"المدونة محمية بميثاق الشرف. أرجو الإشارة الى اسم (غار عشتار) والكاتبة (عشتار العراقية) عند إعادة النشر"

13‏/11‏/2011

نهاية العصر الأمريكي-4

الجزء الثالث هنا
بقلم: ستيفن والت (استاذ الشؤون الدولية في جامعة هارفارد)
ترجمة عشتار العراقية (خاصة بغار عشتار)

 للتحديد اكثر: التوازن الخارجي سوف يستدعي ازالة كل القوات الامريكية من اوربا ، وفي نفس الوقت البقاء ملتزمين بالناتو. اوربا غنية، وآمنة، وديمقراطية وهادئة ولا تواجه مشاكل امنية لاتستطيع حلها بنفسها (مصاريف الدفاع لاعضاء الناتو الاوربيين مجتمعين هي خمسة اضعاف مصاريف روسيا وهي التهديد العسكري التقليدي الوحيد الذي يمكن ان تواجهه القارة). اجبار اعضاء الناتو الاوربيين لقيادة الحرب على ليبيا مؤخرا كانت خطوة اولى جيدة لان الولايات المتحدة لم تكن لتستطيع اكراه حلفائها الاوربيين على تحمل عبئا اكبر اذا اصرت على ان تقوم هي بمعظم العمل بنفسها. بالتأكيد بلعب دور صعبة المنال احيانا، يمكن ان تشجع واشنطن الاخرين لبذل المزيد للحصول على دعمنا، بدلا من معارضة او عصيان الدولة التي نصبت نفسها على انها دولة (لايمكن الاستغناء عنها).

في العقود القادمة، ينبغي على الولايات المتحدة نقل اهتمامها الاستراتيجي الرئيسي الى آسيا، لسببين: اولا اهميتها  الاقتصادية تتصاعد بسرعة وثانيا لأن الصين هي المنافس النظير الوحيد المحتمل الذي نواجهه. الخبر السيء هو ان الصين سوف تصبح خصما اكثر خطورة من الاتحاد السوفيتي: من المحتمل ان يصبح اقتصادها اكبر من اقتصادنا (وهو وضع لم تواجهه الولايات المتحدة منذ القرن التاسع
عشر) وعلى عكس الاتحاد السوفيتي القديم المستكفي بذاته، فإن الصين الحديثة تعتمد على التجارة والموارد الخارجية وستكون اكثر ميلا لبسط سلطتها في الخارج.
الخبر الجيد هو ان مكانة الصين  المتصاعدة ، تدق الان اجراس الخطر في آسيا. كلما رمت بكين بثقلها حولها، ازداد طلب الدول الاسيوية الاخرى لمساعدتنا. وبأخذ النظر بعين الاعتبار المسافات والمشاكل
المعروفة للقيام بعمل جماعي، سوف يؤدي الى ان يكون تشكيل تحالف متوازن في اسيا اصعب بكثير مما كان في اوربا ايام  الحرب الباردة. وسيتعين على المسؤولين الامريكان ان يمشوا على خيط رفيع بين فعل
ماهو اكثر من اللازم (والذي سوف يسمح للحلفاء بركوبة مجانية) و عمل اقل من اللازم (الذي قد يؤدي الى التحاق بعض الدول بالصين). لتحقيق النجاح، سوف يكون على واشنطن ان تحتفظ بقوات بحرية
وجوية منتشرة في المنطقة، والانتباه الى تغير الاجواء العسكرية والسياسية هناك وتكريس بعض الوقت والجهد لادارة تحالف كبير ومتجزيء من الشركاء الاسيويين.
ربما الاهم من كل ذلك ، أن التوازن الخارجي يصف وصفة مختلفة تماما للشرق الاوسط الاكبر. وقبل 1991 كان هذا هو بالضبط مافعلناه. كان للولايات المتحدة مصلحة ستراتيجية بالنفط هناك والتزام اخلاقي بالدفاع عن اسرائيل، ولكن حتى 1968 كانت تترك للندن التصرف.بعد انسحاب بريطانيا، اعتمدت واشنطن على حلفاء اقليميين مثل ايران والسعودية واسرائيل لمجابهة وكلاء السوفيت مثل مصر وسوريا. حين سقط الشاه اقامت الولايات المتحدة قوة الانتشار السريع المشتركة ولكنها لم تنشرها في المنطقة، بل احتفظت بها عند الأفق للحاجة. دعمت واشنطن العراق ضد ايران خلال الثمانينيات وكانت البحرية الامريكية ترافق تانكرات النفط خلال الحرب العراقية الايرانية ولكنها نشرت قوات برية وجوية حين اختل توازن القوى تماما وقد حدث ذلك حين غزا العراق الكويت. ربما لم تكن هذه الستراتيجية مثالية ولكنها حافظت على مصالح امريكا الرئيسية بتكاليف قليلة على مدى اربعة عقود.
 ولسوء الحظ، تخلت الولايات المتحدة عن التوازن الخارجي بعد 1991 . حاولت اولا "احتواء مزدوجا" اي مجابهة دولتين العراق وايران - وهما تكرهان بعضهما البعض، بدلا من ان تدع الواحدة تضبط الاخرى وتوقفها عند حدها، كما حدث في الماضي. وهذه الستراتيجية التي اتخذت كما يقول تريتا بارسي خبير المجلس القومي الايراني الامريكي وكنيث بولاك خبير معهد بروكنجز، في جزء منها لطمأنة اسرائيل - اجبرت الولايات المتحدة على الحفاظ بآلاف القوات في السعودية مما اشعل غضب اسامة بن لادن وساعد في صعود القاعدة. جابهت ادارة بوش هذا الخطأ بعد 11 ايلول بتبني ستراتيجية اكثر حمقا وهي "التغيير الاقليمي" مع "العلاقة الخاصة" مع اسرائيل، وهذه المقاربات السيئة عمقت من مشاعر العداء ضد امريكا في الشرق الاوسط واعطت دولا مثل ايران المزيد من الاسباب للتفكير في الحصول على رادع نووي. وليس سرا السبب في ان خطابات اوباما البليغة لم تستطع ان تفعل شيئا لاستعادة صورة امريكا في المنطقة، الناس هناك يريدون سياسات امريكية جديدة، وليس جعجعات فارغة.
يستطيع المرء ان يتخيل كم استمتع صانعو السياسة في بكين وهم يتفرجون على امريكا وهي تغرق نفسها في مستنقعات مكلفة. لحسن الحظ هناك حل واضح: العودة الى التوازن الخارجي، الخروج من العراق وافغانستان بأسرع وقت ممكن ، معاملة اسرائيل كدولة عادية بدلا من دعمها بدون شروط، والاعتماد على حلفاء محليين في الشرق الاوسط واوربا وآسيا للحفاظ على السلام، وتقديم المساعدة عند الضرورة.
لاتفهموني خطأ، الولايات المتحدة لم تنته بعد كقوة عظمى، وليس مصيرها ان تكون مجرد قوة من بين قوى عديدة متساوية في عالم متعدد الاقطاب مستقبلا. بالعكس، مازال لدى الولايات المتحدة اقوى جيش في العالم ويظل اقتصادها متنوعا ومتقدما تكنولوجيا . قد يصبح اقتصاد الصين اكبر ولكن نصيب الفرد من الدخل سوف يظل اصغر مما يعني انه لن يكون للحكومة الفائض للتوسع عسكريا في الخارج. ومازال الصرف الامريكي على التعليم والابحاث الصناعية والتنمية اكبر من دول اخرى ومايزال الدولار عملة الاحتياطي العالمي ومازالت العديد من الدول تطمح في الحماية الامريكية.
علاوة على ذلك ، فإن توقعات المدى الطويل  إمكانيات الولايات المتحدة تبعث على الاطمئنان، فالسكان في روسيا واليابان ومعظم دول اوربا يتضاءلون ويشيخون مما سوف يحد من الامكانية الاقتصادية في العقود القادمة. اما في الصين فإن متوسط العمر يرتفع بسرعة (وهو نتيجة غير مرغوبة من سياسة الطفل الواحد) وسوف يكون هذا عبئا على حيوية الاقتصاد. على النقيض من ذلك، النمو  السكاني الامريكي عال بالمقارنة مع بقية العالم المتطور ومتوسط العمر الامريكي اقل من اي من اللاعبين المهمين الاخرين. 
وبالتأكيد فإن المكانة الستراتيجية الامريكية افضل مما كانت سابقا وهذا يوضح لماذا تعتبر ميزانيتها العسكرية المتضخمة مسألة غامضة . في 1986 مثلا كانت الولايات المتحدة تسيطر مع حلفائها على حوالي 49% من المصروفات العسكرية العالمية في حين أن اعداءنا المختلفين يشكلون مجتمعين 42%. اليوم الولايات المتحدة وحلفاؤها مسؤولون عن حوالي 70% من المصروفات العسكرية وكل اعدائنا مجتمعون مسؤولون عن اقل من 15% من المصروفات. الولايات المتحدة لن تتهاوى من مكانتها بين القوى العظمى في اي مرحلة من العقود القليلة الماضية، سواء كان عالم المستقبل احادي القطبية او ثنائها او متعددها، واشنطن سوف تظل احد هذه الاقطاب. وتقريبا بالتأكيد اقواها.
وهكذا فإن اكبر خطر تواجهه الولايات المتحدة اليوم هو ليس قوة عظمى منافسة وشيكة وانما هي الضربة الثلاثية المتمثلة في الديون المتراكمة، وتآكل البنية التحتية والاقتصاد الراكد. والسبيل الوحيد لامتلاك اعظم القوات العسكرية قدرة الان ومستقبلا هو ان يكون لدينا اكثر اقتصاد متطور في العالم وهذا يعني مدارس افضل وجامعات احسن ومؤسسات علمية لا تضاهيها اخرى، وبنى تحتية وطنية تزيد من الانتاج وتسحر القادمين من الخارج. هذه الاشياء سوف تكلف مالا طبعا، ولكنها سوف تضمن لنا امانا أكبر من سفح الكثير من الدماء والثروات لتقرير من يحكم افغانستان او كوسوفو او جنوب السودان او ليبيا او اليمن او اية دولة اخرى في مناطق ستراتيجية.

إن غروب العصر الامريكي ليس مناسبة للحزن او لالقاء اللوم . ولم يكن من المحتم ان تدوم فترة تدبير الولايات المتحدة شؤون الكون الاقتصادية والسياسية والامنية الى الابد، وانتهاؤها لا ينذر بالضرورة بعصر جديد من الاخطار الصاعدة والصعوبات الاقتصادية اذا قمنا بتعديلات ذكية.
بدلا من النظر الى الوراء بالحنين ، ينبغي على الامريكان ان ينظروا الى نهاية العصر الامريكي كفرصة لاعادة توازن اعبائنا الدولية والتركيز على مهامنا الداخلية. بدلا من بناء قواعد جديدة في اماكن نائية لا اهمية لها، لقد حان الوقت لتكريس المزيد من الانتباه لتلك (المدينة المشرقة على التل) التي طالما تحدث عنها قادتنا ولكن مازال علينا بناؤها.

المصدرالأصلي هنا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق