"المدونة محمية بميثاق الشرف. أرجو الإشارة الى اسم (غار عشتار) والكاتبة (عشتار العراقية) عند إعادة النشر"

25‏/9‏/2012

صناعة أمريكية: انتاج دول فاشلة


 بقلم ادوارد هيرمان
ترجمة عشتار العراقية
خلال حرب فيتنام كانت هناك لافتة على احدى القواعد العسكرية الامريكية تقول "القتل عملنا والعمل في ازدهار" حسنا ، كان عملا رائجا جدا في فيتنام وكمبوديا ولاوس وكوريا , وقد وصل عدد القتلى المدنيين  الى الملايين . كان القتل يتم مباشرة او من خلال وكلاء في كل قارة يتطلب (الامن القومي الامريكي) فيها قواعد ومحطات واغتيالات وغزوات وقصف ورعاية انظمة اجرامية وشبكات ارهاب حقيقية وبرامج في كل مكان ردا على اخطار ارهابية تواجه (العملاق الهزيل). وقد جاهد هذا العملاق على انتاج وفبركة اخطار تهدده خاصة بعد سقوط (امبراطورية الشر- الإتحاد السوفيتي) ، وبعد موجات قصيرة من جلب الانتباه الى (ارهاب المخدرات) ثم
اسلحة الدمار الشامل لدى صدام حسين ، ظهر (الارهاب الاسلامي)  ليقدم خطرا مستمرا نابعا بلا شك من (كراهية الحريات الامريكية ورفض العالم الاسلامي السماح لاسرائيل ان تعيش في سلام).

ولكن اضافة الى استمرار القتل وتجارة بيع السلاح الرائجة، اصبحت الولايات المتحدة منتجة للدول الفاشلة على نطاق واسع. والمقصود بالدولة الفاشلة هي المسحوقة عسكريا او المتروكة في فوضى بعد زعزعة الاستقرار سياسا او /واقتصاديا والعاجزة (او   الممنوعة) لفترة طويلة عن استعادة قدراتها ورعاية مواطنيها وتلبية احتياجاتهم.. وقد كانت الولايات المتحدة  بارعة في هذا الانتاج لزمن طويل كما في حالات هايتي وجمهورية الدومنيكان والسلفادور وغواتيمالا ودول الهند الصينية ، ولكن كما لاحظنا ايضا في السنوات الماضية في حالات روسيا مابعد الفترة السوفيتية والعديد من دول اوربا الشرقية حين ينحدر الدخل وتزيد معدلات الوفيات بشدة نتيجة (علاج الصدمة) والنهب الغربي بشكل الخصخصة بشروط فاسدة الى ابعد الحدود.
ولكن مؤخرا كانت هناك موجة من دول فاشلة انتجتها الولايات المتحدة والناتو بتدخلاتهما (الانسانية) وتغيير الانظمة خاصة بعد موت الاتحاد السوفيتي.
كان النموذج الاول هو  التدخل الانساني في يوغسلافيا حيث تم تحويل البوسنة وصربيا وكوسوفو الى دول فاشلة يحكمها عملاء خاضعون للغرب.اضافة الى قاعدة عسكرية امريكية هائلة في كوسوفو. كل هذه الحزمة من الدول الفاشلة والسيطرة الامريكية حلت محل دولة مستقلة اشتراكية سابقة.، وبعد هذا الايضاح العملي لمحاسن التدخل الامبريالي ، تم اعداد المسرح لمزيد من انتاج الدول الفاشلة في افغانستان وباكستان والصومال والعراق وجمهورية الكونغو الديمقراطية وليبيا والبرنامج في مرحلة متقدمة في سوريا وبعدها تأتي ايران ايضا.
تشترك الدول الفاشلة بملامح مشتركة تدين بها للصناعة الامبريالية . ملمح متكرر هي بروز متمردين من عرق (او طائفة) تزعم المظلومية فتحارب حكومتها بأفعال ارهابية مصممة لاستفزاز الحكومة لاتخاذ اجراءات عنيفة، فيقوم هؤلاء بالاستنجاد بالقوى الامبريالية للمساعدة. احيانا تصدّر هذه الدول مرتزقة اجانب للوقوف الى جانب المتمردين ويتم تدريب وتسليح ودعم كل من المتمردين المحليين والمرتزقة من قبل القوى الامبريالية التي تشجعهم لأنهم سيكونون المبرر لقصف يزعزع استقرار البلاد المستهدفة وبالتالي الاطاحة بالنظام.
كانت هذه الخطة واضحة في عملية تفكيك يوغسلافيا الى مجموعة من الدول الفاشلة. ارادت قوى الناتو تفكيك يوغسلافيا وسحق جمهورية صربيا وهي اكبر مكون مستقل فيها. شجعت القوى الامبريالية عناصر محلية داخل الجمهوريات للتمرد وقد ادرك هؤلاء ان الناتو يدعمهم وسوف يحارب من اجلهم وقد تسبب هذا في حرب طويلة وتطهير عرقي ولكن في النهاية نجحوا في تدمير يوغسلافيا وخلق دول فاشلة عميلة. وجدير بالاهتمام ان عناصر القاعدة والمرتزقة قد جلبوا الى البوسنة وكوسوفو للمساعدة في قتال جمهورية الصرب بعلم وتعاون ادارة كلنتون . كانت القاعدة عنصرا من مكونات (ثوار ليبيا) والان تتواجد على المسرح في سوريا. وقد كانت القاعدة من عوامل تغيير النظام في افغانستان . (وقد كان تواجدها المزعوم في العراق من ذرائع الاحتلال ايضا)  .
 ايضا من ملامح صناعة الدول الفاشلة أن البرامج تتضمن دائما (ادارة الفظائع) حيث تتهم االانظمة المستهدفة  بانها تقوم بمذابح ضد الثوار وانصارهم لشيطنتها ومن ثم لتبرير تدخل عسكري خارجي.
كان هذا مهما جدا في حروب تفكيك يوغسلافيا وفي ليبيا وسوريا (والعراق ايضا)

تتضمن الشيطنة تحريك المنظمات الدولية للمساهمة في مزيد من الشيطنة وادانة الفظائع واحيانا تجريم ومطاردة (الاشرار) المستهدفين. في حالة يوغسلافيا اقامت الامم المتحدة (المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمة يوغسلافيا السابقة واختصارها  ICTY) والتي عملت  يدا بيد مع الناتو في ملاحقة القيادة الصربية وتبرير اي فعل تريد امريكا والناتو اتخاذه.
ويمكن ايراد توضيح مهم للعملية ، فقد ادان المدعي العام في المحكمة، ميلوسيفيتش في آيار 1999 في نفس الوقت الذي قام الناتو عمدا بقصف مرافق مدنية صربية للاسراع بالاستسلام الصربي. ومع ان هذا القصف يعتبر جريمة حرب وانتهاك لميثاق الامم المتحدة ولكن الاتهامات المثارة ضد ميلوسفيتش حولت الانظار عن قصف الناتو.
وبنفس الطريقة حين اراد الناتو مهاجمة ليبيا، هرع المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية لادانة معمر القذافي بسرعة بدون اجراء اي تحقيق مستقل مع أن المدعي العام لهذه المحكمة لم يدن في تاريخه اي شخص ماعدا الافارقة الذين ليسوا عملاء للغرب. هذا النوع من (تطويع القانون) لايقدربثمن للقوى الامبريالية ويفيد في سرعة تغيير الانظمة وانتاج دول فاشلة.
اضافة الى المنظمات الدولية هناك جماعات حقوق الانسان المستقلة والمنظمات (الداعية للديمقراطية) مثل هيومان رايتس ووتش ومجموعة الازمات الدولية ومعهد المجتمع المفتوح التي تقفز بانتظام الى عربة القطار الامبريالي بالتركيز على (فظائع) الانظمة المطلوب تغييرها. وكل هذا يصب في الاعلام الموجه الذي يهيء البيئة (الاخلاقية) للتدخلات العسكرية .

يساعد كل هذا تبادل ونشر مزاعم الفظائع التي ترتكبها (الانظمة ) وليس (الثوار) وصور الارامل والثكالى والمشردين واللاجئين مما يستدعي تعاطفا من المجتمع الدولي والمطالبة بالتدخل لحماية الضعفاء. كما يؤدي بالكثير من الناس للصمت بسبب الحيرةوالخشية من اتهامهم بـ  (مساندة الطغاة  المستبدين) . وحجج دعاة التدخل هي التالية: نحن ضد التدخل الامبريالي ولكن هناك استثناءات حيث تحدث فظائع استثنائية في الوطن والشعب يريد الحماية. ولكننا لا نطالب بتدخل عسكري فقط فرض منطقة حظر طيران كما حدث في ليبيا.

 المصدر

هناك تعليق واحد:

  1. ابو ذر العربي25 سبتمبر 2012 في 6:11 م

    اكيد لا يمكن ان تنتج الحكومات الامبريالية المستمرة للشعوب والعاملة على امتصاص خيرات الامم لا يمكن انتاج حكومات قوية مستقلة
    وما سرده الكاتب من سيناريوات هي فعلا ما حدث والحكومات المنتجة من تدخلات القوى الغربية لا يمكن الا ان تكون تابعه وعميلة للقوى الخارجية
    ولكم تحياتي

    ردحذف