"المدونة محمية بميثاق الشرف. أرجو الإشارة الى اسم (غار عشتار) والكاتبة (عشتار العراقية) عند إعادة النشر"

17‏/8‏/2013

بين دكتاتورية العسكر ودكتاتورية الدين

أمس قضيت اكثر من ساعة من وقتي في النقاش مع انثروبولوجي كندي كان سبب المعرفة أنه ضد الحرب على العراق، وقد سبق أن نشر لي بعض مواضيع غار عشتار مترجمة الى الانجليزية . ولكن مناقشاتنا حول مصر صدمتنا نحن الاثنين في بعضنا. كان يردد نفس مقولات الإخوان المسلمين : الانقلاب -  صندوق الانتخابات - حكم العسكر الخ.
مع انه معني بدراسات الشعوب، لكنه لم يفهم أننا شعوب أمامنا 100 عام للخروج من الجهل واللحاق بما وصلت اليه شعوب اوربا من قناعات واساليب حياة ومؤسسات الخ إذا كانت هذه هي الطريقة المثلى للحياة ولتقدم الشعوب.
المنطق يقول أن الإخوان المسلمين هم الذين يغازلون الغرب باستخدام مصطلحاته. التأكيد على (الصندوق) والاحتكام اليه، وقد كان هذا التمسك بالصندوق يثير السخرية في أحيان كثيرة، ولكن يبدو أنهم عرفوا من أين تؤكل كتف الصفوة المفكرة في  الغرب الذين يعتقدون فعلا بقدسية الصندوق.
الغرب لايستطيع ان يفهم أننا شعوب جاهلة في معظمنا، لنا طقوسنا ومعتقداتنا وطرق تفكير ومنطق لاتشبه مالديهم. الشعب الغربي - مهما كان جاهلا - ولكن لطول ممارسته النظام الديمقراطي، حين يتوجه للصندوق فهو يفعل ذلك بسبب برامج المرشح  الإنتخابية، وليس بسبب أن انتخاب فلان الفلاني يعني انتخاب الله ، وأن الامتناع عن انتخابه يذهب به الى الجحيم وما أدراك ما الجحيم. ومهما كان غسيل المخ الغربي من قبل القنوات الاعلامية او الدعايات السياسية، فإنه لا يذهب عادة الى الصندوق لانتخاب حافظ الإنجيل أو لأن جبريل ظهر له في المنام.، ورجل الشارع الغربي لا يصلي صلاة الاستخارة ليعرف إذا كان الحزب الفلاني او المرشح العلاني هو الأفضل لخير الأمة.
باختصار في مجتمعاتنا، قد تأتي الصناديق (الديمقراطية) بتيارات (غير ديمقراطية) ، وانظروا كيف جاءت الصناديق في العراق بالأحزاب الاسلامية الفاسدة والفاسقة والمجرمة. وانظروا ماحصل في مصر.
الغربي يطير عقله من (العسكر) أو هكذا يزعم، ولهذا يخاطبهم الاخوان المسلمون في مصر بالتركيز على (الانقلاب العسكري) ، مع أن أعظم رؤساء الجمهورية كان ديغول في فرنسا وايزنهاور في الولايات المتحدة وكلاهما من العسكر. وكما بينا في مواضيع سابقة معظم من يحكم أمريكا الان في المناصب الكبيرة، هم جنرالات الجيش وعناصر المخابرات المتقاعدون، يخرج الواحد منهم من منصبه فيشيء شركة ضغط او ينضم الى شركة سلاح او نفط وهي الشركات التي تتحكم بالقرار السياسي في الولايات المتحدة.
أخيرا هتف الذي اناقشه في تغريدته الاخيرة "إذن انت تعتقدين ان العسكر ديمقراطيون"
أجبته " لاهم ديمقراطيون ولا الاحزاب التي تحكم با سم الله ديمقراطية"
ولكن إذا خيرني أحد بين دكتاتورية الجيش أو ديكتاتورية حزب ديني فإني بالتأكيد مع الجيش، لأني على الأقل حين ازهق من دكتاتوريتهم سوف اخرج عليهم وأنا مطمئنة بأنهم من البشر، أما إذا زهقت من دكتاتورية حزب يعتقد أن الله ارسله من كعبة رابعة العدوية  التي نزل جبريل فيها بالوحي، فسيكون خروجي هو خروج على الله.
الغرب لا يريد أن يفهم أن رجل الدين الغربي لو جاء الآن للحكم هناك فسوف يلتزم بتقاليد راسخة ومؤسسات متينة، ودستور مقدس يلتزم به الجميع، ولهذا لاتهم شخصية الحاكم فعلا، إذا كان كاهنا أو ممثلا او مغنيا او مدمن خمر تائب، لأنه في كل الأحوال سوف يحكم منضبطا بالمؤسسات التي تراجعه وتوجه مساراته.
وربما يتطير الغربي من (العسكر) لأنه يربطهم بالحروب العالمية التي جاءت بالخراب وأعاقت شعوب اوربا فترات من الزمن.
أما في بلادنا العربية، فإن الجيش هي المؤسسة الوحيدة القائمة التي تستطيع حماية المجتمع من التفكك، وانظر كيف انفرط عقد المجتمعات في العراق وسوريا  وليبيا وتونس وغيرها بعد تفكك جيوشها. والجيوش العربية لم ترتبط عادة بغزوات وحروب كبيرة ممتدة على مجمل مساحة الوطن العربي أو خارجه، وحتى وقت قريب كان الزي العسكري مثار فخار، وكانت امنية كل فتاة ان تتزوج ضابطا و أكبر سعادة لأي أم ان ترى ابنها يدخل عليها لابسا زيه الرسمي. فالعلاقة الوجدانية التي تربط رجل الشارع العربي بجيشه غير تلك العلاقة التي تربط رجل الشارع الغربي بجيشه، خاصة بعد ان انغمست جيوشهم مؤخرا في حروب عبثية ملتبسة في انحاء العالم وتكبدت الكثير من الهزائم.
المؤسسة الأخرى في بلادنا العربية التي من شأنها حماية المجتمع من التفكك هي المؤسسة الدينية، ولكن ماحدث هو اهتزاز تلك المؤسسة بانبثاق الاحزاب والملل والنحل الدينية التي  ساهمت في انشقاق وتفتت المجتمعات، وتصدع الوعي لدى الانسان العربي.

هناك 6 تعليقات:

  1. الديقراطية الغربية قناع لحكومة ظل خفية (ديكتاتورية) وواجهة لها ولذلك دولهم منضبطة سياسيا وليس لان فكرة الديمقراطية راسخة عندهم وتمت ممارستها لفترة طويلة ... نموذج الحكم المتبع في البشر منذ الازل هو وجود رأس واحد للدولة مع مسشارين ( ملك و وزراء ) ولم يتم تغيير هذا النموذج الا بعد الثورة الفرنسية وظهرت النماذج السياسية الحديثة التي سوقت من قبل الصهاينة وحلفاؤهم من اجل السيطرة على المجتمعات وتفتيتها ... الديمقراطية اينما وجدت ستؤول في اداراتها لنفس حكومة الظل التي تدير اكبر ديقراطية في العالم وهي بالتالي لن تصلح لاي شعب يريد تحقيق مصلحته ويقرر مصيره

    ردحذف
  2. أعتقد أن محاورك يمارس النفاق أيضاً كعادة الغربي. فالكيان الصهيوني يحكمه العسكر منذ إنشائه إذ أن كل القيادات فيه من العسكر. ومع ذلك فإنهم يهبرون هذا الكيان واحة للديمقراطية.
    ألم يكن السادات عسكريا ومبارك عسكرياً أيضاً؟ فلماذا لم يتحدثوا عنهما وينتقدوا حكمهما؟
    وانتقاد الغرب لحكم العسكر غريب لأنهم هم من دعم انقلاب بينوشيه في تشيلي وشجعوا انقلابات العسكر في أمريكا اللاتينية وأفريقيا.
    والحق أن الأمريكان بشكل خاص يكادون يقدسون العسكر وعلاقتهم الوجدانية بجيشهم تسبق علاقة العربي بجيش بلاده بفراسخ.

    ردحذف
    الردود
    1. شكرا ابو هاشم لهذه الأمثلة التي غابت عن فكري وانا اناقشه.

      حذف
  3. و اليوم انفرط عقد المجتمع المصري في ظل حكم العسكر و بسببه.
    كما إن مصر كدولة هي دولة مستجدية من دويلات مجهرية( متسوه ) و غير مجهرية و دولة متراجعة حضاريا و علميا و اقتصاديا و سياسيا في ظل حكمها من العسكر على مدى خمسين سنة إذا أردنا استثناء حكم جمال عبد الناصر لان له بعض الاصلاحات .
    ياسيدتي القضية مو عسكر أو غيرهم القضية إرادة صادقة و رغبة أمينة و قيادة وطنية تتمثل قيمها الدينية و القومية حقا و عدلا .

    ردحذف
  4. يبدو انك ايضا يا أخي تنسى التأثيرات الخارجية ومحاولاتهم المستمرة في اعاقة تقدم اي دولة عربية. راجع التاريخ وانظر كيف تدخل الاستعمار دائما في وأد أي تقدم حضاري او علمي او اقتصادي لأي دولة عربية ولعل العراق اكبر مثال.

    ردحذف
  5. سيدتي مصر دولة مستجدية و هذا هو تأثير الخارج التي تتحدثين عنه حتى الانقلاب مدفوع الثمن من خزائن ال نهيان و ال سعود هل تعتقدين إن الجنرالات و (النخبة) لم يعبئوا جيوبهم ؟!
    دولة مستجدية (من الغرب و العرب) هذا تصنيفهاالدولي و لم يعمل قادتها أي محاولة إلا عبد الناصر و هي محاولات يشوبها الكثير من الجدل .
    العراق و لان قيادة العراق تتصف بالمعايير التي ذكرتها سابقا نجحت و بالغت في النجاح و لذلك قرر تدميرها

    ردحذف