الجزء الأول هنا
الفصل الاول من كتاب ضد الامبراطورية
تأليف مايكل بارنتي
ترجمة عشتار العراقية
نسمع ان شعوب العالم الثالث متخلفة ثقافيا في نظراتها للأمور وعاداتها وقدراتها التقنية. وهي فكرة مناسبة يتبناها من يريد ان يصور الاستثمارات الغربية على انها عملية انقاذ لمساعدة الشعوب المتخلفة لمساعدة أنفسها. وتعود خرافة التخلف الثقافي الى الازمان القديمة حين استخدمها الغزاة لتبرير استعباد الشعب الاصلية . وقد استخدمها المستعمرون الاوربيون على مدى القرون الخمسة الماضية لنفس الغرض.
أي تفوق ثقافي يزعمه الاوربيون ؟
من القرن الخامس عشر الى التاسع عشر كانت اوربا متقدمة في عدة اشياء مثل عدد الاعدامات بالشنق، وجرائم القتل و جرائم عنيفة اخرى وكانت شواهد الامراض الجنسية والجدري والتايفوئيد والسل والأوبئة والامراض الجسدية الاخرى والظلم الاجتماعي والفقر (في المدينة والريف) واساءة معاملة النساء والصغار وانتشار المجاعات والعبودية والدعارة والقرصنة والمذابح الدينية و التعذيب. إن من يزعم ان الغرب كان اكثر الحضارات تقدما عليه ان يتذكر هذه الانجازات.
ولكن ربما علينا ملاحظة ان اوربا كانت تتمتع بميزة التقدم البحري والتسلح. المدافع والبنادق والقوارب الحربية و اليوم الصواريخ والمروحيات والسفن الحربية وقاذفات القنابل كلها كانت العناصر الحاسمة حين يلتقي الشرق بالغرب والشمال بالجنوب. تفوق القوة النارية وليس التفوق الثقافي هو الذي اوصل الاوربيون و الامريكيون الى مواقع تفوق يتم الحفاظ عليها حتى يومنا بالقوة وإن لم يكن بالقوة وحدها.
قيل ان الشعوب المستعمَرة متخلفة بيولوجيا عن مستعمريها. وان بدائيتهم و تدني تطورهم الثقافي هما دليلان على نقص تطورهم الجيني. ولكن هل كانوا اقل منا تحضرا وثقافة؟ في كثير من اجزاء مايعرف اليوم بالعالم الثالث، ابدى الناس مهارات مدهشة في العمارة والزراعة والصناعات اليدوية والصيد البري والقبالة والطب واشياء اخرى. وكانت دائما عاداتهم الاجتماعية اكثر رأفة وانسانية واقل اوتوقراطية وقمعا مما كان في اوربا في ذلك الوقت.
بالتأكيد ينبغي الا نتحدث برومانسية عن المجتمعات الاصلية، بعضها يقوم بممارسات قاسية وغير عادية ولكن بشكل عام تعيش شعوبها حياة اكثر صحة واكثر سعادة. وتمتلك وقت راحة اكثر من سكان اوربا
من الخرافات ايضا عن العالم الثالث ان الفقر هناك هو بسبب النمو السكاني . فالكثير من الناس هناك لديهم اطفال اكثر مما يقدرون على اطعامهم . في واقع الامر، على مدى القرون العديدة الماضية، كان الكثير من اراضي العالم الثالث اقل كثافة سكانية من اجزاء معينة من اوربا. كان في الهند اناس اقل لكل هكتار - ولكن اكثر فقرا- من هولندة وويلز وانجلترة واليابان وايطاليا وبعض الدول الصناعية الاخرى. وأكثر من ذلك فإن شعوب الدول الصناعية في العالم الاول وليس شعوب العالم الثالث ، هي التي تلتهم 80% من موارد العالم وتشكل أشد الأخطار للبيئة.
و هذا لا يعني انكارا لمشكلة الانفجار السكاني على الكوكب الارضي إن تحديد النمو السكاني في كل الدول سوف يساعد البيئة الكونية ولكنه لن يحل مشاكل الفقراء ، لأن النمو السكاني في حد ذ اته ليس سبب الفقر ولكنه احد آثاره. فالفقراء يميلون الى تكوين عائلات كبيرة لان الابناء هم مصدر العمالة العائلية والدخل والعون للاهل في الكبر.
وقد وجد فرانسيس مور لاب وراشيل شورمان بأنه من بين سبعين دولة من دول العالم الثالث، هناك ستة دول هي الصين وسري لانكا وكولومبيا وشيلي وبورما وكوبا - وولاية كيرالا في الهند، استطاعت تخفيض نسبة المواليد الى الثلث. ولم تكن هذه الدول تتمتع بتوسع صناعي هائل ولا دخول مرتفعة ولا برامج تخطيط أسري موسعة. كانت العناصر المشتركة بين هذه الدول هي التعليم العام والرعاية الصحية وتخفيض التباين الاقتصادي وتحسين حقوق المرأة ودعم الطعام وفي بعض الحالات اصلاح قوانين الاراضي. بتعبير آخرتم تخفيض معدلات الخصوبة ليس بالاستثمارات الرأسمالية والنمو الاقتصادي وانما بتحسين الظروف الاجتماعية الاقتصادية وعلى
مستويات متواضعة، تحسين احوال المرأة.
الإفقار المفروض
مايسمى (التخلف)هي مجموعة من العلاقات الاجتماعية فرضت فرضا على الدول. مع قدوم المستعمرين الاوربيين ، تأخرت شعوب العالم الثالث فعلا في تطورها لعدة قرون. وافضل مثال نتعلم منه هو الاحتلال البريطاني للهند. في 1810 كانت الهند تصدر نسيجا الى انجلترة اكثر مما كانت هذه الاخيرة تصدر الى الهند. بحلول عام 1830 انعكست الصورة. وضع البريطانيون قيود تعريفة مانعة لسد الطريق امام البضائع الهندية المصنوعة وبالمقابل كانوا يغرقون الهند ببضاعتهم. وكل هذ ا كان يجري بحماية افواه المدافع والقوة العسكرية. خلال عدة سنوات تحولت مراكز النسيج العظيمة في دكا ومدراس الى مدن اشباح. واعيد الهنود الى الارض لزراعة القطن الذي تستخدمه المصانع البريطانية. ماحدث فعلا هو ان الهند تحولت الى البقرة التي يحلبها رجال الاعمال البريطانيون. بحلول عام 1850 كان الدين الهندي قد وصل الى 53 مليون باون. من 1850 الى 1900 انخفض الدخل القومي بحوالي الثلثين. وكانت قيمة المواد الخام البضائع التي يجبر الهنود على ارسالها الى بريطانيا خلال معظم القرن التاسع عشر تبلغ سنويا اكثر من الدخل الكلي لـ 60 مليون عامل زراعي وصناعي هندي. لم يكن الفقر المدقع الذي نقرنه بالهند هو الحالة التاريخية الاصلية للبلاد. لقد انجزت الامبريالية البريطانية أمرين: الاول انهت التطور الهندي ثم فرضت التخلف على تلك البلاد.
(رأيي : استبدل كلمة الهند بالعراق فما يحدث هو نفس الشيء- عشتار)
حدث استنزاف مماثل في كل انحاء العالم الثالث. إن الثروة الهائلة التي نهبت تذ كرنا بانه في الواقع لم يكن في الأصل الا القليل من الدول الفقيرة. دول مثل البرازيل واندونيسيا وشيلي وبوليفيا وزائيير والمكسيك ومالايزيا والفلبين كانت وربما مازالت غنية في مواردها. بعض الدول كانت قد نهبت بالكامل حتى اصبحت جرداء في كل الجوانب. على اية حال، معظم العالم الثالث ليس متخلفا وانما مستغَلا بافراط. لقد خلقت الاستعمار والاستثمار الغربي مستويات معيشية متدنية وليست مرتفعة في هذه البلاد.
في الاشارة الى مافعله المستعمرون الانجليز في ايرلندة كتب فريدريك انجلز في 1856 (كم عدد المرات التي بدأ الايرلنديون في تحقيق شيء وفي كل مرة يسحقون سياسيا وصناعيا. وبالقمع المستمر فرض عليهم التحول الى شعب فقير تماما)
كما حدث في معظم العالم الثالث. كان لهنود المايا في غواتيمالا غذ اءا اكثر تنوعا وقيمة وظروفا صحية افضل في القرن السادس عشر قبل وصول الاوربيين مما لديهم الان. كان لديهم مهنيون ومعماريون وفنانون وخبراء زراعة اكثر مما لديهم اليوم. مايسمى (التخلف) ليس حالة تاريخية اصلية وانما نتاج الافرا ط الامبريالي في استغلال الشعوب.
لقد خلقت الامبريالية ما اسميه (التطور الخبيث): مبان مكتبية حديثة وفنادق فاخرة في العاصمة بدلا من مساكن للفقراء ،عيادات جراحة تجميلية للاثرياء بدلا من مستشفيات للعمال، محاصيل للتصدير تجلب المزيد من الثراء للمصانع الزراعية بدلا من طعام للسوق المحلية، طرق خارجية سريعة تمتد من المناجم والاقطاعيات الى المصافي والموانيء بدلا من طرق في القرى لمن يريد ان يسرع الى مستشفى او مدرسة.
الثروة تنقل من شعوب العالم الثالث الى الصفوة الاقتصادية في اوربا وامريكا الشمالية (ومؤخرا اليابان) بالنهب المباشر، وبمصادرة الموارد الطبيعية ، وفرض ضرائب مهلكة وايجارات الاراضي ودفع اجور زهيدة وفرض استيراد البضائع المصنوعة بأسعار متضخمة عالية ويحرم على الدولة المستعمَرة حرية التجارة وفرصة تنمية مواردها الطبيعية واسواقها وقدراتها الصناعية.
ويضطر العامل الذي لا تستنده دولة او نقابة الى بيع خدماته حسب سعر السوق. ومن 1970 الى 1980 زاد عدد العمال المأجورين في العالم الثالث من 72 مليون الى 120 مليون والنسبة تتصاعد.
مئات الملايين من شعوب العالم الثالث تعيش الان في فقر مدقع في قرى بعيدة وفي احياء صفيح في المدن يعانون من الجوع والمرض والجهل وعادة يكون السبب ان الارض التي كانوا يعملون عليها سابقا تسيطر عليها الان شركات زراعية تستخدمها للتعدين او لزراعة محاصيل التصدير مثل البن والسكر واللحوم المعلبة بدلا من زراعة الحبوب والرز والذرة للاستهلاك المحلي. وقد بينت دراسة (اجريت في 1974) لعشرين افقر دولة اعتمدت على احصائيات رسمية ، ان عدد الناس الذين يعيشون فيما يسمى (فقر مدقع) يرتفع بنسبة 70 الف في اليوم وسوف يصل بحلول عام 2000 الى بليون ونصف.
تجبر القوى الامبريالية ملايين من الاطفال حول العالم للعيش في كوابيس، حيث تدمر صحتهم العقلية والبدنية دمارا شديدا بالاستغلال المستمر. وقد بين فيلم وثائقي على قناة ديسكفري (24 نيسان 1994) بان دولا مثل روسيا وتايلاند والفلبين يباع صغارها وقاصريها للدعارة من اجل مساعدة عوائلهم الفقيرة. في دول مثل المكسيك والهند وكولومبيا ومصر يجبر الصغار على العمل المدمر بالصحة من الفجر حتى المغيب في المزارع والمصانع والمناجم مقابل اجر زهيد بدون ان تكون لديهم فرصة للعب او ارتياد المدرسة او الرعاية الصحية.
في الهند هناك 55 مليون طفل يعملون ومنهم عشرات الالوف في معامل الزجاج في درجات حرارة تصل الى 100 درجة. في احد المصانع كان اطفال بعمر 4 سنوات يكدحون من الساعة الخامسة صباحا الى ساعات متأخرة من الليل وهم يستنشقون الدخان ويصابون بشتى انواع الامراض . في الفلبين ومالاييزيا ضغطت الشركات من اجل خفض سن العمالة فالسعي من اجل الارباح يصبح سعيا من اجل الشر.
يتبع- الجزء الثالث هنا
الفصل الاول من كتاب ضد الامبراطورية
تأليف مايكل بارنتي
ترجمة عشتار العراقية
نسمع ان شعوب العالم الثالث متخلفة ثقافيا في نظراتها للأمور وعاداتها وقدراتها التقنية. وهي فكرة مناسبة يتبناها من يريد ان يصور الاستثمارات الغربية على انها عملية انقاذ لمساعدة الشعوب المتخلفة لمساعدة أنفسها. وتعود خرافة التخلف الثقافي الى الازمان القديمة حين استخدمها الغزاة لتبرير استعباد الشعب الاصلية . وقد استخدمها المستعمرون الاوربيون على مدى القرون الخمسة الماضية لنفس الغرض.
أي تفوق ثقافي يزعمه الاوربيون ؟
من القرن الخامس عشر الى التاسع عشر كانت اوربا متقدمة في عدة اشياء مثل عدد الاعدامات بالشنق، وجرائم القتل و جرائم عنيفة اخرى وكانت شواهد الامراض الجنسية والجدري والتايفوئيد والسل والأوبئة والامراض الجسدية الاخرى والظلم الاجتماعي والفقر (في المدينة والريف) واساءة معاملة النساء والصغار وانتشار المجاعات والعبودية والدعارة والقرصنة والمذابح الدينية و التعذيب. إن من يزعم ان الغرب كان اكثر الحضارات تقدما عليه ان يتذكر هذه الانجازات.
ولكن ربما علينا ملاحظة ان اوربا كانت تتمتع بميزة التقدم البحري والتسلح. المدافع والبنادق والقوارب الحربية و اليوم الصواريخ والمروحيات والسفن الحربية وقاذفات القنابل كلها كانت العناصر الحاسمة حين يلتقي الشرق بالغرب والشمال بالجنوب. تفوق القوة النارية وليس التفوق الثقافي هو الذي اوصل الاوربيون و الامريكيون الى مواقع تفوق يتم الحفاظ عليها حتى يومنا بالقوة وإن لم يكن بالقوة وحدها.
قيل ان الشعوب المستعمَرة متخلفة بيولوجيا عن مستعمريها. وان بدائيتهم و تدني تطورهم الثقافي هما دليلان على نقص تطورهم الجيني. ولكن هل كانوا اقل منا تحضرا وثقافة؟ في كثير من اجزاء مايعرف اليوم بالعالم الثالث، ابدى الناس مهارات مدهشة في العمارة والزراعة والصناعات اليدوية والصيد البري والقبالة والطب واشياء اخرى. وكانت دائما عاداتهم الاجتماعية اكثر رأفة وانسانية واقل اوتوقراطية وقمعا مما كان في اوربا في ذلك الوقت.
بالتأكيد ينبغي الا نتحدث برومانسية عن المجتمعات الاصلية، بعضها يقوم بممارسات قاسية وغير عادية ولكن بشكل عام تعيش شعوبها حياة اكثر صحة واكثر سعادة. وتمتلك وقت راحة اكثر من سكان اوربا
من الخرافات ايضا عن العالم الثالث ان الفقر هناك هو بسبب النمو السكاني . فالكثير من الناس هناك لديهم اطفال اكثر مما يقدرون على اطعامهم . في واقع الامر، على مدى القرون العديدة الماضية، كان الكثير من اراضي العالم الثالث اقل كثافة سكانية من اجزاء معينة من اوربا. كان في الهند اناس اقل لكل هكتار - ولكن اكثر فقرا- من هولندة وويلز وانجلترة واليابان وايطاليا وبعض الدول الصناعية الاخرى. وأكثر من ذلك فإن شعوب الدول الصناعية في العالم الاول وليس شعوب العالم الثالث ، هي التي تلتهم 80% من موارد العالم وتشكل أشد الأخطار للبيئة.
و هذا لا يعني انكارا لمشكلة الانفجار السكاني على الكوكب الارضي إن تحديد النمو السكاني في كل الدول سوف يساعد البيئة الكونية ولكنه لن يحل مشاكل الفقراء ، لأن النمو السكاني في حد ذ اته ليس سبب الفقر ولكنه احد آثاره. فالفقراء يميلون الى تكوين عائلات كبيرة لان الابناء هم مصدر العمالة العائلية والدخل والعون للاهل في الكبر.
وقد وجد فرانسيس مور لاب وراشيل شورمان بأنه من بين سبعين دولة من دول العالم الثالث، هناك ستة دول هي الصين وسري لانكا وكولومبيا وشيلي وبورما وكوبا - وولاية كيرالا في الهند، استطاعت تخفيض نسبة المواليد الى الثلث. ولم تكن هذه الدول تتمتع بتوسع صناعي هائل ولا دخول مرتفعة ولا برامج تخطيط أسري موسعة. كانت العناصر المشتركة بين هذه الدول هي التعليم العام والرعاية الصحية وتخفيض التباين الاقتصادي وتحسين حقوق المرأة ودعم الطعام وفي بعض الحالات اصلاح قوانين الاراضي. بتعبير آخرتم تخفيض معدلات الخصوبة ليس بالاستثمارات الرأسمالية والنمو الاقتصادي وانما بتحسين الظروف الاجتماعية الاقتصادية وعلى
مستويات متواضعة، تحسين احوال المرأة.
الإفقار المفروض
مايسمى (التخلف)هي مجموعة من العلاقات الاجتماعية فرضت فرضا على الدول. مع قدوم المستعمرين الاوربيين ، تأخرت شعوب العالم الثالث فعلا في تطورها لعدة قرون. وافضل مثال نتعلم منه هو الاحتلال البريطاني للهند. في 1810 كانت الهند تصدر نسيجا الى انجلترة اكثر مما كانت هذه الاخيرة تصدر الى الهند. بحلول عام 1830 انعكست الصورة. وضع البريطانيون قيود تعريفة مانعة لسد الطريق امام البضائع الهندية المصنوعة وبالمقابل كانوا يغرقون الهند ببضاعتهم. وكل هذ ا كان يجري بحماية افواه المدافع والقوة العسكرية. خلال عدة سنوات تحولت مراكز النسيج العظيمة في دكا ومدراس الى مدن اشباح. واعيد الهنود الى الارض لزراعة القطن الذي تستخدمه المصانع البريطانية. ماحدث فعلا هو ان الهند تحولت الى البقرة التي يحلبها رجال الاعمال البريطانيون. بحلول عام 1850 كان الدين الهندي قد وصل الى 53 مليون باون. من 1850 الى 1900 انخفض الدخل القومي بحوالي الثلثين. وكانت قيمة المواد الخام البضائع التي يجبر الهنود على ارسالها الى بريطانيا خلال معظم القرن التاسع عشر تبلغ سنويا اكثر من الدخل الكلي لـ 60 مليون عامل زراعي وصناعي هندي. لم يكن الفقر المدقع الذي نقرنه بالهند هو الحالة التاريخية الاصلية للبلاد. لقد انجزت الامبريالية البريطانية أمرين: الاول انهت التطور الهندي ثم فرضت التخلف على تلك البلاد.
(رأيي : استبدل كلمة الهند بالعراق فما يحدث هو نفس الشيء- عشتار)
حدث استنزاف مماثل في كل انحاء العالم الثالث. إن الثروة الهائلة التي نهبت تذ كرنا بانه في الواقع لم يكن في الأصل الا القليل من الدول الفقيرة. دول مثل البرازيل واندونيسيا وشيلي وبوليفيا وزائيير والمكسيك ومالايزيا والفلبين كانت وربما مازالت غنية في مواردها. بعض الدول كانت قد نهبت بالكامل حتى اصبحت جرداء في كل الجوانب. على اية حال، معظم العالم الثالث ليس متخلفا وانما مستغَلا بافراط. لقد خلقت الاستعمار والاستثمار الغربي مستويات معيشية متدنية وليست مرتفعة في هذه البلاد.
في الاشارة الى مافعله المستعمرون الانجليز في ايرلندة كتب فريدريك انجلز في 1856 (كم عدد المرات التي بدأ الايرلنديون في تحقيق شيء وفي كل مرة يسحقون سياسيا وصناعيا. وبالقمع المستمر فرض عليهم التحول الى شعب فقير تماما)
كما حدث في معظم العالم الثالث. كان لهنود المايا في غواتيمالا غذ اءا اكثر تنوعا وقيمة وظروفا صحية افضل في القرن السادس عشر قبل وصول الاوربيين مما لديهم الان. كان لديهم مهنيون ومعماريون وفنانون وخبراء زراعة اكثر مما لديهم اليوم. مايسمى (التخلف) ليس حالة تاريخية اصلية وانما نتاج الافرا ط الامبريالي في استغلال الشعوب.
لقد خلقت الامبريالية ما اسميه (التطور الخبيث): مبان مكتبية حديثة وفنادق فاخرة في العاصمة بدلا من مساكن للفقراء ،عيادات جراحة تجميلية للاثرياء بدلا من مستشفيات للعمال، محاصيل للتصدير تجلب المزيد من الثراء للمصانع الزراعية بدلا من طعام للسوق المحلية، طرق خارجية سريعة تمتد من المناجم والاقطاعيات الى المصافي والموانيء بدلا من طرق في القرى لمن يريد ان يسرع الى مستشفى او مدرسة.
الثروة تنقل من شعوب العالم الثالث الى الصفوة الاقتصادية في اوربا وامريكا الشمالية (ومؤخرا اليابان) بالنهب المباشر، وبمصادرة الموارد الطبيعية ، وفرض ضرائب مهلكة وايجارات الاراضي ودفع اجور زهيدة وفرض استيراد البضائع المصنوعة بأسعار متضخمة عالية ويحرم على الدولة المستعمَرة حرية التجارة وفرصة تنمية مواردها الطبيعية واسواقها وقدراتها الصناعية.
ويضطر العامل الذي لا تستنده دولة او نقابة الى بيع خدماته حسب سعر السوق. ومن 1970 الى 1980 زاد عدد العمال المأجورين في العالم الثالث من 72 مليون الى 120 مليون والنسبة تتصاعد.
مئات الملايين من شعوب العالم الثالث تعيش الان في فقر مدقع في قرى بعيدة وفي احياء صفيح في المدن يعانون من الجوع والمرض والجهل وعادة يكون السبب ان الارض التي كانوا يعملون عليها سابقا تسيطر عليها الان شركات زراعية تستخدمها للتعدين او لزراعة محاصيل التصدير مثل البن والسكر واللحوم المعلبة بدلا من زراعة الحبوب والرز والذرة للاستهلاك المحلي. وقد بينت دراسة (اجريت في 1974) لعشرين افقر دولة اعتمدت على احصائيات رسمية ، ان عدد الناس الذين يعيشون فيما يسمى (فقر مدقع) يرتفع بنسبة 70 الف في اليوم وسوف يصل بحلول عام 2000 الى بليون ونصف.
تجبر القوى الامبريالية ملايين من الاطفال حول العالم للعيش في كوابيس، حيث تدمر صحتهم العقلية والبدنية دمارا شديدا بالاستغلال المستمر. وقد بين فيلم وثائقي على قناة ديسكفري (24 نيسان 1994) بان دولا مثل روسيا وتايلاند والفلبين يباع صغارها وقاصريها للدعارة من اجل مساعدة عوائلهم الفقيرة. في دول مثل المكسيك والهند وكولومبيا ومصر يجبر الصغار على العمل المدمر بالصحة من الفجر حتى المغيب في المزارع والمصانع والمناجم مقابل اجر زهيد بدون ان تكون لديهم فرصة للعب او ارتياد المدرسة او الرعاية الصحية.
في الهند هناك 55 مليون طفل يعملون ومنهم عشرات الالوف في معامل الزجاج في درجات حرارة تصل الى 100 درجة. في احد المصانع كان اطفال بعمر 4 سنوات يكدحون من الساعة الخامسة صباحا الى ساعات متأخرة من الليل وهم يستنشقون الدخان ويصابون بشتى انواع الامراض . في الفلبين ومالاييزيا ضغطت الشركات من اجل خفض سن العمالة فالسعي من اجل الارباح يصبح سعيا من اجل الشر.
يتبع- الجزء الثالث هنا
بسم الله الرحمن الرحيم
ردحذفخالص الشكر على المجهود المتميز .
بوركت عشتار على الجهد العظيم.
ردحذفهل تلاعبت بترجمة تعبير( التطور الخبيث ), ام هذا ما عبر عنه الكاتب فعلا؟ لان هذا هو الوصف الدقيق للتطور الذي نشهده, ولن يتقدم مستقبلنا كثيراً, قبل ان يُرجعنا الى الحقبة التاريخية التي عاشت فيها المجتمعات كطبقة أسياد وطبقة عبيد!!
عراق
عراق
ردحذفاستخدم الكاتب كلمة يقول انه صاغها وهي
maldevelopement