"المدونة محمية بميثاق الشرف. أرجو الإشارة الى اسم (غار عشتار) والكاتبة (عشتار العراقية) عند إعادة النشر"

26‏/10‏/2014

عمو گوگل طلع جاسوس-2

غارعشتار
الجزء الأول هنا
 بقلم: جوليان أسانج
ترجمة عشتار العراقية
كان مظهر شمت لا يشي بمخبره.. في أواخر الخمسينات من العمر، عينان ضيقتان خلف نظارات شبيهة بالبوم، يرتدي ملابس  رسمية- شميت في مظهره الصارم يخفي براعة  تحليلية كالآلة. في كثير من الأحيان كانت أسئلته تتجه إلى صلب الموضوع

أيريك شمت
كان نفس الذكاء الذي استخدم مباديء هندسة السوفت وير  ليحول جوجل الى شركة عملاقة مع ضمان نسبة نمو البنى التحتية للشركة دائما. كان هذا شخصا يفهم كيف يبني ويصون الانظمة: انظمة المعلومات وانظمة الناس. كان عالمي جديدا عليه، ولكنه ايضا كان عالما يتكشف عن مقاربات بشرية وتدفق مجالات ومعلومات.
 بالنسبة لرجل ذي ذكاء منهجي فإن سياسات شمت - او ماسمعت منها خلال مناقشتنا - كانت تقليدية بل عادية الى حد اثارة الاستغراب. كان يفهم العلاقات الهيكلية بسرعة ولكنه كان يعاني من التعبير اللفظي عنها وغالبا ما يعبر عن التعقيدات الجيوبولتيكية بألفاظ تسويق وادي السليكون او بالمصطلحات المتحجرة لوزارة الخارجية التي يستخدمها رفاقه. كان في افضل حالاته حين يتحدث (وربما بدون ان يدرك ذلك) كمهندس وهو يبسط التعقيدات الى مكوناتها المتعامدة.
كان كوهين مستمعا أفضل منه مفكرا. يمتاز بتلك الخاصية الودودة التي تصيب عادة المهنيين ذوي الثقافة العمومية ، وكما قد تتوقع من خلفيته في السياسة الخارجية فقد كان يمتلك معلومات عامة عن بؤر الصراع الدولية يتحرك بينها بسرعة، وهو يشرح السيناريوهات المختلفة ليختبرني . ولكنه كان يبدو في ذلك  وكأنه يقرع طبول المعتقدات التقليدية بطريقة مصممة للتأثيرعلى رفاقه السابقين في  واشنطن الرسمية.
مالكومسون كان اكبر سنا واكثر استغراقا في افكاره وكانت مشاركاته حكيمة وكريمة. اما شيلدز فقد كانت صامتة خلال معظم النقاش وقدانهمكت في كتابة ملاحظات ، نافخة بذلك في الذوات المتضخمة حول المائدة.
وبما اني كنت موضوع المقابلة فقد كان متوقعا مني ان اكون اكثر استفاضة بالكلام. سعيت الى ان اقودهم الى عالمي. ولهم الفضل ان تكون تلك المقابلة افضل المقابلات في حياتي حتى الان، كنت خارج نطاق تحفظي وقد احببت ذلك.
تناولنا الطعام ثم تمشينا قليلا ، وكل ذلك كان مسجلا. طلبت من شمت ان ينشر في وكيليكس طلبات المعلومات للحكومة الامريكية ولكنه رفض وقد احتد فجأة وهو يستشهد بلا مشروعية الكشف عن طلبات قانون الوطنية ( Patriot Act)
(ملاحظة عشتارية: احترت في ترجمة جملة (طلبت من شمت ...) لأنها يمكن ان تنطوي على معنيين، والجملة الاصلية بالإنجليزية
 .I asked Eric Schmidt to leak U.S. government information requests to WikiLeaks
وقد تعني كما ترجمتها سابقا مما يفهم منها انه طلب من شمت ان ينشر في وكليكس طلبات المواطنين المقدمة للحكومة الامريكية للكشف عن معلومات وعادة تكون معلومات سرية ولكن حسب الدستور الامريكي من حق المواطن المعرفة، وقد تعني الجملة : تسريب طلبات للحصول على معلومات قدمتها الحكومة الاميركية الى وكيليكس)
 ثم عند قدوم المساء، انتهينا، وغادروا الى القاعات البعيدة الافتراضية لامبراطورية المعلومات وعدت لاستئناف عملي.
كان ذلك نهاية الامر او هذا ما اعتقدته.
بعد شهرين انتهى تسريب وكيليكس لبرقيات وزارة الخارجية الى وقفة فجائية. كنا قد تدبرنا النشر بصعوبة طوال ثلاثة ارباع السنة ، بالمشاركة مع اكثر من مائة شريك اعلامي حول العالم، لتوزيع وثائق في ساحات نفوذهم ، والاشراف على نشر منهجي  وبرنامج تنقيح في انحاء العالم ، مع الاجتهاد لتقديم اقصى حماية لمصادرنا.
ولكن صحيفة الجارديان - شريكنا السابق- نشرت كلمة السر المشفرة لكل البرقيات البالغ عددها 251000 في فصل من كتابها الذي اصدرته على  عجل في شباط 2011. (يقصد اسانج أن هذا الفعل عرض حياة المصادر للخطر).
في منتصف آب اكتشفنا ان موظفا ألمانيا سابقا - كنت قد أوقفته عن العمل في 2010- كان يرعى علاقات عمل مع مجموعة من المؤسسات والافراد ببيع موقع الملف المشفر، مرفقا معه مواقع الشفرة في الكتاب. وبالطريقة التي كانت المعلومات تنتشر قدرنا انه في خلال اسبوعين سوف تكون كل تلك البرقيات في حوزة اجهزة الاستخبارات والمقاولين والوسطاء ولكن ليس الجمهور.
قررت انه من الضروري ان نقدم جدول مواعيد نشرنا بأربعة شهور ونتصل بوزارة الخارجية لنسجل اننا حذرناهم مقدما. سوف يكون حينها من الصعب تصوير الوضع كأنه انتهاك قانوني او سياسي.
وبسبب عجزنا من دفع لويس سوسمان سفير امريكا في بريطانيا لمساعدتنا في حينها، حاولنا الدخول من الباب الأمامي. فقد هاتفت محررة التحقيقات في وكيليكس سارة هاريسون مكتب الاستعلامات في وزارة الخارجية ، معلنة ان جوليان اسانج يريد ان يجري حديثا مع هيلاري كلنتون. وكما توقعنا استقبل هذا الاعلان بترحيب مع  تشكيك بيروقراطي.
وسرعان ماوجدنا انفسنا في تكرار مشهد في فيلم دكتور سترينجلوف حين يهاتف بيتر سلرز البيت الابيض لتحذيره من حرب نووية وشيكة ويوضع فورا على الانتظار. وكما في الفيلم ، تسلقنا هرم البيروقراطية حيث تحدثنا لاكثر من مسؤول حسب تسلسل المناصب حتى وصلنا للمستشار القانوني الاقدم للوزيرة. واخبرنا انه سيتصل بنا لاحقا. . وضعنا السماعة وانتظرنا.
حين دق جرس الهاتف بعد  نصف ساعة، لم تكن وزارة الخارجية على الطرف الاخر وانما جوزيف فاريل ، موظف وكيليكس الذي رتب المقابلة مع جوجل. كان قد استلم لتوه رسالة الكترونية من ليزا شيلدز تسعى فيها للتأكد من ان وكليكس  هي فعلا التي تطلب وزارة الخارجية.
عندها ادركت ان اريك شمت ربما لا يكون مبعوث جوجل وحده . سواء كان الامر رسميا أم لا ، كان يخالط رفقة وضعته على صلة وثيقة بواشنطن.، بضمنها علاقة موثقة مع الرئيس اوباما. لم يطلع جماعة هيلاري كلنتون على زيارة شريكة اريك شمت لي فحسب وانما اختاروا ان يستخدموها كقناة خلفية.
وفي أثناء انغماس وكيليكس في نشر الارشيف  الداخلي لوزارة الخارجية الامريكية ، كانت وزارة الخارجية في الواقع  قد تسللت الى مركز قيادة وكيليكس (يقصد المقابلة مع شمت وشيلدز وكوهين وبقية المجموعة) .
بعد سنتين، في اعقاب زياراته المبكرة للصين وكوريا الشمالية وبورما في 2013، صار مستحبا ان يمارس رئيس جوجل بطريقة او باخرى "دبلوماسية القناة الخلفية" لواشنطن. ولكن في ذلك الوقت كانت هذه فكرة جديدة.(يقصد وقت لقائه بهم في 2011)
وضعتها جانبا (الفكرة؟) حتى شباط 2012 حين بدأت وكيليكس - مع اكثر من 30 من شركائنا الاعلاميين العالميين - في نشر ملفات المخابرات العالمية : رسائل داخلية من شركة ستراتفور وهي شركة استخبارات خاصة مقرها تكساس. واحد اقوى شركائنا التحقيقيين - صحيفة الاخبار البيروتية - اهتمت بنشر رسائل الاستخبارات عن جاريد كوهين.
وكان عناصر ستراتفور الذين يحبون ان يعتبروا انفسهم نوعا من سي آي أي خاصة، منتبهين بشدة لمشاريع اخرى تصوروا انها تحاول الوصول الى داخل قطاعهم. وقد ظهرت جوجل على رادارهم.
في سلسلة من  الرسائل الملونة ناقشوا نمط نشاط يقوم به كوهين في مؤسسته (افكار جوجل) مما يوحي بما تعنيه كلمة (عملية ) في وصف مؤسسته (فكرية /عملية)
بدا ان ادارة كوهين تتجاوز العلاقات العامة و (المسؤولية الشركاتية) الى تدخل شركاتي نشيط في الشؤون  الخارجية بمستوى لاتقوم به الا الدول. يمكن ان يوصف جاريد كوهين بأنه (مدير جوجل لتغيير الانظمة)
حسب الرسائل المسربة ، كان  يحاول زرع اصابعه في بعض الاحداث التاريخية الرئيسية في الشرق الاوسط المعاصر. كان في مصر خلال الثورة يلتقي بوائل غنيم، موظف جوجل الذي جعل منه اعتقاله لبضعة ساعات رمزا للانتفاضة في الصحافة الغربية . كما دبرت لقاءات في فلسطين وتركيا ولكن ادارة جوجل قتلتها باعتبارها شديدة الخطورة.
وقبل لقائه بي بعدة اشهر، كان كوهين يخطط لرحلة الى حدود ايران في اذربيجان من اجل (التواصل مع المجتمعات الايرانية الاقرب الى الحدود) كجزء من مشروع (افكار جوجل) حول (المجتمعات القمعية) . وفي الرسائل الداخلية كتب فريد برتون نائب رئيس ستراتفور للاستخبارات (وهو نفسه كان مسؤول امنيا في وزارة الخارجية سابقا) :
(تحصل جوجل على دعم البيت الابيض ووزارة الخارجية وغطاء جويا. في الواقع انهم يعملون ماتعجز عنه السي آي أي.
كوهن يعرض  نفسه للخطف او القتل وربما يكون هذا افضل شيء يمكن حدوثه لتعرية الدور السري لجوجل في اشعال الانتفاضات. ثم يمكن للحكومة الامريكية ان تنفي معرفتها وتترك جوجل وحدها لتحمل حقيبة القذارة)
وفي رسائل داخلية اخرى قال برتون ان مصادره عن انشطة كوهين كانت : مارتي ليف ، مدير جوجل للأمن والامان - وايريك شمت نفسه.
وبحثا عن شيء اكثر رسوخا، بدأت ابحث في ارشيف وكيليكس عن معلومات عن كوهين. تكشف برقيات وزارة الخارجية التي سربت كجزء من فضيحة البرقيات cablegate ان كوهين كان في افغانستان في 2009 محاولا اقناع اربع شركات تليفون محمول افغانية ان ينقلوا ابراجهم الى القواعد العسكرية الامريكية . في لبنان عمل بهدوء لاقامة حركة مثقفة ومتدينة منافسة لحزب الله،     وفي لندن قدم تمويلا لصانعي افلام بوليوود لتضمين افلامهم محتوى ضد التطرف. ووعد بتعريفهم الى صانعي الافلام في هوليوود.
 (هنا برقية وكليكس مهمة بهذا الخصوص ولابد من ترجمتها قريبا)
بعد ثلاثة ايام من زيارته لي في الينجهام هول، طار جاريد كوهين الى ايرلندة لادارة (قمة انقذ save summit وهو حدث تشارك في رعايته (افكار جوجل) ومجلس العلاقات الخارجية. ويجتمع فيه اعضاء تائبين من عصابات المدن ومقاتلين من  الجناح اليميني وقوميين عنيفين ومتطرفين متدينين من كل انحاء العالم في مكان واحد. والحدث يهدف  الى اقامة ورشة حلول تكنولوجية لمشكلة التطرف العنيف.
( SAVE مختصر Summit Against Violent Extremism)
 يبدو عالم كوهين مكونا من  حدث مثل هذا بعد آخر: سهرات لا نهاية لها لتلاقح النفوذ بين الصفوة واتباعهم تحت عنوان نبيل"المجتمع المدني" والحكمة الراسخة في المجتمعات الرأسمالية المتقدمة هي أنه مازال هناك "قطاع مجتمع مدني" عضوي حيث تعمل  المؤسسات فيه بشكل مستقل ذاتيا وتجتمع معا لاظهار مصالح وارادة  المواطنين. وتقول الأسطورة أن حدود هذا القطاع محترمة من قبل الحكومة و "القطاع الخاص"، تاركين  مساحة آمنة للمنظمات غير الحكومية والمنظمات غير الربحية للدفاع عن أشياء مثل حقوق الإنسان وحرية التعبير ومساءلة الحكومة.
وتبدو هذه فكرة رائعة لو كانت حقيقية ولكنها ليست كذلك منذ عقود. على الاقل منذ السبعينيات من القرن الماضي، انطوى الناشطون الحقيقيون مثل الاتحادات والكنائس تحت هجمة مستمرة من قبل دولة السوق الحرة محولة (المجتمع المدني) الى سوق  للفصائل السياسية ومصالح الشركات الباحثة عن ترسيخ نفوذها بأسهل الطرق. حدث في السنوات الاربعين الاخيرة اختراق هائل للمؤسسات الفكرية والمنظمات غير الحكومية  بقصد تنفيذ اجندات سياسية بالوكالة.
++
  يمكنكم الاطلاع على ملف له علاقة (المجتمع المدني أداة  الاحتلال)
الحلقة الثالثة

هناك تعليق واحد:

  1. وردت لي فكرة وانا اتابع قراءة هذا الملف ان جوجل اصبح مستخدم قديم للادارة المعلوماتية لمنظومات السي اي ايه العاملة في كل انحاء العالم والتي على ما يبدو قد بدات بالنزول من قمة الهرم بعد ان ادت دورها الهائل واصبحت وكيليكس تحل محلها تدريجيا بسبب قدرة وكيلكس على خدمة المصالح الامريكية بشكل افضل ولان الادارة الامريكية وصناع قرارها يؤمنون بالتغيير المستمر والتحديث لادوات جمع معلوماتها تبعا لكل زمان تماما كما يتم تغيير وتحديث نظم الاسلحة كل فترة بعد ان يتم استخدامها

    ردحذف