"المدونة محمية بميثاق الشرف. أرجو الإشارة الى اسم (غار عشتار) والكاتبة (عشتار العراقية) عند إعادة النشر"

26‏/6‏/2011

ضد الإمبريالية -3

الحلقة الثانية هنا
تأليف: مايكل بارنتي
ترجمة عشتار العراقية

عندما نقول عن بلد أنه   "متخلف" ، فإننا نوحي  ضمنا أنه متخلف بشكل ما، وأن شعبه يفتقر القدرة على الإنجاز والتطور. وقد تسببت الدلالات السلبية لوصف"التخلف" في ان تطلق الأمم المتحدة ، ووول ستريت جورنال، والأحزاب  السياسية المختلفة على دول العالم الثالث وصف "الدول النامية"، وهو مصطلح أقل إهانة من "المتخلفة" ولكنه مضلل على حد سواء. أنا أفضل استخدام "العالم الثالث" ، لأن كلمة"النامية" تبدو مجرد وسيلة لتلطيف القول "متخلفة ولكن بدأت اخيرا تفعل شيئا حيال ذلك". والمصطلح مايزال يوحي بأن الفقر  ظرف تاريخي أصيل وليس شيئا فرضه الامبرياليون. كما يوحي زورا بأن هذه البلدان في حالة نماء في حين ان ظروفها الاقتصادية تسير فعليا نحو الاسوأ. كانت النظرية السائدة في النصف الثاني من القرن الماضي، والتي تبناها وكررها مرارا كتاب مثل باربرا وارد و دبليو روستو  وانتشرت انتشارا واسعا في الولايات المتحدة وأجزاء أخرى من العالم الغربي، تقول ان الأمر متروك لدول الشمال الغنية للمساعدة في رفع مستوى دول الجنوب "المتخلفة"، ونقل التكنولوجيا لهم وتعليمهم عادات العمل المناسبة. هذه هي النسخة المحدثة من "عبء الرجل الأبيض" ، وهي الفانتازيا المفضلة لدى الإمبرياليين..

وفقا لسيناريو التنمية، انه مع دخول الاستثمارات الغربية ، فإن القطاعات الاقتصادية المتخلفة في الدول الفقيرة سوف تسرح  العاملين لديها، والذين سوف يجدون عروضا اكثر اغراءا في القطاع الحديث بأعلى الأجور. ومع تراكم رأس المال، سوف تعيد الشركات اعادة استثمار أرباحها التجارية، وبالتالي خلق المزيد من المنتجات، والوظائف، والقوة الشرائية، والأسواق. في نهاية المطاف يتطور اقتصاد أكثر ازدهارا.
 ونظرية التطور" هذه أو "نظرية التحديث" كما تسمى أحيانا، لا علاقة لها بالواقع. ما برز في العالم الثالث هو شكل استغلالي مكثف من الرأسمالية التابعة. وقد تردت الأوضاع الاقتصادية بشكل كبير مع نمو استثمارات الشركات متعددة الجنسية. المشكلة ليست في اراض مجدبة او سكان غير منتجين ولكنه استغلال الأجنبي وعدم المساواة الطبقية. المستثمرون يذهبون إلى بلد ما ليس من اجل تحسين احواله وانما لإثراء أنفسهم.
الناس في هذه البلدان لا يحتاجون إلى أن من يعلمهم كيف يزرعون. انهم في حاجة الى الأرض ومستلزمات الزراعة. انهم لا يحتاجون إلى من يعلمهم كيف يصطادون السمك. انهم في حاجة الى القوارب والشباك والرخص للوصول إلى الشواطئ  ، والخلجان والمحيطات. يحتاجون الى أن تتوقف المنشآت الصناعية عن رمي مخلفاتها السامة في المياه. انهم لا يحتاجون لمن يقنعهم بضرورة استخدام معايير النظافة. انهم لا يحتاجون الى أحد متطوعي فيلق السلام ينصحهم بغلي المياه ، وخصوصا عندما لا يستطيعون تحمل تكاليف الوقود أو لا يستطيعون الحصول على الحطب. انهم في حاجة الى الظروف التي تسمح لهم بمياه الشرب النظيفة والملابس النظيفة والمنازل. انهم لا يحتاجون الى المشورة حول الوجبات الغذائية المتوازنة من الأمريكيين. وهم يعرفون عادة ماهية الأطعمة التي تفي بمتطلباتهم الغذائية. أنهم بحاجة إلى أن تعاد اليهم أراضيهم والاعمال، حتى يمكنهم العمل لخدمة انفسهم وزراعة المحاصيل الغذائية لاستهلاكهم الخاص.
إن ميراث  الهيمنة الامبريالية ليس البؤس والحروب فحسب، ولكن البنية الاقتصادية التي تهيمن عليها شبكة من الشركات الدولية المرتبطة  بالشركات الأم في أمريكا الشمالية وأوربا واليابان. إذا كان هناك أي تنسيق أو اندماج، فإنه يحدث بين الطبقات المستثمرين الدوليين، وليس بين الاقتصادات المحلية لهذه البلدان. اقتصادات العالم الثالث لا تزال مجزأة و غير متكاملة سواء بين بعضها البعض وداخل أنفسها، سواء في تدفق رؤوس الأموال والسلع والتكنولوجيا والتنظيم. وباختصار، فإن ما لدينا هو اقتصاد عالمي ليس له علاقة تذكر مع الاحتياجات الاقتصادية للسكان في العالم.
  الامبريالية الجديدة: نزع القشطة  
أحيانا تفسر الهيمنة الإمبراطورية على أنها ناتجة من رغبة فطرية للهيمنة والتوسع، أو "ضرورة الاستيلاء على الارض". في الواقع ، الإمبريالية بهذا المعنى لم تعد النمط السائد. مقارنة بين القرنين التاسع عشر والعشرين في بداياته، عندما قسمت القوى الأوروبية  العالم فيما بينها، واليوم لم تعد هناك تقريبا أي سيطرة استعمارية على الأرض . حل محل المستعمر التقليدي، رجال اعمال يرتدون الملابس الأنيقة. بدلا من الاستعمار المباشر من قبل قوة امبريالية، فقد تم منح البلدان الأضعف مظاهر السيادة، بينما يحتفظ   رأس المال الغربي بالسيطرة على حصة الأسد من مواردها المربحة. وقد مضت هذه العلاقة تحت مسميات مختلفة : "إمبراطورية غير رسمية" ، "استعمار بدون مستعمرات" ، "الاستعمار الجديد" والامبريالية الجديدة، وكان القادة السياسيون ورجال الاعمال الامريكان من بين أوائل ممارسي هذا النوع الجديد من الإمبريالية، وعلى الأخص في كوبا في مطلع القرن العشرين. بعد أن انتزع الأمريكان الجزيرة قسرا من اسبانيا في حرب عام 1898 ،  قدموا في نهاية المطاف لكوبا استقلالها رسميا. وأصبح للكوبيين الآن حكومتهم، ودستورهم وعلمهم وعملتهم وقواتهم  الأمنية. لكن ظلت قرارات السياسة  الخارجية الرئيسية في أيدي الولايات المتحدة كما بقيت ثروة الجزيرة في ايديهم ايضا، بما فيها التبغ والسكر والصناعات السياحية ، والواردات والصادرات الرئيسية.
تاريخيا كانت المصالح الأمريكية الرأسمالية أقل اهتماما في الحصول على المزيد من المستعمرات من الحصول على المزيد من الثروة، مفضلة ان تهرب بالكنز من ان تتحمل عناء امتلاك وإدارة الدول نفسها. بموجب الامبريالية الجديدة، يبقى العلم في وطنه في حين يسافر الدولار في كل مكان -  وعادة بحماية السيف.
بعد الحرب العالمية الثانية، اعتمدت الدول الأوروبية مثل بريطانيا وفرنسا استراتيجية الإمبريالية  الجديدة.. بعد الاستنفاد ماليا  بسبب سنوات من الحرب، ومواجهة المقاومة الشعبية المكثفة من داخل العالم الثالث نفسه، فقد قررت القوتان على مضض أن الهيمنة الاقتصادية غير المباشرة أقل تكلفة واكثر فاعلية سياسيا من الحكم الاستعماري المباشر. اكتشفا أن إزالة الحكم الاستعماري المباشر يجعل من الصعب على العناصر الوطنية داخل الدول المستعمرة سابقا ان تحشد المشاعر المناهضة للامبريالية.   
رغم أن الحكومة المنشأة حديثا قد تكون بعيدة كل البعد عن الاستقلال التام، لكنها في نظر سكانها أكثر شرعية  من الإدارة الكولونيالية التي تسيطر عليها السلطة الامبريالية. وعلاوة على ذلك، في ظل الامبريالية الجديدة، تتحمل الحكومة  المحلية تكاليف ادارة البلاد مما يطلق  للمصالح الامبريالية حرية التفرغ والتركيز على تراكم رأس المال وهو في الواقع كل ما تسعى اليه..
بعد سنوات من الاستعمار، تجد بلاد العالم الثالث صعوبة بالغة في انتشال نفسها من علاقة غير متكافئة مع المستعمر السابق لها كما يستحيل عليها الخروج من فلك المدار الرأسمالي العالمي. وتتعرض تلك البلدان التي تحاول ان تبدأ من جديد خارج هذا المدار، للعقوبات الاقتصادية والتدخلات العسكرية من قبل قوى كبرى او قوة  واحدة هي حاليا الولايات المتحدة . 
قد يتشدق قادة الدول (المستقلة) حديثا بشعارات ثورية، ولكنهم يجدون أنفسهم مقيدين بالمدار الرأسمالي العالمي، وبضرورة التعاون مع دول العالم  الأول من اجل جلب الاستثمار والتجارة والمساعدات. و لذلك نشهد ظاهرة غريبة هي شجب قادة الدول المستقلة حديثا في العالم الثالث الإمبريالية باعتبارها مصدر الشرور في بلدانهم، في حين أن المعارضين لهم في هذه البلدان ينددون بهم على انهم متعاونون مع الامبريالية.
في كثير من الحالات ظهرت الطبقة الكومبرادورية أو تم تنصيبها كشرط اولي تفرضه القوى الاستعمارية لمنح الاستقلال. فئة الكومبرادورية هي التي تتعاون في تحويل البلاد الى دولة عميلة لمصالح أجنبية. والدولة العميلة هي التي تفتح ابوابها  للاستثمارات وفقا لشروط تصب في مصلحة المستثمرين الأجانب وليس مصلحة البلاد او شعبها. في الدولة العميلة، تتمتع الشركات المستثمرة بالدعم المباشر ومنح الأراضي، والحصول على المواد الخام والعمالة الرخيصة وضرائب خفيفة أو غير موجودة، وعدد قليل من النقابات العمالية الفعالة، ليس هناك حد أدنى   للأجور ولا قوانين  لعمالة الأطفال أو السلامة المهنية، ولا قوانين لحماية المستهلك أو البيئة. وإذا وجدت مثل هذه القوانين فإنها لا تطبق عادة.
  
باختصار، العالم الثالث هو فردوس الرأسمالي، فالحياة هناك اشبه بما كانت عليه في أوروبا والولايات المتحدة خلال القرن التاسع عشر، مع معدل ربح أعلى بكثير مما يمكن الحصول عليه اليوم في بلاد ذات أنظمة اقتصادية قوية. وتعوض جيدا الطبقة الكومبرادورية على تعاونها حيث يتاح للقادة منهم فرص التمتع بملء جيوبهم من المساعدات الخارجية التي تبعث بها حكومة الولايات المتحدة. ويؤمن الاستقرار مع إنشاء قوات الأمن وتسليحها وتدريبها من قبل الولايات المتحدة على أحدث تقنيات الترهيب والقمع. ومع ذلك، تنطوي الامبريالية الجديدة على مخاطر. تحقيق الاستقلال بحكم القانون يعزز في نهاية المطاف التوقعات من الاستقلال الفعلي. وتشجع أشكال الحكم الذاتي الرغبة في جني ثمار الحكم الذاتي. أحيانا يظهر زعيم وطني حقيقي يريد الاصلاح وليس من فئة الكومبرادورية المتعاونة مع الامبريالية. ولذلك، فإن التحول من الاستعمار التقليدي إلى الاستعمار الجديد لا يخلو من مخاطر بالنسبة للامبريالية، ويمثل مكسبا صافيا للقوى الشعبية في العالم.
انتهى

هناك 5 تعليقات:

  1. علي العلي ـ العراق26 يونيو 2011 في 1:48 ص

    بسم الله الرحمن الرحيم
    أحسنت واجدتِ ، بارك الله فيك .

    ردحذف
  2. شكرا اخي علي لتشجيعك المتواصل.

    ردحذف
  3. كتاب جدير بالقراءةرغم انة أغفل الأشارة وفضح دور المنظمات الدولية والأقليمية التابعة للأمم المتحدة وغيرها من شاكلة USAID في تكريس مآرب
    الدول الأستعمارية والتغطية عليها بوسائل باتت معروفة وواضحة.
    مع بالغ الشكر والتقدير لدور موقع عشتار العراقية في تنوير قرائها

    ردحذف
  4. شكرا للجهد المبذول وسلمت يداك

    ردحذف
  5. وتتعرض تلك البلدان التي تحاول ان تبدأ من جديد خارج هذا المدار، للعقوبات الاقتصادية والتدخلات العسكرية من قبل قوى كبرى او قوة واحدة هي حاليا الولايات المتحدة .

    هذا ما يفسر مايسمى بالربيع العربي او ما اراه ثورات مزيفة. فهذه الثورات لم تحدث الا في الدول التي لم تتمكن دول العالم الاول من اختراقها اقتصاديا او مخابراتيا. العراق كان دولة عصية على الاختراق رغم كل محاولات الترهيب والترغيب التي مارستها امريكا فيه وحوله (لجان التفتيش لن تكن سوى محاولة اخيرة لاختراقه مخابراتيا). ولما يئست من امكان اختراقه سلميا, لجأت وبوقاحة الى الحل العسكري رغم انف العالم.
    ولكنها تعلمت من هذه التجربة بأن الخيار العسكري باهض الثمن. لذلك تلجأ الان الى اختراق الدول العصية على الاختراق بواسطة اشاعة الفوضى.
    ماحدث في مصر وتونس, وما يحدث اليوم في ليبيا و سوري(وهي دول عصية على الاختراق المخابراتي) انما عملية اثارة البلبلة من اجل خلخلة القدرة المخابراتية لهذه البلدان وبالتالي اختراقها مخابراتيا لزرع خلايا نائمة يمكن استخدامها عندما يحين الوقت المناسب.
    وربما هذا هو سبب المماطلة في حسم الاوضاع في ليبيا وسوريا واليمن.
    العالم الاول لايريد تغييرا حقيقيا في هذه الدول. ولا اظنه يريد تغيير الانظمة القائمة الان. كل مايريده هو اختراقها مخابراتيا.
    هي وجهة نظر


    أمير المدمنين

    ردحذف