"المدونة محمية بميثاق الشرف. أرجو الإشارة الى اسم (غار عشتار) والكاتبة (عشتار العراقية) عند إعادة النشر"

19‏/7‏/2011

غطرسة العدو : غلطتنا !- 2

ترجمة عشتار العراقية

في عام 1957 نشر مواطن امريكي اسمه راسل كرك كتابا بعنوان (القضية الامريكية ) ردا على مجريات الحرب الامريكية الكورية وكيف كان رد فعل المجتمع الامريكي لتلك الحرب.

يدرج الكتاب نقاط ضعف عامة وايضا محددة بين الجنود والمواطنين الامريكان في وجه "اعدائهم" الذين كانوا يصفونهم بانهم (شيوعيون) صينيون. وهكذا رغم ان الحرب كانت حول كوريا ولكن "العدو" وصف بأنه "شيوعيون صينيون" .

وكانت اول نقطة ضعف عامة لدى الأمريكيين، يذكرها الكتاب، قد بحثها جون دوس باسوس الذي كتب مقدمة الكتاب :
"نقطة ضعف الامريكيين على الدوام هي اغفال التاريخ. وحين يترافق هذا التغافل مع الجهل بطبيعة مؤسساتنا تكون النتيجة نوعا من الفراغ في الجزء السياسي من عقولنا"

"اي فكرة (غريبة) رنانة وتناسب موضة  اللحظة الراهنة يتقبها الناس بدون سؤال. ويصبح الضحية جاهزا للانقياد على طريق الاوهام الذي يختاره له صانعو الرأي"

هذه الملاحظة مثيرة جدا للاهتمام، لأن الولايات المتحدة قامت حرفيا بقلب مشاكلها وجها لظهر ورأسا على عقب. الولايات المتحدة ترعى الأحزاب السياسية والمنظمات غير الحكومية والمؤسسات الدينية في
المجتمعات التي ترغب في زعزعتها، لخلق نفس نقاط الضعف التي حددها راسل كرك وجون دوس باسوس  داخل المجتمع الأمريكي.
وتقريبا كل الاحزاب السياسية والمنظمات في زمبابوي والتي ترعاها الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الاوربي واستراليا وكندا ونيوزيلاند ، منغمسة بأنشطة وتوجيه تسعى الى محو او تمويه تاريخ النضال الافريقي من اجل الحرية والاستقلال وحق تقرير المصير.

ان كل مضامين مباديء حقوق الانسان والديمقراطية يقصد بها دفع الافارقة للشعور والايمان بأنهم المتلقون الممتنون للحرية وحقوق الانسان كما يفهمها ويبرمجها ويصنعها ويمولها الغرب.

تاريخنا خطر على الامبرياليين: لماذا يكون تاريخنا خطرا على الروديسيين والبريطانيين والأمريكان والاتحاد الاوربي؟

لأن ذلك التاريخ يحدد العدو الاساسي لأفريقيا والأفارقة.

كانت "الديمقراطيات الغربية العظيمة" ومازالت هي  العدو الأكثر ثباتا ومطاولة  للافريقيين : خلال العبودية، وأثناء التدافع لافريقيا بعد مؤتمر برلين، وخلال الاستعمار والفصل العنصري، والآن خلال الجهود الجارية لاعادة استعمار افريقيا، والتي نشهدها في ليبيا وكوت ديفوار والعقوبات غير الشرعية القائمة ضد زيمبابوي.

ولكن ماهي  القيم والصفات التي تزدريها الحكومات الغربية اذا ظهرت لدى مواطنيها ولكن نفس الحكومات تشجعها وتعلمها وترعاها وتمولها بين الافارقة من خلال رعاية الاحزاب السياسية والمنظمات غير الحكومية والكنائس والوكالات الاخرى؟

حسب كتاب (القضية الامريكية ) فيما يلي هي الصفات التي كان ينبغي على الحكومة الامريكية تثبيطها خاصة بين المواطنين الذين انضموا الى القوات الامنية او الدفاعية لحماية "المصالح الامريكية"

- الولاء الضعيف للعائلة والمجتمع
-الولاء الضعيف للوطن والدين والرفاق
-مفهوم غائم عن الحق والباطل
- الانتهازية
- التقليل من شأن قيمة المرء
ويعتقد مؤلف الكتاب ان افضل الصفات هي التي كان عليها مؤسسو بلاده والتي يتمنى ان يتم تبنيها في تعليم وتنشئة الاجيال الجديدة. فقد كانوا يحترمون حكمة الاجداد ويسترشدون بها لبناء المستقبل وكانوا قد قرأوا كثيرا في كتب المفكرين والفلاسفة على مر العصور ولكنهم لم يكونوا دود كتب يفصلون بين النظرية والتطبيق .  

ولكن هذه هي نفس الصفات التي يحاول الغرب وعملاؤه  تخليصنا منها. ما يرعونه هنا باعتباره (اصلاحات ديمقراطية) هو اعادة تنصيب الروديسيين البيض في مناصب  ومؤسسات مهمة لغرض الاطاحة بأبطال وأخلاقيات تحريرنا إضافة الى الاطاحة بمكتسبات استقلالنا.

في 24 ايلول 2009 كان السؤال الرئيسي الوحيد الذي سألته مذيعة سي إن إن كرسيتيان امانبور للرئيس موغابي هو لماذا لم يعين الرئيس روي ليزلي بنيت نائبا لوزير الزراعة كما طالب به اللوبي الروديسي؟

(الحركة من اجل التغيير الديمقراطي MDC/ تأسست في 1999 كحزب معارض للاتحاد الوطني  الافريقي في زمبابوي الذي يقوده الرئيس روبرت موغابي. الحركة من اجل التغيير الديمقراطية مكونة من اعضاء في تحالف واسع لجماعات المجتمع المدني وافراد قادوا حملة للتصويت ضد الاستفتاء الدستوري في عام 2000. ثم انقسمت الحركة بعد انتخابات مجلس الشيوخ في 2005 الى فصيل رئيسي يقوده المؤسس مورغان تسفانجيراي (رئيس الوزراء الحالي) و فصيل يقوده ارثر موتامبارا (نائب رئيس الوزراء) . ولهذا للاشارة الى اي فصيل يضاف الحرف الاول من اسم الزعيم T او M) 

وبعد ان وصف المتحدث باسم فصيل تسفانجيراي، بنيت بانه ملاك الحزب ، صرح رئيس الوزراء مورغان تسافانجراي تصريحا مهما قال فيه نيابة عن بنيت "نكث السيد موغابي بعهده لتعيين بنيت. لقد اكد لي ولنائب رئيس الوزراء ارثر موتامبارا يوم الاثنين انه ليس لديه اي نية لتعيين روي. لقد اصبحت قضية روي بنيت الان انتقاما شخصيا وجزءا من اجندة عنصرية"

وهذا يعني ان الامبريالية الانجلو ساكسونية ترعى قريبها وحبيبها الروديسي لاعادة الاستيلاء على الاقتصاد الزمبابوي وان تشكيلات (الحركة من اجل التغيير الديمقراطي) تبنت القضية بسرور باسم الاصلاح الديمقراطي.

ويمكننا ان نضيف ان مؤسسي امريكا الشمالية لم يعتمدوا على مانحين او منظمات غير حكومية ممولة من المانحين للاسترشاد.

  الأمريكيون والبريطانيون وأبناء عمومتهم الأوروبيون ثبطوا وحتى حظروا - باعتبارها خطرا على شعوبهم - نفس الصفات والعادات التي يسعون إلى فرضها  وتشجيعها  وتمويلها أو مكافأتها في وسط اطفالنا ومجتمعاتنا الافريقية.

اذا نظر المرء الى الدعايات الممولة من قبل المانحين التي سبقت اطلاق الخطة متوسطة الأجل في 7 تموز 2011 ، لرأيتم ان كل شيء قد ابتعد عن الظروف الاقتصادية للشعب وانها اكثر تجريدية حتى من برنامج التكييف الهيكلي الاقتصادي الذي يفرضه صندوق النقد الدولي و البنك الدولية.

الرطانة والجمل الجاهزة المنتقاة في الكتيبات اللامعة ,مقتراحات المشروع الممولة من المانحين تهدف لاخفاء الحقائق عن تدمير حياة الشعب بعقوبات غير شرعية تفرضها الحكومات البيضاء فقط. ونفس
الحكومات ترعى هذه المطبوعات الدعائية.

وكما قال رئيس تحرير صحيفة African Business "لسوء  الحظ معظمنا في افريقيا خاصة الصحفيين متواضعي القيمة والأجر لا يملكون الادوات التحليلية للخوض في قضايا القيادة . ونحن نميل إلى النظر إلى (من نعتقد أنهم) الخبراء، (الصحفيون الغربيون المثقفون والمدربون  جيدا وذوو الموارد الغنية) كقدوة لنا . عندما يصرفون النظر عن القادة الأفارقة إلا بكليشيهات بالية قليلة ، فنحن نحذو حذوهم. وأثناء ذلك نصغر من شأن سياساتنا واقتصادنا واوضاعنا التاريخية باستخدام لهجة الصحف الصفراء الغربية. ".
 
ومايشير اليه رئيس التحرير هنا هو حذف التاريخ والمضمون من الاخبار.

كيف تتحكم الولايات المتحدة بالمجتمع المدني في عموم افريقيا

بسبب التأثيرات الكارثية للتكييف الهيكلي القتصادي النيوليبرالي وبسبب تأثيرات العقوبات الباطلة في زمبابوي ايضا فإن عدد المنظمات غير الحكومية الممولة اجنبيا قد ازداد بعشرة اضعاف منذ اواخر الثمانينيات. وهذه المعونة غير مقتصرة على قطاع المنظمات غير الحكومية المدنية وانما تشمل ايضا العسكرية والاستراتيجية.

تسيطر القوى الأنجلو سكسونية ، التي تقودها الولايات المتحدة ، على شبكة بمستوى القارة والبنية الفوقية "للمجتمع المدني" في جميع أنحاء أفريقيا. وهي تتراوح من نشطاء أفراد ومنظمات غير الحكومية
على مستوى القرية الى المقرات الوطنية للمنظمات غير الحكومية نفسها التي تعمل على مستوى عموم البلاد، هي تتراوح من لجان حقوق الإنسان شبه قضائية إلى هيئات إقليمية مثل المحكمة Sadc،   إلى اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعب (ACHPR.). وبالموازاة مع شبكات"المجتمع المدني" أو البنية الفوقية ، تجري  سلسلة برامج التعاون العسكري والاستخباراتي  التي يفترض ان ترسخها افريكوم (القيادة المركزية الامريكية في افريقيا). حالما تقام أفريكوم، سيكون قد تم الانتهاء من عملية اعادة احتلال أفريقيا.

في بحث حديث اقتبس البروفيسور عيسى شيفجي Issa Shivji  من كلية القانون بجامعة دار السلام -  اقوال اميلكار كابرال وارتشي مافيجي وفرانز فانون ليوضح بأن على القادة الافارقة النهوض في عالم  مهدت فيه الإمبريالية الارض لها. وعليهم ان يستعيدوا الارض الافريقية من الكاب الى القاهرة .

طبقا للبروفيسور شيفجي "يؤكد كابرال ايضا على انه "طالما وجدت الامبريالية ،  فإن الدولة الافريقية المستقلة ينبغي ان تكون بمثابة حركة تحرير في السلطة، وبخلافه لن تكون مستقلة"
 
 "اولا الوطنية الافريقية تشكلت بنضال الشعب ضد الامبريالية ، ولهذا فإن الوطنية الأفريقية تعرّف بمناهضة الامبريالية. ثانيا الوطنية كتعبير عن النضال الافريقي تستمر طالما وجدت الامبريالية . ثالثا - القضية الوطنية الافريقية في افريقيا والتي تحتم ضرورة وجود قيادة افريقية، تبقى بلا حل طالما هناك هيمنة امبريالية. "

وهذه الوطنية وهذا الشعور بالأفريقانية هو ما تهاجمه كل يوم امبريالية البيض وعملاؤها والأبواق التي ترعاها. 

***

* كان رئيس لجنة الاعلام والمعلومات في زمبابوي من 2003 - 2008

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق