"المدونة محمية بميثاق الشرف. أرجو الإشارة الى اسم (غار عشتار) والكاتبة (عشتار العراقية) عند إعادة النشر"

9‏/8‏/2011

اجتثاث التمدن والحرب على التعليم في العراق-4

بقلم: هيو غاسترسن
ترجمة مختصرة: عشتار العراقية

استفادت الجامعات الامريكية من الحرب على الارهاب حيث انصب عليها فيض من التمويل للابحاث في حين انها كانت بعيدة عن ميادين الحرب الحقيقية ولم يصبها ضرر. وفي الحرب الباردة تعاظم شأن ثلاث جامعات هي معهد ماساشوستيس للتكنولوجيا وستانفورد وجون هوبكنز بسبب التمويل الدفاعي, حيث ساعد التمويل في بناء مرافق بحث جديدة مكلفة وتوظيف هيئة تدريس جديدة وتوسيع تدريب المتخرجين في مجالات مثل الفيزياء والهندسة وعلوم الكومبيوتر وعلم النفس ودراسات المناطق. كما انها اعادت توجيه التنمية الفكرية داخل تلك المجالات باتجاه يرغبه الجيش : نحو الفيزياء النووية والذرة ، وابحاث الفضاء الافتراضي والسيطرة على العقل وتمرد الفلاحين على سبيل المثال . وهكذا في حين ان الحرب خربت جامعات العراق ولكنها عمرت جامعات امريكا.

بعد هجمات 11 ايلول 2001 وفي إطار الحرب المعلنة على الارهاب ، توفرت كميات كبيرة من الاموال للجامعات التي تعمل على مبادرات تهم وزارة الدفاع ووزارة الامن الداخلي التي تأسست حديثا. وفي حين ان وزارة الدفاع ليست الممول الرئيسي او الوحيد للجامعات الامريكية ولكنها وزعت حوالي بليون دولار على اموال البحث كل عام (48). في عام 2010 منحت وزارة الامن الداخلي 49 مليون دولار لبحوث الجامعات وزعت على 350 جامعة في البلاد. ومعظم هذه الاموال ذهبت الى مراكز بحثية تعنى بشؤون الارهاب وتقييم المخاطر   .

وفي موازاة ذلك بدأت وكالات  الاستخبارات في تأسيس مراكز مخابراتية اكاديمية في العديد من الجامعات وتسمىICCAEs 

وهذه توفر لمجتمع المخابرات طريقة لاستخدام العمالة الاكاديمية الارخص (عادة الطلاب المتخرجون) لتوفير تحليل المخاطر الكونية البازغة.ولتأسيس شبكة  من العلاقات مع الطلاب الذين يمكن توظيفهم فيما بعد عند تخرجهم في وظائف استخباراتية طويلة الامد. كما اقيمت شراكات مع معاهد اخرى من اجل التواصل معهم  في مناطقهم الجغرافية

وترعى ICCAE ماتسميه صحيفة يو اس توداي "معسكرات تجسس صيفية" تستهدف اجتذات طلاب الثانوية لدراسة الاستخبارات. بكلمات اخرى تستخدم اجهزة المخابرات الجامعات من اجل الوصول الى المدارس الثانوية نيابة عنها كذلك . 57

وفي حين انه في الحرب الباردة  كان الجيش يمول الجامعات الخاصة الكبيرة ، فإن المراكز البحثية الممولة في (الحرب على الارهاب) كانت تؤسس بشكل كبير في الجامعات الحكومية وعادة  الجامعات المغمورة العطشى للتمويل بعد ان قطع تمويلها بتشريعات الدولة خلال العقد الاخير.


كما ان الحكومة الامريكية بعد الفزع من الانثراكس في 2001 خصصت اموالا طائلة لدراسة الارهاب البيولوجي، ذهب بعضها لتأسيس مراكز جديدة او تحويل مراكز جامعية موجودة الى هذا الغرض. وعلى سبيل المثال فإن جامعة جورج ميسون تمنح الان شهادات تخرج في الدفاع البيولوجي وقد بنت مختبرا للامن البيولوجي لايسمح للمواطنين الاجانب بارتياده ولا اي اسم ليس على لائحة المرغوبين.

هناك ايضا المنافسات والمسابقات الممولة من الامن القومي الامريكي مثل برنامج برسب PRISP ومنيرفا Minerva لافراد هيئات التدريس والطلاب الباحثين عن الدعم المالي للبحث او برامج للدراسة. برسب وهو اختصار (برنامج بات روبرتس للباحثين الاستخباراتيين)  وهو نوع من  تدريب احتياط للجواسيس (58) تأسس في 2004 بأربعة ملايين دولار وقد مول 100-150 طالبا في السنتين الاوليين. وقد جعلت ادارة اوباما هذا البرنامج دائميا. كما يمكن للطلاب والمتخرجين الحصول على تمويل لسنتين من الدراسة بشرط موافقتهم للعمل في الوكالة الاستخباراتية الممولة لمدة سنة ونصف لكل سنة دراسة. اذا لم يكملوا او انسحبوا من البرنامج فعليهم دفع اجور التعليم وفائدة مرتفعة جدا. (59) وعادة ينصح هؤلاء الطلاب بعدم اخبار اي طلاب اخرين او هيئات تدريس بأنهم ممولون من برنامج برسب.

مبادرة منيرفا الممولة بمبلغ 50 مليون دولار على خمس سنوات أعلنت في 2008 وهي تمول الابحاث الاكاديمية حول مشاريع تهم الامن القومي الامريكي والحرب على الارهاب. وتركز بالدرجة الاولى على مشاريع تتعلق بالسياسة العسكرية الصينية او العلاقة بين الاسلام والارهاب. الطلبة الممولون تنشر اسماؤهم علنا ويشجعون على نشر ابحاثهم ولكن عليهم حضور ندوات صيفية في واشنطن حيث يكونوا في متناول البنتاغون الذي يساعد على بناء قدرات علم الاجتماع داخل وزارة الدفاع.

الفوارق بين مصير الجامعات العراقية والامريكية خلال العقد الاخير واضحة . فكل منها يحتل علاقة هيكلية مختلفة لنفس الحرب، الجامعات العراقية جففت مواردها ودمرت مبانيها وطردت هيئات تدريسها واغتيلوا او اجبروا على الهجرة في حين ان الجامعات الامريكية شهدت تدفقا من الموارد وتشييد المزيد من الباني واقامة المراكز والبرامج وتوظيف هيئات تدريسية جديدة. ولكن من الخطأ الاستنتاج أن كل الخسارة تحملتها الجامعات العراقية وكل المنافع جنتها الجامعات الامريكية .لقد كانت هناك خسارة للجامعات الامريكية ايضا ولكنها اكثر على الجانب الوجودي منها على الجانب المالي  ولهذا لا يمكن تقفيها بسهولة.

لنأخذ مثلا قطاع الصحة العامة الذي انتهز فرصة  القلق من الارهاب البيولوجي بعد احداث 11 ايلول ووجه جزءا من التدفق المالي باتجاه الصحة العامة. ولكن النتيجة كانت عسكرة جزئية للصحة العامة لم تنفع الشعب في الحصول على صحة افضل. ففي حين يأتي ترتيب الولايات المتحدة 36 بين الدول في مجال متوسط العمر المتوقع (60) ولديها مشاكل صحية عامة مع مرض السكري والقلب وامراض الاطعمة وهي مشاكل تقتل اعدادا كبيرة من الامريكيين كل عام ، فإن الاهتمام بالارهاب البيولوجي (الذي قتل من الامريكيين حتى الان خمسة فقط) جعل الموارد تذهب الى الاستعداد لكوارث الطاعون والانثراكس والجدري الخ اي ان الولايات المتحدة تمول الاستعداد لمخاطر تثير مخيلة كتاب السيناريو في هوليوود في حين تتجاهل الاخطار الحقيقية التي تقتل الامريكيين كل يوم (61)

ثم هناك خسارات الطلاب الذين يرهنون مستقبلهم لدى الوكالات الممولة من عمر صغير قبل ان يكون لديهم فرصة الخبرة الجامعية التي تؤهلهم لاختيار مجالات مختلفة يقررون معها مستقبلهم. فهم يرتهنون بالدين لوظيفة في الوكالة الاستخباراتية وقد يكتشفون لاحقا انها ليست ما يرغبون فيه حقا.او انهم لايؤمنون بما تفعله السي آي أي في افغانستان مثلا.

امريكا والعراق وعدة جامعات وحرب واحدة. وقد تحمل العراقيون الخسارة بشكل مخيف بدون ان يعترف احد بمعاناتهم . ولكن الحرب تؤذي منتصريها ايضا ولو بطرق لايمكن اكتشافها مباشرة. إن حساب خسارات الحرب في العراق ليست ممكنة الان ولكن يومها قادم، وسوف تشمل استغلال وتشويه الجيش لأفضل نظام جامعات في العالم اضافة الى التدمير الإجرامي لأفضل نظام جامعات في الشرق الاوسط.

الهوامش:لم اترجمها وهي موجودة في الأصل هنا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق