"المدونة محمية بميثاق الشرف. أرجو الإشارة الى اسم (غار عشتار) والكاتبة (عشتار العراقية) عند إعادة النشر"

17‏/11‏/2011

عصر الهيمنة الأمريكية يقارب نهايته

الحاقا بمقالة (نهاية العصر الأمريكي) هذه مقالة أخرى حول نفس الموضوع كتبها استاذ تاريخ وعلاقات دولية في جامعة بوسطن.
 **
بقلم اندرو باسيفيتش A. Bacevich*
ترجمة عشتار العراقية (ترجمة مختصرة خاصة بغار عشتار)
التغيير عنصر ثابت في كل ناحية من نواحي الوجود البشري، ولكن التغيير المهم يحدث نادرا ومن الصعب التعرف عليه بسهولة.
هل غيرت 11 ايلول كل شيء؟ لفترة قصيرة بعد ايلول 2001 كان الجواب يبدو واضحا: طبعا تغير كل شيء. ولكن بعد عقد من السنين تبدو الأمور اقل وضوحا. اليوم اغلبية الامريكان يعيشون حياتهم وكأن احداث 11 ايلول لم تقع مطلقا.
ولكن بعد قولي هذا يمكننا ان نشعر ان اللحظة الراهنة هي اللحظة التي يخوض  فيها عالم مابعد الحرب غمار تغيير جذري . انه يقترب من نهايته ويجري حاليا اعادة توزيع للقوى الكونية. ومع ذلك ففي واشنطن هناك  طبقة حاكمة تتظاهر بأن لاشيء جديدا يحدث واننا في الواقع مازلنا نعيش في  1945وان ما يسمى القرن الأمريكي سوف يستمر لعدة قرون قادمة .
 التغيير الكبير يحدث الان
تغيير سياسي اقتصادي عسكري كبير  يحدث الان تحت ابصارنا. وهناك 4 قوى دافعة هي:
اولا - انهيار اجندة الحرية. في اعقاب 11 ايلول سعت ادارة بوش الى ان تعيد تشكيل الشرق الاوسط الكبير . كان هذا هو الهدف الأقصى من "الحرب الكونية على الارهاب".
كان القصد احداث تغيير في العالم الاسلامي يشابه مافعلته امريكا في اوربا والباسيفيك مابين 1941 و 1945، لاقامة نظام جديد يوائم المصالح الامريكية بحيث يسمح بالحصول على النفط والموارد الاخرى بدون اعاقة ، مع تجفيف منابع التطرف الاسلامي واطلاق يد اسرائيل في المنطقة. كان العامل المهم في تحقيق ذلك هو الجيش الأمريكي الذي كان الرئيس بوش والكثير من الامريكان العاديين يرون انه لايقهر ولايمكن ايقافه ومستعد ان يضرب اي شخص  في اي مكان تحت اي ظروف. ولكن ما ان نفذ بوش ذلك حتى فشلت اجندة الحرية في العراق. كانت ادارة بوش تتوقع ان تكون عملية حرية العراق  قصيرة ونظيفة ومنتصرة. وقد تبين انها كانت حربا طويلة وقذرة ومكلفة جدا ونتائجها غامضة.
الآن نعرف جميعا ان الجيش  الامريكي مهما تكن قوته، عاجز عن فرض ارادة الولايات المتحدة على الشرق الاوسط الكبير. اننا لا نستطيع ان نحرر او نهيمن او نروض العالم الاسلامي. وهذا ما اكتشفه ايضا اوباما الذي استمر بسياسة بوش: بذل مجهود اكبر لن يأتي بنتيجة مختلفة.  وقد كان وزيرالدفاع السابق روبرت غيتس مصيبا حين قال " اي وزير دفاع في المستقبل يشير على الرئيس لارسال جيش بري امريكي كبير مرة اخرى الى اسيا او الشرق الاوسط او افريقيا ينبغي فحص عقله" كما قال الجنرال ماكارثر بطريقة لطيفة"
ثانيا - الركود الكبير. في التاريخ الامريكي السياسي الاقتصادي يحدث الكساد كل عقد من السنين. ومع ذلك فإن الانهيار الاقتصادي الذي بدأ في 2008 يختلف عما سبقه، فهو شديد ومستمر ومقاوم لأي علاج. انه  يستدعي الى الاذهان فترة الكساد الكبير في  الثلاثينيات من القرن الماضي.وهو يتميز بالنمو البطيء ونسبة البطالة العالية والفرص المتقلصة. بدأ الناس يرون ان المستفيد من كل ذلك هم قلة قليلة على حساب الاكثرية. وقد فقد الشعب ثقته بالكونغرس والرئيس ولا احد يدري اين يؤدي كل ذلك .
ثالثا -  الربيع العربي، لا احد يستطيع تخمين اين ينتهي الربيع العربي، هل سوف تنتشر الديمقراطية؟ هل سوف يتعايش الاسلاميون مع  العلمانيين؟ ولكن ما يمكن قوله والتأكد منه هو ان  الاضطرابات في تلك المنطقة تكسح معها كل اثار الامبريالية الغربية.
لقد شكل الاوربيون الشرق الاوسط الحديث بهدف وحيد في الذهن وهو خدمة المصالح الاوربية . ومع تضاؤل القوة الاوربية في اعقاب الحرب العالمية الثانية ، تقدمت الولايات المتحدة في الثمانينيات لملء الفراغ. ولم تختلف سياستها عن السياسة الاوربية والبريطانيةعلى الاخص في المنطقة. كانت الفكرة هي احكام الغطاء ، عزل الاشرار، وفي نفس الوقت الاستيلاء على مايمكن ان يقدمه الشرق الاوسط. كانت الخطة المفضلة الامريكية هي التحالف مع انظمة استبدادية، وبيع الاسلحة وتقديم الضمانات الامنية في مقابل وعود بانتهاج الطريق الذي تفضله واشنطن. لم يكن يهمها اوضاع الناس في المنطقة (ماعدا سكان اسرائيل طبعا)
الذي حدث الان ان هذا الغطاء قد رفع ولا تستطيع الولايات المتحدة ان تعيده . بدأت عمليات تقرير مصير واسعة في البلاد العربية. العرب وغير العرب في العالم الاسلامي الاوسع سوف يقررن مصيرهم. ربما تكون قراراتهم حمقاء او حكيمة. ولكن لن يكون لدى الولايات المتحدة والدول الغربية بدائل كثيرة سوى القبول بالنتيجة والتعامل معها مهما كانت.
رابعا- حاجة اوربا الى الانقاذ
القصة السائدة في القرن العشرين هي النسخة الغربية من ان اوربا كانت تعاني وقد هرعت امريكا لمساعدتها بجيشها ثم بمشروع مارشال.اصبح هذا المشروع شاهدا على قدرة امريكا الاقتصادية وان انقاذ القارات شيء لا يقدر عليه الا امريكا.
كان هذا في اعقاب الحرب العالمية الثانية ، اما الان فإن اوربا تعاني ايضا ، اقتصاديا، ولا حاجة لحسن الحظ لارسال الجيوش. ولكن هل يهرع العم سام لانقاذ اوربا اقتصاديا مرة اخرى ؟ ابدا . انه يعاني من مشاكل الشيخوخة. اذن لمن تستدير اوربا لطلب العون؟ ربما عناوين الصفحات الاولى في الصحف مؤخرا تقدم لنا الجواب:
- اوربا  المحتاجة للنقد تتجد نحو الصين للمساعدة
-اوربا تتسول من الصين لانقاذها ماديا
-الاتحاد الاوربي يأخذ طبق الاستجداء الى بكين
-هل الصين هي المنقذ من ازمة الديون الاوربية؟
القضية هنا هي ليست اذا كانت الصين سوف تسرع للانقاذ فعلا ولكن هي قضية تحول التوقعات من امريكا الى الصين.
**
العودة الى المستقبل
يستعرض الكاتب المرشحين الحاليين للرئاسة الامريكية من الجمهوريين والديمقراطيين وكيف انهم يرددون جميعا نفس النغمة : امريكا الأقوى والأعظم ومانحة الحرية والديمقراطية والرفاهية .وهي افضل امل للشعوب. وكيف انهم سوف يصلحون الكون فقط حين يحلون محل اوباما.
ويتساءل في النهاية "هل انتهت امريكا؟" وهو سؤال ظهر على غلاف احدث عدد من مجلة فورين افيرز ، وهي لسان حال مؤسسة السياسة الخارجية. ويقول ان المجلة تضع السؤال الخطأ لأنها تتوقع ان يكون الجواب مطمئنا مؤكدا ان امريكا لم تنته. ولكن الدلائل المتراكمة تؤكد ان امريكا اليوم ليست امريكا عام 1945. كما ان النظام  العالمي في اللحظة الراهنة ليس هو ماكان عليه في الماضي ايام عز امريكا. وكل شخص على الكرة الارضية يفهم ذلك . ربما حان الوقت للأمريكيين بدئا من سياسييهم ان يدركوا هذا ايضا. ولكن اذا رفضوا فهناك قصاص عادل مؤلم في انتظارهم.
المصدر  الأصلي هنا


*استاذ التاريخ  والعلاقات الدولية في جامعة بوسطن. أحدث كتبه "قواعد واشنطن: طريق امريكا الى الحرب الازلية"
من كتبه الاخرى
العسكرية الامريكية الجديدة: إغراء الأمريكيين بالحرب
حدود القوة : نهاية الفرادة الأمريكية  (مشروع الامبراطورية الامريكية )
الحرب الطويلة : تاريخ جديد لسياسة الامن القومي الامريكي منذ الحرب العالمية الثانية

هناك تعليق واحد:

  1. ابو ذر العربي18 نوفمبر 2011 في 10:08 ص

    يبدو لي ان امريكا الان تحاول التشبث بموقع القمة في العالم مكابرة وهي تعلم كم كانت خطوتها تجاه العراق والاسلام بشكل عام خطوة فاشلة افقدتها القدرة على الصمود وتحمل تبعات حربها الكونية في المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية
    فهي اعلنت من جانب قيادتها العسكرية انه غير قادرة على ارسال قواتها الى ليبيا واكتفت بدعم عملائها من الجو
    واعلنت مؤسساتها المالية والاقتصادية بانها غير قادرة على الاستمرار في تمويل الحروب الدائمة التي استحدثتها فاصبحت في ازمة اقتصادية مالية
    ووصل الامر الى تراجع مبادئها الديمقراطية حتى على الاراضي الامريكية واصبحت تراقب حتى خطوط هواتف مواطنيها تحت شعارات ملاحقة الارهابيين وكذلك اصبحت الشرطة الامريكية تعتقل المتظاهرين في امريكا وهذا مؤشر على تراجع الحريات الديمقراطية الامريكية
    وكشفت عن سوء نواياها تجاه من نصبتهم حكاما على دول العالم ودعمتهم ودعمت ديكتاتورياتهم والان تعمل على اسقاطهم ومن خلال ذلك العمل تنهب ممتلكات ومدخرات شعوبهم تحت ذريعة انها للحكام وليست للشعوب اي اصبحت تمارس البلطجة عالمكشوف
    فهي الان مثل قصة القرد الذي احتكم اليه اثنان من الفئران ليقسم بينهما قطعة جبنة لهما فاتى بالميزان وفسم القطعة قطعتين ووضعهما في كل كفة فرجحت احداهما على الاخرى فاكل قليلا من القطعة الكبيرة حتى يجعلها تتساوى مع الاخرى والفئران ينظران اليه ووضعها مرة اخرى في الميزان فرجحت الاخرى فاخذ القطعة الراجحة واكل منها ليساويها بالاخرى وهكذا استمر القرد في العملية والفئران تنظر متى سيعطيهما حصتيهما الى ان اكمل اكل القطعتين وهما ينظران اليه وخرجا من عنده خائبين بعد ان ضحك القرد عليهما
    اود ان اقول ان امريكا تحوال استثمار ما تستطيع الان لانها تشعر بانها تنهار فلا تجعلوها تنهار وتاخذ معها ما تم انجازه في المنطقة العربية من خلال استحداث حروب مفتعلة بين الاخوة والمسلمين
    يجب ان نتوحد الان اكثر من اي وقت مضى وان نساعد على انهيارها كليا وليس اسنادها بخلق الفتن والحروب الداخلية في المنطقة وشكرا لكم
    وتحياتي

    ردحذف