"المدونة محمية بميثاق الشرف. أرجو الإشارة الى اسم (غار عشتار) والكاتبة (عشتار العراقية) عند إعادة النشر"

13‏/4‏/2014

كل من يتزوج أمي ... !!

غارعشتار
هذه مقالة ثرية لكاتبة كويتية فيها استعراض تاريخي لعبادة الإنسان للطبيعة ثم الإله ثم الحاكم. ولكن الكاتبة مثل كل أصحاب الأفكار النيرة المعجبين بالحضارة الغربية، اخطأت في استنتاجاتها النهائية. ولي تعليق مؤجل.
بقلم: د. ابتهال الخطيب*
عبد الإنسان، أول ما عبد، الطبيعة، وان كانت تلك عبادة لها شكل مختلف. ولربما المثال الأوضح على هذه العلاقة/العبادة مسجل في فيلم ‘أفاتار’ والذي بني في الواقع على دراسة أنثروبولوجية للانسان القديم. كان الانسان القديم، وأعني به انسان ما قبل الحضارات، انسان ما بين خمسة وعشرين، وثلاثين ألف سنة مضت وربما أكثر، شديد الاتصال بالطبيعة نفسياً وجسدياً بشكل يوحي بوضوح بامتداده البيولوجي منها. قدس الانسان الطبيعة على اعتبار أنها مصدر حياته وامتداد لوجوده أو لربما هو امتداد لوجودها، ثم تطورت العلاقة، فاعتقد الانسان أن أرواح موتاه تسكن الطبيعة هذه، ثم بدأ الانسان يعتقد أن الظواهر الطبيعية، غير المفسرة في وقتها، ما هي سوى دلائل قوى عليا فوق طبيعية، فآمن بآلهة الطبيعة وأسكن هذه الآلهة الأنهار والأشجار والرياح. بعدها بدأت الآلهة تأخذ شكلاً بشرياً أكثر، فعبد الانسان الأنثى، قدسها وتبارك بها، تلك التي تدمى ولا تموت، تلك التي تخرج الحياة من رحمها، تلك التي تزيد أعداد البشر على الأرض في وقت كانت الزيادة البشرية هي أقصى ما يرغب فيه الانسان الأضعف بين المخلوقات والأقل عدداً. في وقت ما، وصلت الأعداد البشرية لبضع آلاف فقط، في تهديد واضح للجنس بأكمله، فكانت الأنثى، مصدر المدخول البشري، الهة مقدسة، عجائبية الجسد، ساحرة القوى.
ثم دبت الغيرة في قلوب الرجال وهم يرون الأنثى الحاكمة ‘the matriarch ‘ وقد سادت وعلا شأنها، فبدأ القمع الجسدي يأخذ طريقه الى العلاقة، وبدأت الآلهة تتحول خطوة بخطوة، من تلك الأنثوية، الى هذه الذكورية أو ‘the patriarch’. ومع وصول الانسان لبداية حضاراته الرفيعة، السومرية والبابلية والآشورية، المصرية، ثم الاغريقية والرومانية، كانت الآلهة قد أصبحت رجالية بحتة، والرجال أصبحوا آلهة.
أصبح حكام هذه الحضارات، الملوك السومريون والفراعنة المصريون على سبيل المثال، في مصاف الآلهة، وكذا حكام الشرق الآسيوي في حضاراتهم المختلفة وخصوصاً الصينية واليابانية. بعدها، تحولت آلهة كل هذه الحضارات تباعاً الى ذكورية، ولربما أشهرهم هو الاله زوس الاغريقي، أب الآلهة جميعاً، رمز الذكورة القوي الذي لا راد لارادته، الأب المحب لأبنائه، شديد العقاب نافذ الارادة. ومنذ ذلك الزمن، أصبحت الصورة الالهية ذكورية بحتة، حتى تلك التي في الأديان الحديثة. فعندما تسأل طفلاً عن تخيله لصورة الاله، يقول لك، هو رجل يلبس ‘أبيض في أبيض’، كث اللحية طويلها، مهيب الطلة، جالس في السماء، وتلك، تفصيلياً، هي صورة زوس الاغريقي جالس على عرشه.
اليوم، بدأ العالم المتحضر يحاول، وان كان بعضها يفشل وبعضها ينجح، في الخروج من فكرة القائد الرجل والاله الرجل وما يصاحب تلك من صفات تعلّي العنف والقوة الجسدية على ما عداها. قرون طويلة ومبادئ العزة والشجاعة ترتبط فقط بالقوة الجسدية، وتلك مملوكة فقط للرجال، حيث كانت النساء إبان تلك السنوات تعتذر عن وجودها الأنثوي، تتذكر أيام ألوهيتها ورفعتها بعين الحرام، وكأن ماضيها الرفيع ما كان سوى نتاج جهل، وحاضر الرجل السائد هو نتاج التقدم والحضارة. بعض المناطق من عالم اليوم بدأت تدرك سذاجة وتخلف الفكرة تلك وبعدها الفاحش عن المبادئ الانسانية الحقيقية. أصبح الانسان ذو قيمة بطرحه الأخلاقي وايمانه بالمبادئ الانسانية الحديثة من مساواة وحرية وعدالة، من رحمة ومحبة وتواصل انساني. لم يعد البطل المغوار هو رجلاً يحمل سيفه، يضرب فيقتل مئة وحده، يهاجم المدن، يقتل ويستعبد، لا تأخذه شفقة ولا يعرف الرحمة، ويموت، اذا أراد موتة الشرف، وهو يحمل سيفه مميتاً به غيره قبل أن يلقى هو حتفه.
بطل اليوم مختلف، بطل اليوم انسان، يعمل في معمل يكتشف فيه دواء يحيي ولا يميت، يسافر عبر البحار لينقذ المنكوبين ولو كانوا في عداد الأعداء، يقف أمام آلات القتل لا خلفها، يمنعها عن المدنيين، مرسلاً رسالة سلام لا فحولة. لم تعد مبادئ الإنتقام والثأر وفرض العضلات دلائل ‘رجولة’، ولم تعد لفظة ‘رجولة’ بحد ذاتها، كناية العزة والكرامة. تحول التفكير البشري الى مبادئ أكثر رفعة وإنسانية في زمننا الحالي، مبادئ الرحمة والعدالة والسلام واحترام الوجود الانساني، كما وتحولت اللغة البشرية الى الفاظ أكثر مساواة وأقل عنصرية، فما عادت تشير للرجولة والأنوثة، بل الى الوجود الإنساني وما يبديه من هذه الصفات، فيصبح الانسان عزيزاً كريماً بحيازتها، وذليلاً ضعيفاً بالافتقار لها.
إلا نحن، ولعلني بكتابتي بالعربية، أعاني من هذا التناقض الغريب. لغة كلها مذكر ومؤنث، يرفض ‘سادتها’ أن يجدوا ضميراً يساوي بين الطرفين، فتجد نفسك تكتب بصيغة المذكر دوماً للاشارة الى العام، وتلك مشكلة لغوية عويصة، ترسل اشارات خفية للعقول وللاوعي بسيادة الجنس الذكوري على الأنثوي. إلا نحن، ونحن لا نزال نعظم البشر الذين يحملون صفات ‘الذكورة’ البائدة من قوة وعنف وفتك بالأعداء، ولربما أوضح الأمثلة على هذا التوجه هو مثال المشير السيسي الموصوف ‘بالدكر’ بالعامية المصرية. ولأننا نحن شعوب ردود الأفعال والإنتقام، أصبحنا نعلق كل المشاكل والهزائم والفشل على شماعة الاخوان، وأصبح الحل في ‘حل’ وسط الأخوان، وأصبح ‘الدكر’ هو من يُعمل قمعه وعنفه فيهم. 
نحن، عرب ومسلمين، غريبي الأطوار. دوما ً ننتظر ‘المخلص’، رجلاً مقاتلاً مغواراً، ذو صفة دينية أو عسكرية، وفي الغالب ندمج الاثنين ونوحدهما. فصدام كان من سلالة الرسول، والأسد من امتداده، الخميني يقترب بقوة من صورة المهدي المنتظر، ومرسي تناوله لنا الأحلام على أنه خليفة الله ورسوله في الأرض. واليوم السيسي، عدو مرسي، أصبح بقدرة قادر المخلص الجديد. بالأمس كان عدو الخليفة، واليوم هو الخليفة، عاش الملك، مات الملك، فهكذا نحن، و’اللي يتزوج أمي أقول له ياعمي‘. تاريخنا بلا شك يسهم في غرائبية وتناقض طبائعنا. هزائم وضغوطات، أنظمة حكم قمعية، حكومات فاسدة، صراعات دينية، والقائمة تمتد لتشير بوضوح لأسباب الخلل النفسية والفكرية عندنا. لذا ترانا نلهث خلف أي ‘رجل’ يعلن نفسه ‘مخلصاً’، نعظمه ونبجله حتى يصبح الهاً منفوخاً يطير فوق رؤوسنا جميعاً، نحوله عن نبل مقاصده، ان وجدت، ونصنع منه ديكتاتوراً، ثم، بعد أن يطفح بنا الكيل، نتمرد ونستوحش ونميته ضرباً بالأحذية، كما حدث مع القذافي، سليل آخر، حسب ادعائه، للرسول الكريم. 
واليوم يوم ‘دكر’ جديد، مخلص القرن الواحد والعشرين. اليوم المشير السيسي ينزل الانتخابات بعد أن نفض الساحة من منافسيه، ديمقراطية 2014 بنكهة عربية. انتخابات؟ موجودة، منافسين؟ وما الداع اذا كانت الانتخابات أصلاً محسومة؟ شعوب حاسمة جازمة لا نضيع وقتنا في الاستماع للمرشحين فضلاً عن السماح لهم أصلاً بالتنافس أمام ‘الدكر’، هو ‘دكر’ واحد، ينزل الانتخابات، ينجح، يصعد الكرسي، يجتمع مع نفسه، يصدر القرارات، يطلق الأحكام، ‘يناغش’ القضاء، يعارض نفسه، يتعارك معها، ثم يوافق على قراراته، ويرفع الاجتماع. هكذا هي ‘الدكورة’ عندنا، أما ديمقراطية ورأي الشعب والحرية والمشاركة السياسية، فتلك تضييع للوقت، و’لت وعجن’، و’كلام نسوان’ يأتيه قادة الغرب الذين يجزم العرب ببرود دمهم بسبب لحم الخنزير الذي يأكلون.
أضحك الله سننا وأورثنا الجنة، نحن مبدعون في كل شيئ نستلفه من الغرب. نستورد الأزياء فنلخبطها فنبدو كبهلوانات، نستورد المكياج فنبالغ به، فنبدو كالأراجوزات، نستورد الديمقراطية فنعجنها ونخبزها، تدخل الفرن ديمقراطية، تطلع من الناحية الثانية ثيوقراطية، بنكهة دينية، وذرة سلطوية، ورشة قمعية، خبيز رجالي فائق الصنع. وتدور الأيام، وذاك الذي خبزناه سنقضمه ونهرسه بأسناننا و نبصقه خارج أفواهنا، بعد أن نكون ضيعنا الثمين من الزمن. ومع ذلك، ويا سبحان الخالق، يتراكض ‘الدكور’ للخبيز، كل يحلم بأن خبزته هي الفائزة، وحده يستطيع دسها دساً في الحلوق. نحن…نستحق الجنة.
المصدر
د. ابتهال الخطيب: أستاذة جامعية في جامعة الكويت بكلية الأداب قسم اللغة الإنجليزية وأدابها، وهي عضو هيئة تدريس منذ عام 2003 بالقسم برتبة مدرس، بتخصص الأدب والمسرح الحديث. حصلت على الدكتوراة من جامعة بولدر استيت سنة 2003.
تقوم كذلك بالكتابة الصحفية في صحيفة الجريدة الكويتية، عرفت بجرأتها في تناول المواضيع المتعلقة بحقوق الإنسان، وتملك فكراً يعد تحررياً علمانياً سبب لها صداماً عنيفاً مع التيارات الدينية السنية والشيعية.
+++
تعليق: وكأننا العرب والمسلمين نختلف عن بقية البشر. العالم منذ البدء انقسم الى راعي ورعية، قائد وقطيع. كانت ومازالت هذه هي طريقة حكم الرعية او القطيع، منذ أول استقرار الانسان في قرى ثم مدن ثم كانت الحاجة لإيجاد سبل اخضاع القطيع الى انظمة صارمة . هكذا نشأت الحضارات. لم تنشأ الحضارات في فوضى البداوة ومراحل الصيد والكهوف المتناثرة بين الجبال. وطرق اخضاع القطيع تراوحت بين قائد مفرد قوي وذي نفوذ، أو مجموعة من حلقة ضيقة (كهنة او قادة جيوش او امراء الخ) وفي المجتمعات الغربية الحديثة التي يعجب بها اللبراليون، تحول النظام من حكم الاقطاعيين مثلا  الى حكم رجال الاعمال والشركات، او الصيارفة والبنوك، ومن حكم الكهنة والكنيسة الى اللوبيات وقوى الضغط والحكومات السرية. نبذوا القائد الفرد (الدكر) كما تسميه الكاتبة، ولكن استبدلوه بالحزب المتنفذ او بشركات السلاح او المال القوية (الدكر) في مجالها. يعني ليس ماتقوله عن الانسانية والرحمة وحقوق البشر، والديمقراطية وما الى ذلك من تسميات، وإنما الذي يحكم حقا هو القوي مالا أو جيشا او حزبا.. يعني مرة اخرى الشعوب هنا وهناك يحكمها الاقوياء والقادرون على الغزو والتدمير والقمع. وفي الولايات المتحدة مثلا هناك ايمان بين الرؤساء (المنتخبين) من قبل اللوبيات وليس الشعب حقا، أن أي رئيس يأتي لابد له من أن يخوض حربا خارجية واحدة على الأقل حتى يحبه الشعب ويطيعه وينتخبه مرة اخرى. ولو استعرضنا تاريخ الحضارات في الشرق والغرب نرى أن كل القادة والحكام كانوا يحرصون على ان يكون لديهم جيش قوي جرار وكان الحاكم عادة قائدا للجيش ولابد ان يقوم بغزوات وفتوحات ، وكان انهيار الحضارة يرتبط عادة بالحاكم (الانسان) الضعيف الذي يهوى مثلا الموسيقى او تربية الطيور او يحبذ السلام على الحروب. هذه طبيعة البشر، وطبيعة قيام التمدن: قانون قوي وقائد قوي وجيش قوي. وليس هناك طريقة اخرى لقيادة قطعان البشر في أي مكان. غياب أي عنصر من هذه العناصر الثلاثة ينتج فوضى وضعف وانحلال. لينظر كل واحد الى نفسه. هل يمكنه أن يربي اطفاله مثلا بدون نظام وانضباط، او بدون ان يكون قائدا قويا في الاسرة يستطيع ان يطبق النظام أو بدون ان يحيط بيته باستحكامات قوية لحمايته؟ ليجرب الواحد منكم ان يرخي الحبال على الغارب  قليلا في يوم واحد، ليرى مقدار الفوضى التي تحدث. 

هناك تعليقان (2):

  1. صحيح ... صحيح جداً ما قلتيه سيد عشتار...
    تعلمون... أحياناً أميز الفرق بين الشرق والغرب بسيط الى درجة كبيرة، يمكن تلخيصه بنقطتين رئيسيتين..
    1- التفوق التقني
    2- التربية الجمعية للمجتمع. فلو عرفنا التربية المنزلية وأبطالها الام والاب عادة والتي تعنى بتأهيل الفرد ليتعامل فرد أخر في المجتمع والتي هي اللبنة الاساسية للتربية الجمعية التي يتعلمها الفرد إعتيادياً من المدرسة، العمل، الحزب الذي ينتمي اليه و من وسائل الإعلام.
    نحن متساوون مع الغرب في التربية الفردية أو المنزلية في نظري. ونحن جميعاً نعاني من تراجع مخيف فيها بسبب غسيل الدماغ الذي يولده العالم الرأسمالي المتوحد الذي لا يعتمد على المباديء والاخلاق والترابط الاسري بقدر ما يعتمد على الاستهلاك والاعلام. لذلك فأن الانسان الجديد أصبح شخصاً غير مؤهل لإدارة مجتمع بقدر قدرته على إنجاز أعمال صاحب العمل.
    إن التربية الجمعية أو المجتمعية والتي تعنى بصياغة الانسان كي يجد له إنتماءًا للأرض والشعب وتعلمه كيف يعمل لصالح البلد وتوعيه لطريقة مواجهة الازمات التي يواجهها المجموع بشكل جماعي وهكذا. هذا النوع الاخير من التربية نحن متأخرون فيه جدا لذلك فإننا نجد أن الفيسبوك وحده قادر على أن يهد أو يفكك المجتمع العربي!! فلو سألنا الشعب العراقي مثلاً سؤالاً بسيطا ك: عرف لي معنى العميل الاجنبي؟ فسيذكر فكل المواصفات التي سيذكرها ستنطبق على مجلس النوام ولكن لو ذكرته بأن هذه مطابقة على فلان أو علان من هؤلاء والذي ينتمي لنفس طائفته سيثور عليك وسيتركك ويسير في أحسن الاحوال.
    في المقابل فإن اشباه الاحزاب العربية والاسلامية لا تربي أيدولوجياتها الفرد على حب الوطن وإنما تستخدمه فقط للوصول الى السلطة ومحاربة المختلف والتربع على الخراب.
    ودمتم

    ردحذف
  2. أجد الكاتبة قد أخطأت في موضوع الآلهة. ففي حين أن الفراعنة قد جعلوا من حكامهم آلهة، إلا أن ذلك لم يحدث في حضارات وادي الرافدين. فلم يكن أي من حكامها أوملوكها إلهاً على الإطلاق.
    أما مسألة ذكورية الآلهة، فهي مختصة بوادي النيل إذ أن حضارات بلاد العراق والشام كانت عندها آلهة من الذكور الإناث، وأشهرهم "عشتار"!
    ويسري هذا على الآلهة في شبه جزيرة العرب عند ظهور الإسلام، فقد كان العرب يعبدون آلهة من الذكور والإناث، كاللات ومناة والعزى.

    ردحذف