"المدونة محمية بميثاق الشرف. أرجو الإشارة الى اسم (غار عشتار) والكاتبة (عشتار العراقية) عند إعادة النشر"

11‏/11‏/2011

نهاية العصر الأمريكي -1

بقلم: ستيفن والت (استاذ الشؤون الدولية في جامعة هارفارد)
ترجمة عشتار العراقية (خاصة بغار عشتار)
 الولايات المتحدة هي القوة المهيمنة على العالم منذ 1945 وقد سعى قادتها دائما الى الحفاظ على تلك الميزة. والهيمنة تعني ابعاد الاخطار المباشرة عن المصالح الامريكية وتعني القدرة على تشكيل توازنات اقليمية تؤدي الى سكون وهدوء يساعدان على تنمية التجارة والاستثمار وزيادة الثروة بالتالي. وهكذا تسيدت امريكا على القمة وإن كان ذلك المكان موحشا ولكنه شديد الجاذبية.
ولكن حين تقف وحدك على القمة فليس امامك طريق سوى الهبوط. وبدأت الخشية من الانحدار تتجلى مع تنامي قوة الاتحاد السوفيتي ، حتى جاء رونالد ريجان وبدأ في اوائل الثمانينيات في بناء قوة عسكرية هائلة. ولكن الخوف من الانهيار يلازمنا.
بدأت النقاشات حول ذلك تنتعش مع نشر كتاب بول كندي (صعود وانهيار القوى الكبرى)  Rise and Fall of the Great Powers والذي ذكر فيه ان امريكا تواجه خطر "التمدد الامبريالي" وكان كندي يرى ان بريطانيا العظمى تراجعت الى الوراء لأنها صرفت الكثير من الاموال في الدفاع عن مصالح بعيدة وممتدة وخاضت في سبيل ذلك حروبا مكلفة وحذر من ان الولايات المتحدة تسرع في نفس الاتجاه. وقد عارضه جوزف ناي في كتابه "ملزمة بالقيادة : الطبيعة المتغيرة للقوة الامريكية "
Bound to Lead: The Changing Nature of American Power
وكانت تنبؤات ناي دقيقة على المدى القريب حيث رأى ان لأمريكا نقاط قوة غيرعادية وانها ستقود العالم لسنين طويلة قادمة.
منذ ذلك الحين صدرت عدة كتب ومقالات ناقشت المدى الذي سوف تستمر فيه الهيمنة الاميركية . حتى اسامة بن لادن اشترك في التنبؤ معتبرا ان الحربين في العراق وافغانستان ضربات مميتة للقوة الامريكية.
ومع كل الحبر الذي سكب حول التفوق الامريكي كان معظم المحللون يسألون السؤال الخاطيء. لم تكن القضية اذا ماكانت الولايات المتحدة ستحاكي سقوط بريطانيا من عظمتها او سيكون لها انحدار كارثي آخر. السؤال الحقيقي هو ما اذا كان مايسمى (العصر الامريكي) قد قارب نهايته. وخصوصا: هل تظل الولايات المتحدة اقوى قوة دولية دون أن تستطيع ممارسة نفس التأثير الذي كان لها ؟ في هذه الحالة وانا اعتقد انها هي الحالة ، ارى ان على واشنطن ابتكار ستراتيجية كبرى تعترف بهذا الواقع الجديد ولكن في نفس الوقت تستخدم موارد امريكا لتحقيق مصالحها القومية.
بدأ  العصر الامريكي فور انتهاء الحرب العالمية الثانية. اعلن مخططو السياسة في وزارة الخارجية في عام 1947 ان "القوة الغالبة ينبغي ان تكون هدف السياسة الامريكية " ويتحدث الباحثون في العلاقات الدولية ان هذه اللحظة كانت نقطة التحول من عالم متعدد القطبية الى ثنائي القطبية، ولكن الحرب الباردة كانت مائلة الطرف منذ البداية.
في 1945 على سبيل المثال، انتج الاقتصاد الامريكي تقريبا نصف محاصيل العالم ، وكانت الولايات المتحدة من اكبر الدول الدائنة وكان ميزان التجارة في صالحها. كان لديها اكبر بحرية وقوة جوية في العالم ، واول قاعدة صناعية ، والمالك الوحيد للاسلحة الذرية ، وقواعدها تحيط بأركان العالم, وبدعمها لانهاء الاستعمار ودعم خطة مارشال لبناء اوربا ، كانت واشنطن تتمتع بسمعة طيبة بين العالم النامي والمتقدم.
اهم من كل ذلك ، كانت الولايات المتحدة في موقع جيوسياسي مفضل. لم تكن هناك قوى كبرى اخرى في نصف الكرة الغربي وهكذا كانت في مأمن من غزو اجنبي. على النقيض كان خصمنا السوفيتي لديه
اقتصاد اصغر واقل كفاءة ، وقوته العسكرية تتركز في قواته البرية ولم تصل ابدا لقدرات امريكا في وصولها الى شتى بقاع العالم. وكل القوى الكبرى الاخرى تتركز في او قرب اوراسيا قريبة من الاتحاد السوفيتي وبعيدة عن الولايات المتحدة التي جعلت حتى خصومها السابقين مثل المانيا واليابان راغبين في الحماية الامريكية ضد الدب الروسي. وهكذا مع استمرار الحرب الباردة ، جمعت الولايات المتحدة كتلة مخلصة من الحلفاء في حين ان الاتحاد السوفيتي لم يستطع سوى عقد تحالفات مع شركاء ضعفاء ومترددين. باختصار، حتى قبل انهيار الاتحاد السوفيتي، كان وضع امريكا الكلي يشابه في ميزاته وضع اي قوة عظمى في التاريخ الحديث.
ماذا فعلت امريكا بامتيازاتها المؤثرة هذه ؟ في العقود التي اعقبت الحرب العالمية الثانية ، خلقت وقادت نظاما سياسيا وامنيا واقتصاديا في كل جزء من الكرة الارضية تقريبا ماعدا الاجزاء التي كانت تحت السيطرة السوفيتية مباشرة او وكلائها الشيوعيين . ادخلت امريكا معظم دول العالم في مؤسسات صنعت اغلبها في امريكا (الامم المتحدة - البنك الدولي - صندوق النقد الدولي - اتفاقية التجارة ).
في اوربا انعشت خطة مارشال الاقتصادات المحلية وساعدت التدخلات الامريكية السرية في ضمان الا تصل الاحزاب الشيوعية الى السلطة وضمن الناتو السلام وردع الضغط العسكري السوفيتي. وكان منصب القائد الاعلى (في الناتو) من نصيب ضابط امريكي دائما ولم تحدث اي مبادرة امن اوربية مهمة بدون الدعم والموافقة الامريكية . (الاستثناء الوحيد كان الهجوم الكارثي الانجلو الفرنسي الاسرائيلي على مصر خلال ازمة السويس 1956، وهي مغامرة انهارت في وجه المعارضة الامريكية القوية) وقد اسست الولايات المتحدة نظاما امنيا جيدا في آسيا من خلال معاهدات ثنائية مع اليابان وكوريا الجنوبية واستراليا ونيوزيلندة والفلبين وغيرها، ودمجت كل من هذه الاقطار في اقتصاد العالم اللبرالي. في الشرق الاوسط ساعدت واشنطن في إقامة (اسرائيل) والدفاع عنها ولكنها ارست علاقات امنية وثيقة مع السعودية والاردن وايران الشاه ودول  الخليج الصغيرة. واستمرت امريكا في ممارسة هيمنتها على العالم الغربي باستخدام ادوات عدة لقلب الحكومات اليسارية في غواتيمالا والدومنيكان وتشيلي ونيكاراغوا. في افريقيا التي لم تكن امريكا تراها ميدانا حيويا لمصالحها، قامت امريكا بما يكفي لضمان حماية مصالحها المتواضعة هناك.
بالتأكيد لم تمارس الولايات المتحدة سيطرة تامة على الاحداث في الانظمة الاقليمية التي خلقتها. لم تستطع منع الثورة في كوبا في 1959 او ايران في 1979 ، كما فشلت في منع فرنسا من مغادرة هيكل القيادة العسكرية المدمجة في الناتو في 1966 ولم تستطع ايقاف اسرائيل او الهند او كوريا الشمالية او باكستان من الحصول على اسلحة نووية. ولكن الولايات المتحدة احتفظت بتاثير هائل في كل من هذه المناطق خاصة في القضايا الرئيسية.
واكثر من ذلك ، مع ان وضع امريكا قد تعرض للتحدي - مثلا الخسارة في فيتنام- فإن الموقف الأمريكي لم يكن في خطر مطلقا. وقد استمر راسخا نظام التحالف في آسيا رغم الهزيمة في الهند الصينية وخلال السبعينيات أقامت بكين شراكة ضمنية مع واشنطن.
كما ان الصين هجرت الماركسية اللينينة كايديولوجية للحكم ، ونبذت الثورة العالمية و دخلت طوعا في هيكل المؤسسات التي خلقتها الولايات المتحدة. وكذلك اصبحت طهران خصما حين استولى رجال الدين على الحكم، ولكن موقع امريكا الكلي في الشرق الاوسط لم يهتز. استمر النفط يتدفق من الخليج الفارسي (العربي) واصبحت اسرائيل اكثر امانا ورفاهية ، ونبذ حلفاء السوفيت الرئيسيين مثل مصر، موسكو واصطفوا مع الولايات المتحدة. ورغم احداث فاشلة بين حين واخر، فإن الملامح الاساسية للعصر الامريكي ظلت راسخة في مكانها.
من نافل القول ان نؤكد انه ليس من المعتاد ان تقوم دولة يسكنها 5% فقط من سكان العالم بأقامة انظمة سياسية واقتصادية وامنية مناسبة لها في كل زاوية من زوايا الارض تقريبا والحفاظ عليها لعقود. ولكن هذا ما فعلته الولايات المتحدة منذ 1945 الى 1990. وقامت بذلك في وقت تمتعت به بنصف قرن من  نمو اقتصادي لم يكن له نظير في التاريخ الحديث.
ثم حدث انهيار الامبراطورية السوفيتية ، تاركة الولايات المتحدة القوى المتفوقة العظمى في عالم احادي القطب. وطبقا لمستشار الامن القومي السابق برينت سكاوكروفت، وجدت الولايات المتحدة نفسها "تقف وحيدة في قمة قوتها. وهذا وضع لانظير له في التاريخ ، وضع يقدم لنا فرصة نادرة لتشكيل العالم" وهذا ما حاولت فعله الولايات المتحدة ، حيث جلبت معظم دول حلف وارشو الى الناتو وشجعت نشر اقتصاديات السوق والمؤسسات الديمقراطية في انحاء العالم الشيوعي السابق. كانت لحظة انتصار- ذروة العصر الامريكي. ولكن الألعاب النارية للاحتفالات اعمتنا عن رؤية المسارات والافخاخ التي رسمت نهاية العصر.

هناك تعليقان (2):

  1. فقط تعليق أولي قبل قراءة الجزء الثاني, بالنسبة لقول الكاتب عن أيران (لم تستطع منع الثورة في كوبا في 1959 او ايران في 1979 ،)أقول نعم قد تكون لم تستطع منع الثورة في أيران ولكنها تداركت الأمر وفرضت سيطرة الملالي على السلطة وأقصاء شركاء الملالي في الثورة من الوصول أليها مثل الحزب الشيوعي الايراني والحركات والقوى اليسارية بقيادة مجاهدي خلق, وأرسلت المقبور خميني بطائرة فرنسية مسرعة به الى طهران , كما أرسل لينين على قطار سريع من ألمانيا الى موسكو عام 1913 وقت الثورة العمالية لمنعهم من تسليم السلطة للبرجوازية الوطنية حسب النظرية الشيوعيةعن مراحل التطور للمجتمع نحو الشيوعية وأستلام أو أحتفاظ قوى البروليتارية العمالية بالسلطة والقفز الى مرحلة رأسمالية الدولة والعمال. شكراً للقراءة
    محمود النعيمي

    ردحذف
  2. أليس أستخدام كاتب البحث أو المقالة السيد ستيفن والت لمقولته هذه(ولكن حين تقف وحدك على القمة فليس امامك طريق سوى الهبوط.) هو أستعارة غير قانونية(حسب قانون براءة الأختراع) لنتاج بحثي وعلم لمؤسس علم التطور والتأريخ الأجتماعي للحضارات السيد أبن خلدون والتي لخصها في مقدمة كتابه المعروفة بمقدمة أبن خلدون وعبر عن دورة التأريخ للدول والأمبراطوريات والحضارة بدورة دولاب(غير ديلاب هوى العيد مالتنا) فحين تصل نقطة البداية الى القمة تبدأ في الأنحدار والسقوط وكذلك الدول والأمارات والأمبراطوريات أجتماعية أوسياسية أو أقتصادية.
    (ألا الدولة والحضارة العربية الأسلامية لم ولن تسقط بسبب الترف والتفسخ والتحلل بل سقطت وهي في أوج عنفوانها بسبب أنه جاء هولاكو وطك الخلفاء بالدهن وحرك كل الكتب بالنار, وحتينة العندلس في أسمانيا جقوها بالدهن فردناند ومرتة )
    ولو بيتنة كريب أجيبلكم طبك حمص وطبك زبيب
    والسلام ختام

    ردحذف