"المدونة محمية بميثاق الشرف. أرجو الإشارة الى اسم (غار عشتار) والكاتبة (عشتار العراقية) عند إعادة النشر"

4‏/11‏/2011

من قتل مشعل تمو؟

بقلم: باسل ديوب* (خاص بغار عشتار
مشعل تمو
أصيب السوريون بصدمة مؤخراً ، تضاف إلى جراحاتهم النازفة منذ سبعة أشهر في سبيل الحرية والكرامة، إذ امتدت يد الغدر لتطال الناشط الكردي "مشعل تمو" أحد رموز المعارضة السورية في محافظة الحسكة.
وبعيداً عن الاستغلال الإعلامي للاغتيال من قبل الفرقاء،هل يمكن استعراض الجهات التي من الممكن أن تقف خلف ذلك، حيث أدانوا جميعاً الاغتيال، و بادرت الصحافة الرسمية والمؤيدة لوصف المغدور بالمعارض الوطني الرافض للتدخل الخارجي، وهو الذي استضافته سجونها لأكثر من ثلاث سنوات، ملقية تهمة القتل على من يريد تحريض الأكراد على التظاهر بزخم أقوى، ومدرجة الاغتيال في سياق المؤامرة الخارجية التي تؤكد وجودها ضد نظام حكم الرئيس بشار الأسد ومواقفه الإقليمية.

في حين تلقف الإعلام المؤيد للثورة، وتنسيقياتها ، و معظم رموز المعارضة الخارجية عملية الاغتيال، ليوجهوا أصابع الاتهام إلى أجهزة النظام الأمنية،معتبرين أن تصفية المعارضين وبعض المؤيدين من ذوي الكفاءات، و الشخصيات المهمة،هو خطة أمنية لخلط الأوراق، معتبرين أن مشعل تمو كان عضواً لم يعلن عنه في المجلس الوطني الذي أعلن عنه مؤخراً  في استنبول في الثاني من تشرين الأول الجاري .
عملية الاغتيال هذه جاءت تتويجاً لعمليات أخرى ومعظمها في حمص و إدلب ذهب ضحيتها شخصيات سياسية وقضائية وعلمية وطبية كان آخرها قتل نجل مفتي سورية "أحمد حسون" وأستاذ جامعي كان برفقته، وقد عرض التلفزيون الرسمي "اعترافات" لأفراد ذكروا أنهم شاركوا في قتل الدكتور الصيدلي  "سمير قناطري" في معرة النعمان وهو قيادي في الحزب السوري القومي الاجتماعي،و لآخرين اعترفوا بقتل الدكتور الجراح  "حسن عيد" في حمص على خلفية أخبار أذاعتها فضائية معارضة عن إساءته التعامل مع جرحى المحتجين .
و إن كان يمكن وضع سلسلة عمليات القتل تلك في سياق انتقامي يمكن تصوره منطقياً من قبل حركة الاحتجاج، التي وصلت إلى طريق مسدود في تحركها السلمي، وتحول ناشطين إلى العمل المسلح، مع تزايد الدعوات للتسليح والعسكرة وطلب الدعم الخارجي، أو خلط للأوراق لاتهام المحتجين و إنهاء الثورة، ووفق ما يرى قسم كبير من المعارضين، فإن قتل مشعل التمو بما يشكله المغدور من أهمية يعتبر تصعيداً نوعياً إذ أنه للمرة الأولى يستهدف القتل قيادياً معارضاً من الصف الأول .
إن البحث في عمليات الاغتيال السياسي يستدعي تحديد أصحاب المصلحة في ذلك، وهنالك عدة احتمالات:
 أولها أن تكون السلطات السورية مسؤولة عن العملية،
وثانيها أن تكون ضمن الصراعات الكردية – الكردية ،
وثالثها قوة إقليمية، أو دولية، مناهضة لنظام الأسد لضخ الدم مجداً في حركة الاحتجاج،
وهنالك احتمال رابع هو أن يكون القتل بخلفية جنائية بحتة ومن المنطقي إهماله لضعفه الشديد.
***
1- لماذا تقتل السلطة معارضا ؟ قد يكون تغييب قائد جماهيري ذي كاريزما تميز بها الراحل مصلحة كبرى للسلطات التي تواجه حركة احتجاج غير مسبوقة تطالب بإسقاط النظام وتحظى بدعم دولي واسع وباتت تهدد بقوة نظام الحكم ، ولكن بنفس الوقت أليس من الأسهل تغييبه خلف القضبان وقد سبق للسلطات أن اعتقلت من هو أكثر شعبية كالشخصية العشائرية المعروفة الشيخ نواف البشير شيخ إحدى أكبر العشائر ؟
وقد يمكن القول إن قتله هو رسالة قوية وصارمة لكل معارض من الداخل ينضم إلى المجلس الوطني،المجلس الذي يعتبره الإعلام السوري حلقة في حلقات التآمر على  الدولة السورية ، وقد وصفه وزير الخارجية السوري وليد المعلم  بالغير شرعي، ملوحاً  بإجراءات مشددة ضد أي دولة تعترف به ، مع إدراك أن هذا المجلس ووفق ما صرح به رئيسه برهان غليون، ينتظر الاعتراف الدولي، الذي اعتبره العملية الأسهل من عملية تشكيله، حيث ذكر في تصريحات له أن  " “تشكيل المجلس كان أصعب، الاعتراف الدولي سيكون أسهل. تنتظر دول عربية وأجنبية إطارا (للمعارضة) يتحدث باسمها حتى تؤيده، كبديل للنظام الذي فقد ثقة العالم تماما"، و ما تبع ذلك فوراً من تصريحات لاثنين من رموزه هما سمير نشار ورياض الشقفة ( ليبرالي و إخواني ) طلبا فيه التدخل الدولي بما فيه العسكري وقصف دبابات الجيش، وما تراه الأمم المتحدة لازماً لحماية المدنيين.
2- الاحتمال الثاني يتعلق بالصراعات الحزبية الكردية فمن المعروف أن الصراعات السياسية الكردية في وجه منها تنحدر إلى العنف والاغتيال، ويطلق على تلك الأعمال تصفيات نهاية العام حيث اعتاد الشارع الكردي في مراحل سابقة، و نهاية كل عام سماع أخبار جرائم قتل على خلفية التنافس السياسي بين بعض القوى .
 ويرى كثيرون احتمال تورط جهة في حزب الاتحاد الديمقراطي " بي كي كي " في الاغتيال ولا يخرجون ذلك عن دائرة التحالف الضمني مع السلطة مؤخراً، فالحزب المذكور الذي يقبع مؤسسه وقائده عبد الله أوجلان في سجن جزيرة أيمرالي شديد العداء لتركيا، ويخوض مقاتلوه حرب عصابات ضد الحكومة التركية التي ترد بقصف لمواقع وقرى كردية في الإقليم الكردي شمال العراق ، ويرى الحزب أن  تحول تركيا الراعية الأهم لتشكيل المجلس الوطني الأخير الذي يضم قوى كردية منافسة إلى لاعب فاعل الشأن السوري الداخلي  ينعكس سلباً على نضال الأكراد في المنطقة. 
3- وفي حين اعتبرت أحزاب الحركة الوطنية الكردية و تضم احد عشر حزباً معارضاً في بيان لها أن جريمة الاغتيال تهدف إلى «إثارة القلاقل والفتن وإلى ضرب استقرار محافظة الحسكة»، مفضلة التريث في توجيه الاتهام إلى أي جهة وداعية الأكراد إلى " اليقظة والحذر من الأهداف الخطيرة التي تكمن خلف هذه الجريمة النكراء" ،فإن عمر أوسي رئيس المبادرة الوطنية للأكراد السوريين المقرب من السلطات، اعتبر في مقابلة مع الفضائية السورية أن الاغتيال يأتي " في إطار المؤامرة الرامية إلى استهداف الشخصيات المعروفة لافتعال فتنة بين الشريحة الكردية والسلطة»، مشدداً على أن الشعب الكردي «لن تنطلي عليه هذه المؤامرة ولن ينجر إلى التمرد والتخريب».  مضيفاً أنه «من غير المستبعد أن تكون أجهزة استخبارات بعض دول الجوار ومنها الاستخبارات التركية تقف وراء هذه الجريمة ".
كما نقلت صحيفة "تركيا" التركية عن مصادر غربية لم تسمها  قولها إن الاستخبارات التركية تقف وراء اغتيال تمو. وأضافت "إن عملية الاغتيال جاءت ردا على العملية التي قامت بها الاستخبارات السورية والقبض على الضابط السوري حسين هرموش". 
وأضافت المصادر بحسب الصحيفة التركية "أن أنقرة أرادت من وراء عملية الاغتيال تحقيق هدفين بضربة واحدة، حيث تخلصت من معارض كردي بارز وألقت التهمة على السلطات السورية، وبالتالي زيادة الاحتجاجات ضد السلطات السورية في شمال سوريا بعد الهدوء الذي ساد المنطقة".
وعلى ما يذهب إليه عمر أوسي فإن أوساط واسعة في السلطة تؤكد أن المتضرر الأول من الاغتيال هو النظام ، حيث أن منطقة الجزيرة بقيت هادئة طيلة الشهور السبعة الماضية، واستمرت فيها المظاهرات دون مواجهات تذكر، ويعزون ذلك إلى اتفاق السلطات مع القوى السياسية والوجهاء بضرورة عدم الاقتراب من مراكز السلطة، والمنشآت العامة ،والمواجهات التي وقعت كانت نتيجة الإخلال بالاتفاق ولكنها لم تسفر عن سقوط ضحايا .
ويرى هذا الوسط أن دعوات على صفحات التواصل الاجتماعي إلى السيطرة على مراكز السلطة والمفارز الأمنية  تمهيداً لفرض حظر جوي لحماية المدنيين وتحويل المنطقة إلى منطقة حماية دولية لتشجيع ضباط وجنود على الانشقاق واللجوء إلى هذه المنطقة، وكسب الاعتراف الدولي بهم ودعمهم بالسلاح لإسقاط النظام،هي الهدف من  عملية الاغتيال التي توقعوا منها  تجييش الشارع  في محافظة الحسكة، و إعطاء زخم جديد للاحتجاج يشجع الأكراد في حلب على التظاهر مما ينعكس على مجمل  المدينة .
وهذا ما ذهب إليه معذى سلوم محافظ الحسكة الذي قال عبر شاشة التلفزيون الرسمي الذي بث مشاهد من مراسم التشييع إن " الهدف من هذه العمل إثارة المحافظة باعتبار أنها كانت في الفترة الماضية من المحافظات الهادئة "، وأضاف " هذا العمل يهدف إلى وضع المحافظة ضمن المحافظات التي شهدت أوضاعاً أمنية غير مستقرة، ولكن نحن على ثقة بأن أهلنا من الأكراد في المحافظة بوعيهم قادرون على تجاوز هذا المصاب .
ولم يخلو التشييع الغاضب من عنف حيث سقط خمسة شبان بالرصاص، إلا أن تشييعهم في اليومين التاليين  مر بهدوء ،ويعزو مراقبون ذلك إلى أن الوسط الكردي عموماً يأخذ دور المراقب فيما يجري في سورية، و يحجم عن  مغامرة الدخول بزخم عال ٍ في موجة الاحتجاج ، و هدفه الأول هو تحصيل مكاسب قومية ،مع ميل لتأييد نظام الرئيس  بشار الأسد العلماني في حال انعكست الإصلاحات على الحقوق التي يطالبون فيها،مفضلين إياه على حكم إسلامي، خصوصاً و أنه سيقارب النموذج التركي الذي لم يقدم للأكراد شيئاً يذكر.
وربما نجد تفسيراً لذلك في النصيحة الأمريكية على لسان ويزر الخارجية هيلاري كلينتون التي  حثت «المعسكر المعارض للأسد على الإبقاء على تظاهرات غير عنفية والتقارب مع الأقليات"،معبرة "عن تفاؤلها بان الموجة تنقلب ضد الحكومة السورية"، حيث أشارت إلى اغتيال المعارض الكردي مشعل تمو ،موضحة ان مقتل تمو "يبدو انه أطلق الشرارة لدى إحدى المجموعات التي كانت على الطرف نوعا ما".
قتل مشعل تمو و انضم إلى أكثر من ثلاثة آلاف ضحية  من المحتجين،السلميين والمسلحين، و العسكريين و الأبرياء،في وقت تغيب فيه الشفافية في حرب إعلامية ضروس،فهل يتم الكشف عن القتلة بأدلة دامغة، ويقدمون إلى القضاء؟  أم ستنضم التحقيقات في الجريمة إلى نظراء لها لم تتمكن اللجنة المشكلة في بداية الأزمة من إماطة اللثام عن معظمها،في حين يتم الوصول بشكل أسرع إلى قتلة أنصار وكوادر السلطة وعرضهم على الشاشات؟
**
* باسل ديوب : كاتب من سوريا
وكيبيديا - مشعل تمو (1958 - 7 أكتوبر 2011) هو معارض سوري كردي بارز ورئيس حزب تيار المستقبل السياسي سابقاً، اغتيل خلال الاحتجاجات السورية عام 2011، وأجَّجَ اغتياله المظاهرات كثيراً في أنحاء البلاد وكان له أثرٌ كبير فيها. ولدَ مشعل في مدينة الدرباسية بمحافظة الحسكة عام 1958، وتخرج بشهادة هندسة زراعية، وعملَ بالسياسة منذ التسعينيات، ثمَّ أسس في عام 2005 حزب تيار المستقبل. اعتقل مشعل في عام 2008 وحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات بتهم النيل من هيبة الدولة وإضعاف الشعور القومي الوطني، لكن أفرج عنه لاحقاً في شهر يونيو عام 2011 لتخفيف وطأة حركة الاحتجاجات العنيفة في مناطق الأكراد بسوريا. في 7 أكتوبر 2011 اغتاله مسلحون في مدينة القامشلي، وأدى ذلك إلى تفجير احتجاجات عارمة في مدن الأكراد السورية نظراً إلى اتهام نظام بشار الأسد بالوقوف وراء عملية الاغتيال، ونتجَ عنه تطور حاسم وغير مسبوق في حركة الاحتجاجات بالمناطق الكردية.

هناك تعليق واحد:

  1. ابو ذر العربي4 نوفمبر 2011 في 3:25 م

    اعتقد ان من يقف وراء الاغتيال بالدرجة الاولى الاكراد المرتبطين بحلف الناتو لتسخين الاجواء الداخلية تمهيدا للمرحلة القادمة من جولة العنف المتوقعة في الفترة القادمة
    ولا استبعد تقاطع مصالح كثير من القوى في عملية الاغتيال ولكن المصلحة الاولى للناتو في هذة الفترة
    واعتقد وكما اسلفت في تعليق سابق انه تمهيدا لتحريك وتحميل اكراد العراق مسؤولية الدفاع عن اكراد سوريا كونهم
    يحملون مشروع الدولة الكردية المستقلة ووهم في فترة ما بعدالانسحاب الوهمي للقوات الامريكية من العراق سيكلفون بادوار قد تكون اقليمية وخاصة في سوريا
    هذا من باب الاجتهاد
    وشكرا

    ردحذف