"المدونة محمية بميثاق الشرف. أرجو الإشارة الى اسم (غار عشتار) والكاتبة (عشتار العراقية) عند إعادة النشر"

23‏/7‏/2014

الفوضى المدبرة في الشرق الأوسط وماوراه - 1

غارعشتار
بقلم: اسماعيل حسين زادة*
ترجمة عشتار العراقية 
يميل المراقبون الجيوسياسيون للإضطرابات في الشرق الاوسط الى إلقاء اللوم في الفوضى الضاربة في المنطقة على فشل مفترض للسياسات (غير المفهومة ) أو (غير المنطقية) او (المتناقضة) للولايات المتحدة. ولكن الشواهد التي قدمنا بعضها في هذه الدراسة توحي بأن الفوضى في الواقع تمثل النجاح وليس الفشل لتلك السياسات وهي مدبرة من المستفيدين من  الحرب والمغامرات العسكرية في المنطقة وماوراءها. وفي حين أن السياسات الامريكية في المنطقة هي فعلا غير منطقية ومتضاربة من وجهة نظر السلام العالمي او حتى من وجهة نظر المصالح القومية الامريكية بشكل عام ، ولكنها منطقية تماما من وجهة نظر المستفيدين الاقتصاديين والجيوسياسيين من الحرب والصراعات الدولية أي (أ) المجمع العسكري الصناعي و (ب) الخطة الصهيونية لـ(اسرائيل الكبرى).
زرعت بذور الفوضى منذ 25 سنة مضت حين سقط جدار برلين . وبما أن الذريعة للألة العسكرية الهائلة خلال سنوات الحرب الباردة كانت (خطرالشيوعية) فإن المواطنين الامريكان احتفلوا بسقوط جدار برلين كنهاية للعسكرة وفجر (مكاسب السلام) اشارة الى الأمل في أن توجه الحكومة الامريكية حينها بعض ماكانت ترصده للآلة العسكرية الى الاحتياجات الاجتماعية المدنية.
ولكن فيما كان المواطنون الامريكان يحتفلون بهذه الآمال ، كانت المصالح التي تستثمر في توسيع الإنفاق على الجيش والأمن تشعر بالخطر. ولهذا لا  يثير الدهشة تحرك هذه القوى المستفيدة بسرعة لحماية مصالحها في وجه (خطر السلام)

من اجل خنق اصوات المطالبة بمكاسب السلام، بدأ المستفيدون من العسكرة في اعادة تعريف (مصادر الخطر) مابعد الحرب الباردة في الاطار الاشمل لعالم جديد متعدد الاقطاب، والذي يتجاوز التخوف التقليدي من ا(لخطر السوفيتي)  في عالم ذي قطبين في فترة الحرب الباردة.
 معظم اعادة التقييمات لعالم مابعد الحرب الباردة قدمها جنرالات عسكريون كبار . على سبيل المثال قال الجنرال كارل فونو  Vuno رئيس هيئة اركان الجيش الامريكي، أمام لجنة مجلس النواب في آيار 1989 "اكثر تعقيدا (من اي خطر كان يمثله الاتحاد السوفيتي) هو الخطر المتفاقم في بقية العالم .. في هذا العالم متعدد القطبية نواجه احتمال اخطار متضاعفة من دول وعناصر تزداد تطورا في قوتها العسكرية وفي عدوانيتها السياسية"
اما الجنرال كولن باول رئيس هيئة الاركان المشتركة في ذلك الوقت فقد قال امام لجنة مجلس الشيوخ انه رغم انهيار الاتحاد السوفيتي فإن الولايات المتحدة تحتاج الى الاستمرار في بناء جيشها بسبب التزامات اخرى عديدة: "مع كل هذه التحديات والفرص التي تواجه امتنا، من المستحيل بالنسبة لي الاعتقاد ان تسريح او تفريغ الجيش الامريكي هو مسار ممكن في المستقبل. لأن (مكاسب السلام) الحقيقية هي السلام نفسه والسلام يأتي من خلال الحفاظ على القوة "
وفي حين كان الجنرالات يتوسطون المسرح بأزيائهم العسكرية اللامعة، لمحاربة فكرة تخفيض الانفاق العسكري، فقد كان المدنيون من دعاة الحرب الذين يعملون داخل وخارج البنتاغون والمؤسسات الصقورية منهمكين بالتخطيط من وراء المشهد.  ومن هؤلاء وزير الدفاع آنذاك ديك تشيني ومساعده بول وولفوفتز وزلماي خليلزاد مساعد وولفوفتز و لويس ليبي الذي كان نائب مساعد وزير الدفاع للشؤون الاستراتيجية . وكانت هذه المجموعة اضافة الى المتعاونين معهم (مثل ريتشارد بيرل ودوغلاس فيث ومايكل لدين واليوت ابرامس ودونالد رامسفيلد ووليام كرستول وجون بولتون واخرين ) يعملون جاهدين معا لتجنب التوقف عن العسكرة وقد قال وولفوفتز في احدى المقابلات وهو يتذكر "ماكنا نخشاه هو ان يقول الشعب "دعونا نعيد قواتنا جميعا الى الوطن ودعونا نتخلى عن مركزنا في اوربا"
ومع ان هؤلاء المخططين من دعاة الحروب كانوا يرتبطون رسميا بالبنتاغون او ادارة بوش (الاب) فقد كانوا في نفس الوقت يتعاونون مع عدد من جماعات الضغط او المؤسسات الضاغطة للمصالح الاسرائيلية او مصالح الصناعات العسكرية مثل معهد انتبرايز الامريكي ومشروع القرن الامريكي الجديد والجنزا (المعهد اليهودي لشؤون الامن القومي )
وفي جهد محسوب بعناية لاعادة تعريف عالم مابعد الحرب الباردة باعتباره عالما (اكثر خطورة) يتطلب رسم ستراتيجية امنية قومية جديدة للولايات المتحدة، اصدر هذا الفريق من المخططين للحروب وثيقة جديدة عسكرية جيوسياسية في اعقاب انهيار الاتحاد السوفيتي عرفت باسم (دليل التخطيط العسكري) او (الستراتيجية الدفاعية في التسعينيات) وتركز الوثيقة التي كشف عنها البيت الابيض في بداية التسعينيات امام الكونغرس، على (اماكن اضطرابات غير متوقعة في العالم الثالث) باعتبارها مصادر جديدة  ينبغي على القوة العسكرية الامريكية في عصر مابعد الحرب الباردة الانتباه لها"في عصر جديد نتوقع ان تبقى قوتنا العسكرية قوة توازن مهمة للعالم .. وانه من الاكثراحتمالا ان يزداد الطلب على قواتنا العسكرية في العالم الثالث حيث يتطلب الامر قدرات ومقاربات جديدة)
من اجل الاستجابة الى (اضطرابات في اهم المناطق الحيوية في العالم ) تتطلب الحالة الجديدة ستراتيجية (ردع منتقى)  وهي ستراتيجية عسكرية (تحتوي وتقضي  على الصراعات الاقليمية والمحلية في العالم الثالث بسرعة البرق وفعالية كاسحة قبل ان تخرج عن السيطرة) في عالم مابعد الحرب الباردة (ذي الاخطار المتعددة) سوف تحتاج الولايات المتحدة ايضا ان تكون مستعدة للقتال في حروب (منخفضة الكثافة ) و (متوسطة الكثافة) . ولاتعني (منخفضة او متوسطة الكثافة ) الاشارة الى مستوى النيران والعنف المستخدم ولكن تشير الى الاتساع الجغرافي مقارنة بحرب شاملة او كونية او اقليمية يمكن ان تعيق التجارة الدولية و تشل الاسواق العالمية.
كما تحدثت (الستراتيجية الدفاعية في التسعينيات) عن الحفاظ على وتوسيع (العمق الاستراتيجي) الامريكي وهو مصطلح صاغه وزير الدفاع آنذاك ديك تشييني ويشمل مضمون جيوسياسي يعني أنه في اعقاب انهيار جدار برلين ، فإن على الولايات المتحدة توسيع حضورها الكوني بشكل قواعد عسكرية ، محطات تصنت و/او مخابرات، وتقنيات عسكرية ، الى مناطق كانت سابقا محايدة  او تحت النفوذ السوفيتي.
كانت الوصفة السياسية لهذه التنبؤات المختلقة واضحة: بعد تصوير (وفيما بعد خلق) عالم مابعد الحرب الباردة باعتباره مكانا يعاني من (مصادر تهديدات متعددة للمصالح القومية الامريكية) نجح المستفيدون الاقوياء من أموال البنتاغون في الحفاظ على الانفاق العسكري في مستويات الحرب الباردة. وقد قام دعاة العسكرة المستمرة بالتحرك السريع لضمان ان لا يؤثر انهيار الاتحاد السوفيتي على ميزانية البنتاغون او "مركزنا الستراتيجي" في العالم الذي جعلنا من انفسنا حراسا عليه باسم محاربة الشيوعية.
* اسماعيل حسين زادة - من اصل ايراني- استاذ فخري للاقتصاد في جامعة دريك . مؤلف عدة كتب في الاقتصاد  السياسي للجيش الامريكي  والسياسة الاميركية وله دراسة عن مصر عبد الناصر.
++
  الحلقة الثانية هنا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق