنا البي إم دبليو. قفز جيم  الى الخارج ونظرت برعب منه الى السيارة الغريبة التي خرج منها في نفس الوقت رجال ضخام . ركض احدهم متجاوزا جيم نحو سيارتنا. وقبل ان استطيع التصرف جلس في مقعد السائق الى جانبي. وبسرعة عرف نفسه بانجليزية  بدائية على انه جزء من عناصر امن مجموعة لنكولن.وأنا اتنفس الصعداء، رأيت جيم يصعد في السيارة الثانية وهي بي إم دبليو رمادية فضية مع اثنين من الحراس المسلحين وصعد معنا رجل يحمل كلاشنتكوف جلس ورائي . كان سائقي كرديا من المنطقة حول الفلوجة وكان وهو يقودنا الى مركز المدينة ، يصرخ بالاوامر للسيارة التي امامنا عبر راديو .
كان عمري 22 سنة وفي تلك اللحظة كنت احمل مسدسا محشوا ويقودني عبر شوارع بغداد الخطرة اثنان غريبان . ربما كان هذا هو  العراق الحقيقي. ربما كان هذا مايعنيه ان تكون جون سمبسون.
في ذلك الوقت كان الاطراء ينهال على عملي. كان جيم سوتون يحب اسلوب تعاملي المريح مع العراقيين ومحاولاتي لتعلم العربية. كان يمتدحني ايضا لبرودة اعصابي في المواقف غير المألوفة مثل عملية تبديل السيارات قرب نهر دجلة التي حدثت ذلك اليوم والتي بدت وكأنها جزء من اختبار. حتى جينا التي كانت باردة معي عند  اول وصولي الى العراق اصبحت اكثر حرارة معي. وبسبب خلفيتي الدراسية في اوكسفورد والتي يتشارك فيها معي كرستيان بيلي ، كانت تعتقد اساسا اني قد اكون جاسوسه انقل له اخبار ومشاكل الشركة والموظفين ولكنها حين علمت عن مخاطرتي بحياتي في بغداد مقابل  راتب 1000 دولار شهريا  مقارنة براتبها البالغ 70 الف دولار سنويا، بدأت تشعر بالعطف تجاهي في معظم الاحيان.
أجلسني جيم سوتون ذات امسية في الفيلا لنتحدث عما وصفه بانه (الخطوة التالية) في عمليات الشركة . في نفس خط الاهداف بعيدة المدى لمجموعة لنكولن ، ينوي سوتون والفريق المثبت (حوالي ستة اشخاص تواجدوا في العراق لمدة اكثر من شهرين)  تنفيذ عقد عسكري اكبر بكثير من عقدهم الحالي. ستكون (المهمة الغربية) نسخة اوسع نطاقا  بكثير من الجهود الاعلامية الحالية. ستكون (هجوما اعلاميا) كاسحا شاملا كما قال جيم، وسيكون هذا اكبر عقد من نوعه. خلال شهري آب وايلول وحدهما كنا نقترح وضع 16 نقطة مختلفة ولكنها مؤيدة للحكومة وضد التمرد على محطات التلفزيون العراقية مقابل مبلغ 16.5 مليون دولار. سيكون هناك ايضا 20 بثا على الراديو، والجيش سوف يدفع حوالي 20 الف دولار لكل منها. سوف ننشر 80 اعلانا نصف صفحة بالالوان و32 مقالات افتتاحية ولكل هذه سوف نطلب حوالي 400 الف دولار. تغطية بغداد بعدد 140 الف بوستر سوف يكسبنا 400 الف دولار اخرى وسوف نصمم 9 مواقع انترنيت اخبارية بكلفة 2500 دولار لكل منها وننتج 5 اسطوانات مضغوطة بحوالي 580 الف دولار . أي ان مكسب لنكولن جروب الكلي في شهرين سيكون 19 مليون دولار.
    كذلك سنقوم بإنشاء شيء اسمه (خلية الرد السريع Rapid Response Cell) حيث ستوظف مجموعة لنكولن صحفيين عراقيين ترسلهم الى محافظة الانبار غرب بغداد التي وصفها جيم "مركز ثقل التمرد" للعمل وسط العنف في الرمادي والفلوجة ، وسوف تدفع لهم مجموعة لنكولن لنقل الاخبار التي تعزز الرسالة العسكرية الامريكية . وسيكونوا تحت الطلب لالتقاط القصص الجديدة والتي سوف تختصهم بها اولا قوات التحالف وهكذا سيكون في مقدورهم كتابة الاحداث بشكل ايجابي قبل ان يلتقطها المتمردون ويصبغونها برواياتهم. وابلغنا انا واحمد لتجنيد مصورين ومراسلين ومحطات تلفزيون للقيام بالعمل. وكان علينا ايضا ان نجند كتاب مقالات حتى ما أن تتم الموافقة رسميا على (المهمة الغربية) يكون فريقنا مستعدا في 1 آب للتنفيذ اخيرا ومن اجل ان نظهر للضباط في قصر الفاو اننا نقدم لهم غنائم اكثر مقابل اموالهم، علي الان ان امرر 10 مقالات الى محمد كل اسبوع .
  قد عملنا انا واحمد في المكتب الصحفي لسلطة الائتلاف المؤقتة حيث كان أحمد يصدر بطاقات تعريف مهنية لصحفيين عراقيين وكان ايضا يعمل (مخلّصا fixer) لشبكة اي بي سي نيوز. وهكذا من اجل العثور على كتاب مقالات بدأنا بزيارة معارف احمد السابقين. اثنان منهم كنت قد التقيت بهما عدة مرات في المركز الصحفي في بغداد  Baghdad Press Center وهو مكتب مولته وزارة الخارجية الامريكية لتزويد المراسلين العراقيين بمعدات ولتدريبهم على اخلاق الصحافة والسلوك المهني. وكنا الآن نجند نفس هذين الصحفيين بشكل غير مباشر لخدمة الجيش الامريكي. وحين كان المسؤولون في وزارة الخارجية في المركز الصحفي يسألونني عن عملي في العراق كنت اتفادى قول الحقيقة  قائلا اني ادير حملات اعلانية في الصحف المحلية نيابة عن شركات متعددة الجنسية. (وبشكل ما كان هذا هو واقع الأمر) . وقد شرحت مديرة في المكتب اعتقادهم بأن الاعلام المستقل سوف يساعد في تعزيز الديمقراطية الوليدة في العراق ورأت ان جهودي كانت تساعد الصحف المحلية على اكتساب استقلال تجاري وهي شيء رائع!!!

كان من السهل ايجاد مراسلين عراقيين مستعدين لكتابة مقالات ودية تجاه الجيش الامريكي مقابل قليل من المال الاضافي ، ولكن  الطلب منهم الذهاب الى مناطق ساخنة مثل الانبار كان قضية اخرى.
++
الحلقة التالية هنا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق