"المدونة محمية بميثاق الشرف. أرجو الإشارة الى اسم (غار عشتار) والكاتبة (عشتار العراقية) عند إعادة النشر"

11‏/11‏/2011

نهاية العصر الأمريكي-2

الجزء الأول هنا
بقلم: ستيفن والت (استاذ الشؤون الدولية في جامعة هارفارد)
ترجمة عشتار العراقية (خاصة بغار عشتار) 
شهد العقدان الاخيران بروز مراكز قوى جديدة في مناطق مهمة متعددة . اوضح مثال هو الصين فنموها الاقتصادي الانفجاري هو بدون شك اهم تطور جيوسياسي في خلال عقود. كانت الولايات المتحدة اكبراقتصاد في العالم منذ 1900 تقريبا، ولكن من المحتمل ان تبز الصين امريكا في الناتج المحلي الاجمالي في موعد لا يتجاوز 2025 .
وتتصاعد الميزانية العسكرية الصينية بحدود 10 بالمائة كل عام، ومن المرجح ان تحول المزيد من ثروتها الى ارصدة عسكرية في المستقبل. واذا كانت الصين مثل كل القوى العظمى السابقة - بضمنها الولايات المتحدة - فإن تعريفها لكلمة مصالح "حيوية" سوف ينمو كلما تزايدت قوتها- وسوف تحاول استخدام عضلاتها النامية لحماية مجال تأثيرها الآخذ بالاتساع. وبسبب اعتمادها على واردات المواد الخام (خاصة الطاقة) والنمو المعتمد على التصدير، فإن قادة الصين الحكماء سوف يرغبون في ضمان ان لا يكون لأحد القدرة على منعهم من  الوصول الى الموارد والاسواق التي تعتمد عليها رفاهيتهم واستقرارهم السياسي في المستقبل.
سوف يشجع هذا الصين على تحدي الدور الامريكي الراهن في آسيا. ولابد ان الامريكان يتفهمون مثل هذه الطموحات، حيث ان الولايات المتحدة ذاتها قد سعت لاقصاء القوى الخارجية من الوصول الى المناطق المحيطة بها منذ مبدأ مونرو. بنفس المنطق، ستكون الصين ملزمة بالشعور بالقلق اذا احتفظت واشنطن بشبكة التحالفات الاسيوية وحضور عسكري كبير في شرق اسيا والمحيط الهندي. بمرور الوقت ستحاول بكين ان تقنع الدول الاسيوية الاخرى لنبذ العلاقات مع امريكا، وواشنطن سوف تقاوم بالتأكيد هذه الجهود. سوف تعقب هذا منافسة امنية حادة.
ايضا قلل من شأن الترتيبات الامنية التي حددت العصر الامريكي ، بروز قوى اقليمية رئيسية اهمها: الهند وتركيا والبرازيل. كل من هذه الدول حققت نموا اقتصاديا مثيرا للاعجاب في العقد الاخير، وكل منها اصبح اكثر رغبة لرسم مساره بعيدا عن رغبات واشنطن. ورغم انه ليس بينها دولة على حافة ان تكون قوى عالمية عظمى حقيقية - فالناتج المحلي الاجمالي البرازيلي مايزال اقل من سدس الناتج المحلي

الاجمالي الامريكي ، واقتصاد الهند وتركيا اصغر من هذا - ولكن اصبحت كل من هذه الدول مؤثرة وسط اقليمها. وهذا الانتشار للقوة نراه في التوسع الاخير للثمانية الكبار الى مايدعى العشرون الكبار G-20
وهو اعتراف  ضمني بان المؤسسات الدولية التي اقيمت بعد الحرب العالمية الثانية قد عفا عليها الزمن وتحتاج الى  الاصلاح.
كل من هذه القوى الاقليمية الجديدة تحكمها حكومات ديمقراطية، مما يعني ان قادتها يوجهون اهتماما كبيرا برأي الشعب. نتيجة لذلك فإن الولايات المتحدة لا تستطيع بعد الان ان تعتمد على علاقات حميمة مع صفوة ذات امتيازات او نخبة عسكرية. حين يكون 10-15%  فقط من المواطنين الاتراك ينظرون الى امريكا بعين الرضا، يصبح من السهل فهم اسباب رفض انقرة استخدام واشنطن لاراضيها لمهاجمة العراق في 2003 وسبب تقليص تركيا لعلاقاتها الوثيقة مع اسرائيل رغم محاولات امريكا المتكررة لرأب الصدع. وفي حين ان شعور العداء لامريكا اقل انتشارا في البرازيل والهند ولكن قادتهما المنتخبين ديمقراطيا غير ميالين للانصياع لواشنطن كثيرا.
يعجل صعود القوى الجديدة بانتهاء (لحظة القطبية الاحادية) والنتيجة ستكون اما منافسة ثنائية صينية امريكية او نظام متعدد الأقطاب يضم عدة قوى كبرى غير متساوية. ومن المحتمل ان تظل الولايات المتحدة هي الاقوى بينها ولكن قيادتها ستكون قد تقلصت، وهي تتقلص باستمرار.
ساعدة الكارثتان في العراق وافغانستان على تسريع تسريع اضعاف الهيمنة الامريكية وتأكيد حدود القوة الامريكية. حرب العراق وحدها كلفت اكثر من 3 ترليون دولار ولم تنتج الا عن  ديمقراطية هزيلة معادية لاسرائيل ومتحالفة جزئيا مع ايران. بالتأكيد طهران كانت المستفيد الرئيسي من هذه المغامرة التي اقدمت عليها ادارة بوش دون ان يخطر على بالها حين جرت البلاد الى الحرب مثل هذه النتيجة.
الحملة طويلة المدى في افغانستان سوف تنتهي على اكثر احتمال نهاية سيئة رغم ان القادة الامريكيين يحاولون وصفها بنوع من النصر بعد مقتل بن لادن ولكن المحاولة الطويلة والمكلفة للقضاء على طالبان وبناء دولة على الطراز الغربي قد فشلت. في هذه المرحلة السؤال المهم الوحيد هو هل تخرج الويات المتحدة بسرعة او ببطء. وفي كل الحالات سوف يقرر مصير كابول الافغان حالما تخرج امريكا وحلفاؤها. واذا لم يكن الفشل في افغانستان كافيا فإن التورط الامريكي في وسط اسيا قلل من العلاقات مع باكستان المسلحة نوويا وعزز من مشاعر العداء لامريكا في تلك البلاد المضطربة. اذا كان النصر يعرف على انه تحقيق اهدافك الرئيسية وانهاء الحرب بزيادة امانك ورفاهيتك فإن كلا من حرب العراق وافغانستان كانت فشلا مكلفا.
ولكن الحربين لم تكونا مجرد جروح ذاتية غالية الثمن وانما كانت توضيحا بليغا لحدود القوة العسكرية. لم يكن هناك شك في  ان الولايات المتحدة تستطيع الاطاحة بحكومات ضعيفة نسبيا و/او غير محبوبة- كما الحال في بناما وافغانستان والعراق ومؤخرا في ليبيا- ولكن الحربين في العراق وافغانستان اوضحتا بأن القدرات العسكرية المتفوقة لا فائدة لها في بناء انظمة سياسية مؤثرة حالما يطاح بالقيادات  السابقة للدولة المعنية. في اماكن حيث تبقى الهويات المحلية قوية وحيث يكون التدخل الاجنبي غير مرحب به، لاتستطيع قوة كبرى متفوقة مثل الولايات المتحدة ان تحصل على نتائج سياسية مرغوبة.
لم يكن هذا اوضح في اي مكان مثل الشرق الاوسط الذي اصبح بؤرة الاهتمام الرئيسية للستراتيجية الامريكية منذ تفكك الاتحاد السوفيتي. لم يفاجيء الربيع العربي واشنطن فقط وانما كشف رد الفعل الامريكي قدرتها المتناقصة لتشكيل الاحداث في صالحها. بعد محاولة قصيرة لاسناد نظام مبارك، اصطفت ادارة اوباما مع القوى التي تتحدى النظام الاقليمي القائم. وقدم الرئيس خطابا بليغا نمطيا يؤيد فيه التغيير ولكن لم ينتبه له احد في المنطقة. وفيما عدا ليبيا فإن التأثير الامريكي على العملية كلها كان متواضعا في افضل حالاته. لم يستطع اوباما  منع السعودية من ارسال قواتها الى البحرين لاخماد الاحتجاجات المطالبة بالاصلاح- او لاقناع القائد السوري بشار الاسد للتنحي. والنفوذ الامريكي  في العملية السياسية مابعد مبارك في مصر والصراع الدائر في اليمن في طريق الزوال ايضا.
والمرء يشعر باحساس شديد بتغير ظروف امريكا من مقارنة   رد فعلها على الربيع العربي والسنوات الاولى للحرب الباردة، في 1948 كرست خطة مارشال مبلغا قدره تقريبا 13 بليون دولار بشكل منح مباشرة لاحياء اقتصاد اوربا وهو مبلغ يعادل تقريبا 5% من الناتج المحلي الاجمالي  الامريكي. ويعادل بقيمة هذه الايام مبلغ 700 بليون دولار، ويستحيل ان تخصص واشنطن حتى عشر هذا المبلغ لمساعدة مصر او تونس او ليبيا او آخرين. وليس ثمة حاجة للعودة الى 1948. لقد حذفت امريكا دينا خارجيا لمصر يبلغ 7 بليون دولار بعد حرب الخليج 1991. في 2011 كل الذي قدمته امريكا للحكومة المصرية الجديدة هو ماقيمته بليون واحد من الدولارات بشكل ضمانات قروض (وليس قروضا حقيقية) و حذف دين بمبلغ 1 بليون دولار.

كذلك يتضح تقلص نفوذ امريكا بفشلها المتكرر لحل النزاع الاسرائيلي الفلسطيني. لقد مضت عشرين سنة تقريبا على توقيع معاهدة اوسلو في ايلول 1993 والولايات المتحدة تحتكر "عملية السلام" منذ ذلك اليوم. ومع هذا كانت جهودها فشلا ذريعا مما يثبت بدون شك عجز واشنطن عن التصرف كوسيط فعال وعادل.  كانت دعوة اوباما "لدولتين لشعبين" في خطابه للعالم العربي في حزيران 2009 لحظة امل وجيزة ولكن تراجعه الحثيث في وجه التعنت الاسرائيلي والضغط السياسي الداخلي هبط بمصداقية الولايات المتحدة الى حضيض أعمق.

يتبع الجزء الثالث هنا

هناك تعليق واحد:

  1. آسف على التعليق الأولي على الجزء الأول, ﻷني لم أنتبه الى أن أخينا ستيفن والت هو مواطن أمريكي وخريج هارفرد, وأستنتجت أمر آخر مهم أنه ليس من قراء غار عشتار, ليش؟؟ ﻷنه ليس لديه أي فكرة عن دور الولايات المتحدة وشركات بلاك وتر وعناصر الشبيحة والمخابرات الأمريكية و روبرت فورد والمخابرات الصهيونية وحلف الناتو وشركات شل وغيرها من المتعدادت الجنسية النفطية ودعمها النقدي للحرب على العراق منذ2002 (سنة قبل الأحتلال),ليس لديه فكرة عن الشتاء العربي القارص وكيفية تبلوره
    محمود النعيمي

    ردحذف