"المدونة محمية بميثاق الشرف. أرجو الإشارة الى اسم (غار عشتار) والكاتبة (عشتار العراقية) عند إعادة النشر"

20‏/2‏/2012

ماهو دور القاعدة في سوريا؟- 2

 الجزء الأول هنا
 تحليل: عشتار العراقية
على خارطة المنطقة التي يسميها الغرب: الشرق الأوسط الكبير والتي تمتد من أفغانستان الى المغرب ومن البحر الأبيض المتوسط الى المحيطين الهندي والهادي، وتشمل اجزاء من قارة اسيا وأفريقيا، وهي منطقة طافحة بالنفط والغاز، وتشمل 3 مضايق وقنوات دولية لعبور خطوط امدادات الطاقة، وتقع  وسط ذئاب طامعة وجائعة: هي اوربا وروسيا والصين والهند، وهي قوى تسعى لمنافسة أمريكا في نفوذها الكوني، وحيث يعني الاستيلاء على هذه المنطقة، الهيمنة على العالم اقتصاديا وسياسيا وجغرافيا، اضافة الى حماية الحليف الحميم : الكيان الصهيوني القابض على لجام أمريكا.
إذا وضعت أمريكا خارطة هذه المنطقة الممتدة فماذا ترى؟ حسب التقسيم بعد الحرب العالمية الأولى:
1- العامل المشترك هو ان غالبية سكان المنطقة تجمعهم العروبة ويدينون بالإسلام.
2- هناك جمهوريات نتجت عن ثورات او انقلابات على أنظمة نصبها البريطانيون او الفرنسيون في المنطقة حسب تقسيمات سايكس بيكو. وهذه الجمهوريات تكاد تكون كلها تقريبا: ثورية وعروبية وقد دعمها وسلحها الاتحاد السوفيتي في بداياتها، وتنحو الى اقامة نهضة: تأميم النفط واقامة صناعة وزراعة وتعليم وصحة، ومعاداة الامبريالية والصهيونية وتعتبر محور نضالها : فلسطين.المشترك بينها: جيوش قوية - عدد سكان كبير- تعدد قوميات وأديان ذائبة في هوية وطنية واحدة وحكومات علمانية.
3- ملكيات ومشايخ هي اشبه بنواطير على آبار نفط. محميات بريطانية ثم أميركية وتعتمد في حمايتها على الغرب. لا تملك جيوشا كبيرة ، ولا شعوبا كبيرة، بل ان العمالة الوافدة اكبر من المواطنين. تعتمد في حكمها على التمسح بالدين. كلها بلا استثناء صديقة لاسرائيل.
4- هناك دولتان في المنطقة غير عربيتين (اضافة الى باكستان وافغانستان) : تركيا وايران، مسلمتان ولكن تتبعان مذهبين مختلفين، وكل منهما تريد ان تكون القوة الاقليمية الكبرى.
5- في المنطقة ايضا قومية حائرة وموزعة بين اربع دول مهمة: تركيا - العراق -ايران - سوريا وهم الاكراد الذين يمكن الاستفادة من وضعهم وتطلعهم الى لمّ شتاتهم في دولة.
6- في المنطقة ايضا قوة اخرى : مسيحيون موجودون حصرا في الجمهوريات لاسيما: مصر - لبنان - العراق- السودان- سوريا وهؤلاء يمكن الاستفادة من وضعهم.
سوف ترون من  استعراض الخطط الأمريكية انها كانت تتغير كل عشر سنوات.
من المعطيات أعلاه، لابد أن الغرب بقيادة أمريكا وجد أن (الجمهوريات في رقم 2) هي الخطر الأكبر المباشرعلى المصالح الغربية الصهيونية، وهو الذي يحتاج الى معالجة سريعة، وتمت بهذا الشكل:
1- في منتصف السبعينيات تم تحييد مصر وكانت تعتبر قائدة العرب، واخراجها من المعادلة، باتفاقية كامب ديفد، ثم بانصياعها الكامل للسياسة الامريكية الذي ادى الى تدمير مكتسبات ثورة 1952 وتدمير الزراعة والتعليم والصناعة والصحة، وأثقلت بالديون، والحرب الاقتصادية الخفية. تم إلحاق الجيش تمويلا وتدريبا وتسليحا وعقيدة بالجيش الأمريكي.
2- كانت الجمهورية المستهدفة الاخرى هي العراق، وتم اخراجه تدريجيا: بحرب طويلة المدى مع ايران، غزو الكويت، حصار، احتلال. تدمير الدولة العراقية بالكامل، حل الجيش وإلحاق قوات امنية ضعيفة مشتتة بالجيش الأمريكي تدريبا وتسليحا وعقيدة .
العراق كان ميدان تجارب ما سوف يلي من كوارث للعرب أجمعين. في العراق جربوا : اسلحة جديدة، خططا جديدة، تفكيك مجتمعي جديد. تحول العراق من دولة ناهضة علمانية الى خراب طائفي، من وحدة وطنية جامعة الى اقتتال بين اخوة اعداء.
3- قبل العراق وفي الثمانينيات حين وصل الى حكم افغانستان حكومة موالية للسوفيت، جرب الأمريكان شيئا جديدا، بمساعدة من الملكيات والمشيخات (المتلفعة بالدين) انشاء بديل عن (الفرقة الأجنبية) الملحقة بالجيوش الاستعمارية والتي كانت تتكون عادة من مواطنين من الشعوب المستعمرة يحاربون حروب الامبراطورية في بلاد اخرى. كانت هذه الفرقة الجديدة هي (المجاهدون العرب) الذين لبوا نداء امريكا وشيوخ النفط ورجال الدين عبيد السلاطين للتطوع لمحاربة (الكفار) في افغانستان. الجهاد ادارته السي آي أي تدريبا وتسليحا وكان الممول سفهاء الخليج. ولا ادري لماذا لم يوجهوا هؤلاء لمحاربة الصهاينة واسترداد فلسطين وفيها بيت المقدس ثاني القبلتين.
4- في التسعينيات، بعد انتهاء المهمة، تم تجريم هؤلاء (المجاهدين) ونسبت اليهم اعمال (ارهابية)، وبدلا من اسم الجهاد اطلق عليهم اسم (القاعدة) واصبحوا مطاردين سواء من البلدان الخليجية التي ارسلتهم او من امريكا التي احتضنتهم. واعلنت امريكا شن حرب جديدة طويلة الامد للقضاء على هؤلاء وعلى اية دولة لها علاقة بهم. (الحرب على الإرهاب) حلت محل الحرب الباردة بين المعسكرين :  الغربي- السوفيتي.
5- بذريعة هذه الحرب تم احتلال افغانستان وتم احتلال العراق عسكريا، واستخدمت "القاعدة" طوال العقد الأول من الألفية الثانية، سواء في افغانستان أو العراق وخصوصا في الأخير، لإحداث الفرقة بين مكونات المجتمع العراقي ولتشويه المقاومة ومن اجل بث الاضطراب والقتل والصدمة والترويع بين صفوف الشعب، فلا يجد سوى الأمريكان الغزاة ملاذا يحتمي بهم. وصار الخطاب الحكومي العراقي أن "القاعدة" سنية تقاتل الشيعة وان دول الخليج (السنية) ترفدها بالمال والرجال من اجل قتل الشيعة. في حين كان الخطاب  الأمريكي في نهاية الأمر أن "القاعدة" تحصل على تمويلها وسلاحها من ايران. وكان المحتل مرة يزعم ان هؤلاء من العرب ومرة يزعم انهم عراقيون، حسب ما يناسب المرحلة. ومرة يقال انها تستخدم نساء فاقدات العقل ومرة اطفالا قصرا من اجل العمليات الانتحارية ، وصارت كلمة (انتحاري) هي بصمة القاعدة. مع ان العمليات الانتحارية في التاريخ الحديث سبقت ظهور القاعدة بسنوات عديدة.
6-  اصبحت "القاعدة" الشماعة التي تعلق عليها كل الجرائم سياسيا بدون تمحيص او تدقيق. وفي كل انحاء العالم، صارت كل حكومة تطلق على معارضيها لفظ (ارهابيين) لهم صلات بالقاعدة. كما ظهرت القاعدة في كل المواقع التي تسعى أمريكا لمد نفوذها اليها، خاصة مواقع  النفط والطاقة.
7- حتى جاء عام 2011 حيث أدركت امريكا ان عليها تغيير خططها العسكرية : من احتلال مكلف في الارواح والأموال على الارض الى استخدام مكثف للطائرات بدون طيار التي يتم التحكم فيها على البعد، والاعتماد على العمليات السرية: سواء بواسطة عناصر السي آي أي او القوات الخاصة، وكذلك الاعتماد على المرتزقة وفرق الموت سواء بصورة مواطنين من البلد المستهدف او عناصر مرتزقة ممولة عربيا ومدربة امريكيا، وهؤلاء منهم كثير بشكل شركات امنية مدربة على القتل.
7- تم تجريب ذلك في ليبيا ونجحت الخطة. احدثوا نفس التأثير الذي احدثوه في العراق بدون ان يحتلوا الأرض بقوات برية. في الواقع أن ليبيا كانت مزيجا من شيء من غزو العراق (حظر الطيران والقصف الجوي) مع الأسلوب الجديد لإنزال قوات خاصة + مرتزقة + فرق موت مع مساعدة كبيرة من المواطنين الذين عليهم ان يخرجوا في مظاهرات احتجاج ويموتوا فيها.
8- في هذه الفترة قتلت اسطورة بن لادن بغزوة مزيفة على باكستان والقاء جثته في البحر. لأن المطلوب الآن نسيان مسألة (الحرب على الإرهاب) وبدء حرب جديدة من نوع آخر. ولكن القذافي لم يفهم ان "القاعدة" تحولت مع (الثورات العربية المفتعلة) الى عنصر خير وجهاد ونضال شعبي مرة اخرى، فقد حاول هو وابنه سيف الاسلام اخافة الغرب بأن من يقوم بالقتل والتفجير وسرقة السلاح هم "القاعدة" ممثلة بالجماعة الليبية المقاتلة التي كانت امريكا نفسها قد ادرجتها في قائمة (الارهاب). ولكن ذلك لم يفت في عضد امريكا والغرب. لأن (الارهابيين) الآن لديهم دور آخر يلعبونه، وهكذا فإن الاعلام الذي يشن حربا نفسية مواكبة وداعمة للحروب الامريكية قلل من اهمية تحذيرات القذافي واعتبرها من ضمن الأوهام، ونفى ان تكون هناك قاعدة في ليبيا او تكون الجماعة الليبية المقاتلة قد اشتركت في الثورة. وفي الواقع ان الجماعة هي التي تسيطر على طرابلس حاليا واصبح رئيسها عبد الحكيم بلحاج من أهم قادة المجلس الوطني الانتقالي. ولكنه في صورته الأمريكية الجديدة لم يعد ارهابيا او قاعديا.

الحلقة الثالثة هنا 

هناك تعليق واحد: