"المدونة محمية بميثاق الشرف. أرجو الإشارة الى اسم (غار عشتار) والكاتبة (عشتار العراقية) عند إعادة النشر"

18‏/10‏/2012

سوريا-تركيا-اسرائيل: حرب الطاقة في الشرق الأوسط الكبير-3

الجزء الثاني هنا
ملاحظة مهمة: ترجمت الجزء الأول والجزء الثاني من هذه المقالة ، ثم انتبهت الى أن المقالة مترجمة بالكامل في موقع سوريا الآن وهكذا اتوقف عن ترجمتها وانقل اليكم بقية الأجزاء المترجمة والمنشورة في ذلك الموقع.
بقلم: وليام انجداهل
ترجمة : عاصم مظلوم
البعد الجيو سياسي 
السؤال الهام الذي يجب طرحه في هذه المرحلة هو ما الذي يمكن أن يجمع بين إسرائيل وقطر وتركيا في هذا التحالف الشيطاني من جهة، وبين سوريا الأسد وإيران وروسيا والصين من جهة أخرى، في هذه المواجهة الفتاكة على المستقبل السياسي لسوريا؟
أحد الأجوبة هو جيوسياسة الطاقة.
أحد الجوانب التي لم تنل التقدير الذي تستحقه حتى الآن في التقييمات الجيوسياسية للشرق الأوسط هو التصاعد الدراماتيكي لأهمية السيطرة على الغاز الطبيعي ليس فقط بالنسبة لبلدان الشرق الأوسط، بل أيضا للاتحاد الأوروبي ومنطقة أوراسيا بما في ذلك روسيا بصفتها منتج والصين بصفتها مستهلك.
يتسارع  أهمية الغاز الطبيعي لأنه "مصدر نظيف للطاقة" وهو الأمثل لاستبدال محطات توليد الكهرباء العاملة على الفحم والطاقة النووية في الإتحاد الأوروبي، وخاصة بعد القرار الألماني بالتخلص من المحطات النووية بعد كارثة فوكوشيما. يعتبر الغاز مصدرا أكثر صداقة للبيئة من جهة إنبعاث الكربون. السبيل الواقعي الوحيد أمام حكومات الاتحاد الأوروبي، من ألمانيا إلى فرنسا إلى إيطاليا إلى أسبانيا، لتلبية شروط تخفيض انبعاث ثاني أكسيد الكربون الإجبارية بحلول عام 2020 هو تحول كبير نحو استهلاك الغاز بدلا من الفحم. يقلل الغاز من إنبعاث ثاني أكسيد الكربون بنسبة 50-60 % مقارنة بالفحم. نظرا لكون التكلفة الإقتصادية لاستخدام الغاز بدلا من طاقة الرياح أو أي مصدر بديل للطاقة هي أقل بكثير، يرتقي الغاز بشكل متسارع ليصبح مصدر الطاقة الرائج في الاتحاد الأوروبي، أكبر سوق ناشىء للغاز في العالم.
اكتشاف كميات كبيرة من الغاز في اسرائيل، قطر وسوريا بالتوازي بالإضافة إلى صعود الاتحاد الأوروبي ليصبح أكبر مستهلك للغاز في العالم، تجتمع هذه العوامل لتشكل بذور النزاع الجيو سياسي حول نظام الأسد.
في تموز 2011 أثناء ذروة عمليات الناتو ومشايخ دول الخليج  لزعزعة نظام الرئيس  الأسد، قامت حكومات سوريا والعراق وإيران بتوقيع اتفاقية تاريخية للطاقة يتم بموجبها مد أنبوب، وقد مرت تلك الإتفاقية مرورا عابرا ضمن تقارير السي إن إن عن التوتر في سوريا. من المتوقع أن يكلف الخط حوالي 10 مليار دولار ويستغرق مده حوالي 3 أعوام، وسيبدأ من ميناء عسلويه الإيراني على الخليج  وينتهي في سوريا مارا عبر الأراضي العراقية. كما تخطط إيران مستقبلا لمد الخط من دمشق إلى مرفأ في لبنان ليتم نقل الغاز إلى أسواق الاتحاد الأوروبي، وستشتري سوريا وكذلك العراق الغاز من حقل فارس الجنوبي للغاز.
هذا الحقل يمتلك إحتياطيا كبيرا يمتد على مساحة كبيرة وينقسم بين قطر وإيران في الخليج ، ويعتقد أنه أكبر حقل للغاز في العالم.

ما يعقد الواقع الجيوسياسي أيضا هو حقيقة أن مخزون هذا الحقل مقسم من المنتصف في مياه الخليج  بين إيران وقطر  السلفية. تصادف ذلك مع وجود قيادة المنطقة الوسطى الأمريكية، ومقرات قيادة قوات سلاح الجو الأمريكية الوسطى، والقوات المجوقلة 83، و379 في قطر. بالمختصر، بالإضافة إلى امتلاك قطر لقناة الجزيرة المناهضة للأسد، وهي قناة تبث دعاية معادية لسوريا عبر العالم العربي، فإن قطر مركز للوجود الأمريكي ووجود الناتو في الخليج .
من الواضح أن قطر لديها مشاريع أخرى بشأن حصتها من حقل فارس الجنوبي لا تتماشى مع جهود بناء خط الغاز الإيراني – العراقي - السوري، وليس لديها مصلحة في نجاح هكذا مشروع لأنه مستقل تماما عن السيطرة القطرية أو التركية على خطوط العبور إلى الأسواق المفتوحة في الاتحاد الأوروبي. في الواقع، تقوم قطر بكل ما تستطيع لتخريب هذا المشروع، وصولا إلى وبما في ذلك تسليح المقاتلين المتشددين في "المعارضة" السورية، والعديد منهم جهاديون تم إرسالهم إلى سوريا من بلدان أخرى منها مملكة آل سعود والباكستان وليبيا.
سبب آخر يزيد من تصميم قطر تدمير خط الأنابيب المذكور هو اكتشاف حقل غاز جديد ضخم في منطقة قارة في سوريا قرب الحدود اللبنانية وأيضا قرب القاعدة الروسية المستأجرة في طرطوس على البحر المتوسط. أي عملية تصدير للغاز السوري أو الإيراني إلى الإتحاد الأوروبي ستكون من ميناء طرطوس القريب من القاعدة الروسية. وفقا لمصادر جزائرية مطلعة، فإن إكتشافات الغاز السورية تتجاوز أو تساوي تلك القطرية بالرغم من عدم اعتراف الحكومة السورية بذلك.

وفق محلل مطلع، تقضي الخطة القطرية بتصدير الغاز القطري عبر ميناء العقبة في الأردن، وهو بلد يشكل فيه الإخوان المسلمين تهديدا على الديكتاتور الأردني الملك عبد الله، وهذا الأمر يشكل خطورة على عملية تصدير الغاز. يبدو أن أمير قطر قد أبرم صفقة مع إخوان الأردن بحيث يدعم توسعهم في العالم مقابل عدم تهديد نظامه في قطر. إن حكم الإخوان المسلمين في الأردن وسوريا المدعوم قطريا سيغير كافة الأسس الجيوسياسية لسوق الغاز العالمي بشكل مفاجى وحاسم لمصلحة قطر وضد مصلحة روسيا وسوريا وإيران والعراق، كما سيوجه ضربة موجعة للصين.
وفق المحلل المطلع، بيبي إسكوبار " الأهداف القطرية واضحة كالشمس, وهي القضاء على مشروع خط الغاز الإيراني العراقي السوري وكلفته 10 مليار دولار، وهي صفقة تمت حتى بوجود الثورة السورية. هنا تكون قطر في مواجهة مع إيران (كمنتج) وسوريا (كوجهة)، وبدرجة أقل مع العراق (كدولة عبور). يجب أن نتذكر أن إيران والعراق ضد تغيير النظام في دمشق، وإن حدث تغيير للنظام هناك عبر الغزو المدعوم والمقترح قطريا ستكون الأمور أسهل على قطر، فنشوء حكم الإخوان المسلمين في دمشق بعد سقوط نظام الأسد يعني ترحيبهم بخط غاز قطري، وهذا سيسهل توسيعه ليصل إلى تركيا أيضا.". (اقرأ  المقالة مترجمة في غار عشتار)
معضلة الغاز الإسرائيلي 
عامل آخر يزيد من تعقيد الصورة هو الإكتشافات الحديثة لكميات ضخمة من الغاز في السواحل الاسرائيلية.
من المتوقع أن يبدأ حقل تامار للغاز الطبيعي شمالي اسرائيل بإنتاج الغاز في أواخر 2012، وهذا ما غير اللعبة في وقته.
أعلنت 3 شركات تنقيب اسرائيلية وشركة هيوستن تكساس نوبل للطاقة عن تقديرات تصل إلى 16 تريليون قدم مكعب من الغاز في لافياثان، وهذا يجعل منه أكبر حقل غاز بحري تم اكتشافه منذ عقد، وهذا الحقل لوحده قادر على تغطية حاجات اسرائيل من الغاز لمئة عام مقبل.
لطالما كانت اسرائيل تخاف نقص الطاقة لديها منذ تأسيسها عام 1948، وقامت بالعديد من عمليات التنقيب عن النفط والغاز وكانت النتائج دائما ضئيلة مقارنة بجيرانها العرب الأغنياء. فجأة في عام 2009 أعلنت تكساس نوبل إينرجي عن اكتشاف حقل تامار بتقدير 8.3 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي عالي الجودة، وكان الحقل أكبر اكتشاف لحقل غاز عام 2009.
في وقت مضى، كان تقدير إجمالي احتياطي الغاز الاسرائيلي بحوالي 1.5 مليار قدم مكعب، وكانت التقديرات الحكومية تشير إلى أن احتياطي الغاز في الحقل الإسرائيلي الوحيد لدى إسرائيل في حينها، والذي يغطي 70% من الاحتياجات، سيتم استهلاكها خلال 3 أعوام.
مع اكتشاف حقل تامار تحسنت الأمور بشكل ملحوظ، وبعد عام من اكتشافه تم اكتشاف أكبر حقل غاز منذ عقود في تلك المنطقة. التقديرات الحالية تشير أن أن احتياطي الحقل الجديد يبلغ 17 مليار قدم مكعب من الغاز، وبذلك تحول الجوع الاسرائيلي للطاقة من "المجاعة" إلى "التخمة" خلال شهور معدودة.
الآن تواجه اسرائيل معضلة استراتيجية خطيرة جدا. فليس من مصلحتها أن ينافسها نظام الأسد والمحور الإيراني – السوري - العراقي - اللبناني على تصدير الغاز الإسرائيلي إلى أسواق الغاز في الإتحاد الأوروبي. قد يفسر ذلك سبب التدخل الإسرائيلي ضمن المعارضة ضد الأسد. من ناحية أخرى، تولي الحكم من قبل الإخوان المسلمين في سوريا بقيادة جناح رياض الشقفة يمكن أن يخلق حدودا أكثر عدائية في ضوء التوتر الحاصل على الحدود المصرية - الاسرائيلية بعد إنقلاب الإخوان ووصول محمد مرسي إلى الرئاسة.
ليس سرا وجود توتر بين حكومة نتنياهو وإدارة أوباما، فالبيت الأبيض ووزارة الخارجية الأمريكية دعت التغيير لصالح الإخوان المسلمين في الشرق الأوسط بشكل علني. لقاء كلينتون مع داود أوغلو في آب العام الماضي كان الهدف منه دفع تركيا للتصعيد بشأن التدخل العسكري في سوريا لكن بدون دعم أمريكي مباشربسبب السياسات الإنتخابية التي تتفادى التورط مباشرة في مستنقع شرق أوسطي جديد.
لكن من الواضح أن إدارة أوباما تراهن على حصان الإخوان المسلمين للسيطرة على ثروات الغاز الشرق أوسطية.
الدور الروسي 
تسير واشنطن حاليا على حبل مشدود على أمل إضعاف نظام الأسد إلى الحد القاتل بدون أن تظهر تورطها بشكل مباشر. أما روسيا فهي تلعب لعبة حياة أو موت على مستقبل مصدر قوتها الجيوسياسية الأهم، أي مركزها كمصدر الغاز الرئيسي إلى الإتحاد الأوروبي. بدأت شركة غازبروم المملوكة للحكومة الروسية هذا العام بتصدير الغاز الروسي إلى شمال ألمانيا عبر أنبوب يمر من بحر البلطيق إنطلاقا من ميناء سانت بطرسبرغ. بالإضافة إلى أهمية مستقبل الدور الروسي الاستراتيجي كمصدر رئيسي للغاز إلى الإتحاد الأوروبي، فإن لعب دور استراتيجي في استثمار الإحتياطي المكتشف حديثا في حليف الحرب الباردة، سوريا.
استثمرت روسيا كثيرا في الترويج لخط الغاز الجنوبي الواصل إلى أوروبا كبديل عن خط نابوكو الأمريكي الذي تم تصميمه خصيصا لضرب المصالح الروسية.
تحتل غازبروم موقع الصدارة كأكبر مصدر غاز طبيعي إلى الإتحاد الأوروبي، وهي تخطط مع خطوط أخرى لزيادة نسبة التصدير إلى أوروبا هذا العام بحوالي 12% أي 155 بليون متر مكعب. وهي تسيطر حاليا على 25% من إجمالي سوق الغاز الأوروبي وتخطط لزيادة حصتها إلى 30% عند الانتهاء من مد الخط الشمالي ومشاريع أخرى.

إن معركة السيطرة على مستقبل سوريا هي مجرد معركة في خضم حرب جيوسياسية هائلة، وهي قاطرة سحب لها. نتيجة معركة سوريا ستكون لها عواقب هائلة، إما سلام عالمي أو حروب ونزاعات ومذابح لا تنتهي.
تركيا الناتو نلعب بالنار، وكذلك أمير قطر، وأيضا نتنياهو وفرنسا وأمريكا، فالغاز الطبيعي غاز قابل للالتهاب يزيد طين الصراع على الطاقة بلة في هذه المنطقة.
مصدر هذا الجزء من المقالة هنا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق