"المدونة محمية بميثاق الشرف. أرجو الإشارة الى اسم (غار عشتار) والكاتبة (عشتار العراقية) عند إعادة النشر"

19‏/8‏/2013

البرادعي ومجموعة الأزمات الدولية -1

كنت قد وعدتكم (هنا) أن أحدثكم عن (المجموعة الدولية لمعالجة الأزمات (أو) مجموعة الأزمات الدولية International Crisis Group) التي ينتمي اليها البرادعي، وكما يقول المثل العشتاري "قل لي لمن تنتمي أقل لك من أنت". هذه مقالة منشورة في صيف 2010 ترجمتها لكم وسوف أنشرها على جزئين لطولها وهي تبين بما لا يقبل الشك المهام الحقيقية للمجموعة، وهي في الواقع (التمهيد للأزمات) وليس (حل الأزمات) كما قد يوحي الإسم أو كما توحي أدبيات المجموعة المعلنة للغافلين. هل كانت هذه هي مهمة البرادعي في مصر؟ وهل ننتظر بعد أن استقال وغادر مصر الى موطنه النمسا أن يعود الى النضال ضد مصر من داخل المجموعة؟ الله يستر. مايثير السخرية أن بعض مريديه وأنصاره يصفونه بأنه (غاندي مصر) او الرجل الحكيم، الطاهر، المثالي. ماذا يفعل رجل بهذه الأوصاف في منظمة تعمل ذراعا لحلف الناتو إذن؟؟

بقلم : توم هازلدين
ترجمة : عشتار العراقية (خاصة -غار عشتار)
المصدر  الأصلي (المقالة الأصلية بعنوان : تواطؤ المجموعة الدولية لمعالجة الأزمات)

تعهد السكرتير العام لحلف الناتو في 1952 أنّ "حلف الناتو لن يستخدم سفينة او طائرة او مدفع لأي غرض سوى الدفاع عن النفس" وأكد "لن يكون ثمة هامش لمغامرة عدوانية" ولكن بدئا من 1992 تدخل الناتو في البوسنة وكوسوفو ومقدونيا وفي افغانستان والعراق بعد غزوهما، وحتى في الصومال والسودان (ناريخ المقالة في 2010 ولم يكن هناك تدخل الناتو في ليبيا ومالي وغيرهما) حيث أن واشنطن تفضل مثل هذه الهيئات المساعدة للتوسع في نظامها العالمي الجديد. والان فيما تنتشر قوات الناتو   (حيثما هناك حاجة لها) يكون بعض المحرضين على تلك الحروب (بوش - وعصابته) قد غادروا المسرح ولكن الكثير من مجموعات الاستشارات تبقى في مواقعها. مثال بارز على هؤلاء هو هيئة (منع الصراعات) او مايسمى (مجموعة الازمات الدولية). في الواجهة تمثل المجموعة منظمة غير حكومية ناجحة تتعامل مع القضايا الجيوبوليتيكية. وقد انبثقت في منتصف التسعينيات من مؤسسة (منحة كارنيجي للسلام الدولي) وتزعم المجموعة انها تقدم (افكارا ستراتيجية جديدة) حول اوضاع النزاعات تساعدها شبكة مراقبة كونية تديرها عبر 60 دولة مع ارتباطات بمجموعات ضغط في واشنطن ونيويورك وبروكسل ولندن. ونصف ميزانيتها السنوية البالغة 16 مليون دولار تأتي من الحكومات - اغلبها اعضاء الناتو بضمنها الولايات المتحدة وبريطانيا - في حين ان الشركات المتبرعة تشمل شيفرون والنفط  البريطانية وغيرها كثير. ومن الشخصيات العامة البليونير جورج سوروس. وتصف المنظمة نفسها بأنها مستقلة وغير حزبية ، ولكنها روجت دائما لحروب الناتو الى ابعد مدى. ومع ذلك فإنها تحظى بإعجاب وامتداح المؤسسات الاعلامية. وهذا مكسب كبير نظرا الى الشخصيات المريبة في هيئة ادارتها . الرئيس السابق غاريث ايفانز كان اكبر داعم غربي للرئيس سوهارتو في قضية تيمور الشرقية حين كان وزير خارجية استراليا. الرئيس المشارك توماس بكرنج كان رأس الحربة في عهد ريغان  الى الحروب القذرة في امريكا الوسطى بصفته السفير الامريكي في السلفادور وفي احد الاوقات صار وسيطا لميليشيات الكونترا (بعد تقاعده اصبح بائع اسلحة في الخارج لشركة بوينج) . واللجنة التنفيذية تشمل من بين اعضائها مورت ابراموفتز وهو من دعاة التدخل العدواني وكان مشعل حرائق سابق في وزارة الخارجية وقد ساهم في تقديم صواريخ سنتجر للمجاهدين الافغان ، وقبلها كان  السفير في تايلاند حيث كان دوره مهما في دعم بول بوت ضد النظام الذي نصبه الفيتناميون. ايضا هناك زبجنيو برجنسكي مستشار الامن  القومي في عهد كارتر ، ومن المحافظين الجدد كين ادلمان وريتشارد ارميتاج  مساعد وزير الدفاع في عهد ريغان ونائب وزير الخارجية في عهد بوش الصغير (اثناء غزو العراق) وجنرال الناتو المتقاعد ويزلي كلارك الذي قصف بلغراد - الى جانب اصدقاء اجانب مثل الكساندر كواس نيفسكي البولندي الداعم للناتو والاتحاد الاوربي. وهؤلاء الصيادون  الذين تحولوا الى حراس للطرائد يحتفظون بوشائج مع الحلف الأطلسي.

بعد العصر السوفيتي قد يكون الناتو فقد عدوا، ولكن مجموعة الازمات وجدت دورها - اولا (الحرب الانسانية) ثم (الحرب على الإرهاب) . وفيها تحول المحاربون القدامى في الحرب الباردة الى صناع سلام يدقون طبول الحرب اثناء المارش العسكري لحلف الناتو.
 وبواسطة دبلوماسية البوارج التي تقودها مجموعة الازمات في التمهيد للعمليات العسكرية الغربية، استطاعت تحقيق انجازات لا تقدر بثمن كما سنرى.
البدايات
تزعم المجموعة أن سوء ادارة صراعات مابعد الحرب الباردة هي التي ادت الى تشكيلها. وعادة تشير الى ماحصل في رواندا كمثال ولكن في الواقع ان معظم عمل المجموعة كان في اوربا وليس افريقيا. وفي سرد تاريخ المجموعة الذي نشرته في 2010 للاحتفال بمرور 15 سنة على وجودها في (خطوط الجبهات) ، تقر بأن البوسنة كانت محور السنوات الاولى . والحساب يفتتح مع رئيس مؤسسة كارنيجي مورت ابراموفتز في سراييفو المحاصرة في بداية 1993  مع شبكة المجتمع المفتوح لجورج سوروس الى جانب رجل العلاقات العامة مارك مالوش براون الذي عمل لوقت قصير في البنك الدولي.
في تلك المرحلة، كانت واشنطن مشغولة باحباط محاولات اوربية لادارة تفكيك يوغسلافيا. بالنسبة للولايات المتحدة كان الحفاظ على  الناتو باعتباره "اداة رئيسية للدفاع والامن الغربيين" يعني تحييد محادثات ماستريخت. وقد اقرت مجموعة  الازمات
فيما بعد ان امريكا تدخلت في البوسنة (من اجل انقاذ الحلف الاطلسي من التفكك) . ومع تخبط اوربا، جاءت لحظة الناتو - وكان في وقتها يراقب منطقة حظر طيران مفروضة من قبل الامم المتحدة. وقد تصرف ابراموفتز مثل الكبش قائد القطيع: سوف يدفع منظمته الجديدة "مجموعة الأزمات الدولية"  نحو المطالبة بـ(اجراء فوري) من قبل (المجتمع الدولي) .
 في  ادبيات المجموعة وصل هذان المصطلحان سريعا الى اعضاء الحلف. واكدت قمة الناتو في كانون الثاني 1994 جهوزيته لشن حرب جوية ضد صرب البوسنة، وفي نفس الوقت الموافقة على ترتيبات ارتباط جديدة مع الكتلة الشرقية السابقة. وقد اطلقت على الترتيبات اسم الشراكة من اجل السلام)
تشكلت مجموعة الازمات وسط التحضير للضربات الجوية من حلف الناتو على مواقع صرب البوسنة في آب وايلول 1995. حصل ابراموفتز على 200 الف دولار من سوروس وارسل ستيف سولارس وهو الراعي المشارك في قانون التصديق على حرب الخليج، وسابقا رئيس لجنة مؤثرة في الكونغرس معنية بشؤون السياسة الامريكية في جنوب شرق آسيا - من اجل الحصول على تبرعات من حكومات صديقة. وقد تبخرت المحادثات الاولية للعب دور فعال في عمليات الاغاثة . و حددت مجموعة قيادة في لندن في كانون الثاني 1995 حضرها اشخاص بارزون مثل برنارد كوتشنر وهو من اول الداعين الى التدخل العسكري - اجندة مجموعة الازمات الدولية على أنها تتمحور حول الدعوة"لتحديد القوى الدافعة للصراعات واقناع المجتمع الدولي لاتخاذ  اجراءات فعالة" . كان تعريف أهدافها:
(من نواحي عديدة كانت المجموعة الجديدة فريدة في مالم تكن عليه : لم تكن مصصمة لتقديم اغاثة انسانية ، لم تكن هيئة وساطة ، لم تكن منظمة حقوق انسان ، ولم تكن تتردد في النصح بتدخل عسكري دولي لانهاء الصراعات)
وكما اوضح عضو هيئة الادارة وليام شوكروس في مجلة نيويورك ريفيو اوف بوكس أن الفكرة هي (اقناع الحكومات لعمل ما تعتقد انه ينبغي عمله - اذا توجب الامر باتخاذ اجراءات عسكرية)
وبعد حصول المنظمة  على مليون دولار اخرى من سوروس وصلت المنظمة الى سراييفو في شباط 1996 للاشراف على اتفاق دايتون الذي ترعاه الولايات المتحدة. وكانت  اتفاق السلام هذا يسمح ب(قوة تنفيذ) يقودها الناتو قوامها 60 الف رجل. في تفويض لمدة سنة مبدئيا، اضافة الى (مندوب سام) مهمته تعويم الدولة الجديدة حسب الوصفة الغربية : انتخابات حرة واتجاه نحو اقتصاد السوق الحرة. وكان اختيار مجموعة الازمات للشخص الذي سيكون مندوبا ساميا غريبا، فقد اختارت السير تيرينس كلارك، رجل بريطانيا في العراق في السنوات التي سبقت غزو الكويت. خلال اسابيع عمل كلارك على تمديد تفويض قوة التنفيذ التي لم تنه ثلث مهمتها، لمدة 6 اشهر ثم فيما بعد الى سنتين. كما انه دعا لتأجيل الانتخابات مجادلا بأن القوميين المتشددين هم الذين سوف يفوزون مما يضعف وحدة الاراضي البوسنية الي على وشك الانحلال اصلا.اضاف كلارك ايضا الى ان اقبال الشعب على الانتخابات سوف يجعل الصفوة المحلية (اقل ترحيبا بالتدخل الخارجي) . ولكن القوى المحتلة رفضت دعوته هذه ، ومع ذلك كانت مجموعة الازمات سعيدة بهذه القرارات. .
حل الأزمات بالحرب
 أتاح تصاعد تمرد جيش تحرير كوسوفو وحملة الصرب  في كوسوفو  في أوائل عام 1998،المزيد من الفرص لمنظمة حلف شمال الأطلسي(الناتو) للزحف على البلقان. وفي الكونغرس، اشترط المشرعون لرفع العقوبات ضد بلغراد حدوث تقدم كبير نحو إقامة حماية دولية على كوسوفو.  وقد سعت مجموعة الازمات لتحقيق ذلك.  في مارس 1998، اعتبرت مجموعة الأزمات تدخل حلف الناتو (ضروريا) ، ودعت إلى نشر قوات حلف شمال الأطلسي على طول الحدود الألبانية، مع اجراء المناورات العسكرية في الدول المجاورة، وإعلان من كلينتون عن استعداد الولايات المتحدة للذهاب إلى الحرب.  وفي ذلك الصيف اجرت منظمة حلف شمال الأطلسي فعلا  مناورات في ألبانيا مرتين ، وقد بلغت سياسة حافة الهاوية  ذروتها في التصديق على ضربات جوية في تشرين اول. . وعلى الرغم من وقف إطلاق النار، قدمت مجموعة الازمات حيثياتها  القانونية لانفصال كوسوفو عن بلغراد وبدأ التخطيط الجدي لاحتلال 'قوي' من قبل الناتو عقب المحادثات في رامبوييه، واوضحت المجموعة ثقتها من أن التهديد  بتجديد القصف سيجبر ميلوسيفيتش على التوقيع على مسودة المشروع  الأنجلو فرنسي..
دافعت المجموعة في وقت لاحق على هجوم الناتو الجوي  في مارس 1999 لأن هناك ما'يبرره تماما'، محملة بلغراد على الوصول لطريق مسدود في حين صمتت عن  إصرار الحلفاء الاستفزازي على حرية التنقل عبر مجمل اراضي يوغوسلافيا.  وكان من المؤسف ذلك الغياب الصارخ لأي غطاء قانوني .  
أثار العمل العسكري غير الشرعي للناتو  نشوة وحماسة لدى مجموعة  الأزمات الدولية. ففي منتصف نيسان، حثت مجموعة الأزمات على تصعيد المجهود الحربي بشكل غزو فوري بالقوات البرية  لكوسوفو، وعلى الأرجح من ألبانيا. الهدف هو إنشاء 'محمية دولية، تضمنها القوات البرية للناتو' دون مزيد من التفاوض مع بلغراد. وقالت المجموعة ان قرارا عن 'الوضع النهائي' في كوسوفو يمكن أن ينتظر، الى ان يتوصل الغرب الى  صيغة يتفق عليها . بعد أسابيع قليلة صعّدت المجموعة من المطالب فخشية من أن يقوم الحلفاء بالتفاوض مع  ميلوسوفيتش قالت إن "الاهداف المناسبة للقصف تكاد تنفد من الحلف" واقترحت غزوا كاملا لصربيا من شمال البلاد عبر مقاطعة فويفودينا. كانت العواقب  ستكون متفجرة، لكن المنظمة كانت قد اعلنت رغبتها في تغيير النظام في بلغراد وتفضيلها حربا اوسع على تسوية سلام قد تبعد كوسوفو من قبضة الناتو.
في غضون ذلك، حاولت مجموعة الأزمات أيضا دعم  تبريرات الحرب لدى الحلف  من خلال مشروع بحثي يموله الاتحاد الأوروبي بمبلغ 1.4 مليون دولار حول  جرائم حرب مزعومة في كوسوفو، بدأت في تيرانا خلال حملة القصف. وقد  جمع 169 من موظفي المنظمة  اكثر من 4،700 إفادات الشهود، ومعظمها تفصل انتهاكات الصرب. ويتخلص التقرير بشكل حاذق من 'مبدأ أساسي هو ضرورة انطباق القانون الدولي الإنساني  بالتساوي على جميع الأطراف في النزاع المسلح'  في تفسير اسباب غياب انتهاكات حلف شمال الأطلسي  من صفحاتها-  "بصعوبة التحقيق  في انتهاكات الحلف لعدم توافر  شهود العيان". ويبدو ان شهرة المجموعة في البحث الدقيق قد هجرتها هذه المرة.  .

الحلقة الثانية هنا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق