"المدونة محمية بميثاق الشرف. أرجو الإشارة الى اسم (غار عشتار) والكاتبة (عشتار العراقية) عند إعادة النشر"

29‏/4‏/2011

حكاية "فُلة"

أعتقد قد حان الوقت أحكي لكم عن "فلة" . انها كلبة صغيرة من كلاب الشارع. ولدت لأم وأب مجهولين وسرعان ما أغرم بها كل الصبيان والصبايا في الشارع. أحدهم أطلق عليها اسم فلة. لونها أبيض مع بعض البقع الصفراء. جسمها صغير ربما بسبب سوء التغذية فهي لا تحظى بالطعام وسط قبيلة من الكلاب في الحي الشعبي الذي أعيش فيه. فلة صديقة الجميع ، لطيبتها ولأنها ، بعد أن كبرت، صارت حارسة كل من في الشارع .

في أحد الأيام شاع الخبر أن فلة على وشك الموت، فقد صدمتها سيارة طائشة ، وتركتها كسيحة. ظلت فلة طريحة الارض اياما عديدة لا تسمح لأحد أن يمس جسدها ليعرف مابها. وكنا حين نأخذ اليها الطعام لا تقترب منه. يومها اقترحت على بعض السكان، إن كان لأحدهم مسدس، أن يريحها بطلقة.

ولكن بعد أيام رأيناها تنهض من رقدتها وتجر جسدها هنا وهناك ، ثم بعد أسابيع صارت تمشي على ثلاث معلقة ساقا خلفية في الهواء. بعدها رأينا "فلة" تركض بسرعة عجيبة ، تقفز فوق الحفر، على ثلاث فقط. بعدها قال بعض الأولاد أن "فلة" حامل. واتهموا "ماكس" المتسكع. ليس د. ماكس الذي تعرفون، وإنما كلب آخر أسود بهيم سماه الأولاد "ماكس" تيمنا بمن تعرفون . ويمكنكم القول ان ماكس هذا نشر سلالته بهمة وحيوية، فليس هناك كلبة في الشارع يمكن ان تخرج عن طوعه. ويمكن رؤية "الأدلة الجنائية" على أفعاله المشينة في وجوه صغار الكلاب المولودة وفي ألوانها.

حسنا ، حتى أختصر قصة طويلة، جاء اليوم ، الثلاثاء الماضي، حين أخبرني اولاد الحي أن فلة ولدت، أخذوني اليها. كانت في المكان الثالث الذي نقلها اليه الأولاد وسأقول لكم لماذا . المهم اني رأيتها مع 5 جراء صغيرة: كلها بيضاء!! مما يكذب اتهام "ماكس المتشرد" ، ويبريء سمعته على الأقل فيما يتعلق بهذه الحالة. ومما يعني أن "فلة" بإعاقتها استطاعت أن تفلت من براثن هذا المتسلط، وتجد لها طريقا آخر. ولكن أبيض؟ ليس في الحي كلب أبيض !!

وأنا واقفة اتفرج مع عشرين من أطفال الشارع على جراء فلة، جاء وفد متكون من صبيان يحملون العصي ، قادمين من حي بعيد يشتهر عن أهله الفقر والتجارة بالمخدرات وبكل شيء يجدونه تحت أيديهم . كان يترأسهم "محمود سيجارة" وهو ولد في الثالثة عشرة وصفه لي أولاد الحي بأنه اختصاصي قطع ذيول الكلاب بالساطور.

لماذا يقطعون ذيول الكلاب؟ لأنهم يعتقدون بسذاجتهم أن ذلك يزيد من سعرها عند بيعها حيث سيظن الشاري الأكثر سذاجة منهم أنها كلاب أجنبية.

حسنا احاط هؤلاء بهؤلاء في استعراض قوة ، وصار كل صبي من الجمعين يزعم ان "فلة" ملكه وانه رباها في الشارع منذ صغرها وبهذا يكون اولادها من حقه.

من ساعتها وعمليات خطف الجراء واسترجاعها تجري ليلا ونهارا ، حتى تغير مكان "فلة" عشر مرات، وكل من يغير مكانها هي وصغارها يخفي المكان ويقف عليه ناطورا. وفلة من خوفها مما يجري حولها تقوم بين نقلة واخرى بالانتقال بنفسها واولادها الى مكان آخر. اصبح جراء فلة مشروعا تجاريا تنافسيا لفقراء يحلمون ببضعة دراهم، منذ اللحظة الأولى وحتى قبل ان يفتحوا أعينهم على هذه الدنيا الغريبة.

أمس حسمت الأمر. أخذت فلة وصغارها الى الغار. عليّ طبعا أن أحافظ على فض اشتباك بين زينة ود. ماكس من جهة وفلة والجراء من جهة اخرى على الاقل لمدة شهرين قادمين. هل من الضروري ان اقول لكم أن فلة نائمة وسط الصغار نوما عميقا هادئا منذ 24 ساعة لأول مرة منذ لحظات ولادتها العصيبة؟



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق