"المدونة محمية بميثاق الشرف. أرجو الإشارة الى اسم (غار عشتار) والكاتبة (عشتار العراقية) عند إعادة النشر"

24‏/6‏/2011

ضد الإمبرالية-1

الفصل الاول من كتاب ضد الامبراطورية
تأليف مايكل بارنتي* 
ترجمة عشتار العراقية

كانت الامبريالية  ومازالت أكبر قوة دافعة في تاريخ العالم على مدى القرون الاربعة او الخمسة الاخيرة، وهي تقسم فيما بينها قارات كاملة وتقهر شعوبا اصلية وتمحو حضارات كاملة. ولكن الاكاديميين والمعلقين الاعلاميين والقادة السياسيين نادرا ما اولوا اهتمامهم للامبريالية. وإذا ذكرت ، يتم تجميلها، فالامبراطوريات تصبح كومونويلث والمستعمرات تصبح اراض ومناطق . والتدخلات العسكرية الامبريالية تصبح قضايا دفاع وطني و امن قومي وحفاظ على الاستقرار. في هذا الكتاب نلقي الضوء على حقيقة الامبريالية.
 بكلمة (امبريالية) اقصد عملية  استغلال دولة ما مهيمنة اراضي وعمال ومواد خام واسواق شعب اخر من اجل مصالحها السياسية الاقتصادية . كان الضحايا الاوائل للامبريالية الاوربية  الغربية هم الاوربيون الاخرون. قبل حوالي 800 سنة اصبحت ايرلندة اول مستعمرة لما اصبح فيما بعد الامبراطورية البريطانية. ومازال جزء من ايرلندة تحت الاحتلال البريطاني. ومن الضحايا من اصل قوقازي ايضا كان الاوربيون الشرقيون. كان العمال السخرة الذين شغلهم شارلمان حتى الموت في مناجمه في اوائل القرن التاسع    السلافيين.ولطول مدة استعباد السلافيين اصبحت كلمة (سلافي) تعني (عبدا)فالكلمة slave متحدرين من slav.كانت اوربا الشرقية مصدرا مبكرا لتراكم رأس المال فقد اصبحت بحلول القرن السابع عشر معتمدة بشكل كامل على الصناع الغربيين 
من الامثلة الواضحة للامبريالية الاوربية الاوربية كان العدوان النازي خلال الحرب العالمية الثانية الذي منح الاحتكارات الالمانية والدولة النازية الفرصة لنهب موارد اوربا المحتلة واستغلال الايدي العاملة فيها بضمنها اعمال السخرة في معسكرات الاعتقال.
ولكن امبريالية القوى الاوربية وامريكا الشمالية واليابانية تجلت في اتجاهها نحو افريقيا واسيا وامريكا  اللاتينية. بحلول القرن التاسع عشر، رأت هذه القوى في العالم الثالث ليس مصدرا للمواد الخام والعبيد فقط وانما سوقا للبضائع المصنوعة. وفي القرن العشرين كانت الدول الصناعية لا تصدر البضائع فقط وانما ايضا رأس المال بشكل مكائن وتكنولوجيا واستثمارات وقروض. ان دخولنا مرحلة تصدير راس المال واستثماره لايعني ان نهب الموارد الطبيعية قد توقف. بل لقد تزايد.

من الأفكار السائدة في الولايات المتحدة اليوم  حول الامبريالية انها غير موجودة . لا يعترف بالامبريالية كمفهوم شرعي بالتاكيد ليس فيما يتعلق الامر بالولايات المتحدة. يمكن للمرء ان يتحدث عن الامبريالية السوفيتية أو الامبريالية البريطانية في القرن التاسع عشر ولكن ليس الامبريالية الامريكية. فإذا  اراد خريج احدى الجامعات الامريكية في العلوم السياسية ان يمنح الفرصة لتقديم بحث عن الامبريالية الامريكية فلن يتاح له ذلك باعتبار ان مثل هذا البحث لايطابق معايير البحث.وفي حين ان الكثير من الناس في انحاء العالم يتهمون الولايات المتحدة بانها قوة امبريالية ولكن في داخل البلاد نفسها يوصم الحديث عن الامبريالية الامريكية بانه  جعجعة فارغة.

ديناميكية التوسع الرأسمالي

الامبريالية اقدم من الرأسمالية. لقد وجدت الامبراطوريات الفارسية والمقدونية والرومانية والمغولية قبل روتشيلد وروكفيلر بقرون. كان الاباطرة والغزاة يهتمون في اغلب الحالات بالنهب والذهب والمجد. ولكن الامبريالية الراسمالية تختلف عن هذه الاشكال القديمة في انها تراكم رأس المال بشكل نظامي من خلال الاستغلال المنظم للعمل واختراق اسواق خارجية. الامبريالية الرأسمالية تستثمر في دول اخرى، وهي تغير   اقتصادياتها وثقافتها وحياتها السياسية وتهيمن عليها وتدمج هياكلهم المالية والانتاجية في نظام دولي من التراكم الرأسمالي. ومن اهم الآليات المحورية للرأسمالية  التوسع. فالمستثمرون لايضعون اموالهم في مشاريع عمل الا اذا كانوا يستطيعون جني اكثر مما استثمروا به. والمكاسب المتزايدة تأتي فقط مع نمو المشروع. وهكذا فإن  الرأسمالي في سعي دائم للوسائل التي يتمكن بها ان يزيد أمواله من اجل ان يصنع المزيد من الاموال. فالمرء لايستثمرالا ليحقق مكاسب، وهو بهذا يحصد اكبر قدر من القوة في وجه القوى المنافسة والاسواق التي لايمكن ضمانها.

وبسبب طبيعتها التوسعية فإن الرأسمالية لاتميل الى البقاء في دولتها. قبل حوالي 150 سنة مضت وصف ماركس وانجلز البرجوازية بانها تطارد المال في كل بقعة من الكون. ينبغي ان تعشش في كل مكان وتستقر في كل مكان وتؤسس علاقات في كل مكان. انها  تخلق عالما على شاكلتها

التوسعيون يدمرون مجتمعات كاملة. والشعوب ذاتية الاكتفاء تتحول الى عمالة بأجر بدون اية امتيازات. ويحل محل المجتمعات الاصلية والعادات والتقاليد والثقافات المحلية ثقافة الاسواق الجماهيرية والاعلام الجماهيري والمجتمعات الاستهلاكية.والمزارع التعاونية تتحول الى مصانع زراعية والقرى تتحول  الى مدن صفيح معزولة  ومناطق الحكم الذاتي الى اوتقراطيات مركزية.

تأملوا واحدة من الاف الامثلة . قبل سنوات قليلة نشرت صحيفة لوس انجيليس تايمز تقريرا خاصا عن الغابات المطيرة في بورنيو في جنوب المحيط الهادي. بشهادتهم كان الناس يعيشون هناك حياتهم قانعين بها ، يصطادون الحيوانات والسمك ويزرعون الغ
ذاء في بساتين وحدائق غابتهم ولكن حياتهم محيت بقسوة بواسطة شركات عملاقة قليلة دمرت الغابات المطيرة من اجل قطع الاشجار وبيع خشبها . وتحولت  ارضهم الى كارثة بيئية وتحول السكان الى سكان مدن صفيح. يجبرون على العمل مقابل اجور قليلة حين يسعدهم الحظ بالحصول على عمل.

لقد هيمنت الشركات الامريكية والاوربية على اكثر من ثلاث ارباع الموارد المعدنية المعروفة في اسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية ولكن السعي من اجل الموارد ال
طبيعية ليس السبب الوحيد للتوسع الرأسمالي في الخارج. هناك حاجة اضافية للتقليل من مصاريف الانتاج وتعظيم الارباح بالاستثمار في البلدان التي فيها اسواق العمالة الرخيصة. لقد نمت الاستثمارات الخارجية الامريكية بنسبة 84% من 1985 الى 1990 واكثر الزيادات المؤثرة هي في دول العمالة الرخيصة مثل كوريا الجنوبية وتايوان واسبانيا وسنغافورة.

بسبب  الاجور المنخفضة وانعدام منافع العمال وانعدام الحماية المهنية والبيئية ، تكون ارباح الشركات الامريكية في العالم الثالث بنسبة 50 بالمائة اكثر من الدول المتقدمة. كمثال، سيتي بنك وهو احد اكبر الشركات الامريكية يجني حوالي 75 بالمائة من ارباحه من العمليات الخارجية. وفي حين ان النمو في الداخل يتباطأ فإن ارباح الشركات تتضاعف في الخارج مما ادى الى تكون ما يعرف بالشركة متعددة الجنسية او العابرة للحدود. اليوم حوالي 400 شركة عابرة تهيمن على 80% من الارصدة الرأسمالية في السوق الحرة الدولية وتمد قبضتها الى دول اوربا الشرقية.

لقد   طورت الشركات العابرة للحدود  انتاجا عالميا. مثلا شركة جنرال موتورز لديها مصانع لانتاج السيارات والشاحنات ومكونات السيارات في كندا وبرازيل وفنزويلا واسبانيا وبلجيكا ويوغسلافيا ونايجيريا وسنغافورة وجنوب افريقيا وعشرات الدول الاخرى. مثل هذا الانتاج الخارجي المضاعف  يمكن جنرال موتورز ان تعوض عن اضراب عمال في دولة ما الى زيادة الانتاج في دولة اخرى وتضع العمال من دول مختلفة في مواجهة بعضهم من اجل  القضاء على المطالبات بزيادة الاجور والمنافع والتقليل من شأن خطط اتحادات العمال. 
                                          
الإمبريالية ليست ضرورية ولكنها مغرية

بعض الكتاب يرون ان الامبريالية ليست شرطا ضروريا للرأسمالية مشيرين الى ان معظم رأس المال الغربي مستثمر في الدول الغربية وليس في العالم الثالث. فإذا فقدت الشركات كل استثمارات العالم الثالث، يمكن للكثير منها العيش على اسواقهم الاوربية والامريكية . . ردا عليهم يمكن القول ان الرأسمالية قد تعيش بدون الامبريالية ولكنها لم تبد اي ميل لذلك . ولم تظهر اي رغبة في اهمال مشاريعها المربحة في العالم الثالث. الامبريالية قد لاتكون شرطا ضروريا لحياة المستثمر ولكنها تبدو ميلا غريزيا ونموا طبيعيا للرأسمالية المتقدمة. ان العلاقات الامبريالية قد لا تكون الطريقة الوحيدة للسعي نحو الربح ولكنها اكثر الطرق ربحا. السؤال هو ليس ما اذا كانت الامبريالية ضرورية للرأسمالية. الكثير من الاشياء التي ليست ضرورية تماما تكون مرغوبة كثيرا ويسعى اليها الراغبون بشدة وبهمة. المستثمرون في الخارج يرون العمالة الرخيصة والموارد الوفيرة وظروفا اخرى مربحة شديدة الاغراء . قد لا تكون الارباح الهائلة ضرورية لاستمرار الرأسمالية ولكنها مفضلة كثيرا على الارباح المتواضعة. وعدم وجود ضرورة وجودية بين الرأسمالية والامبريالية لا يعني انه ليس هناك علاقة ملزمة.

نفس الشيء ينطبق على ديناميكيات اجتماعية اخرى. مثلا ، الثروة لا تؤدي بالضرورة الى حياة الرفاهية. فجزء كبير من الثروة يمكن استخدامه في الاستثمار وليس في الاستهلاك الشخصي. ويمكن لفاحشي الثراء ان يعيشوا على مبالغ معتدلة ولكن هذه ليست الطريقة التي يفضلونها للعيش . عبر التاريخ كانت الطبقات الغنية تفضل العيش برفاهية في كل شيء فعلى اية حال الغرض الاساسي من الاثراء على حساب الفقراء هو ان تعيش عيشة افضل ، تتجنب مشاكل الحياة وتحظى بأفضل علاج وتعليم ورحلات واستجمام وراحة وامان وفرص السلطة والمكانة الاجتماعية . وفي حين ان هذه كلها ليست (ضرورية) ولكن الاغنياء يتمسكون بها كما نشهد في المقاومة العنيفة والاجراءات القاسية التي قد تتخذها هذه الطبقات اذا ماشعرت بتهديد لطريقة حياتها .

أساطير الدول (المتخلفة)

تعرف الدول الفقيرة في اسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية  بانها (العالم الثالث) تتمييزا لها عن (العالم الاول) الذي يشمل اوربا وشمال امريكا الصناعية والان الكثير من الدول الشيوعية التي كانت تعرف بـ (العالم الثاني)


يعتبر المراقبون الغربيون في أغلبهم أن فقر العالم الثالث المسمى (الدول المتخلفة)  حالة تاريخية مزمنة. مطلوب منا ان نصدق ان هذه الحالة موجودة منذ الازل وان الدول الفقيرة هي كذلك لان اراضيها مجدبة وان ناسها كسالى. في الواقع ان اراضي اسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية انتجت على الدوام كنوزا هائلة من الطعام والمعادن والموارد الطبيعية الاخرى ولهذا ذهب اليها الاوربيون للنهب والسرقة. فأنت لا تذهب الى مكان فقير مجدب لتزداد ثراءا. العالم الثالث غني ولكن اهله فقراء بسبب النهب الذي تعرضوا له على الدوام.

بدأت عملية مصادرة الموارد الطيبعية للعالم الثالث منذ قرون وتستمر حتى يومنا هذا. اولا صادر المستعمرون الذهب والفضة والفراء والحرير والتوابل ثم  الكتان والقنب والخشب والدبس والسكر والروم ، والمطاط، وخشب الأبنوس والتبغ ، والكاليكو والكاكاو والبن والقطن والنحاس والفحم وزيت النخيل والقصدير والحديد والعاج، وبعد ذلك، النفط، والزنك والمنغنيز والزئبق والبلاتين، والكوبالت، والبوكسيت، والألمنيوم، واليورانيوم. بدون ان ننسى ابشع انواع الاستغلال: اختطاف ملايين البشر لاعمال السخرة.

خلال كل عصور الاستعمار حيكت الكثير من النظريات الخادمة لاغراض  الامبرياليين. لقد تعلمت في المدرسة ان الناس في الاراضي الاستوائية لايعملون مثلنا نحن في المناطق المعتدلة. وفي الواقع ان سكان المناطق الحارة انتجوا حضارات رائعة حين كانت اوربا تعيش في العصور المظلمة. واليوم يعملون ساعات اطول منا مقابل اجور زهيدة. ولكن النمط السائد عن (المواطن المحلي الكسلان) مازال معنا. وفي كل مجتمع رأسمالي يلام الفقراء - في الداخل والخارج - على فقرهم.


يتبع- الجزء الثاني هنا


* مايكل بارنتي-  مؤلف ومحاضر معروف دوليا وحائز على جوائز انه واحد من كبار المحللين السياسيين التقدميين في امريكا.. عنوان موقعه على الانترنيت هنا

هناك 5 تعليقات:

  1. علي العلي ـ العراق25 يونيو 2011 في 12:01 ص

    بسم الله الرحمن الرحيم
    هل سيتحدث لاحقاً عن القوة العسكرية الساندة للتوجهات الامبريالية ؟؟؟ وكذلك التوظيفات الاعلامية ؟؟ وهل سيخلص الى أن الامبريالية تراجع وارتداد على المستوى الانساني والاخلاقي ، وانها بالتالي ممارسة غير شرعية ترقى الى مستوى الاجرام ؟؟ .
    تبادر الى ذهني وانا اقرأ السطور الأولى للموضوع فحوى الرسالة التي وجهتها ادارة الرئيس الامريكي المجرم جورج بوش الاب الى القمة العربية غير العادية المنعقدة في بغداد عام 1990 والتي كررت التأكيد على الرغبة في استبعاد مصطلح (الامبريالية) من التداول في المؤتمر ، تلك الرغبة التي واجهها الرئيس الراحل صدام حسين رحمه الله بالاصرار الملفت على ترديد المصطلح معلناً رفضه الانصياع لارادة قوى الشر والطغيان .

    ردحذف
  2. اخي علي العلي

    سوف يتحدث عن كل شيء

    ردحذف
  3. انا من الذين لا يميلون للمواضيع الطويله ,الا ان الحقيقه تقال ,انني متشوق جدا لاكمال باقي الكتاب.
    لا يسعنا الا ان نحييكي يا عشتوره على هذا الجهد

    ردحذف
  4. عراقي حر

    الترجمة هي للفصل الاول وليس لكل الكتاب.

    ردحذف
  5. هههههههههههه والله فشلتينا يا عشتوره اني مجهز نفسي لاقتطاف الملاحظات والمعلومات القيمه من الكتاب حتى احتفظ بيها طلعت الترجمه بس للفصل الاول!!!! على كل هم مشكوره

    ردحذف