"المدونة محمية بميثاق الشرف. أرجو الإشارة الى اسم (غار عشتار) والكاتبة (عشتار العراقية) عند إعادة النشر"

6‏/11‏/2014

الصهيوني الذي اشترى العراق -4 شهادة وليم ماركس -2

غارعشتار
الحلقة السابقة
بقلم: وليم ماركس
ترجمة عشتار العراقية
 كان قاطنا الفيلا الآخران قد ارسلا الى العراق كجزء من عقد لمجموعة لنكولن مع الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية USAID  لبناء مراكز تدريب للشركات العراقية . ولم يكن لأي منهما خبرة كبيرة بالمنطقة او تجربة طويلة مع الشركة . مواطن من سان فرانسيسكو طويل القامة يمضي اياما طويلة في الحوش المغطى بالمشمع يدخن السجائر ، وتنفيذي سابق في انظمة تكييف من اريزونا وكان قد قضى سنة او مايقاربها في بعثة آثارية في مصر. وحين لم يكونا في الحوش كان هذان يبحران في الانترنيت متظاهرين بالعمل. وكانا غالبا يقضيان الوقت في تخمين ماهية الشركة ، يعتقدان احيانا ان مجموعة كارلايل تملكها سرا او ان بعض موظفيها يتبعون السي آي أي. سألتهما عمن اخاطب حول بدء تدريبي الاعلامي ، هزا كتفيهما وقالا انهما لا يعلمان شيئا. واعلن الاريزوني ان المؤسسة كلها فوضى ولكنه لم يوضح قصده.
جيمس سوتون (ملابسه تفضح طبيعة عمله)
ولأني لا املك سوى شهرين قصيرين في العراق فقد أبردت الى بيلي وكريج (في واشنطن) رسالة الكترونية بعد عدة ايام من التسكع بلا عمل. ماهي المشاريع التي ابدأ بها العمل؟ من هو المسؤول هنا؟ ماذا افعل لكي اساهم؟ بعد يوم استلمت ردا مختصرا من بيج كريج. لم يكن لديه وقت لمشاكلي الصغيرة. علي ان آخذ رأس الخيط من جيم سوتون  مدير فرع العراق، الذي لم اره سوى مرة واحدة خلال اسبوعي الاول. (جيمس سوتون عميل FBI وجهات استخباراتية انظر سيرته المخابراتية هنا)

ولكن تدخلي كان مثمرا. فقد اتصل بي فورا موظف في مجموعة لنكولن اسمه جون Jon وكان سابقا يقود حملات سياسية في شيكاغو والان يعمل في العمليات الاعلامية للشركة .
واثناء تناولنا الغداء في كافيه المنطقة الخضراء الذي كان قد تم ترميمه بعد قصفه مؤخرا، وهو عبارة عن خيمة مكيفة فيها كراسي  بلاستك وتلفزيون يذيع فيديوات موسيقى لبنانية ، شرح لي جون انه عائد الى الوطن لعدة اسابيع في اجازة ترويح واستجمام وان جيم سوتون اختارني لأحل محله. وشرح لي بسرعة مسؤولياتي الجديدة في العمليات الاعلامية. هناك فريق من الجيش داخل قصر الفاو ، احد قصور صدام السابقة، سوف يرسل لي مقالات اخبارية كتبت بناء على اخبار وتقارير من الميدان. وكان عملي هو ان اختار من بينها  المقالات التي تبدو في عيني وكأن العراقيين هم الذين كتبوها. ثم امرر هذه المقالات الى موظفينا العراقيين الذين سيترجمونها الى العربية وينشرونها في الصحف المحلية. وقال لي جون انه من غير المعقول ان يقوم بهذا العمل عناصر الجيش الامريكي بزيهم العسكري وهكذا فقد استأجروا مجموعة لنكولن لتتولاه . كان عقدا مجزيا كما اخبرني جون فمجموعة لنكولن تحصل مقابل هذا العمل على 5 ملايين دولار سنويا. سألته إذا كانت الصحف المحلية تعلم ان لنكولن او الجيش الامريكي وراء هذه المقالات. قال انهم يعلمون ولا يعلمون. العراقيون الذين يعملون معنا يمثلون انهم صحفيين احرار (غير مرتبطين بعمل ثابت في الصحف) ولكنهم ايضا يدفعون لرؤساء التحرير من اجل  نشر المقالات ، ومجموعة لنكولن تدفع وتحاسب الجيش الامريكي على النفقات . أكد لي جون (انظر، المسألة واضحة. عليك ان تسعد الجيش)
رغم الإحساس ببعض الخيبة، فقد رجعت الى الفيلا وانا اشعر بأن مسيرتي المهنية قد بدأت. سوف اسهم بعملية صناعة الاخبار خلال الحرب واشتبك بالسياسة التي يتضمنها ذلك. إن تجربة القيام بأي عمل في بغداد، بحد ذاتها، سوف تساعدني على تطوير المهارات اللازمة للنجاة في ظروف خطرة. ربما سوف استطيع ان اغير الطريقة التي تعمل بها الشركة إذا كان ذلك ممكنا، ربما احسن الوضع في العراق من خلال جهودي.
بدأت عملي الاعلامي في 14 تموز وقد استيقظت مبكرا وحلقت ذقني في حوض الحمام المشروخ وطهوت بعض القهوة . اخترت مكانا على اريكة حمراء كبيرة في غرفة المعيشة في الفيلا التي تستخدم مكتبا ايضا، وانتظرت ان يصلني البريد من الجيش. جلست عدة  ساعات في الانتظار، تفحصت موقع البي بي سي عن اخبار العراق ثم صنعت قهوة مرة اخرى وارسلت رسائل الى اصدقائي والعائلة اخبرهم بأني بدأت عملي الحقيقي هنا . ثم اخيرا بعد الظهر استلمت بريدا من الملازم الاول كريستوفر دينتالي وقد ارسل نسخا منه الى قائمة طويلة من الشخصيات العسكرية تستخدم جميعا العنوان البريدي للجيش الامريكي في العراق  @iraq.centcom.mil وكان التخابر بعنوان (غير سري/للاستخدام الداخلي فقط) وتبدأ ببساطة : فيما يلي مقالات فيلق العمليات الاعلامية ليوم 14 تموز 2005.
 قرأت بعناية المقالات الخمس المرفقة بشكل سلايدات باور بوينت. الاول كان حول خطاب رئيس الوزراء آنذاك ابراهيم الجعفري الذي يعلن فيه ان القوات العراقية سوف تكون قادرة قريبا لتحل محل  القوات الاجنبية. كان رفقة المقالة صورة للجعفري على منصة وانتهت بشيء من التفاؤل "اقترانا بالنجاحات المتكررة للقوات الامنية العراقية فإن كلمات رئيس الوزراء الجعفري تلهم درجة  اعظم من الامل لمستقبل آمن ومتقدم في العراق" وفي المقالة الثانية والتي كانت ايضا عن تطور القوات الامنية العراقية ، زاد كتاب الجيش الامريكي في قصر الفاو من جرعة التفاؤل والامل "على عكس الارهابيين الذين لايقدمون الا الألم والخوف ، فإن القوات الامنية العراقية تقدم وعدا بعراق افضل. لا يفكر مرتزقة القاعدة الاجانب ان يأتوا بالهدايا لأطفال العراق ، ولكن الجيش العراقي يقاتل من اجل قضية نبيلة ... ومع الشعب العراقي ، سوف يأتون بالسلام والرخاء للوطن"
وكانت بقية المقالات على نفس النمط. وقد اتخذ الجندي الامريكي لواحدة منها شخصية عراقي يدين الارهابي ابو مصعب الزرقاوي وآخر جادل بأن  المتمردين كانوا يهاجمون العراقيين فقط من اجل اثارة حرب اهلية وجندي آخر يختتم المقالة الاخيرة  بما يعتبر اعلانا للمخبرين "استمروا في الابلاغ عن التحركات المريبة واعيدوا الأمن  الى العراق" كانت هذه المقالات بعيدة كل البعد عن ان تكون صحافة موضوعية ولكن كان جون قد قال ان المقالات الواردة ليست اخبارا وانما رسائل يحتاج العراقيون الى سماعها. وهذا ماكانت عليه.
كان  علي أن انشر على الاقل خمس مقالات كل اسبوع والان ينبغي ان اختار ما أراه أفضلها. بعد قليل من التفكير اخترت المقالة التي تتناول التمرد الذي يثير عنف العراقيين ضد العراقيين. فهي قوية ومكتوبة ببلاغة وحتى فيها لمسة شيشرونية (اشارة الى شيشرون الخطيب والكاتب الروماني القديم) وقد بدأت بالافتتاحية الفخمة "الانتصارات العظيمة والمآسي العظيمة هي التي تحدد مصائر البشر" كما كنت اتفق مع رسالتها الاساسية وهي ان الفعل التدميري يجب الا يولد افعالا تدميرية اخرى. كان علي ان امرر المقالة الى رجل اسمه محمد مهمته أن يشرف على ترجمتها الى العربية ثم نشرها في الصحيفة التي  اختارها له. وكان جون قد ترك معي قائمة باسماء الصحف العراقية والمبالغ التي يطلبونها لنشر مقالاتنا.
ومع ذلك لم  اكن اعرف شيئا عن الاعلام في العراق وبالتأكيد لم اكن اعرف الفرق بين صحيفة اسمها (الصباح) واخرى تحمل اسما مقاربا (الصباح الجديد) . ولم يكن جون يرى في ذلك مشكلة فهو نفسه كان قد بدأ بدون اي خبرة بالمنطقة، وقد حذرني من اللجوء تحت اي ظرف الى فريق الجيش الامريكي للاسترشاد. وحذرني من ان الضابطين برتبة ميجور المسؤولين عن هذه العمليات سكوت روزن وجون مويرهيد، سوف يطارداني من اجل معلومات اماكن نشرنا للمقالات وانه علي ان اظل غامضا حول هذه المسألة حيث
ان السرية تزيد من قيمة عمل الشركة . من واجبي فقط ان ارسل اليهما نتائج ما نشر بالتفاصيل، وكما قال جون فإن الجيش يحب الاحصائيات.
من عشرات الصحف على القائمة اخترت صحيفة المؤتمر (صحيفة احمد الجلبي) لانها كانت الارخص (حوالي 50 دولار للمقالة) وكنت قد رأيت اننا لم ننشر فيها شيئا منذ فترة. في أواخر ذلك اليوم جاء ستيف الى غرفة المعيشة مع مقالة طلب منه جون ان يصوغها. مكتوبة من وجهة نظر مواطن عراقي حزين، كانت المقالة تدين هجوما حديثا للمتمردين تسبب في مقتل 23 طفلا. .كانت معلومات ستيف من مصادر اخبارية على الانترنيت بدون اي تقرير صحفي قام به بنفسه، ولكنه كتب رأيا اعتبرته محترما جدا فأرسلت هذه المقالة بالبريد ايضا الى محمد طالبا منه ان ينشرها في صحيفة أخرى هي (الصباح) التي اخترتها لأنها الاغلى من بين القائمة فهي تطلب 1500 دولار لنشر مقالاتنا. وقد شعرت  ان كتابة ستيف تستحق الافضل.
في اليوم التالي استلمت بريدا من محمد يؤكد لي فيه تنفيذه لتعليماتي ومرفق مع الرسالة ملفان على برنامج وورد يحويان المقالتين بالانجليزية والترجمة العربية وقد حفظت الملفين في جهازي اللابتوب كما ارشدني جون ان افعل. بعد يومين شعرت بالحماسة حين ارسل لي محمد صورتين للمقالتين وقد نشرتا في الصحيفتين العراقيتين. ورغم موضوع مقالة ستيف فقد ضحكنا معا على فكرة  انه الان ينشر في الصحف  العراقية الرئيسية.
بعثت المقالتين المصورتين الى روزن ومويرهيد اللذين ردا علي بالشكر لمجهودي. فارتميت على الاريكة فخورا بالنجاح في اول  واجباتي المهنية، بل اني حتى استطعت ان اتخذ قرارات صحفية سديدة في اعتقادي.
الحلقة التالية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق