"المدونة محمية بميثاق الشرف. أرجو الإشارة الى اسم (غار عشتار) والكاتبة (عشتار العراقية) عند إعادة النشر"

26‏/7‏/2014

العشائر العراقية من وجهة نظر عسكرية أمريكية - 3

غارعشتار
الحلقة الثانية هنا
بقلم: مايكل آيزنشتات
ترجمة عشتار العراقية 
 الشيوخ والقبائل، والسلطة
 تاريخيا، تعاملت الدول والإمبراطوريات مع الشيوخ باعتبارهم وسطاء سلطة محلية للمساعدة في الحكم أو إدارة أراضيها أو ممتلكاتها في الخارج، وقد حاولت تلك الدول كثيرا   استمالة القبائل كجزء من استراتيجية "فرق تسد". وبنفس الطريقة حاولت قوات التحالف أيضا  إشراك الشيوخ وعشائرهم  كجزء من جهودها الرامية إلى تحقيق الاستقرار في العراق وهزيمة تنظيم القاعدة في العراق. ولذلك فمن المهم أن نفهم  مصادر وحدود سلطة الشيوخ ونفوذهم القبلي.

سلطة الشيخ  
الشيخ ينفذ تقليديا عددا من الوظائف المتصلة بالحياة الداخلية للقبيلة وعلاقاتها مع العالم خارج القبيلة ومع  السلطات. لم يتغير دور الشيخ  كثيرا خلال القرن الماضي ونصف، وما يزال الشيوخ يتولون عددا من المهام، منها
- ضمان الأمن في جميع أنحاء نطاق القبيلة.
 - التوسط وحل النزاعات الداخلية.
- عقد جلسات محاكمة  وفرض العقوبات وفقا للقانون القبلي.
 - تمثيل القبيلة أمام العالم غير القبلي والسلطات الحاكمة.
- تقديم الضيافة لضيوف القبيلة.
 - توفير المجندين أو الجبايات القبلية لقوات الأمن.
 - الحفاظ على استقلالية القبيلة  تجاه القبائل الأخرى والسلطات.
- ترتيب وتنظيم أمورالتهريب
++
يصبح  الفرد شيخ القبيلة  بعدة طرق. يمكن اختيار الشيخ على أساس الصفات الشخصية للفرد (على سبيل المثال:  الكرم والحكمة والشجاعة)؛ أو وراثة المشيخة داخل الاسرة (عادة من قبل الابن الأقدر)؛ أو انتزاع المشيخة من الآخرين بقوة الشخصية، اوالحيلة، أو حتى بقوة السلاح؛ أوتمنح من قبل الدولة أو السلطات الحاكمة. اليوم، معظم الشيوخ في العراق توارثوا المشيخة من داخل الأسرة.
 بين البدو ينصب الشيخ تقليديا بتوافق الآراء، ويعمل بوصفه الأول بين متساوين؛ ويمارس السلطة اعتمادا على قراءته للمشاعر الشعبية في قبيلته. والسبب أن  رجال القبائل البدوية يمكنهم بكل بساطة التقاط حوائجهم ومغادرة القبيلة للانضمام الى فرع آخر أو حتى قبيلة أخرى إذا لم يكن راضيا عن شيخه.
بين رجال القبائل المستقرة، تبدو الأمور أكثر تعقيدا. الحكومات العراقية المختلفة (بما في ذلك حكومة صدام حسين) استخدمت الشيوخ كحلفاء، مما ساهم في ظهورهم باعتبارهم طبقة متميزة من ملاك الأراضي ورجال الأعمال، كانت حظوظهم تعلو وتهبط، حسب السياسات الحكومية والظروف الاقتصادية العامة. ولكن هذا التطور، على اية حال، حوّل العلاقة بين الشيخ ورجال القبيلة من مساواة رسمية الى علاقة متسمة بالتوتر والمرارة بسبب مكانة الشيخ كمالك للارض وصاحب العمل ووكيل الدولة.  ومع ذلك، فإن عناصر  نموذج القيادة التقليدية ظلت سارية: لا يمكن للشيوخ فرض إرادتهم الفردية على قبيلتهم وعموما ملزمون للتصرف في حدود الرأي العام للقبيلة. وبتعبير آخر، كانت مكانتهم في عيون رجال القبائل تتوقف على قدرتهم على تأمين مصالح القبيلة.
النفوذ القبلي 
 في الماضي البعيد، كان يحسب النفوذ القبلي اعتمادا على عدد رجال القبيلة المسلحين. القيمة في الحجم. واعتبرت القبائل صغيرة الحجم (ضعيفة) و أقل قوة من القبائل الكبيرة (القوية)  . السمعة لها أهميتها  ايضا. حيث عرفت بعض القبائل باستعدادها للحرب و القتال أكثر   من غيرها. وعلاوة على ذلك، فإن نفوذ القبائل يتراوح عكسيا مع نفوذ الدولة: إذا ضعفت الدولة قويت العشائر والعكس بالعكس.
 اليوم، كما ذكر أعلاه، فإن فروع القبلية بشكل عام هي الاعلى مستوى في الفعل الاجتماعي المستدام.  . لم تعد القبائل وحدات عمل فعالة. وصار يقاس نفوذ  القبيلة عادة  حسب مكانة الشيخ بين رجال قبيلته والقبائل الاخرى ، وحسب قدرته على تأمين مصالح قبيلته ، واستعداد  القبيلة للثأر للإهانات او الاضرار التي تلحق بشرفها أو أعضائها
النظام القبلي اليوم 
 اختلفت سلطة شيوخ العراق وتأثير القبائل في العراق اختلافا كبيرا من مكان إلى آخر وعلى مر الزمن، وخلال القرن والنصف الماضيين  وعلى الرغم من بعض السياسات الحكومية الداعمة أحيانا  (على سبيل المثال، خلال فترة الانتداب، وتحت الحكم الملكي، وخلال حكم صدام حسين )، وتأثير بعض الاتجاهات الاجتماعية والاقتصادية طويلة الأجل مثل التحضر، وتراجع الزراعة، وصعود الاقتصاد الحديث، وظهور أشكال غير قبلية بديلة للهوية، كل ذلك ساهم في تقويض سلطة المشايخ والتماسك القبلي والنفوذ. هذا هو جزء من اتجاه أوسع نطاقا واضح أيضا في المجتمعات القبلية الأخرى (مثل الصومال وأفغانستان) حيث قوض التغيير الاجتماعي والاقتصادي، والحرب، والحركات الإسلامية الصاعدة ، النفوذ القبلي
شهدت القبائل شيئا من عودة الروح في عهد صدام حسين. لتعزيز السيطرة المركزية للحكومة،  اشترى صدام حسين ولاء الشيوخ وعزز سلطاتهم  بالسيارات، والأراضي، والمال، والأسلحة، واستبدل المشايخ الذين كان يشتبه في ولائهم بأخرين أكثر اخلاصا. (ونظرا لهذه السياسة الأخيرة، فقد وجدت قوات التحالف في  عراق مابعد صدام صعوبة كبيرة في تحديد الشيوخ "الأصليين" الذين يتمتعون بالشرعية في أعين رجال قبائلهم.)
 اليوم، مثلهم مثل معظم العراقيين، تستنفد طاقات الشيوخ في  النضال اليومي من أجل البقاء والحفاظ على ما تبقى من وضعهم وامتيازاتهم. ولكن في بعض المناطق الريفية، مايزال الشيوخ هم القوة المهيمنة. في هذا الصدد، يكون تقييم المسؤول السابق لسلطة الائتلاف المؤقتة (CPA) روري ستيوارت لشيوخ محافظة ميسان في جنوب شرق العراق، حيث عمل من 2003-2004، جديرا بالاقتباس.
  معظم العراقيين في الحضر ينظرون للشيوخ باعتبارهم أميين مدعاة للحرج وأفاقين وأنهم من مخلفات التاريخ الذين لاينبغي منحهم أي اعتراف رسمي. .ولم يعد في أمكان الشيوخ - رغم مزاعمهم - تجنيد عشرة الاف مسلح وربما لم يفعلوا ذلك على مر تاريخهم. وشخصيا لم الحظ قدرتهم على تجنيد اكثر من بضعة مئات. وقد اثبتت زياراتهم اليومية الى مكتبنا لطلب عقود البناء والعيادات والفرصة لتشكيل ميليشيات مدى حاجتهم للمال ورعاية السلطة.  . ولكنهم مع ذلك كانوا مايزالون  أقوى الرجال في المناطق الريفية، حيث يعيش حوالي نصف السكان؛ فهم يملكون الكثير من الأراضي، وظلت الزراعة هي العنصر الوحيد المتبقي والذي يعمل بنصف طاقته في اقتصاد محطم. وهم يقضون ويحكمون في كل قضايا الجرائم التي تحدث في الريف.
 في مناطق أخرى، وجد الشيوخ أنفسهم يتصارعون على السلطة  مع مختلف الميليشيات والاحزاب الاسلامية التي تلعب دورا متناميا في حياة البلاد، ويجهد الكثير منهم على المنافسة في ميدان تكون فيه البندقية هي الحاسم في تقرير السياسات  المحلية. وقد وصف أنتوني شديد من صحيفة واشنطن بوست هذه الديناميكية في مقالة نشرت في 2006 حول زيارة الى الشيخ عدنان العيداني في قرية يوسفان، بالقرب من البصرة. يقول شديد-
هناك قول مأثور في جنوب العراق اليوم، "الامام اللي مايشور يسموه ابو الخرك".  ايقاع الحياة في البلاد هو العنف . وللإبحار في الفوضى، يحاول العيداني الاعتماد على  تقاليد عمرها قرن من الزمان ابتكرها ويمارسها بدو الصحراء،  قواعد مبنية على الشرف والاحترام والمعاملة بالمثل. انه يعتمد على العلاقات الوثيقة في القرية حيث كل واحد يعرف جاره. ولكن في نهاية المطاف، فإن التهديد بالعقاب يؤمن الاحترام للعيداني. ونفس هذا التهديد هو الذي يضفي السلطة على الميليشيات والعصابات، والمجرمين الذين يسيطرون حتى على شوارع قرية مثل يوسفان.
 الشيخ له سلطته، المدعومة من قبل ما يقول انهم مئات من الرجال المسلحين الذين يمكن تجنيدهم من اعضاء العشيرة البالغين 12،000 عضوا. ولكن في مؤشر على عجزه من التأثير، فشل مرتين  في الحصول على مقعد في البرلمان، والقرويون يعاملونه في بعض الأحيان على أنها مجرد لاعب آخر ... وعندما تنشأ مشكلة،  يقول سكان القرية، انهم يحاولون تسويتها بأنفسهم قبل اللجوء الى الشيخ، أو الى  ممثلي الأحزاب الإسلامية أو رجل الدين الذي يأتي من المدينة ليعمل في القرية جزء من الوقت. و مع العنف المتفشي، سمعت كثيرا من اهل القرية مقولة أنه إذا لم يكن القتيل  جارك أو صديق أو قريب ، عليك أن تلتزم الصمت.
ومع ذلك، تكيف شيوخ اخرون جيدا مع قواعد جديدة للعبة، واستطاعوا  تحويل  أنفسهم، لكل الأغراض العملية، إلى أمراء حرب  محليين. ولعل أفضل مثال على هذا النوع الجديد من القادة هو الشيخ عبد الستار الريشاوي من قبيلة البو ريشة، زعيم صحوة الأنبار. وفقا لتقارير نشرت، أن الشيخ عبد الستار قام بعد سقوط نظام صدام حسين، بقيادة عصابة من قطاع الطرق الذين كانوا يعملون قرب الرمادي وعمل الى جانب ذلك وسيطا لتنظيم القاعدة في العراق ، يوفر لعناصرها  السيارات، والبيوت الآمنة، والمرشدين المحليين . ولكن عندما بدأ نشطاء القاعدة في العراق الذين  كان يساعدهم يتصرفون  كقطاع الطرق ، يستقطعون من ارباحه ، ثم قتلوا والده وبضعة من اخوته ، تسممت العلاقة مما دفع الشيخ الى الانقلاب عليهم والتحالف مع قوات الأئتلاف.
بناء على هذه الأمثلة القليلة، أكثر ما يمكن أن يقال بكل ثقة هو أن  سلطة الشيوخ والنفوذ القبلي في العراق اليوم  يتراوحان وفقا للظروف المحلية ، وأن الشيخ ورجال القبائل، يتعرضون أكثر فأكثر لضغوط متضاربة. هناك دوافع قوية للناس للجوء الى الهويات القبلية لطلب الحماية ضد العنف المتفشي وانعدام الأمن الاقتصادي، وهناك حاجة أن يتوحد شيوخ ورجال القبائل معا لأغراض البقاء على قيد الحياة.
في نفس الوقت، فإن أبناء القبائل العراقية حاضرون أيضا في العديد من الجماعات المتمردة والميليشيات الطائفية التي تقوم بأعمال العنف التي تمزق المجتمع العراقي؛ وبالتالي، يجد  الشيوخ الذين لا يشاركون مع الجماعات المتمردة أو الميليشيات أن عليهم أن يحسبوا خطواتهم جيدا أمام رجال قبائلهم الذين ينتمون الى تلك الجماعات المسلحة لئلا يتعارضوا مع المسلحين الملثمين الذين لهم اليد العليا في العراق اليوم.
الحلقة الرابعة هنا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق