"المدونة محمية بميثاق الشرف. أرجو الإشارة الى اسم (غار عشتار) والكاتبة (عشتار العراقية) عند إعادة النشر"

26‏/9‏/2011

جديرة بالقراءة : لماذا كوسوفو وليس فلسطين ؟

 بقلم : زلتان غروسمان
ترجمة عشتار العراقية
في خطابه في الامم المتحدة يوم 21 ايلول قال الرئيس اوباما انه سوف يستخدم حق الفيتو على اعتراف الامم المتحدة بدولة فلسطينية لأن استقلالها لن يكون نتيجة تسوية تفاوضية مع اسرائيل. وقال "السلام يعتمد على التوافق بين الناس الذين عليهم ان يعيشوا جنبا الى جنب لفترة طويلة . هذا درس السودان حيث ادت التسويات التفاوضية الى دولة مستقلة وهذا هو طريق الدولة الفلسطينية: التفاوض بين الاطراف."
ولكن الرئيس اوباما تجاهل ان يذكر مثالا بارزا حديثا على اعلان الاستقلال من جانب واحد : دولة كوسوفو التي اعترفت بها الولايات المتحدة قبل ثلاث سنوات رغم ان اعلان الدولة لم يأت من خلال تسوية تفاوضية مع صربيا. واذا كان لن يعترف بدولة فلسطين الا بموافقة اسرائيل، لماذا اذن اعترفت امريكا باستقلال كوسوفو في 2008 رغم اعتراضات صربيا؟ لماذا الاعتراف بكوسوفو وليس فلسطين؟
يرى الصرب كوسوفو مهد هويتهم القومية حيث هزمتهم الامبراطورية العثمانية في 1389، وبقي الصرب اغلبية في كوسوفو لعدة قرون ولكن في اواخر القرن التاسع عشر اصبحت كوسوفو ارض الصحوة الوطنية الالبانية وشيئا فشيئا صارت الاغلبية من الالبان. واصبحت جزءا من يوغسلافيا التي هيمن عليها الصرب بعد الحرب العالمية الاولى  و(بعد احتلال المحور في الحرب العالمية الثانية) جعلت الحكومة الشيوعية اليوغسلافية كوسوفو اقليما ضمن جمهورية صربيا واعترفت بحقوق اغلبيتها الالبانية . في 1989 اقتطع الرئيس الصربي سلوبودان ميلوفيتش الكثير من صلاحيات الحكم الذاتي في كوسوفو بحجة وجود تهديدات للاقلية الصربية وكانت حركة تمهيدية في مسعاه القومي من اجل صربيا الكبرى. وكما ان الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات اعلن سيادة فلسطين في 1988 فإن القائد الالباني ابراهيم  روغوفا اعلن استقلال كوسوفو في 1990 . لم تعترف اية دولة اجنبية بكوسوفو في ذلك الوقت في حين ان 127 دولة عضو في الامم المتحدة اعترفت بدولة فلسطين.
في 1998 قامت حرب اهلية بين القوات الصربية وجيش التحرير الكوسوفي وقتل اكثر من 2000 شخص في الحرب. كان مقاتلو جيش التحرير الكوسوفي يستهدفون المدنيين الصرب في الاقليم اضافة الى الالبان المعتدلين وكانت القوات الصربية تستهدف المدنيين الالبان. في شباط 1999 قاد الرئيس كلنتون الناتو في حملة قصف ضد صربيا مما دفع ميلوسوفيتش لتنفيذ خطته في التطهير العرقي (او التهجير القسري) للاغلبية الالبانية في كوسوفو والتي بدأت بعد ان انطلقت قنابل الناتو.
حين استلم جيش التحرير الكوسوفي السلطة بدعم من قوات الناتو في حزيران 1999 قام بدوره بتطهير عرقي لالاف من الصرب والغجر والاتراك واليهود بحجة مساندة هذه الجماعات للقوات الصربية . 
وكانت هذه الاقليات تعيش في كوسوفو منذ قرون، على عكس المستوطنين الاسرائيليين الذين تم استيرادهم وزرعهم في التراب الفلسطيني من وقت قريب. وحين قامت صربيا بتوطين بعض لاجئي الحرب الصرب في كوسوفو من جمهوريات يوغسلافية سابقة خلال التسعينيات، ادانت واشنطن هذا البرنامج باعتباره محاولة لتغيير ديموغرافية الاقليم. وتعرض القلة من الصرب الذين يعيشون في كوسوفو الى حملات فرهود وقتل منتظمة وقد هدد الجيب الصربي الموجود في الشمال بين حين وآخر بالانضمام الى صربيا  مما خلف حالة من عدم الاستقرار في الدولة الجديدة.
وفي حين ان القصة المعروفة في الولايات المتحدة هي ان كلنتون قد قصف يوغسلافيا السابقة لايقاف التطهير العرقي، فإن الناس في البلقان يفهمون ان القوات الامريكية تدخلت ضد الصربيين القائمين بالتطهير العرقي ولكنها تدخلت الى جانب الكروات والالبان القائمين ايضا بتطهيرعرقي. بعد انتهاء الحرب اقر الناتو وثبت النتائج على الارض لهذا الهجير القسري واعتبر صمت المقابر "سلاما دائما".
أعاد  برلمان كوسوفو اعلان الاستقلال في 2008 في حركة قاطعتها وفود صرب كوسوفو. وحتى الان لم تعترف بهذه الدولة سوى 83 دولة عضو في الامم المتحدة بضمنها الولايات المتحدة ، وهذا العدد اقل بـ 44 دولة من الدول الاعضاء التي اعترفت بفلسطين. وقد طلبت صربيا من محكمة العدل الدولية ان تبت في الانفصال و في العام الماضي اصدرت المحكمة رأيا استشاريا يقول بان اعلان  الاستقلال من جانب واحد ليس ممنوعا حسب القانون الدولي.
وصربيا لديها قضية قانونية اقوى من اسرائيل لمعارضة الاستقلال من جانب واحد وليس بسبب قيام كوسوفو بطرد معظم الصرب ولكن لأن كوسوفو كانت جزءا من يوغسلافيا قبل التسعينيات، ليس باعتبارها جمهورية يوغسلافية بحد ذاتها، وانما باعتبارها اقليما ضمن جمهورية صربيا. ومن جانب آخر فإن الضفة الغربية وغزة (ناهيك عن القدس الشرقية التي ضمتها اسرائيل اليها) لم يتم الاعتراف بهما جزءا من  اسرائيل  ابدا. اضافة الى انه بعد تسلمهم السلطة قام مقاتلو جيش التحرير الكوسوفي بتعريض امن الدول المجاورة للخطر بسعيهم العسكري لتحرير الالبان في مقدونيا الغربية ووادي بريسيفو 
في صربيا. 
الفرق هو ان كوسوفو تحت احتلال تحالف عسكري اجنبي يدعم تقرير مصير الاغلبية الالبانية. اما الضفة الغربية والقدس الشرقية فهي تحت احتلال قوة عسكرية اجنبية تسعى لمنع تقرير مصير اغلبية فلسطينية وتسعى الى توطين سكانها في اماكن هؤلاء .
صربيا واسرائيل لديهما رسائل متماثلة تجاه الغرب. يقول كلاهما ان احتلالهما العسكري مبرر لمنع تكرار الابادة التي حصلت لهما في الحرب العالمية الثانية (لاعلاقة للفلسطينيين بتلك الابادة، ولكن كرواتيا والبانيا كانتا متحالفتين مع قوى المحور) وتقدم صربيا واسرائيل نفسيهما على انهما يدافعان عن الحضارة الغربية ضد التطرف الاسلامي رغم ان الحركات الوطنية الفلسطينية والكوسوفية بدأت بهويات عرقية علمانية  وكانت بين اعضاء هذه الحركات مسيحيون. صربيا واسرائيل استخدمتا تبريرات دينية قديمة (مثل المعابد والمواقع الاثرية ) لتبرير حضورهما العسكري في اراض ليس لديهما فيها اغلبية سكانية. 
الاختلاف أن اللوبي الاسرائيلي في واشنطن اقوى بكثير من اللوبي الصربي. والتطهير العرقي الذي قام به ميلوسوفيتش لألبان كوسوفو والكروات والبوسنيين كان حديثا وصور بالتلفزيون في حين ان التهجير القسري الذي قامت به اسرائيل ضد الفلسطينيين فيما يسمى بالنكبة عام 1948 لم يحظ بميزة تركيز الكاميرات عليه.
على الجانب الاخر، الاختلاف ان جيش تحرير كوسوفو تورط في تهريب الهيروين للصرف على قضيته وللإغتناء الشخصي، وقد اتهم القادة الكوسوفيون بضمنهم رئيس الوزراء هاشم ثاجي الذي قاد الجيش الكرواتي عام 1995 بعمليات التطهير العرقي للصرب) بتهريب اعضاء بشرية . كما ان كوسوفو هي مركز شهير للاتجار بالجنس في البلقان خاصة بوجود القوات الغربية هناك ، ولكن كل هذه الاتهامات لم تمنع الدعم الامريكي لاستقلال كوسوفو.
في حين ان الحركة الوطنية الفلسطينية لم تتورط مع عصابات الجريمة الدولية . ولو كان لأي من قادة الفلسطينيين علاقة بمثل هذا لقام اللوبي الاسرائيلي بدق الطبول والابواق لنشر مثل هذه التهم.
الاختلاف هو انه منذ ايام وودرو ولسون تميل واشنطن الى دعم حق تقرير المصير من جانب واحد فقط اذا كان الشعب ينتمي لأوربا البيضاء. 
وفي حين ان بعض الحكومات في الجامعة العربية والاتحاد الاوربي ترى في كوسوفو  سابقة ايجابية لفلسطين، وبعض الحكومات قد تعترض على منح كوسوفو وفلسطين الاستقلال، ولكن الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة المنافقة التي تدعم استقلال كوسوفو وفي نفس الوقت تمنع استقلال فلسطين. 
ينبغي على الامريكان ان يطرحوا سؤالا على الرئيس اوباما: اذا كان لكوسوفو الحق في الوجود فلماذا لايكون لفلسطين الحق في الوجود؟ 

*غروسمان استاذ الجغرافية ودراسات الامريكان الاصلين والشعوب الاصلية في العالم في كلية ايفرغرين في اولمبيا ، واشنطن. وهو ناشط سياسي ضد الحرب

هناك 4 تعليقات:

  1. الم تقولي انه عالم غريب؟

    عالم غريب, ظالم وصفيق هذا يا عشتار

    جنوب السودان لم يكن محتلا من شمالها. وشعب الشمال لم يأتي هاربا من ظلم ومطاردة الالمان ( بالتواطؤ مع اوربا) ليتخذ من الجنوب دولة له بالقوة. لم نعرف سودانيا اسمه بيغن او شامير. أو سودانية شمطاء اسمها غولدا مائير.
    ثم اين هو الحوار السلمي الذي يتحدث عنه اوبامب؟ الم يجبر السودانيون على الاختيار بين الانفصال (بالعيني و اغاتي) وبين المحكمة الدولية؟

    عالم غريب, ظالم وصفيق هذا يا عشتار

    ألامم المتحدة تبنت قرارا يمنع التشكيك بالهولوكوست. رغم انها مجرد حدث تاريخي مثل كل احداث التاريخ الاخرى قابلة للبحث والتمحيص والتشكيك. بل وذهبت بعض الدول الى زج علماء وباحثين محترمين في السجون لمجرد انهم حاولوا دس انوفهم الاستقرائية في اوراق الهولوكوست الصفراء. ليس هناك متسع في صدر الديمقراطية وحرية التعبير للتساؤل عن حقيقة ما كتب في تلك الاوراق الصفراء.

    أما السخرية من دين ورسول تقدسهما ملايين البشر فذاك حرية رأي. وللديمقراطية الغربية ومهرجيها الاف السيوف, مشحوذة ومشهرة بوجه كل من يجرؤ على النيل من تلك الحرية وهذه الديمقراطية.

    عالم غريب, ظالم وصفيق هذا يا عشتار


    تحياتي

    أمير المدمنين

    ردحذف
  2. أمير المدمنين

    أعتقد أنه ليس من المجدي أن نتحدث عن ازدواجية المعايير، كما يريد كاتب هذه المقالة ان يقول. اية ازدواجية؟ انها في عقولنا نحن وليس في عقول الامريكان او القوى الكبرى في غابة العالم. انهم متسقون تماما مع انفسهم: القوي فوق القانون. القوي يضع القوانين التي لن يطبقها وانما على الضعفاء تطبيقها. انه يسعى وراء مصلحته هو فقط. يأخذ ما يريده حتى لو كان في آخر العالم، وعلى الآخرين الانصياع. انه منطق البلطجي. لماذا نرى في اخلاق البلطجي ازدواجية؟ هل كنا نتوقع منه شيئا ان يكون عادلا ورقيقا ومثاليا؟ كيف يكون بلطجيا اذن؟

    ردحذف
  3. ابو ذر العربي27 سبتمبر 2011 في 8:47 ص

    فلسطين والعراق وقواهما المناضلة المجاهدة هما كاشفا الد-ن-ايه- وجينات القوى الحقيقية المدافعة عن الحق والعدل وكاشفة كذلك للمزيفين للحقائق فالاصالة العراقية خاصة والفلسطينية كذلك تتمحور حولهما جميع القوى الصادقة في المنطقة والعالم
    وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بقاء عمود الدين في بلاد الشام الى يوم القيامة ما هو الا دليل على كشف الدعوات المزيفة التي تحاول كثير من القوى التحايل فيها على الحقائق
    والله متم نورة ولو كره الكافرون صدق الله العظيم وشكرا

    ردحذف
  4. أتفق مع الأخت عشتار تماماً، فنحن الذين نبحث عن تفسيرات وتبريرات ومعايير، في حين أن الغرب الصهيوني لا يؤمن إلا بمنطق أن الجبروت هو الحق. وحتى العراقي يقول: "الحك للسيف.... والعاجز يريد شهود"

    بعد العدوان على العراق عام 1991 تحدث رئيس تحرير إحدى الصحف البريطانية اليومية الرئيسة في التلفاز فقال: "إن الحضارة الغربية فريدة في نوعها. فنحن دائماً على حق والآخرون دائماً على خطأ".
    ولعل هذه المقولة تلخص مفهوم الأخلاق والمعايير لدى الغرب.

    ردحذف