"المدونة محمية بميثاق الشرف. أرجو الإشارة الى اسم (غار عشتار) والكاتبة (عشتار العراقية) عند إعادة النشر"

14‏/12‏/2008

المقابر الجماعية : فساد الأدلة وتزوير الشهادات وقصة الأسرى الكويتيين

الجزء الأول من المقالة يحوي ردا على احد مترجمي الاحتلال الذي نشر في موقع "كتابات" تعقيبا على سلسلة مقالاتي هذه .

شكرا مترجم العدو لأنك ذكرت "أسرى الكويت" وهذه لعبتي.

طبعا كانت مسألة الأسرى قضية سياسية حتى في التسمية ، فحسب القانون الدولي يجب ان يوصفوا بكلمة (مفقودين)، وهذه الكلمة الأخيرة واسعة وشاسعة وتضم كل الأنواع وليس فيها (قصدية) ، يعني يمكن ان يكون واحد طلع من بيتهم ومارجع لأي سبب، ليس من بينها القتل او الاختطاف. ولكن لأن الكويت كانت تلعب اللعبة الأمريكية في إطالة أمد الحصار والقتل البطيء للشعب العراقي فقد خرجت بكذبة الأسرى وهي مرادفة لأسلحة الدمار الشامل. ولاحظوا ان الكويت ظلت لآخر نفس تقول ان هناك أسرى في السجون العراقية وان فلان وفلان شافهم وتعرف عليهم . وكانت تنفي نفيا قاطعا انهم قتلوا او ماتوا في العراق او في غيره، وتصر على انهم أحياء. ثم بعد أن تحقق لها ما أراد ودمر العراق وأهله، قالت ان النظام العراقي قد قتلهم ودفنهم في مقابر جماعية. يعني النظام لم يكن لديه مشكلة والعدو الأمريكي على أعتاب العراق سوى ان إعدام الكويتيين، في الوقت الذي بيض كل السجون من قاطنيها. والآن إليكم سجل (الأسرى) المفترضين:

بتاريخ 22/1/1992 أكد السفير عبد المحسن الجيعان ان قائمة الأسرى المسلمة الى الجامعة العربية والأمم المتحدة والصليب الأحمر والمنظمة العربية لحقوق الانسان تضم 2101 أسير.

مراسل جريدة المساء المصرية يكتب من قلب الكويت في 25/1/1992"سألت اكثر من مسؤول كويتي كم عدد الاسرى فقال احدهم 1600 وقال آخر 1300"

طبعا في الصحف المصرية كان المطبلون والقابضون من الكويت يذكرون أرقاما حسب عدد الدولارات التي قبضوها ، فسكينة فؤاد تؤكد في2/ 1/ 1992 ان العدد التقريبي للاسرى هو 2479 (عدد 2199 ذكور و 280 إناث) أياباااه .. معلوماتها دقيقة كلش. أما وجيه ابو ذكري وكان الله يرحمه يعبد الكويتيين فقد ذكر في صحيفة الأخبار بتاريخ 24/1/1992 ان عدد الأسرى يتجاوز 20 ألف كويتي (ليش هو شگد عدد الكويتيين الأصليين في إمارتهم ؟)

في جريدة الحياة بتاريخ 29/1/1992 ذكر د. غانم النجار وهو استاذ جامعة ورئيس (الجمعية الكويتية للدفاع عن ضحايا الحرب) وهو كان اصلا كما يقول (اسير سابق في العراق افرج عنه في مارس 1991) فلابد أن أقواله مضبوطة وهكذا يقول ان الأسرى عددهم 536 (أظهرت الأدلة انهم معتقلون) وان هناك 507 مفقود ليس لديه معلومات عنهم . اي جميع من يزعمهم 1053 . ولكنه عاد وخفض هذا العدد في سوق التنزيلات ، ففي 30/1/1992 نشرت جريدة الشرق الأوسط صورة الدكتور النجار واقفا مع عدد من أعضاء جمعيته وخلفهم لافتة ضخمة مكتوب عليها بالانجليزية (1000 شخص من الكويت مازالوا محتجزين في العراق)

لاحظوا ان هوجة الأسرى أعلاه كانت في الذكرى الأولى (للتحرير) وهكذا فالتواريخ تترواح بين 24 – 30 كانون ثاني 1992 ، يعني اسبوع الكذب الكويتي. أخيرا استقر العدد على 605 .

تعالوا نبحث في سجلات الصليب الأحمر. تذكر تقاريره ان العراق أعاد 6518 كويتيا (بضمنهم من أفراد العائلة المالكة وعسكريون ومدنيون وأيضا غانم النجار الذي ورد ذكره اعلاه) بتاريخ 4 مارس 1991 ، اي بعد انتهاء الحرب مباشرة. فإذا كان العراق قد اطلق سراح امراء وعسكريين فلماذا ياترى يحتفظ بآخرين عاديين؟

قامت بعثة الصليب الأحمر بتسجيل 3905 كويتي موجودين في العراق (طلقاء يعيشون فيه) ويرغبون في العودة الى الكويت ورغم وثائقهم الكويتية الا ان الكويت لم توافق الا على إعادة 400 كويتي منهم .

في تقرير الصليب اللأحمر بتاريخ 25/6/1991 رفض الكويت في منطقة عرعر الحدودية قبول 31 كويتي من القوائم المقدمة من الكويت (على انهم اسرى) ، ولم يكونوا أسرى ورفض الكويت قبولهم ؟. مع أن الكويت وافق اولا على قبولهم ولهذا أخذهم الصليب الاحمر الى المنطقة الحدودية . على اي اساس اذن ذكرت اسماؤهم في قوائم الأسرى؟ لماذا لم يوافق على قبولهم؟ لأن ذلك يهدم نظرية (الأسرى)!! ولماذا إذا كانت القضية (انسانية) ترفض الكويت قبول مواطنيها؟ لأن الفكرة هي ان يستمر الضغط على العراق المحاصر الجريح.

سؤال : اين هؤلاء الذين اعيدوا الى الكويت؟ اين الـ 6518 ثم الـ 400 ؟ لماذا لم نسمع منهم اي حديث ولم نرهم في كل المهرجانات السابقة حول (الأسرى الكويتيين) ؟ لم نسمع الا من غانم النجار الذي اعترف (بعدم وجود عمليات تعذيب للسجناء الكويتيين في العراق وكان منهم ).

بعد تدميرالعراق ذهبت ، كما يقول مترجم الإحتلال، وفود كويتية للبحث عن (الأسرى) وعرفوهم من دشاديشهم . كأن (الأسير يظل في دشداشته) او كأن الكويتيين هم الوحيدون الذين يرتدون الدشداشة. ووجدوا 8 جثث. لم يقل لنا حالة الجثث وسنة دفنها لنعرف اذا كانوا قد قتلوا قبل الأحتلال مباشرة لأن الكويت كما قلت لكم كان حتى آخر لحظة يقول ان الأسرى (أحياء).

من مهازل (الأسرى الكويتيين ) هذا الخبر الذي نشر في 19/5/2003 نقلا عن الصنداي تايمز حول اكتشاف مراسلته ماري كولفن مقبرة الكويتيين بقضهم وقضيضهم وحتى اسهبت في وصف طريقة اعدامهم:

" روت صحافية بريطانية هي ماري كولفين في صحيفة (صنداي تايمز) اليوم كيف انها هي التي كشفت عن المقبرة الجماعية التي تضم رفات الاسرى الكويتيين الستمائة الذين كان اسرهم نظام حكم صدام حسين عند طرده من الكويت في العام 1991 على ايدي قوات التحالف الدولي.

وقالت كولفين الصحفية المتخصصة في شؤون الشرق الاوسط انها كشفت المقبرة الجماعية يوم الجمعة الماضي عبر عميل للشرطة السرية العراقية اسمه الاول فراس، وهي اشارت الى ان هذا العميل يمكن ان يكون قدم معلوماته عن مكان جثث الكويتيين طمعا بالجائزة المالية التي اعلنت عنها حكومة الكويت لمن يعطي معلومات عن مصير الاسرى، وهي تبلغ مليون دولار اميركي.

واضافت الصحافية نقلا عن فراس ان الكويتيين الستمائة ومن بينهم سيدة اقتيدوا في الساعة السابعة صبيحة احد الايام الى مقر الوحدة رقم 921 التابعة للشرطة السرية في قلب بغداد، حيث كانوا مقيدي الايدي ومعصوبي العينين واصطفهم الحرس على شكل حذاء الفرس ثم اطلقت عليهم النار من مسافة قريبة حيث قتلوا جميعا.

وقال فراس ان عملية الاعدام الجماعية رميا بالرصاص تمت باشراف من سبعاوي ابراهيم الأخ غير الشقيق للرئيس العراقي السابق صدام حسين.واشارت الصحافية البريطانية انها ذهبت بنفسها الى موقع المقبرة الجماعية التي تحدث عنها الشرطي السري العراقي السابق الذي روى لها ان الجثث نقلت على الفور للدفن جماعيا على تلة مشرفة على بحيرة الحبانية (60 كلم غربي بغداد).

وروت كولفين انها حفرت (!!) في المكان الموصوف لعدة اقدام حيث بدأت الجثث تظهر حيث كانت ملفوفة بدشداشات من الزي الذي يرتديه في العادة الكويتيون من اهل الخليج العربي، مشيرة الى انها ابلغت على الفور السلطات عن ذلك حيث بدأت في اجراءاتها للكشف عن مزيد من الجثث.

شلون صحافية بطلة . حلت المسألة مرة واحدة وللأبد. وعلى أثر هذا الإكتشاف المهم يقول الخبر " يصل الى بغداد الاحد فريق من الادلة الجنائية الكويتية وذلك لاخذ عينات من الجثث المستخرجة حتى الآن من المقبرة الجماعية التي تم اكتشافها في منطقة الحبانية ـ غرب بغداد ـ والتي تقول مصادر المؤتمر الوطني العراقي (احمد الجلبي الصادق الأمين) استنادا الى شهادة شاهد عيان انها تضم رفات نحو 600 أسير كويتي وبينهم اسيرة (امرأة) واحدة، بعدما تم اعدامهم في شهر اكتوبر من سنة 1991

وقد جاء قرار توجه فريق الأدلة الجنائية اليوم إلى العراق إثر اجتماع لفريق البحث عن الأسرى عقد برئاسة رئيس الفريق نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية الشيخ محمد الخالد الصباح. وقد تقرر أن يعود فريق الأدلة الجنائية إلى الكويت عصر اليوم على متن نفس الطائرة ليتم إخضاع العينات إلى فحوصات وراثية لفحص الدي ان اي"

ولكن المسألة ليست بهذه البساطة فلم يكن هناك اي فحوصات دي ان أي، كما يقول خبير الأدلة الجنائية الكويتي د. بدر الخليفة والذي كان قد رافق هذه الوفود ، يقول في موقع صحيفة (الجريدة) بتاريخ 29/2/2008، اي بعد خمس سنوات على ذلك الاكتشاف الخارق ، ان العمل مايزال جاريا بالطرق التقليدية في التعرف على الرفات (الملابس والدشاديش) . (حتى ان احد الكويتيين واسمه فارس قال انه تعرف على والده من ماركة الملابس الداخلية التي كان يحب ان يرتديها). يالها من علامة مميزة !! و طالب د. الخليفة بضرورة الفحص بشكل سليم بأن يتأكد الخبراء من ان هذه الرفات للجثة المفحوصة تماما .

انه يشك في ان عدد الاسرى الكويتيين 605 وقد عادت رفات 235 "لم اعتقد يوما ان هناك اسيرا واحدا موجودا ومن غير المقبول او المنطقي ان يكون هناك اسير كويتي موجودا في العراق حتى الان ، فمن المحتمل ان يكون بعضهم مدفونا في صحراء الكويت او في ارض العراق وقد يكون في اراضي دول اخرى وصحارى اخرى قد لجأوا اليها للهروب ايام الغزو ومن الوارد غرقهم في البحر ايام الغزو العراقي ومن ثم فهم موجودون في قاع البحر ومن الممكن ان يكون هؤلاء اقتيدوا الى داخل العراق وماتوا في انفجار او ماشابه، وليس شرطا ان جميع الاسرى اخذوا وسجنوا واعدموا ودفنوا.)

http://www.aljareeda.com/AlJarida/Resources/PdfPages/AlJarida/29-02-2008/P06_Case.pdf

هذا كلام على راسي لأنه موضوعي رغم انه يصدر عن كويتي. ولكنه كويتي يحترم نفسه ويحترم الحقيقة، ولم يعد هناك سبب بالنسبة له لتسييس القضية ، ولن نجد في كل العراق من بين اصحاب (المظلومية) كردا او شيعة من يحترم نفسه بهذا القدر. فالرفات التي وجدت لكويتيين (لم يعدموا) وانما ماتوا كما يبدو اثناء الحرب او بشكل طبيعي فالعراق لايخلو من وجود كويتيين كانوا يعبرون الى البصرة في نصف ساعة بالسيارة. كما ان الكثير من الكويتيين لهم أهل وعشيرة في العراق، وكان وجودهم طبيعيا . لا يحتاج اي كويتي الى أن يؤسر حتى يأتي الى العراق.

إذا أراد أحدكم فتح ملف "الأسرى الكويتيين" فهناك الكثير منه لديّ . وماهذا الذي قدمته الا النزر اليسير. وسؤالي الآن: هل يعرف احدكم كم عدد الأسرى العراقيين في سجون الكويت ؟ أم لا يهمكم هذا ؟

وقد صدقت يا مترجم الإحتلال في قولك " بدأ الكويتيون يطالبون بأسراهم وصدام والصداميون ينكرون وبكل اصرار وجود اي أسير كويتي في العراق، كما ينكرون الان وبكل اصرار وجود المقابر الجماعية " صدقت في أنك قرنت هؤلاء بهؤلاء فالكذبة واحدة والغرض واحد، والصداميون ينكرون كما كانوا ينكرون كذبة اسلحة الدمار الشامل . هل نسيت ؟! وانصحك بإعادة قراءة السطور العليا لخبير كويتي لايمكن ان يكون صداميا بالتأكيد. وأعيد عليك لأن "التكرار يفيد ال ... شطار" اني لا أنكر وجود المقابر الجماعية ولكني أطالب بمعرفة من فيها ومن وراءها. ثم ذكرك اسم الشهيد صدام حسين في قضية الأسرى أو المقابر، يعبر عن جهل منقطع النظير لأن كل هذه التهم المفتعلة قد أسقطت عنه بقرار من محكمة الإحتلال . ولو كانت تهما حقيقية لكانوا حاكموه عنها لأنها أخطر من (جريمة) التوقيع على قرارات إعدام خونة. انك تنسى كثيرا . أليس كذلك ؟


انظر مقالة (حين تصبح القضايا الانسانية وقودا للسياسة: اسرى الكويت نموذجا)
*

المقابر الجماعية: فساد الأدلة وشهادات الزور

تتضمن الأدلة التي يمكن استخدامها في المحاكمات الأنواع الرئيسية التالية :

1- ادلة الطب الشرعي . بعد عملية مسح قامت بها سلطة الاحتلال المؤقتة استقرت السلطة على تحديد 10-12 مقبرة جماعية كمواقع للتحقيقات الجنائية تعود بتاريخها الى (فترات انتهاك حقوق الانسان) التي تم تحديدها على انها 1983 و1988 و1991 . وباءت الجهود في 2003 بالفشل لاسباب كثيرة ، وفي مطلع 2004 تولى مكتب تنسيق جرائم النظام (كما بينت في مقالاتي السابقة) المسؤولية عن استخراج الجثث من المواقع المعينة بالاستعانة بخدمات سلاح المهندسين بالجيش الأمريكي للحفر والتحليل الطبي الشرعي بعد ان امتنعت الامم المتحدة والمنظمات الدولية والدول الاخرى من المساعدة في مسألة (سياسية) وليست انسانية مثل هذه .

في تشرين اول 2005 تم استخراج الجثث من 3 مواقع هي الحضر في الموصل (الانفال) والسماوة (الانفال) وموقع في العمارة لم يجدوا فيه اي رفات. كانت المشاكل هنا هي : الكلفة المرتفعة امنيا – ندرة العاملين المؤهلين من اهل المنطقة – امتناع اهالي الضحايا من التعاون بعد اكتشافهم ان الغرض ليس التعرف على ذويهم المفقودين وانما استخراج أدلة للمحاكمة فقط.

2- الأدلة الوثائقية : نهبت الوثائق وتوزعت بين المنظمات الاهلية والاشخاص والاحتلال . سلطة الاحتلال نقلت الى قواعدها في قطر 50 مليون وثيقة . وكنعان مكية نهب مليون وثيقة ومنظمة السجناء الاحرار آلاف الوثائق ، والجلبي خمط ايضا معظم الارشيف المخابراتي والأمني. تصوروا دولة يتوزع تاريخها بهذه الطريقة . كيف تقوم دولة جديدة على صفر من الوثائق ؟ وكيف تحفظ حقوق الناس؟ حقوقي وحقوقك ؟

كان من المخاوف التي تحققت فعلا ان (تنتقي) سلطة الاحتلال من 50 مليون وثيقة ما يصلح فقط للإدانة وليس للبراءة . ولهذا حين طلب الشهيد عواد البندر ملف محاكمات (الدجيل) التي يتهمونه بتسييسها ، لم يلب احد طلبه. وظل سؤاله : اين ملف المحكمة بالكامل ؟ لم يعرف حتى القضاة ما يجيبون عليه. لقد طمست الحقيقة الى الأبد.

المصدر/ المركز الدولي للعدالة الانتقالية

http://www.ictj.net/arabic/ICTJ-SICT-Background-AR-20051118.pdf

**

حتى نفهم كيف تم تزوير شهادات الشهود ، علينا ان نقرأ تعريف جريمة (جرائم ضد الانسانية) التي حوكم بموجبها ضباط الجيش العراقي :

حسب المحكمة الجنائية الدولية عام 1998 المادة السابعة من ميثاق المحكمة : تشمل جرائم ضد الانسانية الاعتداءات التي يتم ارتكاب اي منها بصورة منهجية وعلى نطاق واسع . وهي :

القتل المتعمد – الابادة – الاستعباد – الابعاد القسري للسكان – السجن او الاشكال الاخرى للحرمان من الحرية بما يخالف الشرعة الدولية لحقوق الانسان – التعذيب – الاغتصاب – الاستعباد الجنسي – الاجبار على البغاء – الاجبار على الحمل او التعقيم – قمع مجموعة او جماعة سياسية او عرقية او قومية او اثنية او ثقافية او دينية – اختطاف اشخاص – جريمة الفصل العنصري – كل جريمة تسبب في ايذاء النفس او الجسد او العقل.

يكفي ان تثبت ان اي جريمة من هذه الجرائم قد تمت بصورة منهجية وعلى نطاق واسع. الآن لو يعود اي منكم الى وثائق الشهادات في محاكمة الأنفال (وهي بالمناسبة لم تنشر بشكل كامل وكانت تقطع كثيرا في اثناء البث على التلفزيون) ولكن المتابعة الحثيثة للمهتمين بالحقيقة يمكن ان تصل بهم الى ماوصلت اليه من نتيجة.

اغلب الشهود كانوا قرويين لايمكن ان يعرفوا تعريف القانون الدولي لجرائم ضد الانسانية المذكورة أعلاه ، ولكن بقدرة قادر كل منهم أوفى بركن من أركان تلك الجرائم، فواحدة تؤكد الاغتصاب، واخر يؤكد (استعباده بتنظيف السجن) وآخر يؤكد على اصابته بالعقم بعد التعرض لغاز الخردل (مع ان الغاز لايسبب العقم) ، وكانت هناك محامية كردية ضمن محاميي الحق الشخصي تسأل كل رجل كردي اذا كان قد اصيب بالعقم من الخردل، فكانوا ينفون ذلك . وآخر يتحدث عن اجبار بنات كرديات على البغاء وآخرون يتحدثون عن الابعاد القسري وغيرهم يتحدثون عن الحرمان من الطعام والشراب . وبعضهم ذكر اصابة المعتقلين بالجنون (جريمة المساس بالصحة العقلية) ، اي ان من وضع أدلة المحاكمة ورتب شهادات الشهود لم يكتف بجريمة واحدة بل أراد ان يأتي لكل جريمة بشاهد. يعني ما نقول عنه (علچ المخبل ترس حلگة) وهنا أصبحت الشهادات شيش بيش. لأن كل شاهد كان موكولا به جريمة معينة ، فحين كان يسأل عما لم يحفظه اختلفت الإجابات الى حد التناقض.

لاحظنا ان الشهود جميعا زعموا عدم معرفتهم باللغة العربية وتكلموا باللغة الكردية مما اضطر المحكمة للاستعانة بمترجمين لم يكونوا على مستوى من الكفاءة . لماذا هذا ؟ وبعض الشهود كان يعرف اللغة العربية حيث كان يجيب على سؤال القاضي او المحامي قبل ان يترجم له ؟ كان هذا من ضمن (مسرحة ) المحاكمة باعتبار ان هؤلاء ينتمون الى عرق معين كان موضع إبادة !!

معظم الشهود كانوا أقرباء (اشقاء –والد وابنه – جدة واحفادها – خال وابن شقيقته – عمة وابنة شقيقها )) فكانوا يسندون بعضهم بعضا ، واحيانا كانت شهاداتهم تتضارب.

وحتى الخبراء الأمريكان الذين فتحوا المقابر واختاروا عينات منها لتأكيد الجريمة (المنهجية والقصدية) تضاربوا في اكتشافاتهم . كما أكدت سابقا في مقالة خاصة بهم. ولو لم تكن النية المبيتة هي للإدانة وليس لبيان الحقيقة ، لكانت استنتاجاتهم قد اختلفت كثيرا ، حيث انهم بنوا تلك النتائج ليس على ما اكتشفوه حقا وانما على شهادات شهود مهيئين وهي شهادات متناقضة أبطلت احدها الأخرى كما بينت في مقالتي أمس، ولو كانت المحكمة تبحث عن العدل والحقيقية لأسقطت كل الشهادات وكل تقارير الخبراء التي استندت في استنتاجاتها الى شهادات باطلة.

قصة اكتشاف الهويات – بعض الشهود (وهم أحياء) طالبوا المحكمة بتسليمهم هوياتهم التي يعرضها المدعي العام على الشاشة على اساس انها لميتين !! أذن الهوية ليست دليلا على الموت. وماذا كانت تفعل هوياتهم في المقابر؟ أليس هذا دليلا على ان جهات التحقيق الكذابة اخذت هويات الشهود لغرض في نفس يعقوب؟ ثم كيف تبقى الهويات مصانة داخل كل ظروف التراب والتحلل والبكتريا لمدة اكثر من 10 سنوات ؟ واحد الشهود وهو مسؤول في اتحاد معلمي كردستان يقول في الجلسة 27 حين سئل عن مستمسكات شخصية له انه كان بيشمركة وهاربا من وجه الحكومة ودفن كل اوراقه بضمنها هويته في التراب عدة شهور وحين عاد كانت قد تحولت الى تراب. رغم انه (وضع المستندات في كيس بلاستيك وضعه في صندوق خشبي مليء بالتبن لامتصاص الرطوبة) ومع ذلك تحولت الى تراب!!

لماذا اجزم ان شهادات الشهود كانت مزورة ؟

إضافة الى التناقضات التي فصلت فيها في المقالة السابقة :

1. ذكر كل الشهود التواريخ بدقة بالساعة والدقيقة واليوم والشهر والسنة . فهل هذا طبيعي ؟ هل تذكر عزيزي القاريء الساعة والدقيقة لميلاد ابنك مثلا ؟
2. الكل كانوا يقدمون للمحكمة قائمة من 15 اسم من اهل القرية قد اختفوا او (انفلوا) !
3. اختلاف بل تناقض كل الإفادات على الإطلاق بين ما قالوه امام قاضي التحقيق في 2005 عن شهاداتهم في المحكمة مما يدل على تعديلها لتوافق المستجدات في القبور. مثال ذلك شهادة رؤوف فرج في 19/9 الذي قال امام قاضي التحقيق ان القرية هوجمت لأنه كان فيها وحدات مقاتلة من البيشمركة ومقرات للاحزاب المتمردة . وفي المحكمة قال (هوجمنا لأننا أكراد).
4. بعض الشهود كانت منظمة هيومان رايتس ووتش قد التقت بهم في 1992 حين ارسلت د. كلايد سنو للبحث عن المقابر الجماعية كما رأينا. وكانت المنظمة قد نشرت في حينه (ومازال على الانترنيت) تقريرها عن اكتشافات سنو (والذي ناقضها هو نفسه في المحكمة ) ومنها شهادة شاهد زعم ان (فرقة اعدام اطلقت عليه النار ولم يمت) وقداختلفت حكايته في المحكمة عنها في ذلك التقرير، كما اختلفت عنها رواية ابن شقيقته الذي جاء للمحكمة شاهدا ليؤكد كلام قريبه.

كانت شهادته في تقرير المنظمة تقول انه اصيب في ساقه وان شدة القذيفة دفعته على ظهره حتى تدحرج على المنحدر واختبأ بين الحشائش والصخور لمدة 24 ساعة كان الجنود اثناءه يطلقون الرصاص عليه خلال الليل. وفي مساء اليوم التالي وجده الجنود وسلموه لأفواج الدفاع الوطني الاكراد الذين ذهبوا به الى عيادة لمعالجته ثم اخذوه الى قلعة دهوك للاحتجاز. في المحكمة (الجلسة 21) قال "تدحرجت بعد اطلاق النار وهربت وحينها اطلق عليه الرصاص على ساقه ، ثم شاهد ابن شقيقته فطلب منه الهرب والنجاة بنفسه ثم شاهد بعض اهالي القرية ثم جاء عدد من الاكراد وقاموا بنقله الى مدرسة في المنطقة بقي فيها 3 ايام دون علاج او طعام اوشراب. ثم اكتشفه الجيش في المدرسة ونقلوه الى قلعة دهوك." أما ابن شقيقته فقد أكد هذه

الشهادة مع زيادة انه الطلقات اشعلت نارا في المكان وحاول اطفاءها ثم شاهد خاله الى نهاية القصة.

5. اسلوب القاء الشهادة كان نمطيا . كان كل شاهد ينهي شهادته بجملة "لماذا جرى كل ذلك لنا ؟ هل لأننا أكراد؟" وحين كان بضعهم ينسى قول ذلك يذكره محامي الحق الشخصي الكردي بسؤاله "لماذا جرى كل ذلك لكم ؟ فيجيبه "لأننا اكراد".
6. كان بعض الشهود يستخدمون نفس التعابير في وصف ماجرى لهم . مثلا من الجمل التي وردت على ألسنة العديد منهم " نفترش الارض ونلتحف السماء – مثل يوم الحشر – لم نغادر قرانا لأنها ارض اجدادنا وآبائنا – هوجمنا من عدة محاور – هوجمنا بأمر من القيادة العليا (كيف عرفوا ياترى ؟) – هجوم على نطاق واسع (هل هذا تعبير يمكن ان يرد على لسان فلاح او راع لا يقرأ ولا يكتب؟)
7. كان محامو الحق الشخصي والقاضي والمدعي العام يكملون ويفسرون ويدافعون عما يقوله الشاهد فإذا ألحف محامو الدفاع في سؤال الشاهد انبرى المدعي العام مستنكرا بان الشاهد ليس متهما ، واحيانا يوحي له القاضي بالاجابة، أما المحامون الاكراد فقد كانوا يذكرونه بما نسي ان يقوله من نصه المحفوظ. مثل واحد أسهب في الحديث عن الجيران وانهى شهادته دون ان يذكر (مقتل اولاده) ، فذكره المحامي بذلك !!
8. كان محامو الحق الشخصي الاكراد يؤكدون على مسألة (إبادة قومية) بسؤال الشهود في كل مفصل من رواياتهم "ماذا كانت قومية المحتجزين ؟ قومية الجنود العراقيين ؟ قومية الاطباء المعالجين ؟ قومية حراس السجون ؟" فكانت كل قوميات السيئين عربية وكل المظلومين كردية، ولهذا اختفى ذكر أفواج الدفاع الكردية (الجحوش) من الشهادات إلا نادرا وبالغلط.
9. كان بعض الشهود يجيبون على اسئلة متوقعة سابقا بأجوبة متشابهة . أما الاسئلة غير المتوقعة فقد كانت تربكهم وتدفعهم الى اجابات تناقض فكرة (الابادة ) تماما . مثل الشاهدة فهيمة امين (الجلسة 11) التي قالت انها واولادها ظلوا في مستشفى مدني رفض علاجهم ولكن ضابطا نقلهم الى مستشفى عسكري عولجوا فيه. وحين سئلت كيف يعالجهم مستشفى عسكري وينقلهم ضابط والجيش يريد ابادتهم ؟ قالت لأني هددتهم في المستشفى العسكري اني سوف ابلغ رؤساهم اذا لم يعالجوني !!
10. من الاجوبة التي فلتت من حصار الترتيب ماقاله الشاهد اسكندر محمود عبد الرحمن (الجلسة 9) "لم تفرض علينا عادات غير عاداتنا ولا ازياء غير ازيائنا وكنا نتكلم لغتنا وكنا نجيد العربية ولكن لم تفرض علينا (يناقض جريمة استهداف جماعة ثقافية وتغيير طرق حياتهم ) ومن الشهود من قال ان الحكومة اخلت قراهم ولكنها عوضتهم بأراض وأموال لبناء بيوت عليها، (مثال شاهدة في الجلسة 13) ماقاله مسؤول في اتحاد معلمي كردستان في الجلسة 27 (كانت القرى تساعد البيشمركة وتقاتل معهم . من لديه سلاح يقاتل ومن لايقاتل يقدم الطعام وغيره من المساعدات.(اي انهم لم يكونوا مدنيين تماما) .
11. كان هناك تشابه غريب في تفاصيل ثانوية مثلا ظهور اكثر من تيمور (5 في الواقع) نجوا من الاعدام ومن المقابر وتفصيل قصصهم متماثلة ، بحيث ان ثلاثة من الشهود وصفوا كيف هاموا بالصحراء وفي كل حالة كان الهارب يجد بيتا يؤويه ، ويمنحه اهل ذلك البيت ملابس اخرى ومبلغ 5 دنانير (لم تتغير في كل حالة) (جلسة 22 وجلسة 18).
12. في قصص 4 شهود وصفوا بالكلمات ذاتها كيف حادت الحافلة عن الطريق العام الى طريق ترابي ثم دخلت الصحراء .
13. في كل القصص كان الشهود اما معصوبي العين واما في حافلة مقفلة الشبابيك، ومع ذلك وصفوا المدن التي مرت بها السيارة وطبيعة الأرض. وحين سئل احدهم كيف عرفت ذلك قال : بالاحساس.
14. اثنان من الشهود فكا وثاقيهما بدون ان يفكرا بحل وثائق الآخرين حتى أقرب الناس اليهما. (جلسة 22) . فك الوثاق سيفسر امكانية هروبهما من المقبرة فيما بعد.
15. في قصتين قدمت على ان كل منها تؤكد الأخرى دون ان يلتفت احد الى سخافة التناقض فيهما. في جلسة 18 تحدث شاهدان عن نقلهما من معسكر طوبزاوة الى مكان قرب معسكر للاكراد الايرانيين لاعدامهما وجرت معركة بين الركاب وبين الحرس وانتهت بقتل بعضهم وهرب الشاهدان . ثم وصل كل منهما الى بيت ما في الصحراء وحسب الاسطورة اعتنى بكل منهما أهل البيت الذي يؤويه. قال احدهما في شهادته ان اهل البيت اعطوه طعاما ونقودا (5 دنانير) واركبوه سيارة للذهاب الى الرمادي. في الطريق رأى شخصا يؤشر للسيارة ببشماغ بيده فأخذته السيارة ، واتضح انه نفس الشخص الذي نجا معه من الاعدام في تلك السيارة . الى الآن القصة تمام ؟ ماكو شي يثير الشبهة ؟ ولكن عند شهادة الشاهد الثاني قال انه وصل الى بيت ورعاه اهله وقدموا له يشماغا ليلبسه (ألا تجدون أن ذكر هذه التفصيلة غريبة شوية على ضوء ذكر الشاهد الأول ان هذا كان يلوح بيشماغ ؟) .المهم هذا الشاهد بقي في البيت 3 أيام . ولم يسافر في نفس اليوم مثل الآخر، فكيف التقيا في نفس اللحظة في السيارة الذاهبة الى الرمادي ؟ هذه واحدة . الثانية انه حين نوقش الشاهدان كل على حدة حول سبب عدم توقيف السيطرات الأمنية على الطريق لهما، قال الأول ان ذلك لم يحصل وليس لديه تفسير معقول. أما الآخر فقال لأنه كان في السيارة 3 ضباط برتب عالية فلم توقفهم السيطرة . أليس شيئا غريبا ان ناجيا من الاعدام مثل الشاهد الأول يكون في سيارة واحدة مع 3 ضباط برتب كبيرة وينسى ان يذكر هذا سببا لعدم توقيف السيارة من قبل السيطرات؟

اقرأوا ما يقوله كاتب كردي متحمس لقضيته الى حد الهوس، واسمه شمال عادل حسين. يكتب في احدى مقالاته الحوار المتمدن - العدد: 1755 - 2006 / 12 / 5 وقد لاحظ مثلي تناقض شهادات الشهود ولكنه يعزيها الى ضعف الذاكرة : " وبما ان هؤلاء الشهود قدموا افادتهم امام قاضي التحقيق اقترح ان يقرأ لهم ما ذكروا امام قاضي التحقيق قبل حضورهم الى قاعة المحكمة وهذا لا يعتبر تلقينا بل هو حق واجراء قانوني لتذكيرالمشتكين بافادتهم التي مضى عليها زمن .... لان كما ذكرت ان اغلبية المشتكين يعانون من ضعف الذاكرة وحالتهم النفسية سيئة جدا نتيجة الويلات والكوارث التي حلت بهم وبعوائلهم وباملاكهم على يد النظام البعثي البائد وثم العيش في حالة الانتظار القاتل وبالاضافة الى ذالك فهم اليوم يجابهون كبار ازلام النظام وجها لوجه مما يوثر سلبا على وضعهم الماساوي لذالك نراهم منفعلين و مرتبكين ولايعرفون كيف يبدأون وعن اي ظلم عليهم ان يتكلمون . بالاضافة الى رجوعهم بذاكرتهم لتلك الايام الماساوية وذالك بسرد قصصهم ومعاناتهم التي فاقت الخيال خاصة وان سرد تلك القصص بحد ذاته يوثر عليهم لانهم يعيشون في حالة من الجديد .....كما واطلب من الجهات المعنية في اقليم كوردستان قبل ارسال الشهود الى المحكمة ان يساعدوا هؤلاء الضحايا ممن عاشوا في تلك المجمعات القسرية والمعتقلات الصدامية على سبيل المثل لا الحصر ان يسهلوا لهم كل الطرق لزيارة المعسكرات والمجمعات والمعتقلات التي قضوا فيها اجمل ايام عمرهم دون ذنب يذكر غير انهم كانوا اكرادا ويعيشون على ارض ابائهم واجدادهم حتي على الاقل يمكنهم من ان يسترجعوا الذاكرة ويستطيعوا ان يصفوا الاماكن التي حجزوا فيها قسرا ، بشكل صحيح والتي قضى عليها عقود من الزمن "

لا يعرف الاخ شمال ان كل هذه الخربطة واختلاف الشهادات أمام قاضي التحقيق وقاضي المحكمة كان لأن الجماعة اعتنوا بالشهود وخلوهم يغيرون أقوالهم ولم يكن لديهم الوقت للتحفيظ الجيد، لأن الأمريكان كانوا مستعجلين هواية ، عندهم الوقت من ذهب أسود.

غدا أكتب لكم عن الكشوفات والمفاجآت التي أطاحت بإسطورة الأنفال.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق